الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

هؤلاء شركاء في إبادة حلب!

 إن ما تتعرض له حلب من إبادة في أيامنا العصيبة هذه ليس بالحدث العابر ولا بالأمر العادي، ولذلك فإن الحديث عن هذه الإبادة يجب أن يكون حديثا غير عادي، حديثا صريحا لا يجامل طرفا، وتفترض هذه الصراحة أن نحدد لكل طرف من الأطراف المشاركة في إبادة حلب نصيبه كاملا غير منقوص من المسؤولية في هذه الإبادة
 (1)
يتحمل الطاغية بشار النصيب الأكبر مما يحدث في سوريا، فهذا الطاغية هو وحده الذي كان بإمكانه أن يجنب سوريا هذا الخراب الذي حل بها، وكان بإمكانه لو كان في قلبه مثقال ذرة من عقل أو من وطنية أو من رحمة أن يتعامل مع الثورة السورية عند انطلاق شرارتها الأولى بأسلوب مختلف، ولو أنه تعامل معها بأسلوب مختلف مثلما فعل الملك محمد السادس في المغرب لكان هو الرابح الأكبر.
يشترك الملك محمد السادس والطاغية بشار في أنهما من نفس الجيل من الحكام العرب، وبأنهما ورثا الحكم من والديهما، وبأن رياح الربيع العربي قد وصلت إلى بلديهما، ولكن الفرق بينهما تمثل في طريقة التعامل مع رياح الربيع العربي، فالملك محمد السادس استجاب لبعض مطالب شعبه، وسارع إلى القيام بإصلاحات هامة، فحافظ بذلك على عرشه وعلى وحدة وأمن بلاده. أما الطاغية بشار فقد رفض الاستماع إلى شعبه، ورفض أي إصلاح حتى ولو كان يسيرا، ولم يتورع ـ ومنذ اللحظة الأولى ـ عن سفك الدماء وقتل المواطنين العزل، فضيع بذلك كرسيه، وضيع بذلك بلاده. لقد دمر الطاغية بشار بلدا بكامله من أجل كرسي لم يعد اليوم يمتلكه، واختار أن يسلم السلطة للروس وللإيرانيين بدلا من أن يتقاسمها مع شعبه، فيا له من غبي أحمق! لقد أصبحت إيران والروس وميليشيا حسن نصر الله هم من يدير شؤون سوريا وهم من يحكمها بشكل فعلي، ولم يعد المجرم بشار يملك من الأمر شيئا، وسيأتي يوم يراه بشار بعيدا ونراه نحن قريبا سيترك فيه هذا الطاغية الغبي الأحمق سلطته الشكلية والوهمية، سيتركها مذموما مدحورا مخذولا ليدخل من بعد ذلك في صفحات كتب التاريخ بوصفه الطاغية الأكثر غباءً والأشد حماقة ووقاحة من بين كل طغاة العالم في هذه الحقبة من التاريخ.
(2)
تتحمل إيران وأذيالها من ميليشيا الشيعة جزءا كبيرا من المسؤولية. لقد أماطت إيران اللثام عن وجهها الطائفي البغيض، ومن المؤسف أن إيران كشفت عن وجهها الطائفي البغيض في لحظة حرجة من تاريخ الأمة الإسلامية، لحظة كانت تستدعي تجاوز الخلاف بين السنة والشيعة، وإزالة كل نقاط التوتر من أجل الوقوف صفا واحدا في وجه هذه الهجمة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية، ويتعرض لها المسلمون في كل بقاع العالم. 
صحيح أن إيران تمكنت بعد إماطتها للثام عن وجهها الطائفي البغيض من أن تحقق نصرا مؤقتا ومكاسب آنية في سوريا وفي العراق من قبل ذلك، ولكن ما على إيران وميليشيا حسن نصر الله أن يعلماه هو أنهما بهذه المكاسب المؤقتة سيخسران كثيرا.
ما على إيران وحسن نصر الله ـ والذي كان يحظى وإلى وقت قريب بتقدير جماهيري واسع ـ  أن يعلماه هو أن ما يرتكبانه اليوم من جرائم  حرب وإبادة في سوريا لن يترك لهما حليفا في المنطقة. إن أكثر أهل السنة اعتدالا في المنطقة لم يعد بإمكانه ـ بعد أن شاهد ما شاهد من إبادة في حلب ـ  أن يتخذ موقفا معتدلا من إيران، ولا من ميليشيا حسن نصر الله، وبذلك فإن إيران تكون قد فرضت على المعتدلين من السنة أن يكونوا متطرفين، بل وأشد تطرفا من المتطرفين،  فليكن لإيران ما أرادت، وعليها أن تستعد ـ ومن الآن ـ إلى دفع فاتورة ثقيلة ومكلفة مقابل هذا النصر الزائف وهذه المكاسب الآنية التي حققتها اليوم في سوريا. صحيح أن الصراع مع إيران سينعكس سلبا على المنطقة بكاملها وبمن فيها من سنة وشيعة، ولكن هذا الصراع قد أصبح حتميا بعد أن فرضته إيران فرضا.
(3)
يتحمل الحكام العرب جزءا هاما من المسؤولية فيما يحدث من إبادة في سوريا بصفة عامة وحلب بصفة خاصة، ويتحمل قادة الدول العربية الكبرى المسؤولية الأكبر في ذلك. إن تعويل هؤلاء القادة على أمريكا، وإن وقوفهم في وجه المطالب المشروعة لشعوبهم، وإن عدم رسمهم لإستراتيجية واضحة لأمن المنطقة في هذا الظرف الحرج، إن كل ذلك قد أدى في محصلته النهائية إلى هذا الخراب الذي تعيشه سوريا والعراق واليمن وليبيا، والذي لا شك بأنه سيمتد إلى دول عربية أخرى إذا ما ظلت الأمور في بلداننا العربية تدار بهذا الأسلوب العبثي، وبالتأكيد فإن المستفيد الأول من كل ذلك سيكون إيران وأمريكا، ومن قبل ذلك ومن بعده، العدو الصهيوني.
على القادة العرب إذا ما أرادوا البقاء على الكراسي، وإذا ما أرادوا لدولهم البقاء في الجغرافيا أن يبادروا إلى إصلاحات جدية من أجل تعزيز الثقة بينهم مع الشعوب، وعليهم من بعد ذلك أن يعملوا على تنسيق الجهود في إطار خطة إستراتيجية واضحة للوقوف ضد الخطر المستطير الذي لا يهدد فقط دولهم، بل ويهدد أيضا كراسيهم، وعليهم أن يعلموا بأن التودد لأمريكا والتنافس في إظهار الود لها لن يوفر لبلدانهم الأمن ولا لكراسيهم البقاء، تلك حقيقة عليهم أن يتأكدوا منها، وخاصة من بعد أن يتسلم دونالد ترامب السلطة في أمريكا.
(4)
مما لا شك فيه أن  الروس  وأمريكا وبقية دول الغرب يتحملون هم أيضا جزءا كبيرا من المسؤولية فيما يحصل في المنطقة من دمار وخراب، ولكن ليس من الحكمة أن ننشغل اليوم بلوم تلك الدول، ولا بتحميلها المسؤولية، فهذه الدول لا تبحث إلا عن مصالحها الخاصة، ومن مصلحة أمريكا والروس أن تتبادلا الأدوار على تدمير دول المنطقة، فبالأمس دمرت أمريكا العراق، وهاهي اليوم الروس تدمر سوريا، وبالأمس شاركت الأمم المتحدة في تدمير العراق، وذلك من خلال  كرمها في إصدار القرارات، القرار تلو القرار ، واليوم ها هي الأمم المتحدة تشارك بصمتها وببخلها في إصدار القرارات في تدمير سوريا.
لا خلاف على أننا في هذا الجزء من العالم نتعرض لمؤامرة كبرى تشارك فيها كل الدول الكبرى في العالم، وخاصة أمريكا وروسيا، ولكن لا خلاف أيضا على إن الخطوة الأولى التي يجب القيام بها للتصدي لهذه المؤامرة هو أن ننشغل عن الحديث عنها بتصحيح الأخطاء التي نرتكبها في حق أنفسنا، وعندما نصحح تلك الأخطاء فإن كل المؤامرات التي تحيكها الدول الكبرى ضدنا سيكتب لها الفشل الذريع في نهاية المطاف.
(5)
تتحمل المعارضة السورية جزءا غير يسير من المسؤولية فيما يحدث الآن، ويتعلق الأمر هنا بلجوئها في وقت مبكر لاستخدام السلاح للدفاع عن نفسها وعن الشعب السوري. إن الثورات الشعبية يجب أن تبتعد كليا عن السلاح حتى ولو تعرضت للقصف بالطائرات والدبابات، فإظهار السلمية والمبالغة في إظهارها كلما بالغ الطغاة في استخدام العنف هو الذي يعطي للثورة الشعبية ألقها، وهو الذي يمنح لها تلك القوة الخفية التي تربك الطغاة في بادئ الأمر وتؤدي في نهاية المطاف إلى إسقاطهم. إن استخدام السلاح ضد الطغاة ـ ومهما كان بطشهم ـ سيفقد الثورة شيئا من ألقها، وسيقلل من حجم التعاطف معها، وفوق ذلك كله فإنه سيدخلها في حرب غير متكافئة مع طاغية يملك من مختلف الأسلحة ما يكفي لتدمير عدد من البلدان لا بلد واحد فقط. لقد حملت الثورة السورية السلاح في وقت مبكر، ولم تجد من السلاح ما يكفي، ورفضت الأنظمة الحليفة لها أن توفر  لها من السلاح ما يكفي للتصدي لبطش الطاغية بشار فكان ما كان. إن حمل السلاح في الثورات الشعبية يطرح مشكلة كبيرة، حتى من بعد سقوط الطغاة، فقد قتل القذافي وانهار نظامه، ولكن لغة السلاح لا تزال حتى اليوم هي المتحدث الوحيد في ليبيا.
تجدر الإشارة هنا بأن هذا الكلام يفقد معناه ويصبح بلا قيمة إن تعرضت البلدان لهجوم من عدو خارجي، ولذلك فقد أصبح من اللازم اليوم على الشعب السوري، برجاله ونسائه، بشيوخه وأطفاله، أن يحمل السلاح في وجه الغزاة الإيرانيين والروس وفي وجه عملائهم من السوريين، أي في وجه بشار وميليشياه.
(6)
إننا كشعوب عربية وإسلامية وكنخب نتحمل أيضا جزءا من المسؤولية فيما يحدث في سوريا، وذلك بسبب ما يلاحظ من تراجع في مستوى التضامن خاصة في ظل هذه الهجمة الشرسة التي يقودها الروس والإيرانيون ضد حلب.
كان على الشعوب العربية أن تستيقظ من سباتها وأن تنظم مسيرات حاشدة للاحتجاج أمام السفارات الإيرانية والروسية في البلدان العربية وفي كل دول العالم، وذلك للتنديد بهذه الإبادة التي تتعرض لها حلب، ولكن  ـ وإلى الآن ـ فلا تزال ردود الشعوب العربية على إبادة حلب ردودا خجولة، ولعل أبلغ تعبير عن ذلك هو ما طالعته في تغريدة يقول صاحبها بأنه لم يتجرأ على أن يسأل الله أن يخذل من خذل حلب وذلك لخوفه من أن ترتد عليه دعوته، فهو أيضا قد خذل حلب، وليس ذلك هو حاله لوحده، فذلك هو حال كاتب هذه السطور، وربما يكون ذلك هو حالنا جميعا.
حفظ الله سوريا..
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق