الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

ماذا تعني زيارة مقر مجلة العربي؟

أن يزور شخص من جيلي مقر مجلة العربي فذلك ليس بالحدث العابر الذي يمكن أن يمر بشكل عابر، فأن يحظى شخص من جيلي بزيارة مقر مجلة العربي، وباستقبال رئيس تحريرها، وبتسلم أعداد من هذه المجلة الرائدة، وبما في ذلك أول عدد منها، فإن تلك الأمور هي أشياء ذات دلالة وذات رمزية كبيرة، ولا يمكن أن تقدر بأي ثمن.
لم تكن مجلة العربي بالنسبة لجيلي، ولا لأجيال أكبر ولا أخرى أصغر مجرد مجلة عادية، بل كانت أكثر من ذلك، وأذكر بأني لما كنتُ طالبا في الثانوية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي كان يُخيَّل إليَّ بأني قد حزتُ الدنيا وما فيها عندما أحصل على عدد من أعداد هذه المجلة الرائدة.

لم يكن يهمني حينها أن يكون العدد الذي حصلت عليه قديما أو حديثا، وأذكر بأن جل الأعداد التي حصلتُ عليها في تلك الفترة كانت كلها قديمة، وكان جلها قد فقد أغلفته بسبب كثرة التداول بين القراء. كان يكفيني أن تكون مادة العدد كاملة، وأن تكون الكلمات المتقاطعة والألغاز لم تتم محاولة حلها من طرف أحد القراء الذين مر بهم العدد من قبل أن يصل إليَّ. كنتُ في تلك الفترة مولعا بالقراءة وبحل الكلمات المتقاطعة وبإرسال خواطر إلى بريد قراء العربي، وللأسف فإني لم أعرف إن كانت تلك الخواطر والمساهمات قد نشر بعضها أو لم ينشر، وذلك بسبب أنه لم يكن بإمكاني أن أحصل على العدد الموالي حتى أتأكد من أن مساهمتي قد نُشرت في بريد القراء أم لا؟ ما أستطيع أن أؤكده الآن هو أن ما كنتُ أرسله في تلك الفترة من خواطر لبريد قراء العربي كان بمثابة أول محاولات لي في مجال الكتابة.
ربما لا تدرك أجيال مواقع التواصل الاجتماعي والثقافة السريعة ماذا يعني أن يزور شخص من جيلي مقر مجلة العربي؟ وربما لا يدرك هؤلاء أيضا ماذا قدمت مجلة العربي للثقافة العربية وللقارئ العربي أينما كان؟
وإذا ما اكتفينا ببلد كموريتانيا يقع في مكان قصي من خارطة العالم العربي فسنجد بأن مجلة العربي بالإضافة إلى أنها قد ساهمت في  تزويد أجيال كاملة في هذه البلاد بزاد معرفي وثقافي لا يقدر بثمن، فبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه المجلة قد عَرَّفتْ بموريتانيا، وسوقتها داخل العالم العربي من خلال تحقيقها الشهير الذي نشرته في شهر ابريل من العام 1967، والذي كان تحت عنوان " نواكشوط ..أحدث عاصمة في أقصى منطقة من وطننا العربي". في هذا التحقيق ورد لأول مرة لقب "بلاد المليون شاعر"، وقد جاء هذا اللقب على لسان بعض الذين حاورهم معد التقرير: " وسألناهم كم عدد سكان موريتانيا فأجابوا مليون شاعر..نعم فكل أهالي موريتانيا شعراء". هكذا ـ وبكل بساطة ـ انتشر هذا اللقب الجميل، وفي فترة كانت فيها موريتانيا تناضل من أجل إثبات عروبتها، ومن أجل الانضمام إلى الجامعة العربية، فأي دعم يمكن أن يقدم لموريتانيا في تلك الفترة سوى أن تلقب ببلاد المليون شاعر؟ وهل يليق بأمة عرفت بالشعر أكثر من غيره أن تشكك في عروبة بلاد "المليون شاعر"؟
ومهما اختلفنا على أحقية موريتانيا بهذا اللقب، وما إذا كانت جديرة به أم أن هناك مبالغة في الأمر، مهما اختلفنا على ذلك، ولنترك ذلك الخلاف للنقاد ولأهل الاختصاص، فإن الشيء الأكيد الذي يمكن قوله هنا هو أن هذا اللقب قد تم تداوله بشكل واسع منذ أن ورد لأول مرة في عدد من أعداد هذه المجلة، بل إنه نافس في الانتشار والتداول  لقب بلاد المليون شهيد وهو اللقب الذي يتكئ على حقائق تاريخية لا خلاف عليها.
إن هذا الانتشار الواسع  الذي عرفه لقب "بلاد المليون شاعر" قد يعطينا صورة عن مدى الانتشار والتأثير الذي وصلت إليه مجلة العربي في النصف الثاني من القرن الماضي، فكان يكفي أن يتم ورود لقب بشكل عابر في أحد أعداد هذه المجلة الرائدة  حتى ينتشر بهذا الشكل الواسع، ويتم تداوله في كل البلاد العربية وكأنه حقيقة ثابتة لا لبس فيها. لقد انتشر هذا اللقب على كل لسان عربي مبين في فترة كانت فيها موريتانيا تناضل من أجل إثبات عروبتها ومن أجل الانضمام إلى الجامعة العربية، ويكفي ذلك لتعرفوا ماذا قدمت هذه المجلة الرائدة لموريتانيا؟
فهل عرفتم الآن ماذا يعني أن يزور موريتاني مثلي مقر هذه المجلة الرائدة، وأن يحظى باستقبال رئيس تحريرها، وأن يتسلم أعدادا منها، وبما في ذلك أول عدد تصدره هذه المجلة الرائدة؟

لقد شكلت مجلة العربي أحد أهم المشاريع الإعلامية والثقافية التي أطلقت في نهاية النصف الأول من القرن الماضي، ولقد كانت هذه المجلة هي أطول تلك المشاريع نفسا، وأكثرها قدرة على البقاء والاستمرار، كما كانت من أكثر تلك المشاريع بعدا عن السياسة، وبذلك استطاعت هذه المجلة الرائدة أن تتميز وأن تحقق ما حققت من نجاح كبير.
ـــــــــــ
الصورة المرفقة لغلاف أول عدد من هذه المجلة، والفتاة التي تظهر على الغلاف ستظهر بعد خمسين عاما على غلاف عدد آخر من هذه المجلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق