الأربعاء، 2 مارس 2016

عبارات شهيرة في القاموس الرسمي الموريتاني

يمتاز القاموس الرسمي في موريتانيا بعبارات شهيرة سأتوقف في هذا المقال مع خمس منها، وستكون البداية مع عبارة شهيرة دونتُ عنها يوم أمس في صفحتي الشخصية على "الفيسبوك"، وسأضيف لها في هذا المقال أربع عبارات أخرى ليست بأقل شهرة من تلك العبارة التي دونت عنها يوم أمس.

موريتانيا أحسن حالا من الدول المجاورة

تعد هذه العبارة من أشهر العبارات في الخطاب الرسمي، ومن أكثرها تداولا في العقود الأخيرة. ولقد عرفت هذه العبارة تطورا لافتا في الفترة الأخيرة، وذلك بعد أن قرر أحد الوزراء أن يقفز ببلادنا "قفزة نوعية"، وأن يقارنها بدولة أوروبية شهيرة بدلا من مقارنتها بالدول المجاورة.

ولكي تتأكدوا ـ يا سادة يا كرام ـ  بأن بلادكم أحسن حالا من الدول المجاورة، فإليكم هذه المقارنة السريعة مع دولة السنغال المجاورة:

1 ـ عندما يحدث حريق كبير في سوق المركزي بمدينة روصو، وهي أقرب مدننا إلى العاصمة نواكشوط، فإن عملية الإطفاء تتولاها الحماية المدنية في السنغال.

2 ـ عندما يغرق طالب موريتاني في بحيرة "تونكن" في مدينة روصو، وعندما تعجز السلطات الرسمية الموريتانية عن انتشال جثته خلال ثمانية وأربعين ساعة، عندها تتم الاستعانة بغواصين اثنين من السنغال، فينتشلان الجثة في خمس دقائق!!

3 ـ  عندما تتفشى حمى غامضة في العاصمة نواكشوط فإن المخابر السنغالية هي التي تتولى تحديد طبيعة تلك الحمى.

4 ـ  عندما تقوم الحكومة السنغالية بتخفيض أسعار المحروقات لمرتين في شهر واحد، وعندما يتوقع الموريتانيون بأن حكومتهم ستخفض أسعار المحروقات على غرار ما يحدث في بقية الدول المجاورة، فإذا بالمفاجأة الصادمة: الحكومة الموريتانية تتدخل لإجبار تجار الدواجن على رفع أسعار الدجاج المحلي!!

5 ـ عندما ينجح طالب ميسور الحال في البكالوريا فإنه في الغالب يسارع إلى التسجيل في جامعة سنغالية. أما جامعتنا ومعاهدنا فلا يقبل بالتسجيل فيها إلا من أجبره ضيق ذات اليد على ذلك.

6 ـ عندما يصاب مواطن موريتاني ميسور الحال بحمى عادية فإنه لا يقبل بالعلاج في مستشفيات بلاده، بل إنه يسارع بالذهاب إلى مستشفيات دولة السنغال المجاورة. هنا يمكنكم أن تلاحظوا بأن كبار الموظفين الذين تعودوا على ترديد عبارة "موريتانيا أحسن حالا من الدول المجاورة" لا يموتون في العادة إلا وهم في مستشفيات الدول المجاورة: السنغال، المغرب، تونس.. فرنسا (والتي أصبحنا نقارن بها في الفترة الأخيرة).  لا يمت من كبار الموظفين في المستشفيات الموريتانية إلا من باغته الموت من قبل أن يكمل إجراءات السفر إلى إحدى الدول المجاورة.

7 ـ  النقطة الأخيرة من هذه المقارنات سنتركها لطريقة الوصول إلى السلطة، ففي بلادنا فإن الدبابة هي التي توصل إلى القصر الرئاسي. أما في السنغال فإن صناديق الاقتراع هي التي توصل إلى الرئاسة، وليس في تاريخ هذا البلد المجاور لنا، أي انقلاب عسكري، على العكس مما هو واقع عندنا.

ومن أجل أن نعطي لعبارة "موريتانيا أحسن حالا من الدول المجاورة" حقها، فقد يكون من الضروري جدا أن لا نغفل عن آخر ما جادت به قريحة أحد الوزراء ممن أبدع في هذا المجال، وأصبح يقارن حال بلادنا بحال الدول الأوربية.

إليكم هذه المقارنة السريعة بين بلادنا وإحدى الدول الأوروبية (ألمانيا)، وذلك على أساس أننا وألمانيا نشترك في تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة.

في شهر سبتمبر من العام الماضي احتفلت ألمانيا بمرور 31 عاما لم تنقطع فيها الكهرباء، ولا لدقيقة واحدة، عن أي بقعة من التراب الألماني.

احتفلت ألمانيا بهذا الإنجاز العظيم، ومع ذلك فنحن لم نسمع يوما أن الألمان قد لقبوا أحد رؤسائهم الذين حققوا هذا الانجاز العظيم بأي لقب من الألقاب العظيمة التي نمنحها نحن لرؤسائنا. لم يمنح للمستشارة "انجيلا ميركيل" لقب الرئيسة المؤسسة، أو رئيسة الفقراء، أو قائدة الحركة التصحيحية ..ولم تطلق المبادرات في ألمانيا من أجل ترشح "انجيلا ميركيل" لمأمورية إضافية، ولم يحدث أن شاهدنا نائبا أو سفيرا من ألمانيا يجري لاهثا خلف سيارة المستشارة "انجيلا ميركيل" خلال إحدى زياراتها في الداخل الألماني، ولم يحدث كذلك أن شاهدنا جمعا غفيرا من الشعب الألماني يصطف تحت شمس حارقة في انتظار قدوم "أنجيلا ميركل"، ولم يحدث أن تم استقبال هذه المستشارة في أي مدينة ألمانية بالهتاف والتصفيق الحار.

وعلى ذكر التصفيق، والكهرباء، فلا بأس بأن أذكر بأننا في هذه البلاد قد أبدعنا في التصفيق، إلى درجة  أصبحنا فيها نصفق للظلام، ولعلكم تتذكرون تلك اللحظات التي انقطعت فيها الكهرباء عن قصر المؤتمرات  خلال خطاب للرئيس المصدر للكهرباء، والذي كان يجلس بجواره الرئيس المستورد للكهرباء. لقد شهدت تلك اللحظات موجة عارمة من التصفيق الغبي والساذج ستشكل فيما بعد مادة دسمة لأحد البرامج الساخرة في إحدى الدول العربية.

قفزة نوعية

تتكرر هذه العبارة كثيرا، ومن النادر أن تسمع موظفا حكوميا، كبيرا كان أو صغيرا، يتحدث عن أي قطاع، إلا وجاء في حديثه بأن بلادنا قد حققت في السنوات الأخيرة قفزة نوعية في القطاع كذا أو في المجال كذا. وإذا ما جمعنا القفزات النوعية التي ظلت تتكرر يوميا خلال العقود الأخيرة، فإذا ما جمعنا تلك القفزات التي قفزتها بلادنا في العقود الأخيرة قفزة على قفزة فسنجد بأن بلادنا وبسبب قفزها المتواصل قد خرجت من الكرة الأرضية بكاملها، وقد أصبحت تقع ـ أي بلادنا ـ على أحد الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية.

المضحك المبكي في هذا الأمر، هو أن بلادنا ما تزال في قاع الكرة الأرضية، وما تزال رغم آلاف القفزات تنافس على لقب الدولة الأكثر أمية، والأكثر فقرا، والأسوأ تعليما، والأكثر فسادا في العالم.

التوجيهات السامية والتعليمات النيرة

هذه واحدة من العبارات التي تتكرر كثيرا، وخاصة عند الوزراء، ومن كثرة سماعي لهذه العبارة فقد أصبحت لدي أمنية غريبة مفادها أني أصبحتُ أتمنى أن أسمع وزيرا يتحدث، ويقول بأنه أعطى صدقة لمتسول على قارعة الطريق، أو أنه وضع يده على رأسه بشكل عابر، أو أنه ذهب إلى الصلاة في مسجد دون أن يتلقى تعليمات سامية أو توجيهات نيرة للقيام بذلك الفعل.

فمتى يظهر في بلادنا وزير جريء له القدرة لأن يعلن في ملأ بأنه قام بفعل كبير أو صغير من تلقاء نفسه، ودون أن يتلقى تعليمات نيرة أو توجيهات سامية تدعوه للقيام بذلك الفعل؟

أولوية قصوى

يصعب أن تسمع وزيرا يتحدث عن أي قطاع إلا وقال بأن الرئيس يمنح لذلك القطاع أولوية قصوى. ما فات الوزراء هو أن الأولوية القصوى للرئيس ليست قابلة للتجزئة بهذا الشكل، وإذا ما قبلنا جدلا بأنه يمكن تجزئتها على ثلاث قطاعات أو أربع فإنه لن يكون بإمكاننا أن نقبل بإمكانية تجزئتها على ثلاثين وزارة. إنه يمكننا أن نفترض جدلا بأن الرئيس يمنح الأولوية القصوى للتعليم ، وللبنية التحتية، وللصحة، ولوكالة التضامن، وللدفاع، ولكن لا يمكننا أن نصدق بأنه يمنحها أيضا، وفي نفس الوقت، للإعلام، وللبيئة، وللزراعة، وللبيطرة، وللصيد البحري، وللمياه، وللطاقة.....

إن الوزراء الذين يقولون بأن الرئيس يمنح ـ وفي نفس الوقت ـ الأولوية القصوى لكل هذه الوزارات، إنما يؤكدون بقولهم هذا، بأن الرئيس لا يمنح أي أولوية قصوى لأي قطاع من هذه القطاعات.

وقدم وزير الداخلية بيانا..

من العبارات التي تتكرر كثيرا في القاموس الرسمي يمكننا أن نذكر أيضا العبارتين الشهيرتين في بيانات مجلس الوزراء: وقدم وزير الداخلية واللامركزية بيانا عن الحالة في الداخل، وقدم وزير الشؤون الخارجية والتعاون بيانا عن الوضع الدولي.

الشيء المفرح هنا، هو أن القاموس الرسمي قد بدأ في الفترة الأخيرة يضيف عبارة جديدة لكسر الرتابة في بيانات مجلس الوزراء، ولقد أصبحنا نسمع عبارة جديدة من نوع : وقدم وزير المالية بيانا حول البيع بالمزاد العلني لمساحات كانت تأوي ثلاث مدارس مسحوبة من الخريطة المدرسية.

هذه العبارة الجديدة تدخل في إطار عمليات البيع المستمر للأملاك والعقارات العامة، والتي شملت حتى الآن : بيع "بلوكات"؛ بيع جزء من الملعب الأولمبي؛ بيع جزء من مدرسة الشرطة؛ بيع فندق "مركير" (مرحبا سابقا)؛ بيع الساحة المجاورة لهذا الفندق؛ بيع مبنى ثكنة الموسيقى العسكرية؛ بيع جزء من أرض مدرسة ابتدائية في تفرغ زينه؛ بيع جزء من ثانوية تفرغ زينة المجاورة لتلك المدرسة؛ بيع جزء من "ساحة اللنكات" في عرفات...إلخ

إن إضافة هذه العبارة الجديدة المتعلقة ببيع الأملاك العامة إلى بيانات مجلس الوزراء تعد واحدة من إبداعات وزير الاقتصاد والمالية، والذي يرجع له الفضل أيضا في القفز ببلادنا إلى مصاف الدول الأوروبية. فبلادنا التي ظلت، وإلى عهد قريب، تقارن بالدول المجاورة، قد أصبحت ـ وبفضل جهود هذا الوزير ـ تقارن بفرنسا ، وخاصة في مجال ارتفاع أسعار المحروقات.

حفظ الله موريتانيا..

هناك تعليقان (2):

  1. انا من العراق لكن عن جد انت بارع جداً في النقد ... حفظنا الله وإياكم

    ردحذف
  2. انا من العراق لكن عن جد انت بارع جداً في النقد ... حفظنا الله وإياكم

    ردحذف