الأحد، 18 يناير 2015

أي حوار نريد؟


يكثر الحديث في هذه الأيام عن الحوار، وقد تكون هذه مناسبة لتقديم جملة من الملاحظات المتعلقة بهذا الحوار، وسأخصص هذه الملاحظات للتعبير عن وجهة نظر طرف سياسي دون طرف آخر.  لقد قررتُ أن أكتب هذا المقال بصفتي عضوا في قطب المجتمع المدني داخل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، لا بصفتي صاحب "رأي مستقل"، وأرجو من القراء الأعزاء أن يتفهموا ذلك.

الملاحظة الأولى: إنه من المهم جدا أن يعلم الجميع بأن كل الأنشطة التي يقوم بها المنتدى الوطنية للديمقراطية والوحدة هي من أجل الضغط لإجبار السلطة القائمة على القبول بتنظيم حوار جدي، ولذلك فإنه ليس من الإنصاف أن نتهم المنتدى بأنه لا يرغب في الحوار خاصة بعد إطلاق إستراتجيته الجديدة والتي سينظم من خلالها سلسلة من الأنشطة المختلفة والتي تهدف في مجملها إلى إجبار السلطة القائمة على القبول بتنظيم حوار جدي وشامل يمكن أن يشكل انطلاقة جادة لديمقراطية حقيقية. إن المنتدى لا يريد انقلابا، ولا يريد ثورة، وإنما يريد حوارا جادا يمكن أن  يؤدي إلى تغيير آمن  من خلال تناوب سلمي على السلطة.
الملاحظة الثانية: إن الأقطاب المشكلة لهذا المنتدى هي أقطاب لا غنى لها عن الحوار، فمنظمات المجتمع المدني والنقابات لا يمكن لها أن تمارس أنشطتها بشكل طبيعي في ظل غياب أي حوار مع السلطة القائمة، ولذلك فهي حريصة كل الحرص على هذا الحوار، وهي على استعداد لأن تبذل كل ما في وسعها من أجل إطلاق الحوار بين السلطة والمنتدى. نفس الكلام يمكن أن نقوله عن القطب السياسي، والذي قد يعتقد البعض بأنه قد يكون القطب الأقل تحمسا للحوار من بين كل أقطاب المنتدى.
الملاحظة الثالثة: إنه علينا أن نعلم بأن الأحزاب السياسية عندما تتخذ قرارا بعدم المشاركة في حوار مع السلطة، وعندما تتخذ قرارا بعدم المشاركة في الانتخابات،إنما تتخذ قرارا مؤلما بالنسبة لها، لأنها ستخسر بموجبه الكثير من المصالح الحزبية الضيقة، ولذلك فعندما يتخذ حزبا ما قرارا بمقاطعة الانتخابات أو برفض الحوار، إنما يتخذ ذلك لمصلحة عامة، وليس لمصلحة حزبية ضيقة، فالمصالح الحزبية الضيقة تكون دائما مع الحوار مع السلطة، ومع المشاركة في الانتخابات، حتى ولو كانت  انتخابات غير شفافة، فالمشاركة ستمنح للحزب المشارك، مقاعد قد تكثر أو تقل، ولكنها في كل الأحوال  ستكون أفضل بكثير من نتائج المقاطعة، والتي لن ينتج عنها إلا الغياب الكامل للحزب في كل المجالس المنتخبة، كما ستتسبب له  بالإضافة إلى ذلك إلى رحيل الكثير من مناضليه إلى الأحزاب المشاركة  في تلك الانتخابات.
لذلك فعلينا أن نتذكر دائما بأن أي حزب معارض عندما  يرفض المشاركة في أي حوار يمكن أن تتمخض عنه انتخابات تشريعية أو بلدية، إنما يضحي بمصلحة حزبية ضيقة من أجل مصلحة عامة متوقعة ، وتزداد التضحية وضوحا إذا كانت المقاطعة في هذه الفترة التي تعيش فيها الموالاة ضعفا غير مسبوق، وهو ضعف يغري كل الأحزاب المعارضة بالمشاركة في أي انتخابات تشريعية أو بلدية، لأنه وفي ظل وضعية كهذه،  لابد  للأحزاب المعارضة من أن تحصل على مقاعد قليلة أو كثيرة،  حتى ولو كانت الانتخابات غير شفافة.
إنه علينا أن نتذكر دائما بأنه لا مصلحة حزبية ضيقة يمكن أن يحققها أي حزب معارض بمقاطعته للحوار أو بمقاطعته للانتخابات، ولذلك فعلينا أن نقدر للأحزاب المقاطعة للحوار أو للانتخابات تضحياتها بمصالحها الحزبية، ما دامت تلك المقاطعة يمكن أن تعزز من الديمقراطية في هذه البلاد، ويمكنها بالتالي أن تحقق مصلحة عامة للوطن.
الملاحظة الرابعة: إن الحوار الجدي الذي نطمح إليه في المنتدى هو ذلك الحوار الجاد الذي يقع بين "رذيلتين سياسيتين"، وهما: الرفض المطلق للحوار، أو القبول المطلق لأي دعوة للحوار.
إن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يرفض بشكل مطلق أي حوار مع السلطة، خاصة وأن كل الأنشطة التي يقوم بها المنتدى هي من أجل الوصول إلى حوار جدي مع السلطة القائمة. ولكن، وفي المقابل، فإن المنتدى لن يقبل بأي حوار هزيل مع السلطة القائمة لا تنتظر منه أي نتائج إيجابية تحسن من مستوى ديمقراطيتنا المتعثرة.
لقد تعودت السلطة القائمة، كلما أحست بأنها تعاني من أزمات قوية، بأن ترفع راية الحوار، بل إنها وفي بعض الأحيان تبدأ عمليا في إطلاق الحوار إلى أن تتجاوز تلك الأزمات لتتنكر بعدها للحوار ولنتائجه، ولتجد المعارضة نفسها في موقف حرج بعد أن تكون قد قبلت أو شاركت في حوار لا يمكنها أن تحمي ما توصل إليه من نتائج.
كان يمكن للمنتدى أن يسارع لتلبية أي دعوة تطلقها السلطة القائمة من أجل الحوار، لو كانت هذه أول دعوة للحوار تطلقها السلطة القائمة، ولكن، وبما أن هذه ليست هي أول دعوة تطلقها السلطة القائمة للحوار، وإنما سبقتها دعوات وحوارات أظهرت بأنه من السذاجة بمكان  أن نحسن الظن بالسلطة القائمة عند كل دعوة للحوار، لذلك فإنه من حق المنتدى أن ينظر بنظرة حذرة إلى الدعوة الحالية من طرف السلطة إلى الحوار، ومن حقه كذلك أن يطلب من السلطة أن تقدم إشارات إيجابية ومطمئنة تؤكد من خلالها بأن دعوتها للحوار تختلف هذه المرة عن كل دعواتها السابقة.
الملاحظة الخامسة: إنه على المنتدى أن يعمل من أجل كسب ثقة المزيد من الموريتانيين، وعلى مكوناته، كل مكوناته، أن تثبت بأنها في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ موريتانيا لم تعد تبحث عن مصالح شخصية أو حزبية ضيقة، فهذه لحظة تضحيات، وليست لحظة البحث عن مصالح  حزبية ضيقة، وعندما تتجاوز موريتانيا هذه المرحلة الحرجة من تاريخها يكون بعد ذلك من حق الجميع أن يتنافس لتحقيق مصالحه الشخصية أو الحزبية الضيقة.
ومن أجل كسب المزيد من ثقة الموريتانيين فإنه على المنتدى أن يصدر بيانا يؤكد فيه بأنه لن يقبل بأي حال من الأحوال أي تعديل للمادة المتعلقة بمأمورية الرئيس، لا من حيث تغيير عدد المأموريات، و لا من حيث تغيير سن الترشح، وأنه كذلك، وبكل أحزابه، سيقاطع انتخابات الشيوخ المنتظرة.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق