السبت، 28 أبريل 2012

"إيرا" تحرق نفسها بنفسها..!!


ذُهلت وصُدمت كجميع الموريتانيين، وأنا أشاهد صور حرق بعض الكتب الفقهية التي قامت بها منظمة "إيرا"، وذلك بعد انتهائها مما أسمته هذه المنظمة بصلاة الجمعة التي نظمتها أمام منزل رئيسها.
إن هذا الفعل البشع والمستهجن الذي أقدمت عليه هذه المنظمة يستدعي بعض الملاحظات السريعة، والتي سأجملها في النقاط التالية:
1 ـ لقد أحرقت "إيرا" نفسها، وحكمت على نفسها بالإعدام المبكر، بإقدامها على ذلك الفعل المسيء لديننا، والمسيء للحراطين قبل غيرهم، والذين لا يمكن كسب ودهم من خلال الاستهزاء بكتب دينهم، ولا بأي شيء من مقدساتهم الدينية.
فمن المعروف بأن الدين الإسلامي، والذي جاء لإنقاذ البشرية بكاملها، بأقويائها ومستضعفيها، بأغنيائها وفقرائها، ببيضها وسودها، كان دين المستضعفين قبل غيرهم، ولذلك فكان العبيد والموالي  والمستضعفين ـ بشتى أصنافهم ـ  هم أول من آمن بهذا الدين، لأنهم أحسوا ـ قبل غيرهم ـ بأنه قد جاء لنصرتهم ولتحريرهم ولإنصافهم.
لذلك فإن حرق الكتب الدينية، والإساءة للعلماء إنما هو إساءة للحراطين من قبل أن يكون إساءة لأي شريحة موريتانية أخرى.
2 ـ إن من يهتم بلحراطين حقا، كان عليه أن يعزز لديهم حب الكتب والتعلم، لأن من أهم المشاكل التي يعانون منها اليوم هي تفشي الجهل، وعدم تمكينهم من التعلم.
وإن أي منظمة تهتم بهذه الشريحة كان عليها أن تطلب من "لحراطين" أن يرفعوا الكتب فوق رؤوسهم كتعبير رمزي عن الاهتمام بالعلم والتعلم، لأن الاهتمام بالعلم هو الذي سينهض بهم، أما أن يُطلب منهم أن يحرقوا الكتب ـ حتى ولو لم تكن دينيةـ فذلك يعتبر خذلانا لهم، وانحرافا بهم عن المسار الذي يجب أن يسلكوه.
3 ـ إن حرق الكتب كان في كل تاريخ البشرية مرتبطا دائما بالاستبداد وبالوحشية وبالجهل. وتاريخ حرق الكتب  كان أكثر قبل الميلاد منه بعد الميلاد، وكان أكثر من يقوم به: المستبدون الظالمون، أو الغازيون المتوحشون ( التتار والمغول مثلا). وكانت عمليات حرق الكتب تنعكس سلبا على من يقوم بها، حتى ولو كان في عز قوته وجبروته. أما أن تقوم منظمة تدعي بأنها تناضل من أجل  الحرية والإنعتاق، بحرق الكتب، ومهما كانت طبيعة تلك الكتب، فذلك منكر غير مسبوق، وجريمة نكراء، لم تقم بها إلا  منظمة "إيرا"، ويزداد الأمر فحشا عندما تكون تلك الكتب كتبا في الفقه الإسلامي (دين العبيد والمستضعفين من قبل أن يكون دين غيرهم).
4 ـ  كان من الواضح بأن منظمة "إيرا" لم تكن لها رؤية ولا أي إستراتيجية واضحة للدفاع عن لحراطين، وهذا يظهر في خطابها المتناقض والمعادي  للمرجعيات وللرموز الدينية. فهذه المنظمة ظلت متناقضة دائما في خطابها، فهي تدعو في مرات كثيرة للعنف، وتقول في بعض الأحيان بأنها حركة سلمية، وهي تقول بأنها منظمة لنصرة المستضعفين والمظلومين، ومع ذلك فإن قائدها لا يستحى من أن يصرح  بمواقف تساند أشرس ظالم حاليا ( العدو الصهيوني)، ضد أضعف ضحية (الشعب الفلسطيني).
وغياب الرؤية لدى هذه المنظمة هو الذي جعلها تسيء لعلماء البلد، وتقول قولا فاحشا لا يليق بعلماء كبار رحلوا عن دنيانا،  كبداه ولد بوصيري، ومحمد سالم ولد عدود، أو لعلماء أحياء، أطال الله في أعمارهم، وكان آخر هؤلاء  فضيلة العلامة "محمد الحسن الددو".
حتى جماعة الدعوة والتبليغ تلك الجماعة الزاهدة والمبتعدة دائما عن أي شيء قد يسيء لأي مسلم، أو قد يثير غضبه، لم تسلم من سب وشتم منظمة رئيس منظمة "إيرا"
5 ـ من  الواضح أن انسحاب بعض أعضاء المنظمة منها، والتحاقهم بجهات أخرى، قد أثر سلبا على "إيرا"، وأظهرها على حقيقتها. وربما يكون المنسحبون، هم من كان  يمثل الصوت العاقل و الراشد في هذه المنظمة، وهم من  كان يحول بين "إيرا" وبين تلك الصورة الهمجية والبشعة التي ظهرت بها يوم الجمعة.
6 ـ مخطئ من يظن بأن "إيرا" لوحدها هي التي قامت بجريمة حرق الكتب الفقهية في الرياض. إن هناك أطرافا كثيرة شجعت "إيرا" على القيام بذلك الفعل المنكر، فهناك حكومة وهناك علماء وهناك مجتمع بكامله لا يزال مقصرا في مناصرة "لحراطين"، وهو ما سيتسبب دائما في ظهور أصوات متطرفة من هذه الشريحة.
وهناك أيضا، في الجهة الأخرى، جهات لعبت  ـ بحسن نية أو بسوئها ـ دورا غير مباشر فيما حدث  من حرق لبعض الكتب الفقهية.
ومن بين هذه الطائفة الأخيرة أذكر بعض الصحف والمواقع التي أعطت لمنظمة "إيرا" حجما في الفضاء الإعلامي أكبر من حجمها الحقيقي، وقدمت دعاية كبيرة لخطاب "إيرا" المتطرف مما شجع المنظمة على التمادي في خطابها، بل والزيادة في حدته، حتى وصلنا إلى ذلك المشهد الفظيع والمؤلم الذي شاهدناه جميعا.
إن هناك بعض المواقع والصحف ـ وهذا ما تحدثت عنه سابقا، وربما أعود إليه ـ أعطت مساحة واسعة جدا لمنظمة "إيرا" ولقائدها، وكأنه لا يوجد في هذا البلد من نشطاء أو من حقوقيين أو من مناضلين أو من سياسيين غير الناشط والمناضل والحقوقي "بيرام ولد أعبيدي" الذي غطت حركاته وسكناته وخطاباته المتطرفة مساحات واسعة في تلك الصحف والمواقع على حساب كل الخطابات الناضجة والمعتدلة من تلك الشريحة.
وكمثال من بين أمثلة كثيرة أخرى، فإنه عندما تم إصدار القانون المتعلق بتشغيل خدم المنازل، فإن تلك المواقع والصحف سارعت إلى  رئيس "إيرا" لأخذ تعليقه على هذا الموضوع، وأعطته مساحة واسعة للتعبير، دون أن تعطي ولو سطرا لغيره، وكأنه لم يناضل من أجل لحراطين إلا "إيرا"، فغابت حركة الحر، وغابت منظمة نجدة العبيد التي كانت تناضل حقوقيا لصالح هذه الشريحة بعقود من قبل أن نسمع  عن "إيرا".
تلك المواقع حاولت أن تختزل ـ في الأشهر الأخيرة ـ  نضال شريحة "لحراطين" في منظمة "إيرا" دون غيرها، فكُبرت بذلك "إيرا"، وتضخمت نتيجة لعدم مهنية تلك المواقع والصحف، والتي ربما تكون قد أرادت أن تزعج النظام الحاكم بتضخيم "إيرا"، وقد فاتها بأن ذلك سيضر الوطن، وسيضر شريحة لحراطين أكثر من النظام نفسه، حتى وإن تأثر منه النظام الحاكم بشكل مؤقت. ومن المؤسف أن تلك المواقع والصحف لم تأخذ حتى الآن العبرة من ذلك، حتى في تغطيتها لحرق كتب المذهب المالكي التي قامت بها منظمة "إيرا"، والتي لم تعطيها من الاهتمام ما تستحق.
والغريب أن تلك المواقع والصحف ترفض في بعض الأحيان أن تنشر أي أنشطة أخرى، قد تساعد في تعزيز الوحدة الوطنية. وأتذكر أننا في "حركة 3=1" نظمنا وقفة لتعزيز اللحمة بين شرائح المجتمع، وتبادلنا أزياءنا التقليدية، كتعبير رمزي عن الأخوة، لكن الكثير من تلك الواقع رفض تغطية تلك الوقفة، ورفض نشر أي خبر عنها، رغم أننا استدعينا تلك المواقع والصحف، وأرسلنا لها بعد أن رفضت الحضور تقريرا عن الوقفة، ومع ذلك فلم تنشره.
7 ـ إن على الأحزاب والمنظمات وحتى الأفراد أن يدينوا ـ وبشدة ـ ما أقدمت عليه "إيرا" من حرق للكتب، وإن على منسقية المعارضة تحديدا أن تدين ببيانات صريحة ما أقدمت عليها "إيرا"،  والتي تعتبر حاليا من مكونات هذه المنسقية.
وإن على "تواصل" بصفة خاصة أن يدين ما قامت به "إيرا" من حرق لكتب الفقه المالكي ، وعليه أن يعطيه مساحة واسعة في خطابه الديني والإعلامي والسياسي، لا تقل عن تلك المساحة التي أعطاها للتنديد بالإساءة للحية.
وعلينا جميعا أن نتذكر بأنه علينا أن ننتصر لديننا إذا أسيء إليه في أوطاننا، من قبل أن ننتصر إليه إذا أساء له أفراد غير مسلمين في أرض غير إسلامية.
تصبحون وأنتم مالكيون...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق