الأحد، 16 أكتوبر 2011

ساعتان للوحدة الوطنية

حال موريتانيا اليوم، كحال أي سفينة عندما تُخرق، ويبدأ الماء بالتسرب إلى داخلها. وفي العادة فإن السفينة عندما تُخرق، ويبدأ الماء يتسرب، فإن الركاب في تلك اللحظات ينقسمون ـ في الغالب ـ إلى أربع فئات.

الفئة الأولى : تتظاهر وكأن الأمر لا يعنيها، رغم أنها غارقة إن غرقت السفينة. بل إن هذه الفئة من الركاب هي أول من سيغرق إن غرقت السفينة. وحجة هذه الفئة أن في السفينة ربانا وعمالا يتقاضون أجورا، ويتقاسمون خيرات السفينة، فيما بينهم. وأن على أولئك أن يسدوا لوحدهم أي ثقب يظهر في السفينة، ودون انتظار المساعدة ممن لا يتلقى راتبا، ولا يستفيد من خيرات السفينة. ودعونا نسمي هذه الفئة بعامة الركاب.

الفئة الثانية: وهذه تنقسم إلى مجموعتين اثنتين، تختلفان كثيرا في ظاهرهما، وتتطابقان في جوهرهما وباطنهما. وأمر هذه الفئة عجيب غريب. ويذكرني دائما بقصة رمزية تعبر عن حقد فظيع. إنها قصة رجلين كانا يركبان في سفينة، أحدهما في مقدمتها، وكان يعمل جاهدا لإسقاط الراكب الثاني الذي كان يوجد في مؤخرة السفينة. وعندما خُرقت سفينتهما، طلب الرجل الذي كان في المقدمة من الراكب الثاني مساعدته في سد الثقب، فلا يمكن أن يسد الثقب إلا إذا تعاون الراكبان. ولكن الراكب الثاني رفض المساعدة، لأن الثقب كان في مقدمة السفينة، مما يعني بأن مقدمة السفينة ستغرق قبل مؤخرتها. وهو ما يعني أيضا بأن الراكب الذي رفض المساعدة، لن يغرق إلا بعد أن يكون راكب المقدمة قد غرق. ومن شدة الحقد بين الرجلين، فإن الراكب الثاني فضل أن يموت غرقا بدلا من النجاة، مادام لن يموت غرقا إلا بعد أن يكون قد "تمتع" برؤية خصمه وهو يغرق مع مقدمة السفينة.

إن المجموعتين المكونتين للفئة الثانية، حالهما كحال الراكبين، بينهما حقد فظيع، ويتطور بشكل فظيع، ويهدد السفينة بشكل فظيع.

إحدى المجموعتين هي التي تقود السفينة، أما الثانية فتسعى لأن تحل محل المجموعة الأولى، وهي على استعداد لاستخدام كل الوسائل للوصول إلى زمرة القيادة. وأمر المجموعتين كأمر الراكبين عجيب، غريب. فالمجموعة التي تقود السفينة، شغلها حقدها وبغضها للمجموعة الثانية، عن قيادة السفينة بشكل سليم. وهذه المجموعة وفي إطار سعيها للقضاء على المجموعة الثانية، فإنها تحدث ثقوبا كثيرة في السفينة، ستؤدي إلى غرق السفينة بكاملها، إذا ما ظل البغض والحقد هو الذي يحكم علاقتها بالمجموعة الثانية.

والمجموعة الثانية تعمل بدورها لإحداث ثقوب جديدة، أو بتوسيع أي ثقب يظهر في السفينة، لسبب أو لآخر، وذلك لكي تعجل بغرقها . وهذه المجموعة كالراكب الثاني فهي ترحب بغرق السفينة في أي وقت، ما دام أول ما سيغرق في السفينة مقدمتها، حيث تتواجد المجموعة الأولى. مشكلة المجموعة الأولى والمجموعة الثانية بأنهما لا تستطيعان أن تفرقا بين المخاطر التي قد تضر المجموعة الخصم، وبين المخاطر التي يمكن أن تضر السفينة بكاملها. ولقد أصبحت هذه الفئة، بمجموعتيها الأولى والثانية هي أكبر خطر يهدد السفينة. فالمجموعتان، ونتيجة للحقد الفظيع الذي يحكم العلاقة بينهما، لم يعد لهما من عمل، إلا إحداث ثقوب في السفينة، أو توسيع ثقوب أخرى. وكلا المجموعتين تعتقدان بأنها ستضر المجموعة الخصم، بإحداث ثقوب جديدة، أو بتوسيع ثقوب قديمة، متجاهلة بأن فعلها ذلك، إنما يضر السفينة بكاملها، ويعمل على إغراقها، بمن فيها وبما فيها.

دعونا نسمي المجموعتين المكونتين للفئة الثانية بالسلطة والمعارضة.

الفئة الثالثة: وهذه كثيرا ما تُشغل ركاب السفينة عن سد أي ثقب يظهر في سفينتهم، بنقاشاتها، وصراخها، ومعاركها التي قد تعجل بغرق السفينة، بدلا من حمايتها من الغرق. وفي هذه الفئة من يقول بأن أي لعنة تصيب السفينة إنما هي بسبب المجموعة الأولى في الفئة الثانية. وفيهم من يقول بأنه ما حل بلاء في السفينة إلا وكانت وراءه المجموعة الثانية من الفئة الثانية. وفيهم من يحاول التلاعب بمشاعر ركاب الفئة الأولى، فيقوم بتجييش بعض عامة الركاب على بعضهم الآخر.

ومن النادر أن يركز أهل هذه الفئة، على الثقب نفسه، وإن حدث ذلك، فإنما يكتفون بتوزيع الأدوار على بقية الركاب، دون أن يقوموا هم بأي عمل ميداني لسد الثقب. فترى أحدهم يقول بأنه على السلطة أن تفعل كذا لسد الثقب، وعلى المعارضة أن تفعل كذا، وعلى عامة الركاب أن يفعلوا كذا. أما هو فلا يطلب من نفسه أن تفعل شيئا، لأنه يعتقد بأنه لم يخلق للأفعال، وإنما خُلِق للقول، وللقول فقط. دعونا نسمي هذه الفئة بنخب السفينة.

الفئة الرابعة: وهذه في العادة لا تتشكل إلا عندما تصبح في مرحلة يأس شبه كامل من الفئات الثلاث. وهي لا تتشكل إلا بعد أن يكون الثقب قد أصبح كبيرا، والسفينة قد أو شكت على الغرق، كما هو حال سفينتنا.

وهذه الفئة يبدأ عددها قليلا، ويتشكل في العادة من مجموعة أفراد منحدرين من الفئات الثلاث. وأول ما تقوم به هذه الفئة عندما يصبح الثقب كبيرا، كما هو حال ثقب سفينتنا، هو أن تتجه فورا إلى مكان الثقب لسده، بكل ما هو متاح لها، حتى وإن اضطرت لسده بأجسادها وبأرواحها وذلك لكي لا تغرق السفينة. وهذه الفئة تظل دائما جاهزة لسد أي ثقب، وذلك في انتظار أن يعود ركاب السفينة إلى رشدهم، ويتعاونون بشكل حقيقي على حماية سفينتهم من الغرق. وهم سيعودون حتما إلى رشدهم، طال الوقت أم قصر.

وهذه الفئة عندما تتقدم إلى الثقب بأعدادها القليلة، وبوسائلها المحدودة، إنما تريد بذلك أن تؤكد على ثلاثة أمور أساسية:

أولهما : أن التوجه بشكل مباشر إلى مكان الثقب في السفينة، ومحاولة سده، هو العمل الذي يجب أن يُفعل الآن، وقبل أي عمل آخر، وهذا من باب ترتيب الأولويات.

ثانيهما: أن مجرد ذهاب فئة قليلة بوسائل محدودة إلى ثقب كبير، هو أفضل ما يمكن فعله الآن لإشعار الفئات الأخرى، وخاصة منها من يمتلك الوسائل لذلك بأن عليه أن يفعل شيئا ما لسد الثقب المخيف.

ثالثهما: أنه لم يعد من الممكن، أن يظل الكل ينتقد الكل، وأن يظل الكل يحمل المسؤولية للكل، دون أن يفعل أي واحد من الكل، أي شيء من أجل سد الثقب الذي اتسع كثيرا، ولدرجة مخيفة. إن هذه الفئة تريد أن تخرج من عباءة الكل، ومن عقلية الكل. إنها تريد أن تواجه الثقب بعقلية جديدة، وبوسائل إبداعية تختلف عن الوسائل المعهودة. فلا يمكننا أن نواجه الأزمات بنفس الوسائل التي أنتجت تلك الأزمات. ولا يمكننا أن نواجه المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية بنفس الوسائل والعقليات التي أحدثت شرخا كبيرا في وحدتنا الوطنية.

دعونا نسمي هذه الفئة، بفئة اللحمة: لحمة السفينة أو اللحمة الوطنية.

ولكن ما ذا يمكن أن تفعل الآن فئة اللحمة؟

يمكنها، وهذا أقل ما يمكنها أن تفعله، أن تجمع ـ على الأقل ـ ثلاثين مواطنا، ومن الأفضل أن يكونوا شبابا ( 10 بيظان، 10 حراطين، 10 زنوج)، ويؤسفني أن أتحدث هكذا. وحديثي بهذه الطريقة إنما يدل على أن الثقب قد اتسع كثيرا، ولولا اتساعه لما تحدثت بهذه الطريقة المستهجنة والبائسة.

وعلى هذه المجموعة أن تتوزع على عشر ملتقيات طرق، تشهد زحمة كبيرة في الصباح، وذلك بمعدل ثلاثة عند كل ملتقى طرق (1 زنجي، 1حرطاني، 1 بيظاني) على أن يظهر البيظاني والحرطاني بالزي التقليدي للزنوج، بينما يظهر الزنجي بالزي التقليدي لمجتمع البيظان، أي لحراطين والبيظان معا.

وعلى الثلاثة أن يرفعوا معا لافتة مكتوب عليها: دين واحد، وطن واحد، شعب واحد، مستقبل واحد. على أن تستمر الوقفة الصامتة، والتي تركز على الصورة أكثر من الكلام، لمدة ساعتين على الأقل، من الثامنة صباحا وحتى العاشرة.

وعلى المشاركين في هذه الوقفة أن لا يتحدثوا بأي شيء، فركاب السفينة قد ملوا من الكلام. وإنما عليهم أن يكتفوا في "يوم اللحمة الوطنية" بتقديم تلك الصورة الرائعة، في أكبر عدد ممكن من ملتقيات الطرق، حتى يشاهدها أكبر عدد ممكن من المواطنين. وبالتأكيد فإن أي مواطن عندما يشاهد تلك الصورة الرائعة، في أكثر من ملتقى طرق، فإن ذلك سيبعث في نفسه أملا. وسيؤكد له بأنه لا يزال من الممكن أن تشاهد صور ايجابية في هذا البلد، حتى ولو ظهرت وسط عشرات الصور السلبية.

وبالنسبة لي شخصيا، فقد قررت أن ألتحق بفريق اللحمة الوطنية، وأن أشارك في "يوم اللحمة الوطنية"، وأن أخرج يوم الأحد 30 أكتوبر من الساعة الثامنة صباحا، وحتى الساعة العاشرة. وسألبس في ذلك اليوم ثوبا إفريقيا تقليديا، وسأرفع لافتتي عند واحد من ملتقيات الطرق الشهيرة، حتى ولو كنت وحيدا. لن أبخل على الوحدة الوطنية بساعتين تحت الشمس.

لن أبخل عليها بساعتين...

تصبحون وأنتم من "فريق اللحمة"...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق