الجمعة، 30 أغسطس 2024

لابد من فرض سرعة محددة على حافلات شركات النقل...


 من يشاهد حطام هذه السيارة قد يُخيٍَل إليه أنها أصيبت بصاروخ يحمل الكثير من المتفجرات.

هذا الحطام ليس نتيجة لقصف صاروخ، وإنما هو نتيجة لتصرف سائق حافلة متهور حاول أن يتجاوز سيارة على مرتفع ( الخطأ الأول)، وكان يسير بسرعة مفرطة ( الخطأ الثاني)، فاصطدم بسيارة هيليكس تتبع لوكالة تأجير سيارات قادمة من الاتجاه المعاكس، وكانت هي أيضا تسير بسرعة، فحدثت الفاجعة، حيث توفي بشكل فوري اثنين من ركاب السيارة نسأل الله تعالى أن يتغمدهما بواسع رحمته، وأصيب الراكب الثالث بجروح بليغة، وقد نُقل إلى الخارج لتلقي العلاج، نسأل الله تعالى أن يمن عليه بالشفاء العاجل، وأن يعيده إلى ذويه ومحبيه وهو في صحة وعافية. كما أصيب أيضا عدد من ركاب الحافلة بجروح متفاوتة الخطورة، نسأل الله تعالى أن يمن عليهم جميعا بالشفاء العاجل.

منذ سنوات ونحن نطالب بفرض سرعة محددة على حافلات شركات النقل، ولكننا لم نجد تجاوبا حتى الآن.

زرنا أغلب شركات النقل، وطلبنا من ملاكها وضع مثبتات السرعة، فلم يستجب لنا منهم أحد، وذلك مع العلم أن هناك شركات قليلة تضع مثبتات السرعة في حافلاتها.

بعد ذلك راسلنا وزارة التجهيز والنقل في نهاية العام 2019 وردت علينا في بداية العام 2020 بأنها ستفرض سرعة محددة على حافلات النقل، ولكنها لم تقم بذلك حتى الآن.

اليوم لم يعد بالإمكان تأجيل الاستجابة لهذا الطلب، فلابد من فرض سرعة قصوى على حافلات النقل على الأقل، ولدينا في الحملة بعض الحلول التقنية والفعالة.

المقلق في الأمر أنه خلال زيارتنا لموقع الحادث رصدنا شاحنة وحافلة بحمولتين زائدتين، وقد تجاوزتا العديد من نقاط التفتيش دون أن يتم إيقاف أي منهما ( الصور مرفقة).




وفي طريق العودة إلى نواكشوط كاد أن يصدمنا سائق متهور حاول أن يتجاوز أربع سيارات في وقت واحد.

على شبكتنا الطرقية يمكن لأي سالك للطريق أن يفقد حياته، ليس نتيجة لأخطاء ارتكبها أثناء القيادة، وإنما لأنه - وبكل بساطة - كان في الموقع الخطأ وفي التوقيت الخطأ، أي أنه كان في طريق سائق متهور تعود على أن يخاطر بحياته، وبحياة كل من يقع على طريقه.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير



الأربعاء، 28 أغسطس 2024

لماذا لم نتحمس في الأغلبية لمحاربة الفساد؟


إن أي متابع فطن للشأن العام لابد وأن تكون قد استوقفته ردود الأفعال المتباينة على خطابين هامين وشبه متزامنين ألقاهما فخامة رئيس الجمهورية في مناسبتين مختلفتين، تم تنظيمهما أو تخليدهما في آخر شهرين من العام الماضي.

يتعلق الخطاب الأول بخطاب الذكرى الحادية والستين للاستقلال، والذي تحدث فيه الرئيس ـ وبشكل واضح ـ عن الفساد وخطورته. أما الخطاب الثاني فهو خطاب وادان، والذي تحدث فيه الرئيس ـ وبشكل واضح أيضا ـ عن خطورة التراتبية الاجتماعية والخطاب المكرس لها.

كانت ردود الأفعال على الخطابين متباينة جدا، وذلك على الرغم من أنهما تحدثا عن موضوعين لا يمكن التفريق بينهما على مستوى الخطورة وإلحاح المواجهة، وإذا كان لابد من التمييز بينهما فيجب أن يكون لصالح محاربة الفساد، ذلك أنه لن يكون بإمكاننا أن نتحدث عن لحمة اجتماعية وعن استقرار في ظل تفشي الفساد، وهذا ما أشار إليه الرئيس في خطاب الاستقلال عند تعداده لمخاطر الفساد والتي ذكر منها: " هتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم". إن تفشي الفساد قد أصبح بالفعل من أخطر ما يهدد اللحمة الاجتماعية واستقرار البلد، فالفئات الهشة والفقيرة في المجتمع لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الفقر والتهميش والصبر على ذلك، في الوقت الذي ترى فيه موارد البلد وخيراته ينهبها المفسدون ويبذرونها تبذيرا.

كانت ردود الأفعال على الخطابين متباينة جدا، فخطاب وادان حُظي بردود أفعال إيجابية واسعة، فنظم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية مهرجانا حاشدا لتثمينه، وأشاد العديد من السياسيين المحسوبين على المعارضة بمضامينه. أما بالنسبة لخطاب الاستقلال الذي ركز على الحرب على الفساد فإنه لم يحظ بما يستحق من اهتمام لا في فسطاط الأغلبية، ولا في فسطاط المعارضة.

فلماذا هذا التمييز الواضح بين الخطابين؟ فهل هناك من الطبقة السياسية من لا يرتاح لمحاربة الفساد؟ ثم أين هم ضحايا الفساد وغالبية الشعب الموريتاني من ضحايا الفساد؟ ولماذا لم يُظهروا أية ردة فعل إيجابية على خطاب الاستقلال، تثمينا له ودعوة لتنفيذ ما جاء فيه من وعود هامة؟

إن ضحايا الفساد هم أولى الناس بتبني خطاب الاستقلال، وهم الذين كان يجب عليهم أن يظهروا مناصرتهم ودعمهم لأي خطوة تتخذ في هذا الاتجاه عند تقاعس غيرهم لأسباب مفهومة أو غير مفهومة. هذه فقرة من مقال : "ألم يحن الوقت لإطلاق حراك شعبي ضد الفساد والمفسدين؟"، والذي نُشر يوم السبت، الموافق 19 فبراير 2022.

ما أشبه الليلة بالبارحة

لا جديد يذكر، فبعد مرور سنتين ونصف على نشر هذا المقال، فما تزال الأغلبية على حالها، وما زال حزب الإنصاف ـ على الأقل من حيث ردود الأفعال ـ غير متحمس لرفع شعار محاربة الفساد، ولوعود الرئيس المتكررة بمحاربته، فمن يتابع أنشطة الحزب في الفترة الأخيرة قد يجد اهتماما بالعديد من القضايا، ولكنه لن يجد أي اهتمام يذكر بمحاربة الفساد مع أن محاربة الفساد كانت هي الأكثر حضورا في خطابات وتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية خلال الفترة الأخيرة.

لقد كنتُ من الذين توقعوا أن لا يُظهر حزب الإنصاف تحمسا كبيرا للحرب على الفساد، وهذا شيء طبيعي جدا، فالفساد لا تُمارسه المعارضة وذلك لكونها ليست هي من يتولى تسيير شؤون البلد، وإنما يمارس من داخل الأغلبية من طرف بعض الموظفين السامين أو رجال الأعمال أو غيرهم، ولذا فلا غرابة أن لا يتحمس الكثير من داعمي الرئيس لفتح أي ملف فساد جديد، وذلك خوفا من أن يتوالى فتح ملفات الفساد، فيصلهم الضرر عند فتح ملف من تلك الملفات.

إن مما يزيد الأمور تعقيدا هو أن المعارضة تقف هي كذلك  في خندق واحد مع بعض الأطراف في الأغلبية بخصوص محاربة الفساد، فالمعارضة تُسارع دائما إلى القول بعدم الجدية وبتصفية الحسابات عند فتح أي ملف فساد جديد، فهي لا تريد أصلا أن تنسب أي عمل يستحق التثمين لرئيس الجمهورية الذي تعارضه، ثم إنها تقتات إعلاميا وسياسيا وشعبيا على رفع شعار "فساد النظام"، ومحاربة الفساد من طرف النظام الحاكم ـ أي نظام حاكم ـ  ستعني تراجع شعبية ومصداقية المعارضة.

هناك شريك ثالث في المواقف السلبية من محاربة الفساد، وهو المجتمع التقليدي، فمن المعروف أن كل موظف، صالحا كان أو مفسدا، ينحدر من قبيلة أو شريحة أو جهة، ولذا فمن الطبيعي جدا أن تقف كل قبيلة مع ابنها المفسد عندما يفتح ضده ملف فساد، وذلك بحجة أنه ليس بالمفسد الوحيد في هذه البلاد، فلماذا يُختار هو دون غيره من المفسدين؟

ويبقى الشريك الرابع الذي يتصرف وكأنه غير متحمس لمحاربة الفساد يتمثل في بعض الطيبين الذين يدعمون بغباء كل ما تقوم به الأطراف السابقة من عمليات تشويش عند فتح أي ملف فساد، فيشككون في أي ملف فساد يفتح، ويتساءلون لماذا لم تفتح ملفات فساد أخرى، وكأنه بالإمكان أن تفتح ملفات الفساد كلها دفعة واحدة. 

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أن أغلب الطيف السياسي النشط سيحاول أن يربك أي ملف فساد يُفتح، لأسباب ودوافع مختلفة، وذلك في وقت تغيب فيه أي جهة داعمة لفتح ذلك الملف.

ما العمل؟

من المؤكد أن أكثر من 95% من الشعب الموريتاني تؤيد الحرب على الفساد، ولكن المشكلة أن هذه ال95% ستبقى غثاء كغثاء السيل، إذا لم تجد آليات للتعبير سياسيا أو إعلاميا أو شعبيا عن دعمها لمحاربة الفساد، وعن ترحيبها بكل ملف فساد يفتح في إطار محاربة الفساد.

إننا اليوم في أمس الحاجة إلى أن تظهر منظمات مدنية ومبادرات سياسية قادرة على أن تعبر سياسيا وإعلاميا عن دعم الشعب الموريتاني لمحاربة الفساد، على أن تمتلك تلك المبادرات من اليقظة والجاهزية ما يمكنها من إظهار الدعم لكل ملف فساد يُفتح، والمطالبة بعد ذلك بفتح المزيد من ملفات الفساد، وفق قاعدة "خُذْ وطالب"، أو على الأصح "ادعم وطالب"، أي ادعم أي ملف فساد يُفتح، ثم طالب بعد ذلك بفتح ملف فساد جديد، وهكذا...

إننا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" على قناعة تامة بأن الموريتانيين غير المفسدين معنيون جميعا بمحاربة الفساد، سواء كانوا معارضين أو موالين أو مستقلين، ولهذا فقد دعونا إلى تأسيس حلف وطني لمحاربة الفساد، ولكن هذه القناعة لن تمنعنا من القول بأن واجب محاربة الفساد في هذه المأمورية الرئاسية تقع أولا على داعمي الرئيس، وذلك لجملة من الأسباب، لعل من أهمها:

1 ـ أن الفساد تمارسه بعض الأطراف في الأغلبية، بحكم أن الأغلبية الداعمة هي التي تتولى تسيير شؤون البلد، ولذا فواجب محاربته يجب أن تتحمله الأغلبية من قبل المعارضة التي لا علاقة لها بتسيير شؤون البلد؛

2 ـ أن تعليمات فخامة رئيس الجمهورية المتعلقة بمحاربة الفساد كانت واضحة جدا وصريحة جدا، والأغلبية أولى من غيرها بتنفيذ تعليمات فخامة الرئيس؛

3 ـ أن الأغلبية ـ لا المعارضة ـ هي التي صوتت على برنامج "طموحي للوطن"، والذي تضمن التزامات واضحة وقوية بمحاربة الفساد، والأغلبية بعد تصويتها على هذا البرنامج أصبحت مسؤولة مع الرئيس عن تنفيذه، وخاصة ما يتعلق منه بمحاربة الفساد.

إن الكل معني بمحاربة الفساد، ولكن الأغلبية تقع عليها المسؤولية الأكبر، ومن داخل الأغلبية فيمكن القول أن المسؤولية تقع بشكل أكثر إلحاحا على الشباب والأطر النظيفة داخل هذه الأغلبية.

لقد أعطى فخامة الرئيس مكانة غير مسبوقة للشباب في برنامجه الانتخابي، وجسد ذلك بضخ دماء شبابية في أول حكومة تشكل في المأمورية الأولى، وبرفع المكانة لبروتوكولية للوزارات المعنية بالشباب، وجسده كذلك بالالتزام بمحاربة الفساد، والشباب هم الأكثر تضررا من الفساد، ومع كل ذلك، فما زال الشباب عموما، والشباب في الأغلبية خصوصا، وفي الإنصاف بشكل أخص، غائبا تماما عن المشهد السياسي والإعلامي، وعاجزا عن إطلاق مبادرات داعمة للحرب على الفساد في ظل عدم تحمس الأغلبية التقليدية لها، لأسباب مفهومة وغير مفهومة.

على الشباب وعلى الأطر النظيفة في الأغلبية أن يكونوا أكثر حيوية ونشاطا، وعليهم أن يبادروا للتعبير سياسيا وإعلاميا وجماهيريا عن دعم الشعب الموريتاني لمحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، والتمكين للشباب، وعليهم أن يعلموا أننا إذا لم نحارب الفساد بشكل جاد في هذه المأمورية، فإن مصير البلد، ومصير النظام، ومصيرنا جميعا سيكون مفتوحا على كل الاحتمالات الأكثر تشاؤما.  

حفظ الله موريتانيا..


الأربعاء، 21 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير التجهيز والنقل

 


في السابع من أغسطس من العام 2016، وعند الكلم 29 من طريق الأمل، ومن حفرة تقع على هذا المقطع، وقد كان مليئا حينها بالحفر، أعلنا في ضحى ذلك اليوم، وكنا ثمانية أعضاء مؤسسين، عن إطلاق حملة "معا للحد من حوادث السير".

لقد اخترنا كلمة حملة لهذا المشروع التوعوي الطموح لكي نتيح للجميع فرصة المشاركة فيه، فالحملات تتاح المشاركة فيها للجميع، ثم إن لكل حملة مواسم تكثف فيها الأنشطة، ونحن في حملة معا للحد من حوادث السير نكثف أنشطتنا التوعية خلال موسم الخريف، وفي فترة الأعياد. هذا عن اختيارنا لكلمة حملة، أما عن اختيارنا ل"معا" فقد كان لسبيين اثنين:

أولهما : لقناعتنا بأن الكل شريك ـ بدرجة أو أخرى ـ  فيما يحدث من مجازر يومية على شبكتنا الطرقية، وإذا كانت السلطة تتحمل المسؤولية الأكبر، فذلك لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  بأن السائقين والركاب والمواطنين بصفة عامة لا يتحملون  هم أيضا جزءا من المسؤولية، وبما أن الكل يتحمل جزءا من المسؤولية، كبيرا كان أو صغيرا، فإن الكل مطالب ـ في المقابل ـ بالمساهمة في التوعية ضد حوادث السير، ولهذا فقد اخترنا هذه التسمية التي تبدأ  ب"معا" بدلا من "أوقفوا حوادث السير" أو "أوقفوا مجازر الطرق"،  وهي عبارات كانت متداولة في ذلك الوقت بشكل واسع، وكانت تحاول أن تلقي بالمسؤولية على جهة واحدة، وهو ما يعطي الانطباع بأن من أطلقها يبرئ نفسه من المسؤولية، وبأنه ـ وهذا هو أخطر ما في الأمر ـ  ليس على استعداد للمشاركة ميدانيا في الجهود الرامية للحد من حوادث السير.

 

ثانيهما : أننا كنا نستحضر عند إطلاق حملة معا للحد من حوادث السير العديد من المشاكل الأخرى التي نعاني منها، ولذا فقد كنا نفكر عند الانطلاقة في تخصيص حملة توعوية في كل عام لواحدة من "أمهات المشاكل" التي نعاني منها في هذا البلد، ففي العام 2016 نطلق  مثلا حملة "معا للحد من حوادث السير"، وفي 2017 نطلق حملة "معا للحد من القمامة" ، وفي 2018 نطلق حملة "معا للحد من تزوير الأدوية "، وفي  2019 نطلق "معا للحد من الانفلات الأمني" ، وفي 2020 نطلق حملة "معا لحماية المستهلك"، وهكذا. ولكن، وبعد إطلاقنا لأول حملة من "حملات معا" وجدنا بأن موضوع حوادث السير هو موضوع في غاية التعقيد، وأنه يحتاج لجهد توعوي طويل النفس، يجب أن يمتد لسنوات إن لم أقل لعقود.

لم تكن الانطلاقة سهلة، وقد وجدنا مضايقات كثيرة من الجهات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية، ربما لاعتقادها أننا أطلقنا الحملة لإظهار تقصيرها، ولم يكن الأمر كذلك، فنحن لم نطلق هذه الحملة لإظهار تقصير أي جهة معنية بالملف، وإنما أطلقناها لتأدية الدور الذي يجب علينا أن نؤديه بصفتنا نشطاء في المجتمع المدني، وهذا الدور يجب أن يشمل حسب اعتقادنا : التوعية أولا، رصد النواقص والاختلالات ثانيا، وتقديم الحلول والمقترحات ثالثا، مع الاستعداد في كل وقت للتعاون والشراكة مع الجهات المعنية في كل ما من شأنه أن يساهم في الحد من حوادث السير.

وفي إطار الشق المتعلق برصد النواقص وتقديم المقترحات، جاءت هذه الرسالة الموجهة إلى معالي وزير التجهيز والنقل  لتقدم له حزمة من المقترحات التي أرى بأنها قد تكون مفيدة، وأن الأخذ بها قد يساهم كثيرا في الحد من حوادث السير.

1 ـ  تشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة ضحايا حوادث السير على المقطع ( نواكشوط ـ بوتلميت) قد وصلت في بعض الفترات إلى 1/3 من مجموع ضحايا حوادث السير في عموم البلاد، ومن هنا يتضح أن هذا المقطع يستحق أن يمنح أولوية خاصة في مجال التوعية، وكذلك في مجال تطوير البنى التحتية. لقد آن الأوان لأن تشيد على هذا المقطع طريق سريع، أو طريق مزدوج من اتجاهين، ومن الضروري أن يتحقق هذا المطلب خلال هذه المأمورية، وذلك لأنه لم يعد قابلا للتأجيل.

2 ـ يعدُّ طريق الأمل هو الطريق الأهم في البلاد، وهو شريان حياة للعديد من ولايات الوطن، هذا فضلا عن كونه يربطنا بدولة مالي، والتي لا تمتلك أي منفذ بحري، ومن هنا وجب أن يمنح هذا الطريق الحيوي عناية خاصة. المؤسف أن هذا الطريق توجد به دائما ومنذ عقود مقاطع متهالكة، وكلما رممت الوزارة مقطعا متهالكا منه، وعادة ما يكون ترميمها سيئا، تهالكت مقاطع أخرى، وهكذا دواليك.

منذ عقود،  لم يحدث أن سلك طريق الأمل  سالك، أو سافر عليه مسافر من نواكشوط إلى النعمة إلا ووجد مشقة كبيرة بسبب تهالك العديد من المقاطع على هذا الطريق، هذا فضلا عن الخسائر الاقتصادية التي تتسبب فيها تلك المقاطع لأصحاب السيارات التي تسلك هذا الطريق.

ألم يحن الوقت لأن تتخذ الوزارة قرارا جديا بأن ترمم كل المقاطع المتهالكة من هذا الطريق في وقت متزامن، وأن يكون ذلك الترميم بجودة عالية، تتناسب مع حجم وطبيعة السيارات والشاحنات التي تسلك هذا الطريق، وأن تكون بعد ذلك الصيانة فورية، أي أن ترمم وبشكل فوري كل حفرة تظهر هنا أو هناك على هذا الطريق، حتى ولو كانت صغيرة.

أليس من حق المواطن الموريتاني أن يَحلم بأن يسافر ـ ولو لمرة واحدة في عمره ـ من نواكشوط إلى النعمة عبر طريق الأمل دون أن يجد حفرة واحدة تؤذيه؟ أليس من واجبكم ـ يا معالي الوزير ـ أن تحققوا له هذا الحلم في هذه المأمورية؟

3 ـ إن تشييد الطرق وترميمها بشكل جيد لن يقلل من حوادث السير، ولن يوقف من مجازر الطرق، بل على العكس من ذلك، فقد يتسبب في المزيد من الحوادث المميتة، إذا لم يصاحبه الكثير من الحملات التوعوية، وإذا لم يصاحبه كذلك إجبار سالكي الطرق على التقيد بإجراءات السلامة الطرقية.

لا أملك إحصائيات دقيقة لإثبات ما قلت حاليا، فالإحصائيات غير متوفرة أصلا، وتلك واحدة من النواقص الكثيرة التي يجب أن تحظى باهتمام الوزارة. لا أملك إحصائيات دقيقة، ولكن متابعتي للحوادث التي سُجِّلت على طريق (روصو ـ  نواكشوط) في فترتين، أولاهما الفترة التي كان فيها الطريق متهالكا، ولعل الجميع يتذكر تلك الفترة، وثانيهما الفترة الحالية، فالطريق حاليا في وضعية جيدة، ولا توجد به مقاطع متهالكة، ومع ذلك فإن حوادث السير لم تتراجع، بل ربما تكون قد ازدادت، على الأقل حسب ما يتم تداوله من أخبار حوادث السير في مواقع التواصل الاجتماعي .

من المفارقات اللافتة أن حوادث السير ازدادت على طريق (روصو ـ نواكشوط) بعد أن أصبح هذا الطريق في وضعية أفضل، وإذا كانت هذه المفارقة صحيحة، والراجح عندي أنها صحيحة مع أنه ليست لدي إحصائيات دقيقة، فهذا يعني بأن هناك ضرورة في فرض التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وهناك ضرورة كذلك لإطلاق المزيد من حملات التوعوية، وخاصة عندما يكون الطريق في وضعية مقبولة قد تغري بزيادة السرعة، ولذا فإن النقاط التالية ستكون عبارة عن مقترحات ذات صلة بالتوعية والتقيد بإجراءات السلامة الطرقية.

4 ـ من المتفق عليه أن السرعة المفرطة هي السبب الأول في حوادث السير، ومن هنا تبرز أهمية اتخاذ إجراءات صارمة للحد من السرعة المفرطة، ويتأكد الأمر بالنسبة لسيارات النقل، وذلك لأنها تحمل في العادة عددا أكبر من الركاب، وعندما يقع حادث سير نتيجة للسرعة المفرطة، فإن عدد الضحايا يكون أكبر في سيارات النقل، هكذا تقول لغة الاحتمالات، ويزداد احتمال سقوط ضحايا أكبر عندما يكون الحادث  تعرضت له حافلة تحمل عشرات الركاب.

ومن أجل فرض التقيد بالسرعة الآمنة، على الأقل بالنسبة للحافلات التي تمارس النقل، فقد تقدمنا في يوم 27 دجمبر 2019 برسالة إلى معالي وزير التجهيز والنقل نطالب فيها بفرض وضع مثبتات السرعة في كل الحافلات التي تمارس النقل، وقد تلقينا في يوم 03 يناير 2020 ردا من الوزارة بأنها ستلزم جميع شركات النقل بوضع مثبتات السرعة في حافلاتها، حتى لا تتجاوز سرعتها 90 كلم للساعة كحد أقصى، وهو الشيء الذي لم يحصل حتى الآن.

ونظرا لاهتمامنا الجدي بهذا الموضوع فقد بحثنا عن حلول أخرى لفرض سرعة محددة على حافلات النقل دون استخدام مثبتات السرعة، وقد وجدنا حلا عند بعض الشركات المتخصصة في التقنيات الحديثة، نعتقد أنه مثاليا، وهو حل قائم على تقنية بسيطة جدا، وتكاليفه المادية قليلة جدا.

يتمثل هذا الحل في وضع شرائح إلكترونية بالسيارات والحافلات التي تمارس النقل، وعندما تتجاوز السيارة السرعة المحددة لها فإن الشريحة ترسل بشكل فوري رسالة نصية بذلك، ويمكن أن ترسلها لعدة جهات في وقت متزامن : نقاط التفتيش ـ المصالح المعنية في الوزارة ـ سلطة تنظيم النقل الطرقي ـ حملة معا للحد من حوادث السير إن كانت هناك رغبة في إشراك المجتمع المدني في مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل.

هذا المقترح عملي وقليل الكلفة ماديا، وسيمكن الوزارة إن أخذت به من تحقيق الآتي :

ا ـ مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل على عموم التراب الوطني بشكل فوري، وإلزامها بالتقيد بالسرعة المحددة؛

ب ـ مراقبة تحرك سيارات وحافلات النقل بشكل مستمر، فهذه الشرائح تمكن من تحديد موقع السيارة في أي وقت، وهو ما سيمكن من ضبط الرسوم والأتاوات التي تأخذها الإدارات المعنية من الناقلين، أي أن الأخذ بهذا المقترح سيزيد من المداخيل وسيوقف عمليات التحايل في هذا المجال؛

ج ـ هذا المقترح له أيضا فوائد أمنية، وذلك لكونه يساعد في رصد حركة سيارات النقل على الحدود، وهو ما قد يساهم في ضبط ومراقبة من يدخل إلى بلادنا من الأجانب.

5 ـ في مطلع العام 2022 تطوع لنا في الحملة أحد المهندسين الشباب بإعداد تطبيق يمكن السائق من معرفة وضعية الطريق في أي وقت، وذلك من خلال تحديد أماكن وجود الحفر وألسنة الرمال، والمقاطع المتهالكة، والمقاطع التي توجد بها أشغال، هذا فضلا عن أماكن وجود سيارات الإسعاف، وأرقام الهواتف التي قد تهم السائق.

بطبيعة الحال، فإن هذا التطبيق يحتاج إلى تحديث المعلومات كل أربع عشرين ساعة على الأقل، وتحديث المعلومات يحتاج إلى تعاون الجهات المعنية ( نقاط تفتيش الدرك والشرطة ـ مؤسسة أشغال صيانة الطرق ـ مصلحة السلامة الطرقية بوزارة الصحة...إلخ).

راسلنا كل الجهات المعنية، ولم نجد أي اهتمام بالموضوع، ومع ذلك فالتطبيق ما زال موجودا، وهو مجاني، ويمكن أن يتم تطويره، ومن المهم جدا أن يتم العمل به في ظل الاهتمام الحالي بعصرنة الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن؛

6 ـ فرض المزيد من القيود في منح رخصة السياقة، والتي تحولت للأسف إلى وثيقة تباع بسعر معلوم عندما تكون هناك دورة، مع ضرورة العمل بأسلوب التنقيط لسحب الرخص ممن يرتكب عددا معينا من المخالفات.

7 ـ اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحمولة الزائدة، والبحث عن حلول ناجعة وسريعة للتعامل مع الشاحنات التي تنقلب على الطرق، والتي تتسبب دائما في شل حركة السير لساعات، وقد تتسبب أيضا في حوادث سير مميتة.

8 ـ  توفير طائرة إسعاف طبية للتدخل السريع في الحوادث التي تقع في الأماكن البعيدة، أو تلك التي تتسبب في سقوط العديد من الضحايا، ولا يفوتني هنا أن أشيد بما تحقق في السنوات الأخيرة من  توفير لسيارات الإسعاف على مختلف المحاور الطرقية، وهذا مما تعهد لنا به فخامة الرئيس عندما سلمناه في العام 2019 عريضتنا المطلبة، ولم تكن في ذلك الوقت توجد سيارة إسعاف واحدة خاصة بضحايا حوادث السير، وقد كان الكثير من ضحايا حوادث السير ينقل في تلك الفترة كما تنقل البضائع في سيارات النقل، وهو ما كان يتسبب في تفاقم الإصابة، بل وموت بعض المصابين.

9 ـ الاهتمام بالتوعية أكثر، وإطلاق حملات توعوية بالشراكة مع المجتمع المدني في موسم الخريف، وخلال فترة الأعياد، وعند الافتتاح الدراسي.

إننا بحاجة إلى الكثير من الحملات التوعوية لتصحيح تصرفاتنا الخاطئة، ولتغيير سلوكنا الغريب على الشارع، فمن يشاهد الطريقة التي نسوق بها السيارات، قد يعتقد بأننا نخطط في كل يوم لعملية انتحار جماعي، فهذا يقود سيارته بسرعة جنونية، وذاك لا يتوقف عند إشارة الضوء الحمراء، وثالث منشغل بهاتفه، ورابع لم يستخدم طول حياته حزام الأمان، وخامس يتوقف على الشارع في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء.

10 ـ استحداث برامج توعوية قصيرة تبث في قناة الموريتانية وغيرها من مؤسسات الإعلام الرسمي في أوقات ذروة المشاهدة وقبيل نشرات الأخبار؛

11 ـ إطلاق حملات للتوعية حول خطورة منح وتأجير السيارات للمراهقين والقصر، مع إدخال وتعميم مادة السلامة الطرقية في المناهج الدراسية.

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..

الأحد، 18 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير تمكين الشباب والرياضة والخدمة المدنية


في هذا المقال سأتقدم بمقترحين اثنين إلى معالي وزير تمكين الشباب، أولهما يخص طائفة من شبابنا المتميز، وهي طائفة لا تحتاج إلا لجهد قليل لتخطف الأبصار وتبهر العقول بمواهبها المتميزة، وثانيهما يتعلق بطائفة أخرى من شبابنا على النقيض تماما من الطائفة الأولى، طائفة تهوي ـ وبشكل سريع ومخيف ـ إلى قاع الجريمة والمخدرات، ونحن إن لم نسارع لإنقاذها، فإننا سندفع دولة ومجتمعا كلفة كبيرة، بل وكبيرة جدا.

أولا / مواهب شبابية بحاجة للاكتشاف والرعاية

قبل خمسة أشهر من الآن، وتحديدا في يوم السابعِ مارس 2024، تم الإعلان في العاصمة نواكشوط عن برنامج "خطوة التدريبي لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية"، وقد أُطْلِق هذا البرنامج من طرف بعض الفاعلين في مجال التكوين والتدريب، ومما جاء في بيان إعلان الانطلاقة:

·       إيمانا منا بأن الثروات التي تسير فوق الأرض (المواهب)، ليست أقل قيمة من الثروات الموجودة في باطن الأرض (المعادن)، وأن الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق للتنقيب عن الثروات في باطن الأرض يجب أن ينفق ما يماثلها للتنقيب عن الثروات التي تسير فوق الأرض؛

·       قناعة منا بضرورة التحرك العاجل لمواجهة المخاطر التي يواجهها شبابنا، والتي تتمثل في البطالة، وتفشي الجريمة، والهجرة، وتنامي روح اليأس والإحباط؛

·        تحملا منا للمسؤولية التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات والمخاطر؛

·        سعيا منا للمشاركة ميدانيا في الجهود المبذولة من طرف الحكومة لمواجهة هذه التحديات والمخاطر.

 فإننا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية لنعلن على بركة الله إطلاق أول برنامج تدريبي في موريتانيا لاكتشاف المواهب الشبابية وتنميتها ورعايتها، ونأمل أن يستفيد من برنامجنا التدريبي في مرحلته الأولى 1000 شاب، ويتمثل هذا البرنامج التدريبي في:

1 ـ تقديم دورة أساسية في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها، وسيستفيد من هذه الدورة كل المشاركين في البرنامج. سيتلقى المشاركون في دورة الموهبة اختبارا تقييميا وعلى أساس نتائجه يتم فرز من سيواصل منهم في البرنامج التدريبي للاستفادة من الدورات الأخرى ذات الصلة؛

2 ـ تقديم دورات مكملة في  مهارات التواصل الفعال وإدارة الوقت والتفكير الإبداعي؛

3 ـ تقديم دورات في مجال التخصص، وذلك بعد أن يتم تقسيم المشاركين في البرنامج إلى مجموعات متجانسة حسب الاتجاهات والميول والمواهب المشتركة لدى كل مجموعة، لتتلقى بعد ذلك كل مجموعة، وعلى حدة، دورة متخصصة مع خبير في المجال الذي يمتلك فيه أعضاء تلك المجموعة موهبة مشتركة؛

4 ـ تقديم دورات تأطير ودعم للموهوبين الذين تأهلوا للمشاركة في مسابقات وتصفيات إقليمية أو دولية؛

5 ـ تقديم الاستشارات مع المتابعة المستمرة للموهوبين المتميزين.

هذا هو أهم ما جاء في إعلان الانطلاقة، وقد نظمنا بالفعل عدة دورات تدريبية في لعيون وأكجوجت ونواكشوط استفاد منها عشرات الشباب، وبما أني كنتُ أتولى تقديم دورة الموهبة، فيمكنني أن أقول اعتمادا على ما لاحظتُ وعلى ما رصدتُ في الدورات التي نظمناها حتى الآن بأن لدينا في موريتانيا الكثير من المواهب الشبابية في مختلف المجالات، وأن هذه المواهب الشبابية كانت ـ وما تزال ـ  بحاجة ماسة إلى من يساعدها في اكتشاف مواهبها واستغلالها بالشكل الأمثل، وفي اعتقادي بأن ذلك يجب أن يكون من أولوية الأولويات لوزارة  تمكين الشباب في مأمورية الشباب.

خلاصة القول في هذا المقترح : إننا في برنامج خطوة التدريبي على استعداد تام للتعاون مع وزارة تمكين الشباب لتنظيم دورات في مجال اكتشاف المواهب وتنمية القدرات الشبابية خلال موسم الخريف في كل عواصم الولايات لصالح الجمعيات والأندية الشبابية في كل ولاية، وعلى استعداد كذلك للتعاون في مرحلة لاحقة مع وزارة التربية لتنظيم دورات في نفس المجال خلال السنة الدراسية القادمة لصالح تلاميذ الثانويات في كل ولايات الوطن.

ثانيا / شباب بحاجة لمن ينقذه من الجريمة والمخدرات

من يتابع الجرائم في السنوات الأخيرة فسيجد أن أغلبها يرتكبه شباب قصر تسربوا من المدارس أو لم يدرسوا أصلا، يتعاطون  المخدرات، وأكثرهم من أصحاب السوابق.

تكرر مثل هذه القواسم المشتركة في أغلب الجرائم، يعني أن هناك أسرة فشلت في تربية ابنائها، وأن هناك مدرسة فشلت في تعليمهم، وأن المجتمع عن بكرة أبيه، بعلمائه ووعاظه وصحافته ومنظماته فشل في تحصينهم من تعاطي المخدرات وممارسة الجريمة بمختلف أشكالها.

في  منتصف العام 2021 شهدت العاصمة نواكشوط عدة جرائم متزامنة في منتهى الخطورة، وهذا ما جعلنا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية نسارع في  يوم السبت الموافق 10 يوليو 2021 إلى تنظيم جلسة نقاشية عن الجريمة وتفشيها في صفوف الشباب، وقد حضر هذه الجلسة وزير عدل سابق، ومدير أمن سابق (مدير مساعد)، وخبير في الأدلة الجنائية، وعدد من الباحثين والأساتذة الجامعين في القانون وعلم الاجتماع، وقد خرج المشاركون في تلك الجلسة النقاشية بجملة من التوصيات، كان من أبرزها :

1ـ خلق آلية اجتماعية لإشراك المواطن في الحفاظ على الأمن؛

2ـ فرض إلزامية التعليم وإعادة الاعتبار للمدرسة، مع التكفل بأبناء الأسر ذات الدخل المحدود؛

3ـ إنشاء مراكز خاصة بعلاج الإدمان؛

4 ـ إنشاء حاضنات ثقافية ورياضية للشباب؛

5ـ التعامل الجاد مع كل أشكال الغبن والتهميش وكل مظاهر غياب العدالة؛

6 ـ ضرورة مشاركة المجتمع، وخصوصا نخبه، في مجال التوعية والتحسيس ضد الجريمة؛

7ـ تحيين الترسانة القانونية، والعمل على تعزيز قدرات الكادر البشري في سلك القضاء وأعوانه؛

8 ـ تفعيل عمل المؤسسات الإصلاحية من أجل دمج الشباب ذوي السوابق الجنائية في الحياة النشطة؛  

9ـ فرض التجنيد الإجباري والخدمة المدنية؛

10ـ إنشاء مرصد للجريمة وتحسين آليات الإحصاء المتعلقة بالجريمة، وتمكين استفادة الباحثين منها؛

11ـ تعزيز مراقبة الحدود، ومراجعة بعض حالات الدخول إلى البلاد دون تأشيرة؛

12ـ إنشاء شرطة الجوار؛

13ـ تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتشجيع التخصصات؛

14ـ إنشاء معهد يعني بالطب الشرعي والأدلة الجنائية؛

15ـ وقف تعطيل الأحكام القضائية والصرامة في تنفيذ تلك الأحكام؛

16ـ إشراك مراكز البحث في إعداد السياسات الاستشرافية المتعلقة بالمصالح الحيوية للبلد. 

خلاصة القول في المقترح الثاني : بعض هذه التوصيات تعني وزارة تمكين الشباب بشكل مباشر، وعلى الوزارة أن تأخذ بها، وبعضها الآخر يعني قطاعات وزارية أخرى، ولكن، وبما أن وزارة تمكين الشباب معنية أكثر من غيرها بإنقاذ شبابنا من براثن الجريمة والمخدرات، فعليها أن تتابع تنفيذ بقية التوصيات من طرف الوزارات والإدارات المعنية بها.

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..


الجمعة، 16 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير التكوين المهني والصناعة التقليدية والحرف




بدءا لابد من التنبيه على أن هذه المقترحات التي أقدمها من خلال هذه السلسلة من المقالات ليست مقترحات شاملة للملفات التي يُعنى بها كل قطاع،  وإنما هي مقترحات خاصة ببعض الملفات والقضايا الجزئية، التي شكلت في فترة من الفترات مجالا من مجالات اهتماماتي الشخصية، على المستوى النظري أو العملي أو على كليهما معاً.

في العام 2007 تقدمتُ إلى الجهات المعنية بمقترحين للحد من البطالة في الأوساط الأكثر فقرا، أحدهما اكتفيت بتقديمه بشكل نظري وكان يهدف إلى تحويل القمامة إلى مورد للدخل، والثاني جسدته ميدانيا من خلال مركز "الخطوة الأولى" للتنمية الذاتية الذي أسسته في تلك الفترة، وفي اعتقادي أن فترة صلاحية المقترحين ما تزال قائمة، حتى وإن كانت هناك أمور كثيرة قد تغيرت خلال السبع عشرة سنة الأخيرة.  

المقترح الأول: لماذا لا نحارب البطالة من خلال برامج واسعة في التثقيف الحرفي؟  

لا خلاف على أن نسبة كبيرة من ثرواتنا في هذه البلاد تستنزف من طرف عمال أجانب لهم حظ لا بأس به من التكوين والتخصص في مجالات معينة، ومواجهة هذا النوع من منافسة اليد العاملة الأجنبية يحتاج بالفعل إلى الاهتمام بالتكوين المهني، ولكن وفي المقابل، فإن هناك نسبة كبيرة من ثرواتنا ما تزال تستنزف من طرف يد عاملة أجنبية غير متخصصة، من خلال  ممارستها لحرف ومهن بسيطة جدا، لا تحتاج لتكوين مهني بالمفهوم المتعارف عليه، ومواجهة هذا النوع من منافسة اليد العاملة لا يحتاج لتكوين مهني لمدة سنة أو سنتين، وإنما يحتاج  ـ في الأساس ـ إلى تغيير عقليات وإلى التوعية بأهمية العمل، مع تكوين أو تدريب مبسط وقصير المدة على حرفة ما أو مهنة ما، وهذا هو ما أطلقنا عليه في مركز الخطوة الأولى "التثقيف الحرفي"، تمييزا له عن التكوين المهني. ولتجسيد هذا المقترح ميدانيا قمنا في العام 2007 بفتح مركز للتثقيف الحرفي في مقاطعة عرفات، وبدأنا دورات في صناعة الحلويات، وكنا نأمل حينها أن يعمم هذا النوع من المراكز المتخصصة في التثقيف الحرفي في مختلف ولايات الوطن.

كنتُ في تلك الفترة أقرأ كثيرا عن تجربة محمد يونس الرئيس الحالي للحكومة المؤقتة في بنغلاديش، وقد استلهمت ـ بشكل أو بآخر ـ فكرة مراكز التثقيف الحرفي من فكرته التي ابتدعها في نهاية السبعينات من القرن الماضي، والتي أحدثت ثورة في مجال مكافحة الفقر من خلال القروض الصغيرة (بنك غرامين أو بنك القرية).

جاءت فكرة بنك غرامين أو بنوك الفقراء كما يسميها البعض، لتحل مشكلة تمويل مشاريع صغيرة للفقراء الذين لا يملكون ضمانا يأخذوا مقابله قروضا من البنوك، وجاءت فكرة مراكز التثقيف الحرفي من أجل أن تقدم فرصة لتكوين وتأهيل فقراء لم يتعلموا أو تركوا المدرسة في وقت مبكر، أو تجاوزوا عمريا مرحلة التكوين، وحرموا بالتالي من التكوين أو التدريب على حرفة أو مهنة بسيطة تمكنهم من العيش الكريم. 

كان الفقراء في بنغلاديش يموتون بسبب الجوع في السبعينيات من القرن الماضي، وكان لابد من التفكير خارج الصندوق للبحث عن حلول لمحاربة الفقر، فكر محمد يونس خارج الصندوق وأوصلته أفكاره إلى  ضرورة تأسيس بنوك توفر التمويل للفقراء، يكون بإمكانها أن تقدم لهم قروضا بلا ضمان، ومن المعروف أن القروض البنكية قائمة بالأساس على الضمان، مما حرم الفقراء الذين هم في أمس الحاجة إلى القروض من الحصول على قروض.

كانت الفكرة غريبة ومجنونة في ذلك الوقت، وقوبلت بالكثير من السخرية والاستهزاء من طرف البنك المركزي وكبار الاقتصاديين في بنغلاديش، لأنه لم يكن حينها هناك من يستطيع أن يتخيل أنه يمكن لأي بنك في العالم أن يقدم قروضا لفقراء لا يملكون أي ضمان.

ولقد تبين فيما بعد بأن الفكرة لم تكن مجنونة، بل كانت فكرة رائدة، أحدثت ثورة حقيقية في مجال التمويلات الصغيرة ومحاربة الفقر، فحجم قروض بنك غرامين منذ تأسيسه وحتى اليوم وصل إلى 38 مليار دولار، واستفاد من تلك القروض 10 ملايين فقير، من بينهم 21 ألف متسول  انتقلوا بفضل هذه التمويلات من التسول إلى الحياة النشطة، والبنك ينشط في 94% من قرى بنغلاديش، وكانت معدلات استرداد ديونه مرتفعة جدا، رغم أنه لا يشترط أي ضمان،  فتراوحت ما بين  97% إلى 99.6 %، وفتح البنك فروعا كثيرة في العديد من الدول، وله 19 فرعا في 11 ولاية أمريكية، واستفاد من خدماته هناك أكثر من 100 ألف فقير أمريكي.

لم يكن منطقيا بالنسبة لمحمد يونس أن يتواصل حرمان الفقراء في بنغلاديش من الحصول على تمويلات هم في أمس الحاجة إليها بحجة أنهم لا يملكون ضمانات للحصول على قروض، وبنفس المنطق يمكننا القول بأنه ليس من المقبول حرمان فقراء في موريتانيا من تعلم مهنة أو حرفة بحجة أنهم لم يتعلموا أصلا، أو أنهم تجاوزا السن التي يسمح لأصحابها بالتكوين في معاهد ومراكز التكوين المهني. 

إن مراكز ومعاهد التكوين المهني الموجودة في بلادنا لا يمكن أن يستفيد منها الموريتانيون الأقل تعليما والأكبر سنا، ولا تحل مشاكل الكثير من المستهدفين، وذلك لأنها:

1 ـ  تشترط لدخولها مستويات دراسية معينة، وكذلك سنا عمرية محددة. أما الشريحة التي تستهدفها فكرة مراكز التثقيف الحرفي فهي أقل تعليما، وليست بالضرورة في مرحلة عمرية محددة.

2 ـ  مراكز التكوين المهني تدرب على آلات باهظة الثمن لذلك فالمتدرب لا يستطيع بعد التخرج أن يفتتح ورشة تعتمد على الآلات التي تدرب عليها لارتفاع أسعار تلك الآلات. أما فكرة مراكز التثقيف الحرفي فهي قائمة على أساس أن المتدرب هو شخص فقير جدا ولا يستطيع أن يفتتح ورشة إلا إذا كان رأسمالها قليل جدا.

3 ـ طول فترة التكوين في مراكز ومعاهد التكوين، قد تكون مقبولة بالنسبة لبعض المستفيدين ولبعض المهن، ولكنها ليست مناسبة لبعض المهن ولبعض المستفيدين، ولذا فدورات مراكز التثقيف الحرفي دورات قصيرة المدة ويمكن أن يشارك فيها عدد كبير جدا من المستهدفين. 

لقد أحصينا في مركز الخطوة الأولى للتنمية الذاتية عشرات الحرف والمهن الصغيرة التي يمكن أن توضع لها برامج تدريبية متكاملة في التثقيف الحرفي. وعمليا فقد نظمنا في العام 2007 ـ وبإمكانيات متواضعة جدا ـ برنامجا تدريبيا متكاملا في التثقيف الحرفي، في مجال "صناعة الحلويات"، استفاد منه العشرات من أرباب وربات الأسر في مقاطعة عرفات.

تم التدريب على صناعة الحلويات على فرن مصنع محليا ويشتغل بالغاز، ويتميز هذا الفرن بالمواصفات التالية:

ـ متوفر محليا وبسعر في متناول الفقراء.

ـ هذه الأفران قادرة على إنتاج كميات كبيرة نسبيا من الحلويات تكفي لتوفير ما يحتاجه محل حلويات صغير.

ـ هذه الأفران تنتج حلويات بجودة عالية، ولا يمكن التفريق بينها وبين منتجات محلات الحلويات الكبرى في العاصمة، والتي استثمرت فيها عشرات الملايين من الأوقية.

خلاصة هذا المقترح : إننا في هذه البلاد بحاجة في مجال محاربة الفقر إلى مراكز للتثقيف الحرفي ولتغيير العقليات وللتوعية بأهمية العمل،  فهذه المراكز قد تمكن آلاف الموريتانيين من تعلم حرفة أو مهنة توفر لهم دخلا هم في أمس الحاجة إليه. هذا عن المهارات الصلبة، أما المهارات الناعمة فستكون موضوع مقترح آخر إن شاء الله.

المقترح الثاني : لماذا لا نجعل من القمامة موردا لتوفير الدخل وتشغيل الفقراء؟

من التفكير خارج الصندوق سننتقل إلى التفكير بالمقلوب، وذلك من أجل الإجابة على السؤال : كيف نغير من سلوك المواطن الموريتاني، ونجعله بدلا من أن يذهب إلى الشارع لرمي القمامة يأتي إلى الشارع لجمع القمامة؟

هذا السؤال سيجيب عليه هذا المقترح الذي قُدِّم لأول مرة من خلال رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله.

يهدف هذا المقترح إلى تحقيق هدفين كبيرين : أولهما تنظيف العاصمة نواكشوط، وتحويلها إلى مدينة نظيفة، وثانيهما تحويل القمامة إلى مورد اقتصادي لتوفير دخل منتظم لآلاف الفقراء.

هذا المقترح ـ إن تم الأخذ به ـ سيجعل من القمامة  "ثروة وطنية" لتشغيل الآلاف من الموريتانيين الأكثر فقرا، ويصعب أن تتم منافستهم من طرف من هم أحسن حالا، وهذه مسألة في غاية الأهمية، فمن المعروف بأن الميسورين في هذه البلاد قد تعودوا دائما على أن ينافسوا الفقراء في كل الفرص التي كان يجب أن تبقى خاصة بالفقراء.

إن القمامة يمكن أن يتم تحويلها إلى سلعة تباع و تشترى، وعندها ستختفي كما اختفت من شوارع العاصمة الخردة والمواد البلاستيكية الصلبة.

يتلخص هذا المقترح  في مطالبة الحكومة بتأسيس شركة عمومية أو مختلطة لشراء القمامة من عند المواطنين، تخصص لها الأموال التي كانت تقدمها الحكومة لشركة "بيزورنو" الفرنسية في مرحلة سابقة، أو لشركات التنظيف المحلية في مرحلة لاحقة، على أن تحدد هذه الشركة نقاطا خارج العاصمة لشراء القمامة من عند المواطنين، ولو أن الحكومة قامت بتنفيذ هذا المقترح لتنافس أصحاب السيارات ذات العجلات الثلاثة و العربات التي تجرها الحمير في جمع القمامة من شوارع العاصمة نواكشوط، فكل من يملك واحدة من تلك السيارات سيكون بإمكانه أن يشغل عددا من العمال لجمع القمامة ولحملها في سيارته خارج العاصمة لبيع ما جمع من قمامة عند نقاط شراء القمامة الموجودة هناك.

لقد كانت الدولة تمنح لشركة "بيزورنو" ملياري أوقية سنويا لتنظيف العاصمة، ولقد نقل عن مدير هذه الشركة في إحدى المقابلات بأن شركته كانت تعالج يوميا 600 طن من القمامة، وهذا يعني بأن الكيلوغرام من القمامة كان يكلف الدولة الموريتانية 10 أواق قديمة، وقد كلفها أكثر من ذلك في ظل التعاقد مع شركات خاصة لتنظيف العاصمة، وربما تصل كلفة الكيلوغرام الواحد من القمامة إلى أكثر من 20 أوقية قديمة. ولو أن السلطة منحت 20 أوقية قديمة لكل مواطن يأتيها بكيلوغرام من القمامة، لتنافس المواطنون في جمع القمامة، ومن يدري فربما تحدث نزاعات على ملكية القمامة، وربما تقع خصومات عند جمعها من الشوارع إذا ما تحولت هذه القمامة إلى سلعة تباع وتشترى.

إن جمع ونقل 200 كلغ من القمامة يوميا، وهذه كمية قليلة لا تحتاج لجهد ولا وقت كبير، ستوفر لصاحبها 4000 أوقية قديمة يوميا، وهو ما يعني أن دخله الشهري سيصل إلى 120 ألف أوقية قديمة. 

يمكن التفكير في مرحلة لاحقة في تدوير القمامة، وذلك من خلال منح أسعار تشجيعية لمن يجمع قمامة متجانسة، فمن المعروف أن أصعب ما في عملية تدوير القمامة هو فصل المواد القابلة للتدوير عن بقية القمامة،  كالبلاستيك والزجاج  والعلب المعدنية والورق ...إلخ

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..


الأربعاء، 14 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير الاقتصاد والمالية


لا بأس بالعودة إلى مقال "الفساد ليس خصما ضعيفا فلنحاربه معا"، وذلك لأكرر القول بأنه لا تنمية مع الفساد، ولا إصلاح مع الفساد، ولا تغيير نحو الأفضل مع الفساد، بل ولا أمن ولا استقرار للبلد مع الفساد، ومن المؤكد أنه لن يكتب النجاح لأي خطة إصلاح، ومهما كانت جودتها، إذا لم تسبقها ـ أو تصاحبها على الأقل ـ حرب جدية تخوضها الحكومة ضد الفساد، وانتفاضة شعبية واسعة يطلقها المجتمع ضد الفساد.

أنبه هنا إلى أن التفريق بين الحرب والانتفاضة في مواجهة الفساد هو تفريق مقصود، وهو من أجل التمييز بين دور الحكومة ودور المجتمع في مواجهة الفساد، وهو كذلك من أجل تبيان أهمية التكامل بين الدورين، فبدون التكامل بينهما، فسيبقى الفساد في اتساع وتمدد، وهو ما سيمكنه في نهاية المطاف من وأد أي خطة إصلاح عند ميلادها، بل وحتى من قبل من ميلادها.

وأنبه كذلك إلى أن توجيه هذه الرسالة المتعلقة بمحاربة الفساد إلى معالي وزير الاقتصاد والمالية دون غيره من الوزراء، يعود إلى كون وزارة الاقتصاد والمالية هي الوزارة المعنية بالاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة، وأغلب ما جاء في البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية من التزامات في مجال محاربة الفساد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة.

إن الفساد يعدُّ خصما شرسا لأي خطة إصلاح أو أي مسعى تنموي، وعندما يتفشى في بلد ما بشكل واسع، وقد تفشى للأسف في بلادنا، فإنه في هذه الحالة يصبح لا يختلف عن المستعمر أو المحتل، ولذا فالخلاص منه يحتاج إلى حرب تحرير واسعة يشارك فيها الجميع، وحرب التحرير هذه هي حربٌ مصيرية، فإما أن ننتصر فيها حكومة وشعبا على الفساد، فننعم بثمار ذلك النصر، وإما أن ننهزم ونستسلم للفساد، ونرفع له الراية البيضاء، وحينها سيصبح مستقبل بلادنا مفتوحا على كل السيناريوهات والاحتمالات الأكثر سوءا.

إن الانتصار على الفساد لن يتحقق بدون حرب تحرير واسعة تُخاض ضده، وتتمثل حرب التحرير هذه في : حرب جدية تطلقها الحكومة، وانتفاضة شعبية واسعة تطلقها القوى الحية في المجتمع. ومن هنا وجب التوقف قليلا مع الحرب على الفساد والانتفاضة ضد الفساد.

أولا / الحرب على الفساد

إن الحكومة هي وحدها القادرة على خوض حرب على الفساد، لأن الحرب على الفساد كأي حرب أخرى تحتاج إلى أسلحة، والأسلحة لا تملكها إلا الحكومات، وهي وحدها القادرة على استخدام تلك الأسلحة، وهذه هي أهم الأسلحة التي يُمكن للحكومات أن تحارب بها الفساد:

السلاح الأول / وجود إرادة سياسية قوية وصارمة لدى فخامة رئيس الجمهورية وحكومته لمحاربة الفساد. وكما قلتُ في مقال سابق فإن من اطلع على رسالة إعلان الترشح، وبرنامج طموحي للوطن، وخطابات الحملة، وخطاب التنصيب، وتوجيهات الرئيس للوزراء في أول اجتماع للحكومة الجديدة، وتعليمات الوزراء للموظفين في قطاعاتهم، من اطلع على كل ذلك سيستبشر خيرا بوجود إرادة سياسية لمحاربة الفساد خلال المأمورية الثانية؛

السلاح الثاني / تجسيد الإرادة السياسية من خلال قرارات وإجراءات عملية وفعالة للحد من الفساد، ومن تلك الإجراءات تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها فخامة الرئيس في برنامجه الانتخابي بخصوص محاربة الفساد، وخاصة منها ما يتعلق بوضع آليات فعالة للإبلاغ عن الفساد، وتأمين المبلغين، ومراجعة قانون مكافحة الرشوة، وخاصة الأحكام المتعلقة بتجريم قضايا الرشوة، والتصريح بالممتلكات، وتضارب المصالح، ومواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال؛

السلاح الثالث / تجسيد الإرادة السياسية من خلال تفعيل الأجهزة الرقابية والقضائية: أي أن تكون هناك أجهزة رقابية تعمل بشكل فعال (الرقابة البرلمانية؛ محكمة الحسابات؛ المفتشية العامة للدولة؛ المفتشية العامة للمالية ..إلخ)، هذا فضلا عن وجود جهاز قضائي فعال؛

السلاح الرابع / تجسيد الإرادة السياسية من خلال العمل بمبدأ المكافأة والعقوبة: لابد من الأخذ بهذا المبدأ في أي حرب جدية على الفساد، وذلك حتى ينال الموظف المفسد ما يستحق من عقاب إداري وقضائي، وينال الموظف النزيه ما يستحق من ترقية وتكريم.

ثانيا / الانتفاضة الشعبية ضد الفساد

على المستوى الشعبي في مواجهة الفساد، فلابد من إطلاق انتفاضة شعبية ضد الفساد، والانتفاضة الشعبية ضد الفساد كأي انتفاضة أخرى لا تحتاج إلى أسلحة محددة، فكل شيء يمكن أن يستخدم كسلاح، فحتى نظرة الازدراء وإظهار عدم التقدير لكل مفسد معلوم الفساد يمكن استخدامها كسلاح ضد الفساد، فهذا السلاح البسيط لا أحد يستخدمه رغم أن استخدامه متاح للجميع، بل على العكس من ذلك فنظرة الازدراء والاحتقار لم يعد مجتمعنا ينظر بها إلا للموظف النزيه المتعفف عن سرقة المال العام، والذي تمنعه استقامته من أن يجمع أموالا طائلة من سرقة المال العام، وإنفاق فتاتها كرشوة للمجتمع لينال بذلك نظرات التقدير والإعجاب من مجتمع جشع أصبح يشكل حاضنة قوية للفساد، وأصبح لا يقدر ولا يحترم إلا المفسد الذي يسرق المال العام في وضح النهار، والذي يتباهى بمسروقاته نهارا جهارا من خلال تشييد العمارات واقتناء السيارات الفاخرات، مع العلم أنه لو جمع كل راتبه خلال عمره الوظيفي لما تمكن من تشييد منزل واحد في إحدى المقاطعات الراقية في ولاية نواكشوط الغربية.

إن من أهم الأسلحة التي يمكن أن نستخدمها في أي انتفاضة شعبية ضد الفساد هي أن نصحح هذا الانقلاب القائم في قيمنا المجتمعية، وهو انقلاب جعل المفسد من حيث التقدير والاحترام في أعلى الهرم، والموظف النزيه في أسفله، ونحن عندما نصحح هذا الانقلاب القيمي، ونعيد بالتالي المجتمع إلى فطرته السليمة، فإننا بذلك نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في حربنا المصيرية ضد الفساد والمفسدين.

إن الانتفاضة الشعبية ضد الفساد، وكما قلنا سابقا ليست لها أسلحة محددة، وكل شيء يمكن أن يستخدم فيها كسلاح، وعموما فهناك مجالات للتحرك الشعبي ضد الفساد يجب أن يركز عليها أي حراك شعبي يخطط ـ وبشكل جاد ـ لأن ينتفض ضد الفساد، ولعل من أهم تلك المجالات:

المجال الأول / التوعية والتحسيس حول خطورة الفساد : لقد أصبحنا نعيش في مجتمع متصالح مع الفساد بل وحاضن له، أي أننا نعيش في مجتمع لا يرحب بأي مواجهة حقيقية وجدية مع الفساد، هذه حقيقة لابد من الاعتراف بها، ولذا فإن أهم دور يمكن أن يلعبه أي حراك شعبي ضد الفساد هو العمل على تغيير نظرة المجتمع للفساد والمفسدين، ويحتاج ذلك إلى جهد توعوي واسع طويل النفس يشارك فيه كل من يستطيع أن يؤثر في الرأي العام من علماء وساسة ونشطاء جمعويين وصحافة ومدونين...إلخ

والهدف من هذا الجهد التوعوي هو جعل المجتمع يغير نظرته إلى الرشوة وسرقة المال العام وكل أشكال الفساد، يغيرها من نظرة تشجع تلك الأفعال إلى نظرة تزدري تلك الأفعال وتذمها وتحتقر كل من يقوم بها. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الكثير من أفراد المجتمع قد يقفون عمليا ضد أي جهد توعوي ضد الفساد، وذلك على الرغم من أنهم هم المستفيد الأول من مواجهة الفساد، فالتغيير ـ أي تغيير ـ قد يجد في البداية مقاومة قوية من المستفيد منه، ومن هنا تبرز أهمية التوعية أكثر؛

المجال الثاني / خلق ذراع شعبية حيوية ونشطة تقدم الدعم والمؤازرة الشعبية والإعلامية للحكومة عند فتحها لأي ملف فساد. فمن المعروف أنه عند فتح أي ملف فساد فإن الذي يجد الدعم الإعلامي والشعبي هو المفسد الذي تقف معه قبيلته، وكثير من أولئك الذين وصلهم بعض الفتات من أمواله الطائلة التي سرق، وتبقى الجهة الحكومية التي تقف وراء فتح ذلك الملف وحيدة دون أي سند سياسي أو إعلامي، ودون أي ظهير شعبي، بل وكثيرا ما تصبح هي المتهم الأول بممارسة جريمة "تصفية الحسابات" ضد هذا المفسد أو ذاك.

ولعل من أهم الحجج التي يحاول البعض أن يشوش بها على أي ملف فساد يتم فتحه، هي انشغاله عند فتح أي ملف فساد بتعداد مظاهر الفساد في البلد، والقول بأنه لا أهمية لفتح ذلك الملف من قبل فتح كل ملفات الفساد الأخرى. إن من يُطالب بفتح ملفات الفساد دفعة واحدة إنما يُطالب بالمستحيل، وهو في حقيقة أمره لا يريد حربا جدية على الفساد، فاشتراط فتح كل ملفات الفساد دفعة واحدة، في بلد تفشى فيه الفساد هو شرط تعجيزي، ومن يطرح شرطا كذلك، إنما يناصر الفساد والمفسدين، علم بذلك أو لم يعلم.

المجال الثالث / تبيان مظاهر الخلل أو النقص في العمل الحكومي، وكشف ما يمكن كشفه من ملفات فساد، مع العمل على تقديم ما يمكن تقديمه من مقترحات قد تساهم في الحد من الفساد.

قد يقول قائل هنا، وما علاقة وزارة الاقتصاد بشكل خاص أو الحكومة بشكل عام بالانتفاضة الشعبية ضد الفساد؟

صحيح أن الانتفاضة الشعبية ضد الفساد ليست من مهام الحكومة، فهي عمل شعبي يجب أن تقوده القوى الحية في البلد، ولكن الصحيح أيضا أن هذه الانتفاضة بحاجة إلى دعم ومباركة من الحكومة، فإذا لم تشجع الحكومة الأذرع السياسية والإعلامية للنظام على الانخراط في انتفاضة من هذا القبيل، فإن الانخراط فيها سيبقى محدودا وبدون فاعلية.

لقد دعونا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" إلى ضرورة المسارعة في تشكيل تحالف وطني واسع ضد الفساد، ويمكن لهذا التحالف أن يقود انتفاضة شعبية ضد الفساد، على أن تكون نقطة الانطلاقة في تلك الانتفاضة من خلال تنظيم مؤتمر وطني لمحاربة الفساد (يوجد تصور متكامل لهذا المؤتمر)، على أن يُصدر ذلك المؤتمر توصيات وطنية في مجال محاربة الفساد يعمل جميع المشاركين في المؤتمر من قوى سياسية وجمعوية على تنفيذها.

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..


الاثنين، 12 أغسطس 2024

مقترحات إلى معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي


سأحاول في سلسلة من المقالات أن أتقدم بمجموعة من المقترحات لعدد من الوزراء في الحكومة الحالية، وستكون البداية مع معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وبما أن الشباب هو عنوان المأمورية الحالية، فلتكن البداية بمقترحات خاصة بالشباب. 

أولا / الشباب وقطاع الشؤون الإسلامية

لقد حاولتُ في السنتين الأخيرتين أن أتتبع سير المتفوقين في الامتحانات والمسابقات الوطنية (مسابقة دخول سنة أولى إعدادية ـ شهادة ختم الدروس الإعدادية ـ الباكالوريا بمختلف شعبها)، ومما لفت انتباهي أن العديد من متصدري المسابقات والامتحانات الوطنية كان لهم نصيبٌ من القرآن العظيم، بعضهم كان يحفظ القرآن كاملا.

لم يكن الأمر خاصا ببلدنا، ففي بعض الدول العربية الشقيقة كان الأوائل في الشعب العلمية في باكالوريا 2023 (تونس، الجزائر ، مصر ..إلخ) ممن أنعم الله عليهم بحفظ القرآن، ويمكن القول إجمالا، ومن خلال تكرر مثل هذه الحالات، أي التفوق الدراسي وحفظ القرآن، أن ثمة علاقة قوية بين تعلم القرآن وحصد نتائج جيدة في الدراسة.

لقد حاولتُ ـ وبمجهود شخصي محدود التأثير ـ أن أبرز العلاقة بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، وأن أعرف من خلال النشر المكثف في مواقع التواصل الاجتماعي ببعض التلاميذ الذين جمعوا بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، فتقديم تلك النماذج للتلاميذ قد يشجع الكثير منهم على تعلم القرآن بموازاة مع التحصيل الدراسي.

لم يتوقف الأمر عند الحديث عن التلاميذ المتميزين دراسيا، الذين جمعوا بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، بل حاولنا كذلك أن ننظم استقبالات شعبية لبعض القراء الشباب الذين تمكنوا من الحصول على مراتب متقدمة في مسابقات إقليمية أو دولية في حفظ القرآن. لقد جرت العادة أن يُحتفى إعلاميا ـ وربما شعبيا ـ  ببعض الشباب الذين تمكنوا من تحقيق نتائج مميزة في منافسات رياضية أو ثقافية، وهذا أمرٌ مهم ويجب أن يتواصل، ولكن هذا الاحتفاء يجب أن يوسع ليشمل القراء الشباب الذين رفعوا علم موريتانيا في مسابقات دولية في حفظ القرآن وتجويده، فهؤلاء هم الأولى بالاحتفاء، مع التأكيد على أن كل شاب تمكن من رفع علم البلاد في أي منافسة إقليمية أو دولية في أي مجال من المجالات الثقافية والرياضية يستحق أن يحتفى به إعلاميا وشعبيا ورسميا، وأن يقدم للشباب بصفته  قدوة.

تلكم كانت مقدمة تمهيدية للمقترحات الخاصة بالشباب، وهي مقترحات تهدف إلى المساعدة في تحصين شبابنا ضد ما يتعرض له من حملات قوية لنشر ثقافة وقيم تخالف قيمنا، كما أنها قد تساعد كذلك في تحصينه ضد الانحلال الخلقي وتعاطي المخدرات وتفشي الجريمة، وهي ظواهر أصبحت ـ وللأسف الشديد ـ  منتشرة في صفوف شبابنا  ..

1 ـ على وزارة الشؤون الإسلامية أن تخصص جوائز سنوية للتلاميذ الذين تمكنوا من الجمع بين حفظ القرآن و حصد مراتب أولى في الامتحانات والمسابقات الوطنية؛

2 ـ على الوزارة أن تعمل على تقديم هذه النماذج للشباب  من خلال الإعلام العمومي، هذا فضلا عن إطلاق حملات إعلامية للتعريف بها بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي؛

3 ـ على الوزارة أن تعمل على تقديم آباء التلاميذ المتميزين الذين جمعوا بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، أن تعمل على تقديمهم إعلاميا ليكونوا نماذج للآباء والأمهات، ويمكن أن يتم ذلك من خلال قناة الأسرة وقناة المحظرة وبقية مؤسسات الإعلامي العمومي، وذلك من خلال إطلاق برامج تلفزيونية يتم من خلالها إجراء مقابلات مع آباء وأمهات المتفوقين دراسيا، والتعريف بالأدوار التي قاموا بها في مجال تربية أبنائهم. من القواسم المشتركة التي رصدتها من خلال تتبع سير التلاميذ الذين جمعوا بين التفوق الدراسي وحفظ القرآن هو وجود أسرة خلف المتفوق ربت فأحسنت التربية.   

ثانيا / محاربة الفساد وقطاع الشؤون الإسلامية

يُعدُّ شعار محاربة الفساد من الشعارات البارزة في برنامج رئيس الجمهورية، ومما يؤسف له أن قطاع الشؤون الإسلامية يصنف اليوم لدى المهتمين بالشأن العام بأنه من القطاعات الحكومية الأكثر فسادا، وهذا مما يستدعي بذل جهد كبير لتغيير هذه الصورة السلبية عن القطاع، والتي ترسخت في أذهان الكثيرين. كما يستدعي أيضا العمل على أن يستعيد العلماء والأئمة والدعاة دورهم في محاربة الفساد، وذلك من خلال تخصيص خطب جمعة لمحاربة الفساد، وتنظيم ندوات ومحاضرات وحملات دعوية ووعظية تبين خطورة الفساد في الإسلام، وحبذا أن يكون شعار تلك الحملات الحديث النبوي الشريف الذي يلعن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي.

ثالثا / قطاع الشؤون الإسلامية والاقتصاد المعرفي والرقمي

لقد عُرفت بلادنا في الماضي (بلاد شنقيط) باللغة العربية والعلوم الشرعية، وكسبت بذلك سمعة حسنة في العالمين العربي والإسلامي، وهي لا تزال تُحظى بتلك السمعة الحسنة، فلماذا لا نستثمر في هذه السمعة الحسنة ونحولها إلى مورد اقتصادي من خلال استغلال الميزة التنافسية التي نمتلكها في هذا المجال، وبذلك نكون قد خدمنا العلوم الشرعية واللغة العربية من جهة، وحققنا مكاسب مالية لبلادنا من جهة أخرى، أي أننا جمعنا بين خيري الدنيا والآخرة من خلال الاستثمار في المحظرة. 

وحتى لا يبقى هذا الكلام مجرد كلام نظري، فإليكم هذه الأفكار والمقترحات..

1 ـ العمل على تأسيس جامعة أو أكاديمية أو معهد دولي يحمل اسم المحظرة الموريتانية يتخصص في تدريس العلوم الشرعية عن بُعد، ويستخدم التقنيات الحديثة لذلك، ويُفتح التسجيل فيه أمام آلاف بل عشرات الآلاف إن لم أقل مئات الآلاف من المسلمين في العالم، الذين يرغبون في تعلم الإسلام عن طريق مراكز وجامعات مؤتمنة. 

هناك عدد كبير من الذين يدخلون الإسلام، قد يقودهم البحث عن تعلم الإسلام إلى الوقوع في حبائل منظمات إرهابية أو جماعات بلباس صوفي حرفت الدين وأدخلت فيه طقوسا تعبدية لا صلة له بها.

من المؤكد أن تأسيس جامعة أو معهد موريتاني يُعَلم وينشر دين الإسلام بشكل مباشر أو عن بعد، سيستقطب الكثير من طلاب العلم، خاصة من المسلمين الذين يوجدون في دول غير مسلمة، ويجدون صعوبة كبيرة في تعلم العلوم الشرعية واللغة العربية.

لقد نشر أجدادنا العلوم الشرعية واللغة العربية خارج موريتانيا بوسائل تقليدية كانت صالحة في تلك الفترة، فلماذا لا نواصل نحن اليوم ذلك الجهد مستفيدين مما تتيحه التقنيات الحديثة في هذا المجال، ومستفيدين كذلك من السمعة الحسنة التي تركها لنا آباؤنا وأجدادنا في هذا المجال؟

2 ـ  يمكن لبلادنا أن تؤسس مركزا دوليا للتدقيق اللغوي عن بعد تكتتب فيه عددا كبيرا من أساتذة اللغة العربية وخبرائها في بلادنا، وهم موجودون بأعداد كبيرة ولله الحمد، على أن يتولى هذا المركز التدقيق اللغوي لصالح دور النشر والمؤسسات الإعلامية، ولكل ما يكتب وينشر باللغة العربية، وخدمة التدقيق اللغوي أصبحت خدمة مطلوبة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية. هذا المقترح الثاني  يمكن أن ينفذ من خلال التعاون بين وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الثقافة.

 3 ـ  في يوم 29 أكتوبر 2022 وجهنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية  نداء إلى القادة العرب خلال قمة الجزائر، طالبناهم فيه بتأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية تنتسب لها  بالإضافة إلى الدول العربية كل الدول الإسلامية التي تستخدم فيها اللغة العربية بصفتها لغة ثانية أو ثالثة.

إننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية وبالتنسيق مع الهيئات الوطنية الفاعلة في المجال على استعداد لتنظيم مؤتمر دولي تشارك فيه المنظمات والهيئات الفاعلة في المجال في مختلف الدول العربية والإسلامية، على أن يصدر هذا المؤتمر توصية تُطالب بتأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية، تنتسب لها كل الدول الإسلامية التي تستخدم اللغة العربية كلغة أولى أو ثانية أو حتى ثالثة.

إن إطلاق دعوة من هذا القبيل من موريتانيا من طرف المجتمع المدني في العالم الإسلامي، وفي هذه الفترة التي تترأس فيها بلادنا الاتحاد الإفريقي ، سيكون مفيدا لبلدنا، وذلك نظرا لموقعه الجغرافي، و نظرا لتمكن أبنائه من اللغة العربية، وكل ذلك سيجعل من اختيار موريتانيا مقرا لهذه المنظمة أمرا واردا، خاصة وأن بلادنا تحتفظ في هذا العهد بعلاقات طيبة مع كل البلدان العربية والإسلامية.

هذا المقترح الأخير يمكن أن ينفذ بدعم من وزارة الشؤون الإسلامية  والتعليم الأصلي ووزارة الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج.

سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..

حفظ الله موريتانيا..


الأربعاء، 7 أغسطس 2024

الوزراء الشباب وامتحان حكومة ولد اجاي!


دخلت حكومة معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي قاعة الامتحان في وقت متأخر من الليل (ليلة الاثنين، فجر الثلاثاء الموافق 06 أغسطس 2024)، ومع أنه لا أحد يمكنه أن يتنبأ بمدة الامتحان، فهل ستكون خمس سنوات كاملة أم أقل؟، ولا أحد يستطيع كذلك أن يتنبأ ببقاء كل الفريق في قاعة الامتحان حتى إعلان النتائج النهائية، أم أن بعض أعضاء الفريق سيُخرج من القاعة عاجلا أم آجلا في تعديل وزاري لعدم أهليته لمواصلة الامتحان؟

هذه أسئلة لا يمكن أن نجيب عليها الآن، فلنتركها ونتحدث عن شيء آخر.


ما يمكن الحديث عنه الآن، هو أنه لا توجد جهة في بلادنا تتسم بالحد الأدنى من الموضوعية قادرة على أن تعطي نتيجة قريبة من الحقيقة في امتحان الحكومات، فقد تعودنا من الأغلبية عدم استخدام القلم الأحمر إطلاقا لتصحيح امتحان الحكومات، وتعودنا منها دائما أن تعطي نتيجة كاملة للحكومة حتى وإن كان الواقع يقول عكس ذلك، وتعودنا في المقابل من المعارضة استخدام القلم الأحمر حتى من قبل أن تدخل الحكومة في قاعة الامتحان، وإعطاء نتيجة إن لم تكن سالبة تحت الصفر، فإنها تكون في أحسن الأحوال صفرا مربعا كما يقول بعض التلاميذ.


نحن بحاجة إلى وجود جهة مستقلة لتقييم الأداء الحكومي، وفي حالة عدم وجود جهة مستقلة فلا بأس بوجود جهة معارضة أو موالية تقوم بمهمة تقييم الأداء الحكومي، ولكن بشرط أن تتسم بالحد الأدنى من الموضوعية، أي أن لا تعميها معارضتها عما يتحقق من إنجاز، وأن لا تعميها موالاتها عما يقع من إخفاقات وتقصير في العمل الحكومي.


إن غياب جهة كهذه هي التي جعلتنا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" نتخذ مبادرة في هذا المجال، مع إدراكنا لحجم التحديات التي قد تواجهنا.

وهذه بعض التفاصيل ذات الصلة بتقييم الأداء الحكومي:


1 ـ مدة الامتحان : إن مدة الامتحان ستكون ـ إن شاء الله ـ  خمس سنوات، أي مأمورية كاملة، وسيستمر هذا الامتحان لخمس سنوات كاملة، سواء تغيرت الحكومة وجاءت حكومة أخرى، أو اكتفي فقط بإجراء تعديل أو تعديلات جزئية عليها من حين لآخر.


2 ـ مادة الامتحان : إن مادة الامتحان هي برنامج فخامة رئيس الجمهورية الذي التزم بتنفيذه، وصوتت عليه نسبة تصل إلى 56.12% من الموريتانيين، وهو ما مكن من فوزه في الشوط الأول.


والمشجع في الأمر أن برنامج رئيس الجمهورية كان في أغلبه عبارة عن التزامات محددة وواضحة وقابلة للقياس، أي أن قياس مستوى الإنجاز في كل ملف أو قطاع، وبشكل دوري، لن يكون في غاية الصعوبة.


ونظرا لصعوبة متابعة كل البرنامج في مختلف القطاعات، فقد قررنا في المنتدى أن يكون تركيزنا على ما أسميناه بمرتكزات الإصلاح : 


محاربة الفساد؛ التمكين للشباب؛ إصلاح الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن، ولا يعني هذا أننا سنتجاهل بشكل كلي بقية البرنامج.


إن مادة الامتحان يجب أن لا تقتصر فقط على البرنامج الانتخابي، وقياس مستوى الإنجاز في بنوده بشكل مستمر، بل يجب أن تكون هناك استطلاعات لقياس شعور المواطن وإحساسه بما تحقق من إنجاز في كل قطاع.


إن الحكومات مطلوب منها أن تنجز أولا، وأن تسوق إنجازها ثانيا، حتى تخلق لدى المواطن شعورا إيجابيا نحو أدائها، وبدون التمكن من الإنجاز وتسويق الإنجاز فستبقى نتيجة الحكومة في الامتحان ضعيفة جدا.


3 ـ جهة الإشراف على الامتحان : كثيرا ما نتلقى في المنتدى هذا السؤال : من اعطاكم الصلاحية لتراقبوا العمل الحكومي؟


إننا عندما دعمنا فخامة رئيس الجمهورية في الحملة، وصوتنا لبرنامجه الانتخابي، أصبحنا ـ وبشكل تلقائي ـ نتحمل جزءا من المسؤولية في تنفيذ هذا البرنامج، ونحن نعتقد أن هناك ضرورة لوجود رقابة شعبية يقظة تسوق ما ينجز من البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس، وترصد ما يقع فيه من خلل أو بطء في التنفيذ، وتنبه الجهات المعنية على ذلك الخلل وتطالبها بتصحيحه. 


ونحن نعتقد بضرورة وجود رقابة شعبية يقظة، فوجودها هو الذي سيضمن تنفيذ برنامج طموحي للوطن على أحسن وجه.


ولا يقتصر هذا الامتحان على امتحان الحكومة كفريق متكامل، بل يجب أن تكون هناك امتحانات فردية يمتحن فيها كل وزير على حدة، وأن تكون هناك كذلك امتحانات خاصة بالوزراء الشباب والوزراء المحسوبين على الشباب في حكومة معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي.


هذا الامتحان كنتُ قد تحدثت عنه بشكل مقتضب  من خلال برقية مختصرة جدا نشرتها على حسابي في الفيسبوك، وأعيد نشرها هنا لأختم بها هذا المقال.


 برقية مختصرة جدا...إلى الوزراء المحسوبين على الشباب

أيها الوزراء المحسوبون على الشباب

بعد التهنئة،


عليكم أن تعلموا أنه تقع عليكم مسؤولية جسيمة، فمطلوب منكم أولا أن تنجحوا في المهام التي كلفتم بها، حالكم في ذلك كحال بقية الوزراء في الحكومة. ومطلوب منكم ثانيا أن تقاتلوا بشراسة حتى تنجحوا في تلك المهام، وذلك لتكونوا عند حسن ظن من وثق فيكم وعينكم وزراء، ولتعطوا مثالا حسنا قد يشجع مستقبلا على تعيين المزيد من الوزراء الشباب. 


لا أخفيكم بأننا قد عشنا في وقت قريب تجربة غير مشجعة، لا نريدها أن تتكرر. لقد تم تخصيص لائحة للشباب في الانتخابات التشريعية الماضية، ونجح بعض الشباب في المعارضة والموالاة، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتميزوا عن غيرهم من النواب في الأغلبية والمعارضة، هذا إن لم يكونوا هم الأضعف أداءً في البرلمان.


لا نريد أن يتكرر مثل ذلك، ونريد من الوزراء الشباب في الحكومة الحالية أن يبذلوا كل ما في وسعهم ليثبتوا أنهم أحسن أداءً من غيرهم من الوزراء من الفئات العمرية الأخرى. 


إن نجحتم في ذلك فستكونون قد أسديتم أكبر خدمة للشباب وللوطن، وإن فشلتم - لا قدر الله - فستكونون قد خذلتم الشباب وخذلتم الوطن أيضا.


حفظ الله موريتانيا

#منتدى24_29