السبت، 16 يوليو 2022

عن خفض دعم أسعار المحروقات


قررت الحكومة الموريتانية يوم الجمعة الموافق 15 يوليو 2022 أن تخفض ـ وبشكل كبير ـ من حجم دعمها لأسعار المحروقات السائلة، وهو ما نتج عنه ارتفاع غير مسبوق في أسعارها (130 أوقية قديمة زاد بها سعر لتر البنزين، و115 زاد بها سعر لتر المازوت)، وهو ما يعني أن السعر الجديد للتر المازوت في العاصمة نواكشوط  وصل إلى499.6 أوقية قديمة، وإلى 566.4 أوقية قديمة بالنسبة للبنزين.

لم تقرر الحكومة الموريتانية رفع أسعار المحروقات مع بداية ارتفاع أسعارها عالميا، ولم تقرر رفعها بالتدرج كما حدث في الكثير من دول العالم، وإنما على العكس من ذلك فقد ارتأت أن تؤخر زيادة أسعار المحروقات إلى آخر لحظة، وأن تأتي هذه الزيادة دفعة واحدة ودون تدرج (130 أوقية قديمة بالنسبة للتر البنزين، و115 أوقية قديمة للتر المازوت).

فما هي حجج الحكومة لتبرير هذه الزيادة غير المسبوقة في أسعار المحروقات، والتي وصلت إلى  نسبة 27%؟

لعل من أهم الحجج التي تم تقديمها لتبرير هذه الزيادة:

 أن هناك ارتفاعا كبيرا في أسعار المحروقات على المستوى العالمي، وأن أغلب الدول، وبما فيها الدول المجاورة، قامت برفع أسعار المحروقات محليا؛

2 ـ أن الحكومة ظلت خلال الفترة الماضية تتحمل عبئا ماليا كبيرا، وصل إلى 20% من الميزانية، وأنها لم تعد قادرة على مواصلة تحمل هذا العبء ، مع العلم أن هذه الزيادة لن تلغي هذا العبء بشكل كامل وإنما ستقلصه فقط، فالدولة ما تزال بعد الزيادة الأخيرة تتحمل ما يزيد على مائتي أوقية قديمة عن كل لتر مازوت يباع في موريتانيا، فالسعر الحقيقي الذي يجب أن يباع به لتر المازوت في حالة إلغاء الدعم بشكل كامل سيكون 710 أوقية قديمة، حسب ما جاء في المؤتمر الصحفي لمعالي وزير المالية.

3 ـ أن هذا الدعم الذي كانت تتكلفه الدولة كان يشجع على تهريب المحروقات إلى بعض الدول المجاورة، والتي بلغت فيها الأسعار مستويات أعلى بكثير من مستوى أسعارها محليا. يعني هذا أن نسبة من دعم الحكومة الموريتانية للمحروقات كانت تذهب إلى جيوب مواطني بعض الدول المجاورة. تزداد خطورة التهريب في كون الكمية التي تستوردها موريتانيا سنويا محدودة وطاقة التخزين محدودة، مما يعني أن التهريب سيؤدي  في المحصلة إلى نقص في كمية المحروقات، بل وإلى حدوث أزمة محروقات في البلاد، وهو ما قد ظهرت بعض بوادره في أوقات سابقة.

ويبقى السؤال : هل هذه الحجج مقنعة؟

إن هذه الحجج ستكون مقنعة إن هي صاحبتها بعض الإجراءات القبلية والبعدية.

أولا/  الإجراءات القبلية

تعودنا في هذه البلاد أن الحكومات ترفع دائما أسعار المحروقات محليا إن ارتفعت أسعارها عالميا، ولكنها تنسى دائما أن تخفضها إن هي انخفضت عالميا.

في عهد الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله تعالى شهدت أسعار المحروقات ارتفاعا عالميا غير مسبوق، بلغ ذروته في يوم 11 يوليو 2008، ففي هذا اليوم وصل سعر برميل النفط إلى 147 دولارا ، وهذا هو أعلى مستوى سعر يصله برميل النفط منذ أن أصبح النفط سلعة تباع وتشترى. في تلك الفترة كان سعر المازوت يباع في العاصمة نواكشوط ب : 303.7 أوقية . بعد انقلاب السادس من أغسطس 2008 شهدت أسعار المحروقات انخفاضا عالميا كبيرا وصل إلى 40 دولارا للبرميل في يوم 5 ديسمبر 2008، أي أنه انخفض بنسبة أكثر من الثلثين خلال أربعة أشهر فقط، وسيظل الانخفاض هو الغالب الأعم خلال السنوات الخمس التي أعقبت الانقلاب. هذا الانخفاض تم استغلاله فقط خلال الأشهر الثمانية الأولى من بعد الانقلاب لمواجهة الحراك الشعبي الرافض للانقلاب.

لقد تم تسجيل  أول تخفيض في أسعار المحروقات في يوم 20 أكتوبر 2008، وكان في حدود 37 أوقية بالنسبة للتر المازوت الذي انخفض من 303.7 للتر إلى 266.4 للتر، وكان التخفيض الثاني في يوم 19 فبراير 2009 وفي حدود 20 أوقية للتر المازوت مما أوصل سعر اللتر إلى 245.2 للتر، وكان التخفيض الثالث في يوم 12 إبريل 2009، وبمقدار عشرين أوقية، فوصل سعر لتر المازوت في نواكشوط إلى 225.2 أوقية.

بعد ذلك ـ ورغم الانخفاض العالمي في أسعار المحروقات ـ  بدأت سلسلة من الزيادات، وصلت في مجموعها إلى ما يقارب 40 زيادة، وكانت آخر زيادة هي تلك التي تم الإعلان عنها يوم الجمعة الموافق 6 سبتمبر 2013، والتي أوصلت سعر لتر المازوت في نواكشوط إلى 384.6 أوقية قديمة، وهو ما يعني أن الزيادات بلغت في مجموعها 159.4 أوقية، وقد بقى السعر ثابتا على هذا المستوى لثمان سنوات رغم الانخفاض الكبير في أسعار المحروقات عالميا ، وذلك من قبل أن ترتفع في الفترة الأخيرة بسبب حرب أوكرانيا . ظل ذلك السعر ثابتا إلى غاية يوم الجمعة 15 يوليو 2022، حيث حدثت الزيادة الأخيرة، والتي أوصلت سعر لتر المازوت في العاصمة نواكشوط إلى  499.6 أوقية قديمة.

خلال تلك السنوات الثماني كان يتم الرد على كل من يُطالب بتخفيض الأسعار محليا لتتناسب مع انخفاضها عالميا، أن من حق الدولة أن تستعيد ما أنفقته في سنوات سابقة على دعم المحروقات!!

لا خلاف على أن النظام الحالي واجهته أزمات عالمية خلال ما مضى من المأمورية ( جائحة كورونا وحرب أوكرانيا)، ومع ذلك، فقد كانت هناك فرصة لخفض أسعار المحروقات ولو بنسبة قليلة، من قبل رفع أسعارها في يوم الجمعة 15 يوليو 2022، ولكن هذه الفرصة لم تستغل، وهو ما يعني أن الإجراء القبلي لم يتخذ، فماذا عن الإجراءات المصاحبة أو البعدية؟  

ثانيا/  الإجراءات المصاحبة أو البعدية

1ـ صحيح أن الدولة كانت ـ وما تزال ـ تنفق نسبة كبيرة من ميزانيتها على دعم المحروقات، ولكن الصحيح أيضا أن هناك نسبة أكبر من هذه الميزانية تضيع بسبب نهب المال العام وسوء التسيير، فهل ستتخذ الحكومة إجراءات صارمة وقوية وحازمة لوقف نهب المال العام، وأن تكون تلك الإجراءات من حيث الصرامة بنفس المستوى الذي تم بموجبه زيادة أسعار المحروقات محليا؟

2ـ يعيش العالم على وقع أزمات خطيرة ( جائحة كورونا وحرب أوكرانيا)، ولا خلاف على أن الأثر السلبي لتلك الأزمات على بلد كبلدنا واضح وجلي، ولكن التعامل مع هذه الأزمات يجب أن لا ينحصر في مجال واحد، أي في خفض نسبة كبيرة من دعم المحروقات، بل يجب أن يمتد أيضا إلى مجالات أخرى، فلماذا لا يُعلن عن سياسة تقشفية تهدف إلى تقليص حجم النفقات غير الضرورية لمواجهة الآثار السلبية لهذه الأزمات العالمية ؟ ولماذا لا يعلن مثلا عن تخفيض لرواتب الوزراء وكبار المسؤولين؟

3ـ من الإجراءات البعدية التي يجب اتخاذها أن يتم التدخل وبشكل فوري  لصالح المواطنين الأكثر هشاشة لتخفيف آثار أعباء زيادة المحروقات عليهم ، فهذه المبالغ التي ستستعيدها الدولة من خلال خفض دعم أسعار المحروقات يجب أن يلمسها المواطن الهش ـ وبشكل شبه فوري ـ  من خلال برامج اجتماعية أو تدخلات مباشرة لدعم قدرته الشرائية؛

4 ـ من هذه الإجراءات المصاحبة والبعدية  يمكن أن نذكر ضرورة الوقوف بحزم ضد أي محاولة لاستغلال فج لهذه الزيادة من طرف الناقلين والتجار. لقد تعودنا في هذه البلاد أن يستغل التجار أي زيادة في الأسعار بإحداث زيادات تفوق بكثير تلك الزيادة، فمثلا عندما تزداد أسعار المحروقات بنسبة معينة، فإن الناقلين يضاعفون وبشكل تلقائي سعر التذاكر، فسعر التذكرة لا يزيدونه مثلا ب50 أوقية قديمة، وإنما يزيدونه بمائة أوقية كاملة.

إن زيادات الأسعار في بلادنا أصبحت تتم بالأرقام الدائرية فقط، وقد ساهم تغيير قاعدة الأوقية في ذلك، فمن مائة ننتقل مباشرة إلى مائتين، ودون المرور ب120 أو 140 أو 180. هذا النوع من الزيادات يجب الوقوف بحزم ضده، وخاصة على مستوى أسعار تذاكر النقل، في هذه الأيام التي شهدت ارتفاعا في أسعار المحروقات.

5ـ لقد آن الأوان لأن تتوقف الحكومة عن التعامل الأحادي أو التعامل من وجه واحد  مع تغير أسعار المحروقات عالميا، أي أنها ترفع الأسعار محليا عندما ترتفع الأسعار عالميا، ولا تخفضها محليا إن هي انخفضت عالميا، ففي حالة الانخفاض في أسعار المحروقات عالميا، فإن ذلك يجب أن ينعكس أيضا على الأسعار محليا، وبما أن هناك انخفاضا قد لوحظ خلال الأيام الأخيرة للأسعار العالمية للمحروقات أوصلها إلى سعرها ما قبل الحرب على أوكرانيا، ففي حالة استمرار هذا الانخفاض، فإنه على الحكومة أن تخفض الأسعار محليا، وبما يتناسب مع ذلك الانخفاض في أسعارها عالميا.  

أكتفي بهذا القدر في هذا المقال التحليلي عن زيادة أسعار المحروقات، وسأحاول في المقال القادم أن أجيب ـ إن شاء الله ـ  على أسئلة كل الذين تذكروني مع هذه الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، فسألوا عن حراك "ماني شاري كزوال"، وعما إذا كنتُ سأرتدي من جديد "دراعتي تحتج" أم لا؟

حفظ الله موريتانيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق