الخميس، 23 يوليو 2020

غياب الوجه الآخر من النضال


لا جدال في أهمية التظاهر والاحتجاج ومقارعة الأنظمة الحاكمة، ولا خلاف على أن سنام النضال هو ذلك النضال الذي يتسبب لصاحبه في الإقصاء والتهميش والتعذيب والسجن. لا خلاف على ذلك، ولكن ذلك لا يعني بأن النضال يقتصر فقط على الاحتجاجات والتظاهرات ومقارعة الأنظمة الحاكمة ومخاطبتها بكلام لاذع وجارح.
هناك وجه آخر للنضال يمكن القول بأنه أكثر نعومة، وهذا "النضال الناعم" يمكن أن يكون أكثر فاعلية وأشد تأثيرا من "النضال الخشن" إذا ما تم استخدامه بذكاء وفي أوقات وظروف محددة.
لتقريب الفكرة وتبسيطها سأضرب لكم "مثالين نضاليين" كنتُ شاهدا عليهما.

لقد كنتُ من الذين شاركوا ومنذ أول يوم في حراك "ماني شاري كازوال"، وقد كان هذا الحراك ينظم وقفة احتجاجية في العاصمة نواكشوط كل أسبوع ولمدة ما يزيد على عام كامل، هذا فضلا عن الكثير من الوقفات الأخرى التي تم تنظيمها في العديد من عواصم المدن والمقاطعات. حدثت بعض الاصطدام بقوات الأمن، وتعرض بعض المشاركين في هذه الوقفات للضرب والتنكيل من طرف الشرطة، وكذلك للاعتقال. لم يتمكن هذا الحراك ـ رغم طول نفسه الاحتجاجي ـ من أن يحقق مطلبه الوحيد الذي رفعه، وهو المطلب المتعلق بتخفيض أسعار المحروقات. صحيح أن الحراك تمكن من أن يجعل موضوع ارتفاع أسعار المحروقات حاضرا في الخطاب السياسي، وحتى في الأحاديث اليومية للمواطنين، ولكنه مع ذلك فشل فشلا ذريعا في أن يحقق أي اختراق على مستوى تخفيض الأسعار.
لقد كنتُ أيضا من الذين شاركوا ومنذ أول يوم في حملة "معا للحد من حوادث السير" ، والتي لم تنظم أي وقفة احتجاجية خلال السنوات الأربع التي مضت من عمرها، هذا إذا ما استثنينا وقفة احتجاجية واحدة خجولة، نظمناها عند انطلاق الحملة في شهر أغسطس من العام 2016.
لا أنكر بأن حملة "معا للحد من حوادث السير" لم تجد هي الأخرى مضايقات من النظام السابق، وذلك على الرغم من ابتعادها التام عن الاحتجاج والتظاهر وتركيزها على التوعية والتحسيس، ولكن، وعلى الرغم من تلك المضايقات، فقد تعاملت بعض القطاعات الحكومية ـ  في العهد السابق ـ تعاملا إيجابيا مع الحملة، وخاصة الدرك الوطني والمجموعة الحضرية والإعلام الرسمي (قناة الموريتانية).
كما أن الحملة وجدت تجاوبا معها في بعض مطالبها، ولولا ضيق المقام لبسطت في ذلك وقدمتُ بعض الأمثلة الملموسة.
إن هناك صورة نمطية عن النضال ترسخت في أذهان المعارضة (أحزاب سياسية ؛ حركات شبابية) تكاد تحصر النضال في الاحتجاج والتظاهر وخلق أجواء الصدام مع السلطة الحاكمة. هذه الصورة النمطية هي التي جعلت المعارضة الموريتانية والحركات الشبابية تمتلك قدرة كبيرة على الظهور عندما يكون النظام صداميا، وتعيش ارتباكا كبيرا ـ كما هو حاصل الآن ـ عندما يكون النظام أقل صدامية وأكثر انفتاحا على خصومه السياسيين.
هناك نمط من النضال الناعم قد يكون أكثر فاعلية في بعض الأوقات والظروف، ولكن ما يؤسف له، هو أن المعارضة الموريتانية بأحزابها السياسية وبشبابها لا تتقن ممارسة هذا النمط من النضال.
تحاول السلطة القائمة أن تخوض حربا ضد الفساد، وهمية كانت أو حقيقية، ذلك موضوع خلاف لن نناقشه في هذا المقام. المهم أنها خطت خطوة واضحة في محاربة الفساد، وذلك في وقت تواصل فيه المعارضة الموريتانية تفرجها، وكأنها غير معنية بالموضوع، وذلك على الرغم من أن محاربة الفساد كانت تعد أولوية الأولويات عند المعارضة الموريتانية.
إلى متى سيستمر هذا الارتباك الذي تعاني منه المعارضة الموريتانية؟
إلى متى سيستمر غياب المعارضة في مثل هذه اللحظة الوطنية الحرجة التي تستدعي حضورها؟
مشكلة المعارضة الموريتانية التي تعاني منها في أيامنا هذه هو أنها لا تريد أن تدعم نظاما حاكما وذلك حقها الطبيعي، ولا تريد في الوقت نفسه أن تعارضه مخافة أن يستفيد الرئيس السابق من ذلك، وأن تجعلها تلك المعارضة تتخندق مع الرئيس السابق في صف واحد.
ما العمل؟
في اعتقادي الشخصي أن المخرج الوحيد لدى المعارضة الموريتانية هو أن تنزل ـ وبقوة ـ  إلى الساحة النضالية، والتي قد لا تكون في هذا الوقت ساحة احتجاج وتظاهر، وأن يكون شعارها في هذه المرحلة هو "لا للفساد" . فرفع هذا الشعار سيجعل المعارضة في خندق آخر غير خندق الرئيس السابق، كما أنه سيمكنها من أن تجد "مساحة كافية" لممارسة شيء من الضغط على  النظام الحالي، وذلك من خلال المطالبة بتوسيع مجال الحرب على الفساد إلى أن يصل إلى وقف تدوير المفسدين، وإلى ملفات أخرى لم يتم فتحها حتى الآن. بهذا تكون المعارضة قد استطاعت أن تخلق "مساحة نضالية" تتحرك فيها للضغط على النظام الحالي، ودون أن يكون تحركها ذلك في صالح الرئيس السابق.

حفظ الله موريتانيا...                                    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق