الاثنين، 23 أبريل 2018

ولد غدة: من ظلم السلطة إلى خذلان المعارضة


لم يحدث أن تعرض نظام محمد ولد عبد العزيز منذ إطلالته بدون ستار في صبيحة السادس من أغسطس من العام 2008 لصفعة سياسية قوية بحجم تلك الصفعة التي وجهها لها الشيوخ في يوم السابع عشر من مارس من العام 2017. ولم يحدث في المقابل أن تعرض منتخبون لعملية تشويه وفبركة بحجم تلك العملية التي تعرض لها الشيوخ من بعد إسقاطهم للتعديلات الدستورية ذات جمعة سيكون لها ما بعدها.

جمعة الزلزال السياسي
في مساء الجمعة الموافق 17 مارس 2017 صوت 33 شيخا ب"لا" على التعديلات الدستورية، وأحدث ذلك التصويت هزة سياسية قوية في نظام ولد عبد العزيز، حتى وإن لم يتم استغلالها بشكل جيد من طرف المعارضة. ولأن الهزة كانت قوية، فكان لابد من الرد عليها بقوة، وقد تم الرد من خلال فبركة وتلفيق تهم ضد الشيوخ.
عمل نظام ولد عبد العزيز على تشويه سمعة الشيوخ الذين صوتوا ب"لا" على التعديلات الدستورية، وحاول أن يصورهم على أنهم شلة من المرتشين، وعلى أن تصويتهم ب"لا" كان مدفوع الثمن، ففتح ملفات مفبركة، كان من نتائجها أن تم إخضاع ثلاثة عشر شيخا لرقابة قضائية ما تزال مستمرة، هذا بالإضافة إلى اختطاف واعتقال الشيخ محمد غدة.
اختطاف في ليلة الجمعة
في حدود الساعة العاشرة والنصف ليلا من مساء الخميس (ليلة الجمعة) الموافق 10 ـ 08ـ 2017، تم اختطاف السيناتور ولد غدة من منزله، وتم اقتياده إلى جهة مجهولة حيث قضى ستة أيام دون أن يُعرف عنه أي شيء.
بيان ظهيرة الجمعة
بعد ثمانية أيام من عملية الاختطاف أصدرت النيابة العامة ظهر الجمعة الموافق 18 ـ 08 ـ 2017 بيانا نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء على تمام الساعة الثالثة و42 دقيقة و48 ثانية. وفي ذلك البيان تم توجيه  تهم للسيناتور بارتكاب جرائم صنفتها النيابة العامة على أنها "جرائم خطيرة أخذت مسالك غير تقليدية، وغير مسبوقة في تاريخ البلد."، وقالت النيابة العامة في بيانها على أنها توصلت من خلال معلومات موثقة "عن قيام أشخاص متعددين بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود ومنافية للأخلاق والقيم السائدة في مجتمعنا، ضمن تشكيل منظم يهدف إلى زعزعة السلم العام."
إحالة للسجن في فجر الجمعة
في وقت خارج الدوام الرسمي، وتحديدا في  فجر يوم الجمعة الموافق 1 سبتمبر 2017، والذي صادف عيد الأضحى المبارك تمت إحالة السيناتور ولد غدة إلى السجن المدني، ومنذ ذلك اليوم وهو في السجن دون محاكمة. وكان أول ظهور له خارج السجن يوم تم استجلابه إلى المحكمة مكبلا بالحديد، وظل كذلك من الساعة الحادية عشر صباحا إلى الخامسة عصرا، فلم يسمح له بالصلاة ولا بتناول الغذاء أو الشراب.
تلكم كانت بعض المحطات الهامة في ملف السيناتور ولد غدة، وهو الملف الذي كان قد تم فتحه بعد حادث سير أليم ارتكبه السيناتور عن طريق الخطأ على طريق (روصوـ  نواكشوط) ظهر يوم  الجمعة الموافق 12 مايو 2017. وبموجب هذا الحادث تم السطو على هاتف السيناتور، وتم التجسس على مكالماته وعلى خصوصياته، وكان كل ذلك من أجل تلفيق تهم ضده.
ثمانية أشهر وزيادة مرت على اختطاف السيناتور ولد غدة، ومع ذلك فلا يزال النظام غير قادر على محاكمته على جرائم اعتبرتها النيابة العامة  بأنها"جرائم فساد كبرى عابرة للحدود ومنافية للأخلاق والقيم السائدة في مجتمعنا "وقالت عنها بأنها "جرائم خطيرة أخذت مسالك غير تقليدية، وغير مسبوقة في تاريخ البلد."
فلماذا لم يحاكم حتى الآن السيناتور ولد غدة على هذه الجرائم العابرة للحدود والمنافية للأخلاق والقيم حسب بيان النيابة العامة؟
يعلم النظام الحاكم بأن أي محاكمة للسيناتور ولد غدة ستكون محاكمة للنظام، ويعلم بأن البدء في تلك المحاكمة سيتيح الفرصة للسيناتور لأن يتحدث أمام  القضاة والمحامين والجمهور فيبين حجم الفبركة في هذا الملف، وسيتحدث محاموه عن الذي أعطى وعن الذي وعد بالمزيد من العطايا والامتيازات مقابل التصويت ب"نعم" على التعديلات الدستورية.
يعلم النظام الحاكم بأن محاكمة السيناتور ولد غدة  في ملف "جرائم الفساد العابرة للحدود"، أو في ملف "رصاصات أطويلة" ستكشف الكثير من التلفيق والفبركة، وستكون في نهاية المطاف محاكمة للنظام، ولذلك فلم يتجرأ النظام على محاكمة السيناتور، ولا أظنه سيتجرأ، وذلك على الرغم من مرور ما يقترب من تسعة أشهر على اختطافه.
لم يكن النظام الحاكم يتوقع بأن السيناتور ولد غدة سيصمد، وكان يعتقد بأنه سينهار في السجن، وبأنه سيتوسل إلى سجانه طلبا لحرية مؤقتة، ولكن أي شيء من ذلك لم يحدث، بل على العكس من ذلك، فقد أظهر السيناتور شجاعة وصبرا وصمودا أربك سجانيه، وذلك على الرغم من خذلان المعارضة، وعلى الرغم من خذلان أغلبية شعب كانت ترفض تعديلات دستورية صوت ضدها السيناتور ولد غدة مع زملائه الشيوخ، وعملوا على إسقاطها، ليتركوا من بعد ذلك لوحدهم في مواجهة نظام قرر أن ينتقم منهم بتلفيق التهم، وبتشويه السمعة، وبالسجن وبالإخضاع للمتابعة الفضائية.
ويبقى أن أقول في الأخير بأني لستُ قلقا على السيناتور ولد غدة، فأنا على قناعة بأن صموده سيهزم النظام في نهاية المطاف، ولكني قلق على كل أولئك الذين خذلوا السيناتور ولد غدة فتركوه وحيدا مكشوف الظهر في مواجهة نظام باطش لا يتورع عن فعل أي شيء لتشويه سمعة خصومه السياسيين.
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق