الأربعاء، 23 يوليو 2014

من ذا الذي حول مسيرة الإجماع الوطني إلى مسيرة للشقاق الوطني؟

إنه لمن المؤسف حقا أن تتحول مسيرة الإجماع الوطني الداعمة لغزة، والتي كان من المفترض بها أيضا أن تمد يد العون لأهلنا في أمبود إلى مسيرة للشقاق الوطني، وإنه لمن المخجل حقا أن تفشل هذه المسيرة في مثل هذا الوقت الحرج الذي يرتكب فيه العدو مجازر بشعة ضد أهلنا في غزة المقاومة والمنتصرة بإذن الله. 

لقد تسبب فشل هذه المسيرة في صدمة كبيرة للكثير من الموريتانيين الذين كانوا قد تحمسوا لها كثيرا عندما أعلن عنها، وقد تحمس الجميع لهذه المسيرة لأنها أولا كانت مسيرة داعمة لغزة التي تتعرض اليوم  لمجازر بشعة من طرف عدو متغطرس، ولأنها ثانيا ستكون أول مسيرة داعمة لأهلنا في أمبود، ولأنها ثالثا، وهذه  ليست بأقل أهمية، أنها  أول مسيرة  كان من المفترض بها أن تجمع الطيف السياسي، والذي يتمنى الكثير من الموريتانيين أن يراه مجتمعا ولو لمرة واحدة،  بعد ست سنوات عجاف من التجاذب والاستقطاب السياسي الغير مسبوق.
فمن ذا الذي أفشل هذه المسيرة التي تحمس لها الكثير من الموريتانيين، ومن الذي حولها إلى مسيرة للشقاق الوطني بدلا من أن تكون مسيرة للإجماع الوطني؟
الإجابة على هذا السؤال تفرض علينا أن نعود أياما قليلة إلى الوراء، وذلك لنوضح جملة من الأمور:
أولها : لقد تم الإعلان عن هذه المسيرة في حفل إفطار جمع كل الطيف السياسي والنقابي والإعلامي، وهو الحفل الذي نظمه حزب "تواصل"، وللتذكير فإن حزب "تواصل" هو من الأحزاب المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
ثانيها : إن أول من اقترح فكرة هذه المسيرة هو الرئيس محمد ولد مولود، وللتذكير فإن محمد ولد مولود يرأس حزب اتحاد قوى التقدم، والذي هو أيضا من الأحزاب المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
ثالثها : بعد أن تقدم الرئيس محمد ولد مولود بهذا المقترح إلى الطيف السياسي عبرت نقابة الصحفيين ونقابة المحامين عن استعدادهما الكامل للإشراف على هذه المسيرة.
يمكنكم أن تلاحظوا بأنه وإلى حد الآن، لم يتم أي ذكر لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، لا في اقتراح الفكرة، ولا في بذل أي جهد في جمع الطيف السياسي والنقابي والإعلامي الذي سيتبنى فيما بعد هذه الفكرة، ولكنكم ـ وهذا مما يثير الاستغراب حقا ـ ستسمعون كثيرا عن حزب الاتحاد، وعن أطفاله، وعن لافتاته عندما يبدأ الحديث عن فشل المسيرة.
لقد عبر الجميع عن ترحيبه بمقترح الرئيس محمد ولد مولود الداعي إلى تنظيم مسيرة داعمة لغزة، وإلى إطلاق قافلة لإغاثة ضحايا السيول في أمبود، ليتم بعد ذلك تشكيل لجنة للإشراف على المسيرة، ستحدد فيما بعد وباتفاق مع المشاركين موعدا للمسيرة، كما ستتفق معهم على أن تقتصر الشعارات على رفع العلم الفلسطيني والموريتاني، وعلى الاكتفاء برفع شعارات تدين الحرب على غزة.
ولاشك أن مثل ذلك الاتفاق كان سيساهم في نجاح المسيرة، فالسماح لكل حزب بأن يرفع شعارات خاصة به، كان سيؤدي حتما إلى فوضى كبيرة في الشعارات، فقد يرفع الحزب الحاكم شعارا ت تمجد الرئيس ولد عبد العزيز على قطعه للعلاقات مع العدو، وقد ترفع الأحزاب المشكلة للمنتدى شعارات تدين الموقف المتخاذل الذي اتخذته الحكومة من الحرب الدائرة حاليا في غزة، وكان ذلك سيؤدي بالمسيرة إلى أن تتحول إلى خصومة بين المشاركين فيها، بدلا من أن تكون مسيرة جامعة للطيف السياسي والنقابي.
لا يمكن لهذا النوع من المسيرات الذي يجمع المعارضة والموالاة أن ينجح إلا إذا تم الابتعاد عن الشعرات الحزبية، فلماذا أصر حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على أن يرفع شعارات حزبية خاصة به؟
لا يمكن أن نجيب على هذا السؤال، إلا بإجابة واحدة، وهي أن الحزب الحاكم كان يسعى فعلا إلى إفشال هذه المسيرة، ومما يدعم ذلك، هو أنه في مثل مناسبة كهذه كان من المفترض أن تكون المعارضة هي من يصر على رفع شعارات حزبية، لا الحزب الحاكم، ولكن أن يكون الحزب الحاكم هو من يصر على رفع شعارات حزبية في حين أن المعارضة هي من يطالب بالاكتفاء برفع العلم الوطني، فإن ذلك لمن الأمور التي تثير الاستغراب.
ومما يؤكد أن الحزب الحاكم كان يسعى لإفشال المسيرة هو أنه لم يعلن عن نيته لرفع شعارات حزبية إلا بعد منتصف النهار من يوم المسيرة، أي في وقت لم يعد بإمكان المشاركين الآخرين أن يعدوا لافتات خاصة بهم تحمل شعاراتهم، حتى ولو قبلوا بأن يرفع كل حزب شعاراته الخاصة به. فالحزب الحاكم لم يعلن عن إصراره على رفع شعارات خاصة به، إلا في وقت لم يعد بإمكان المشاركين الآخرين أن يأتوا بشعارات خاصة بهم، حتى ولو أرادوا ذلك.
ولم يكن الاتحاد من أجل الجمهورية هو من يتحمل لوحده فشل هذه المسيرة، فقد شاركت لجنة الإشراف على المسيرة في إفشالها، وذلك لأن هذه اللجنة كانت قد أظهرت الكثير من الضعف أمام حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وقد كان الأمر أكثر وضوحا لدى نقابة المحامين والتي أظهرت ضعفا لا يليق بها أمام حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وسأكتفي هنا باتهام النقابة بالضعف، حتى لا أتهمها بأكثر من ذلك.
لقد فشل المجلس الجديد لهيئة نقابة المحامين في أول اختبار له، وبالتأكيد فإن ذلك لا يبشر بخير على هذا المجلس، خاصة إذا ما علمنا بأن المجلس السابق كان قد نجح في الإشراف على نشاط مماثل داعم لغزة.
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق