الخميس، 21 نوفمبر 2013

ثلاث برقيات عاجلة جدا


في مثل هذه اللحظة الحرجة جدا، فإني أتوجه بهذه البرقيات الثلاث إلى ثلاث جهات كان من المفترض بها أن تنأى بنفسها عن كل شبهة، وأن تبتعد عن كل ما يمكن أن يشكك في مصداقيتها، وذلك حتى تبقى لدينا في هذا البلد هيئة، أو رابطة، أو لجنة واحدة، يمكن للمواطن الموريتاني أن يثق بها، على الأقل، في مجال تخصصها.

البرقية الأولى: إلى رابطة العلماء الموريتانيين
لا شك أن هذه الحملة الانتخابية قد شهدت تنافسا شديدا في استخدام الشعارات الدينية، وفي استغلالها من طرف المتنافسين. ففي هذه الحملة سمعنا بمن يدعو الناخب الموريتاني لأن يصوت لمرشحي حزب ما  حتى يكون مع الصادقين، وسمعنا من يدعوه للتصويت للائحة العلماء، وسمعنا بمن يدعو للتصويت لسفراء رسول الله صلََى الله عليه وسلم، ومن قبل ذلك كله سمعنا بمن يدعو للتصويت لله.
في وضعية كهذه كان على رابطة علماء موريتانيا أن تتصرف بحكمة وبحياد، وأن تعمل ما في وسعها حتى لا يتم استغلال الشعارات الدينية في حملات انتخابية عابرة، وبلا مصداقية، ولكن على العكس، فقد فوجئنا برابطة علماء موريتانيا تصدر بيانا تنتقد فيه ذلك الاستغلال، ولكنها، وهذا ما يقلق حقا،  ذيلت بيانها بإعلان دعمها لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وليتها اكتفت بذلك. فلو أنها اكتفت بذلك لاستحقت بأن توصف بأنها هيئة علماء الاتحاد من أجل الجمهورية، أي أنها هيئة حزبية لها مصداقيتها على مستوى حزب معين، ولكن الهيئة لم تهتم حتى بالمحافظة على مصداقية حزبية، بل إن رئيسها فاجأ الموريتانيين، وفي اليوم الموالي لإصدار البيان المذكور، بإعلان دعمه  لمرشح حزب الحراك في إحدى مقاطعات الوطن. وقد تم الإعلان عن ذلك الموقف بلغة صريحة وفصيحة ومليئة بالحماس، لدرجة أن رئيس رابطة العلماء دعا ربه، فقال : "اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، يا مولان زوج امرأة نصرتنا وارزقها الولد، ورجلا نصرنا فربحه، يا مولانا من تخلى عنا فتخلي عنه، يا مولانا نطلبك من هذا المحل وطلبناك واستجبت لنا قبل عشر سنين، أن تنصر (.....)".
أليس من حقنا نحن عامة المسلمين، أن نستغرب انخراط رابطة العلماء الموريتانيين في العمل السياسي الحزبي؟ أوَ ليس من حقنا أن نطلب منها إذا ما انخرطت في العمل السياسي الحزبي أن تحاول أن تحتفظ على الأقل بالمصداقية، أي أن لا تدعم حزبا في هذا اليوم، وتدعم حزبا آخر في اليوم الموالي؟ فلماذا عملت رابطة علماء موريتانيا على التشكيك في مصداقيتها لدى المواطن الموريتاني؟ ولماذا لم نسمع عن عالم واحد من المنتسبين لهذه الرابطة يعلن عن استيائه من استخدام هذه الرابطة الموقرة في العمل السياسي الحزبي؟ وأخيرا لماذا لم يعلن أي عضو من أعضاء هذه الرابطة عن استقالته انتصارا للدين الذي أصبح يستغل من طرف العلماء أسوأ استغلال، وذلك من أجل تحقيق مكاسب انتخابية آنية؟
البرقية الثانية : إلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان
لقد كان غريبا أن لا نسمع عن هذه اللجنة إلا من خلال بيان سياسي يعلن عن وقوفها مع طرف سياسي ضد طرف آخر. ولقد كان غريبا، ونحن نعيش في العام 2013، أن تصدر لجنة حقوق الإنسان في بلدنا بيانا يندد بموقف سياسي اتخذته بعض الأحزاب السياسية بمقاطعة انتخابات تعتقد بأنها لا تتوفر على الحد الأدنى من الشفافية، مع العلم بأن تلك الأحزاب السياسية لم تستخدم أي نوع من أنواع العنف ضد تلك الانتخابات، وإنما اكتفت باحتجاجات سلمية تم الترخيص لها من طرف السلطة القائمة.
وليت اللجنة الوطنية اكتفت بذلك البيان المشين، ولكنها في اليوم التالي، وعندما استخدمت الشرطة عنفا مفرطا ضد متظاهرين سلميين لم تصدر تلك  اللجنة بيانا للتنديد بذلك العنف، وإنما توارت بعيدا عن الأنظار، وعادت إلى سباتها، في انتظار قدوم لحظة سياسية جديدة تقتنصها تلك اللجنة للإعلان من جديد عن انحيازها للسلطة القائمة على حساب حق الإنسان الموريتاني في التعبير عن رأيه من خلال الاحتجاج السلمي.
وهنا أود أن أنبه هذه اللجنة "الموقرة" التي كنا نأمل أن يستقيل على الأقل عضو واحد من أعضائها تنديدا بذلك البيان المشؤوم، أن أنبهها على أن الرئيس الحالي، وهذه خصلة تعجبني فيه، لا يهتم كثيرا بالتصفيق والتطبيل، ولا ببيانات المساندة، ولا بالدعم أثناء الحملات الانتخابية.
فمن ذا الذي بإمكانه أن يدعم الرئيس الحالي بنصف أو بربع أو حتى بخمس ما دعم به رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو؟ فأين هو الآن محمد ولد بوعماتو؟  ومن الذي بإمكانه أن يدعم الرئيس الحالي بعُشر ما دعمه به كاتب الحلقة الأولى من "نحن والمسار الانتخابي"؟ ألم يدمج ذلك الكاتب حزبه السياسي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؟ ألم يشتم أصدقاءه في المعارضة؟ ألم يصفهم بأبشع الأوصاف؟ فأين هو ذلك الكاتب الآن؟ وبالمناسبة فأين هي الحلقة الثانية من سلسلة " نحن والمسار الحانوتي"؟ ولماذا تأخرت كثيرا؟ أم أن الوعد بتلك الحلقة كان لمجرد تعزيز القدرات التفاوضية للكاتب؟
وعلى اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن تعلم بأن الرئيس الحالي لن يتردد إطلاقا في إحراجها، عندما تأتي اللحظة المناسبة التي يكون فيها الرئيس بحاجة ماسة لأن يحل المجالس المنبثقة عن انتخابات 23 من نوفمبر، وهي ستأتي قريبا، فيعلن بأن انتخابات 23 من نوفمبر لم تكن شفافة، تماما كما أعلن ذات ليلة مشهودة، وفي النسخة الرابعة من لقاء الشعب، بأن ما حدث قي صبيحة السادس من أغسطس من العام 2008 كان انقلابا عسكريا خالصا، ولم يكن حركة تصحيحية كما قال بذلك كبار فقهاء القانون الدستوري في البلد. وكما قال به أيضا أعضاء المجلس الدستوري القائم حاليا. ولم يكتف الرئيس بهذا القدر من الإحراج، بل إنه تمادى في تلك الليلة في إحراج المطبلين له، خاصة من فقهاء القانون، وذلك عندما اعترف صراحة بأنه لم يكن رئيسا شرعيا من قبل  فوزه في الانتخابات الرئاسية التي تم تنظيمها في يوليو 2009.
ألم تتذكروا الآن عشرات النواب والقانونيين الذين بحت حناجرهم بعد انقلاب السادس من أغسطس للدفاع عن شرعية الانجاز، وعن شرعية الحركات التصحيحية، وعن شرعية الرئيس عزيز من قبل فوزه في رئاسيات2009 ؟
البرقية الثالثة : إلى الحكماء السبعة
إن المرء ليحتار عندما يتأمل حال الحكماء السبعة، فما الذي يريده هؤلاء الحكماء السبعة بعد أن تقدم بهم العمر؟ فهل يريدون المال؟ أوَ لا يكفيهم ما جمعوا من مال خلال ما مضى من حياتهم؟
ولماذا يصر هؤلاء الحكماء السبعة على أن يهدروا المليارات من أموال الشعب الموريتاني في انتخابات عبثية يعرفون هم من قبل غيرهم بأنها بعيدة كل البعد عن الشفافية والنزاهة؟
كما يعرفون أيضا بأنها لن تحل الأزمة السياسية القائمة، بل ستزيدها عمقا؟ وكما يعرفون زيادة على ذلك كله، بأن الرئيس سيلغي نتائج هذه الانتخابات، في وقت قريب، وسيحل المجالس المنبثقة عنها من قبل أن تكمل عامها الأول.
وفي الأخير، فعلى الحكماء السبعة أن يعلموا بأنهم سيسألون غدا بين يدي الله عن هذه الانتخابات التي أوكلت إليكم.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق