الاثنين، 22 أكتوبر 2012

رصاصات "اللقاء الحصري" على الرواية الرسمية!



بث التلفزيون الحكومي الليلة البارحة لقاءً حصريا مع الملازم الذي أطلق النار على الرئيس عن طريق الخطأ، وذلك بعد أن مر أسبوع كامل على  تلك الحادثة. وفي هذا اللقاء الحصري تم إطلاق رصاصات ـ بحسن نية، أو بسوئها على الأرجح ـ على الرواية الرسمية للحادثة، فكانت النتيجة أن أصيبت هذه الرواية ـ والتي ولدت بتشوهات خلقية ـ  بإصابات بالغة ستؤدي حتما إلى موتها المبكر عند غالبية الذين  تابعوا ذلك اللقاء الحصري.
كانت الرواية الرسمية ـ من قبل نيران اللقاء الحصري ـ هي الرواية الأكثر مصداقية عند الناس، وبالتأكيد فإن تلك المصداقية لم تكتسبها من نقاط قوة كانت تختزنها، وإنما اكتسبتها من كثرة نقاط الضعف في كل رواية من الروايات التي حاولت أن تنافس الرواية الرسمية، أو أن تكون بديلا لها.
والحقيقة أن الرواية الرسمية قد تم تقديمها ليلة الحادثة، من طرف وزير الاتصال بطريقة مربكة، وكأن الوزير أراد أن يغذي الشكوك حول مصداقية تلك الرواية لحظة ظهورها للعلن. ولما بدأت هذه الرواية تكتسب مصداقية، ولما بدأ المواطنون يقتنعون بها نظرا  لغياب أي مصداقية للروايات البديلة، جاء اللقاء الحصري وكأنه قد انزعج من تلك المصداقية التي جاءت صدفة، فأطلق نيرانه من جديد على الرواية الرسمية، ليعيد إليها الشكوك، وليكشف بذلك  أن وزير الاتصال ومؤسسات الإعلام الرسمي التابعة له هم من ألد خصوم الرواية الرسمية.
ولعل نقطة القوة الوحيدة التي كانت تختزنها الرواية الرسمية ـ إن كانت هناك من نقطة قوة تختزنها ـ هي أنها تركت لمُصَدِّقيها الحرية الكاملة في تخيل تفاصيل معقولة للحادث، ولكن بعد اللقاء الحصري لم يعد بإمكاننا ـ نحن من صدقنا الرواية الرسمية ـ أن نتخيل تفاصيل الحادث، وذلك لأن المعنيين قدموا لنا تفاصيل ساذجة ومتناقضة في لقائهم الحصري، فأحرجونا، وأحرجوا أنفسهم أمام كل المشككين في هذه الرواية.
وقبل أن أكشف عن بعض نقاط الضعف التي سجلتها خلال متابعة اللقاء الحصري، دعوني في البداية أحدثكم عن بعض الملاحظات العامة ذات الصلة باللقاء الحصري.
الملاحظة الأولى : لم يكن من المناسب أن يؤتى بملازم إلى التلفزيون الحكومي ليتحدث عن أخطائه المهنية أمام المدنيين والعسكريين على حد سواء.
الملاحظة الثانية : من المعروف أن الحديث في التلفزيون له رهبته، خصوصا إذا تعلق الأمر بضابط عسكري لم يتعود على التحدث أمام أي جمهور.
الملاحظة الثالثة : من المؤكد أن الملازم سيجد حرجا كبيرا في أن يتحدث عن الأخطاء التي ارتكبها  رئيس الجمهورية أثناء الحادثة.
الملاحظة الرابعة : إن الملازم سيركز في اللقاء على إثبات حسن نيته عند إطلاق النار أكثر من تركيزه على مصداقية الرواية الرسمية.
الملاحظة الخامسة : إن الحالة النفسية للملازم لن تكون معينة على دعم الرواية الرسمية أثناء حديث الملازم عن تفاصيلها.
لقد كان من الأفضل في حالة كهذه أن تتولى مديرية الاتصال والعلاقات العامة بالجيش مهمة الحديث عن الرواية الرسمية، وكان من الأفضل أن يتم ذلك من خلال بيان تنشره المديرية مباشرة بعد حادث إطلاق النار، على أن يحوي ذلك البيان إجابة على كل الأسئلة التي كان من المفترض أنها ستطرح، ومن قبل أن يتم طرحها.
ولكن ومادام قد حصل التقصير، فكان من اللازم لتلافي ذلك التقصير، أن يتولى مسؤول الاتصال بالجيش تصحيح ذلك الخطأ بنفسه، ودون أن يصحب معه الملازم.
وفي هذه الحالة كان من المفترض بمسؤول الاتصال وهو الناطق الرسمي بالجيش، وهو من يفترض به أيضا أن يكون قد تدرب على الحديث لوسائل الإعلام، أن يعقد مؤتمر صحفيا في قيادة الأركان يبين فيه تفاصيل إطلاق النار على موكب الرئيس، أو أن يطلب من التلفزة أن تستضيفه لوحده ليقدم توضيحا حول الحادث من خلال التلفزيون، إذا لم تكن قيادة الأركان تقبل بمؤتمر صحفي حول الحادثة.
بالعسكري الفصيح لقد كانت استضافة الملازم في التلفزيون خطأً فادحا، ولولا أني من الذين لا يحبون أن يتحدثوا عن الجيش كمؤسسة إلا بالحسنى، لفصلت كثيرا حول هذا الخطأ الفادح.
وبالعودة إلى اللقاء الحصري، فيمكن القول بأن توقيت هذا اللقاء خدم كثيرا المشككين في الرواية الرسمية، والذين كاد حماسهم أن يضعف في اليومين الأخيرين فبعث الله لهم التلفزة الحكومية ولقائها الحصري الذي أطلق رصاصات الرحمة على ما تبقى من  مصداقية للرواية الرسمية، وبعث من جديد الشكوك حول تلك الرواية.
لقد كانت التناقضات واضحة، وكانت نقاط الضعف كثيرة، أكثر من أن يتم حصرها، لذلك فسأكتفي بأربعة منها:
1ـ أن يقول الملازم بأنه استهدف عجلات السيارة  من 70 مترا فتغير الرصاصات مسارها في اتجاه الرئيس تحديدا، ولا تصيب أي واحدة منها مرافقه، فذلك مما يبعث الكثير من الشكوك.
كان الأولى بالملازم أن يقول صراحة ما كنت قد قلته أنا سابقا في قصة "الملازم والرئيس"، فيقول بأنه لم يستهدف عجلات السيارة إطلاقا، ولم يستهدف مرافق السائق، وإنما استهدف السائق بشكل مباشر وفوري، لأن الوقت كان ضيقا، ولأن شكوكه في من يقود السيارة قد بلغت ذروتها، فمثل ذلك القول هو وحده الذي كان بإمكانه أن يفسر أن يصاب الرئيس لوحده بمثل تلك الإصابات البالغة.
2 ـ  أن يتحدث الملازم في بداية الحادثة عن ضابط الصف الذي رافقه، عن رتبته، وعن اسمه، ثم ينساه نهائيا بعد ذلك، وكأن الأرض قد ابتلعته فذلك مما يثير الشكوك حول مصداقية الرواية الرسمية.
وأن يتحدث الملازم عن السرعة التي كانت تسير بها سيارة الرئيس، وعن بطئه هو في ردة الفعل، فذلك مما يثير الشكوك حول الرواية ( أثناء مرور السيارة بجنبي أطلقت الرصاص في الهواء، أخذت وضعية على ركبتي، ثم أخذت أطلق النار على العجلات، أثناء الوضعية كانت السيارة قد ابتعدت 70 مترا، كل مرة أتقدم معتقدا بأن السيارة ستتوقف، ثم أتقدم، أتقدم...)
وأن يقول الملازم أيضا بأنه قد أدار ظهره للسيارة الثانية، وأن يشغل نفسه بالحديث عن نوعية تلك السيارة، وكأن الحديث عن نوعيتها يخدم حجته فذلك أيضا مما يشكك في صدق ما قاله الملازم.
لقد حاولت أن أتخيل نفسي في السيارة الثانية، فتخيلت المشهد التالي : شاب يطلق الرصاص على سيارة الرئيس، التي كُلفت بحراستها، فما الذي عليَّ أن افعله في تلك اللحظات؟ بالتأكيد فإن أول ما سأفكر به هو أن  أدهس الشاب بسيارتي، أو أطلق عليه الرصاص لأن المسألة هنا تتعلق بأمن الرئيس.
3 ـ  هناك ارتباك شديد ظهر في حديث الملازم خصوصا في اللحظات الحرجة من الحادثة، والتي كان ينتظر الجميع أن يكون حديث الملازم عندها قويا ومقنعا ولا يقبل أي تأويل:
ـ ففي أول لقاء له مع سيارة الرئيس ظهر الارتباك في حديث الملازم فقال بأن السيارة توقفت ثم قال ـ بعد تدخل الصحفي ـ بأنها لم تتوقف، وإنما خففت من السرعة.
ـ فيما يخص العقوبة قال بأن التحقيق انتهى خلال نصف الساعة، وفي عين المكان، في حين أن العقيد قال بأن الملازم تم استدعاؤه إلى قيادة الأركان.
ـ عند لقائه بالسيارة الثالثة، تحدث الملازم مع من فيها، وكأنه يتحدث مع أصدقاء له  في رحلة استجمام على شاطئ المحيط..حديث بطيء مليء بتفاصيل غير مهمة. الغريب هنا أن الملازم سأل أصحاب السيارة الثالثة عن سلامة الرئيس، رغم أن من في تلك السيارة كان قد سأل الملازم للتو إن كان قد سمع رصاصا أطلق في المنطقة؟!!!
4 ـ لا يعقل وفي أكثر الدول احتراما للقانون أن لا يتجاوز التحقيق مع ضابط أطلق الرصاص على رئيس جمهورية، وأصابه بجروح بالغة، أكثر من نصف ساعة.
ولا يعقل أن يعود ذلك الضابط إلى العمل في سريته وكأن شيئا لم يكن، فحتى لو كان من أطلق النار على الرئيس بريئا 100% فإن التأثيرات النفسية لحادثة إطلاق النار على الرئيس، تكفي لوحدها لأن تمنع ذلك الضابط من العودة لمهامه من قبل أن يقضيَّ أياما بعيدا عن ثكنته، حتى يستعيد صحته وتوازنه النفسي بعد ارتكابه لذلك الفعل الشنيع.
يبقى أن أشير بأن نقد العقيد للملازم، في لقاء يشاهده الكثير من الناس، والقول على الملأ بأن الملازم قد ارتكب أخطاء مهنية عديدة، وبأنه لا يمتلك الخبرة لم يكن لائقا.
تصبحون بلا لقاءات حصرية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق