السبت، 18 أغسطس 2012

خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الفطر المبارك*



أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
لقد قررت أن أتقدم إليكم بخطاب مصارحة ومكاشفة في مثل هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد، والذي يتسم  بانسداد سياسي لم يعد بالإمكان تجاهله، تصاحبه أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها شرائح واسعة من المجتمع، هذا بالإضافة إلى أزمة قيم وأخلاق تعيشها البلاد منذ فترة، أدت إلى تصاعد حالات الانتحار وجرائم القتل في الفترة الأخيرة، والتي كان من أكثرها فظاعة وبشاعة جريمة تلك الأم التي قتلت ابنها مع طفل آخر  بعد أن رمتهما في بئر، وكذلك المجزرة البشعة التي ارتكبها الأب الممرض، والتي راح ضحيتها أربعة أطفال صغار هم أبناء مرتكب تلك المجزرة البشعة.
في مثل هذا الظرف العصيب، كان لزاما عليَّ أن أتقدم إليكم بخطاب المصارحة والمكاشفة هذا، والذي لن أحدثكم فيه عن الانجازات الهامة التي تم تحقيقها منذ قدومي إلى السلطة،وذلك لأني كنت قد حدثتكم عنها  في مناسبات سابقة، كان آخرها لقاء الشعب في أطار. لن أحدثكم في هذا الخطاب عن أي انجاز، وإنما سأحدثكم عن بعض الإخفاقات التي حدثت منذ التنصيب إلى يومنا هذا، باعتبار أنه لا يوجد أي عمل بشري بلا أخطاء وبلا نواقص، لذلك فقد كان من الضروري، وبعد مرور ثلاث سنوات من مأموريتي، أن أبحث عن الأخطاء والإخفاقات التي حدثت، وأن أسعى بشكل جاد وصادق لمعالجتها ولتجاوزها.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
اسمحوا لي قبل أن أحدثكم عن تلك الأخطاء والإخفاقات، وعن الأساليب الجديدة التي سأتبعها لتصحيحها، اسمحوا لي قبل ذلك، أن أقول لكم وبصريح العبارة بأن بلادنا لن تتجاوز هذه الظرفية الصعبة التي تمر بها إذا لم تتكاتف جهود الجميع، وإذا لم يتحمل كل واحد منا مسؤوليته.
وفيما يخصني فاني أعلم بأني أتحمل ـ قطعا ـ المسؤولية الأكبر، وأعترف لكم بأني قد قصرت فيما مضى في تحمل تلك المسؤولية الجسيمة، ولكني أعدكم ـ ومن الآن ـ  بأني سأتحمل مسؤوليتي كاملة غير منقوصة، وأتمنى ـ في المقابل ـ  أن يتحمل كل واحد منكم أيضا مسؤوليته كاملة من أجل النهوض ببلدنا.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
إني أريد من خطاب المصارحة والمكاشفة هذا أن يؤسس ـ بإذن الله ـ لمرحلة جديدة من العمل الحكومي والسياسي، وهي مرحلة ستسعي ـ بشكل جاد ـ لبناء جسور جديدة وقوية، من الثقة بيني وبينكم، ودون الحاجة لوسطاء سياسيين. لقد تعاملت معكم بدون وسطاء في الحملة الانتخابية الماضية، ولم تخيبوا وقتها ثقتي فيكم، فصوتم لي وبكثافة، مما جعل فوزي في الانتخابات الرئاسية الماضية، لا منة فيه لأي وسيط سياسي أو اجتماعي، فالفضل فيه يرجع لله ثم لكم أنتم أيها المواطنون البسطاء الذين صوتم لي، وبكثافة، في انتخابات يوليو 2009.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
لا جدال في أن ما مضى من مأموريتي، قد تخللته بعض الأخطاء والإخفاقات، والتي سيتم تصحيحها وتفاديها  ابتداء من الآن، ومن بين هذه الأخطاء:
أولا : الارتجالية في اتخاذ القرارات، وهو ما جعل الكثير منكم يستغرب بعض القرارات التي تم اتخاذها وإلغاؤها دون تقديم أي تفسير لذلك، كالقرار المتعلق ـ مثلا ـ  بإنشاء كتابة الدولة للشؤون الإفريقية، والتي تم إلغاؤها بعد إنشائها بفترة قصيرة. فلا أنتم عرفتم لماذا تم إنشاؤها أصلا، ولا أنتم عرفتم ـ كذلك ـ لماذا تم إلغاؤها بعد ذلك، ولكم الحق ـ كل الحق ـ في أن تستغربوا ذلك، وأن تنتقدوه، لأنه لم يعد من المقبول في عالم اليوم ارتجال القرارات، حتى ولو كانت مجرد قرارات فردية، أو عائلية، أو قرارات داخل مؤسسة صغيرة. فكيف إذا تعلق الأمر بقرارات حكومية، يمكن لها أن تؤثر إيجابا أو سلبا على حياة المواطنين؟ لذلك فإني أعدكم بأني لن أرتجل ـ من الآن فصاعداـ أي قرار مهما كان حجمه، ومهما كانت طبيعته.
ثانيا هناك أخطاء وتجاوزات عديدة تم تسجيلها فيما  يخص الحرب على الفساد، والتي كانت من أبرز الشعارات التي دفعتكم للتصويت لي. نعم لقد حدثت أخطاء وتجاوزات كثيرة، دون أن يعني ذلك بأنه لم تتحقق مكاسب كبيرة في محاربة الفساد فيما مضى من المأمورية، خاصة في الشق المتعلق منها بالرقابة على التسيير.
ومن أجل تصحيح تلك الأخطاء المرتكبة في مجال محاربة الفساد، فإني أعدكم بأني سأركز في السنتين المتبقيتين من مأموريتي على النقاط التالية:
1 ـ تطهير الإدارة من كل رموز الفساد الذين تم تعيينهم فيما مضى من مأموريتي.
2 ـ ستعتمد كل التعيينات أو الترقيات التي ستتم فيما تبقى من مأموريتي على أساس الكفاءة لوحدها، والتي سنبحث عنها في كل مكان، ولا يهمنا بعد ذلك الانتماء السياسي، أو الجهوي، أو القبلي، أو العرقي، لصاحب تلك الكفاءة. وأتحداكم أن تأتوني مستقبلا بتعيين واحد لم يتم على ذلك الأساس، وأعتذر لكم هنا عن كل التجاوزات التي تم ارتكابها في هذا المجال، حيث أن كل التعيينات التي تمت فيما مضى من مأموريتي لم يُحترم فيها معيار الكفاءة ولا معيار الاستقامة.
3 ـ لن يكون هناك من الآن أي تمييز مهما كان نوعه بين المواطنين على أساس انتمائهم السياسي، فالتعيينات والصفقات وكل الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لمواطنيها سيتساوى فيها كل المواطنين باستثناء التعيينات في الوظائف ذات الطبيعة السياسية، والتي سيظل من حقي أن أخص بها أغلبيتي الداعمة، وهنا أيضا أعد الأغلبية الداعمة بأن تلك التعيينات سيتم منحها وفقا لعنصر الكفاءة داخل الأغلبية نفسها.
4 ـ سيتم عزل كل الموظفين الذين لهم انتماءات سياسية علنية من كل الوظائف ذات الطبيعة الرقابية أو الجبائية أو التفتيشية، أو تلك التي لها صلة بمنح الصفقات العمومية.
5 ـ سأصدر تعميما يحرم على كل الوزراء والموظفين الكبار المشاركة في أي نشاط حزبي مهما كانت طبيعته، فالدور السياسي الذي على الوزير أن يلعبه هو أن يتفرغ ـ وبشكل كامل ـ لعمله الحكومي البحت، وكلما نجح الوزير في عمله الحكومي فإن ذلك سيكون بمثابة أفضل دعم سياسي يمكن أن يقدمه للفريق السياسي الذي ينتمي له.
ثالثا، فيما يخص الإعلام العمومي فإني أعدكم بأني سأتخذ في الأيام القليلة القادمة قرارات جريئة لتصحيح الأخطاء الكبيرة المسجلة في هذا القطاع. وإنه ليؤسفني حقا أن يظل فتح وسائل الإعلام العمومية من المطالب والشروط التي ترفعها المعارضة في حواراتها أو في اشتراطاتها لإجراء أي حوار مع الأغلبية.
إن الإعلام العمومي سيفتح ـ وبشكل كامل ـ أمام المعارضة، ولن نقبل أن يظل ذلك من مطالب المعارضة، لأنه من حقها أن تفتح لها قنوات الإعلام الرسمي، وبشكل كامل، سواء حاورت أم لم تحاور.
وإن أول خطوة سأقوم بها في هذا المجال هو أني سأعين على مؤسسات الإعلام الرسمي شخصيات إعلامية ذات كفاءة مشهودة، ولها مصداقية عند المعارضة من قبل أن تكون لها مصداقية عند الأغلبية الحاكمة.
رابعا: فيما يخص الحوار مع المعارضة المحاورة أو المعارضة المقاطعة، فإني أعدكم هنا بأني سأتخذ قريبا بعض القرارات الثورية التي أعتقد بأنها ستساهم في خلق  الحد الأدنى من الثقة بين كل الفرقاء السياسيين، وهو ما سيساعد ـ إن خلصت النيات ـ إلى أن نجلس معا على طاولة واحدة من أجل مصلحة وطننا، تلك المصلحة التي لن أدعي بعد اليوم بأن الأغلبية أكثر حرص عليها من المعارضة بفسطاطيها المحاور والمقاطع.
وإن من الأخطاء التي تم ارتكابها في هذا المجال، والتي سنعمل على تصحيحها، هو أن مؤسسة الرئاسة لم تتمكن فيما مضى من مأموريتي من أخذ مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين، بل إنها في بعض الأحيان تدخلت في تفاصيل تلك الصراعات حتى الدقيق منها.
وإني أعدكم من الآن بأني كرئيس لكل الموريتانيين سآخذ ـ مستقبلا ـ  مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين، وسأظل أحتفظ بتلك المسافة في كل ما تبقى من مأموريتي، دون أن يعني ذلك بأنني سأتخلى عن أغلبيتي التي دعمتني في الانتخابات الرئاسية الماضية.     
خامسا، لقد لاحظت فيما مضى من مأموريتي بأن الإدارة لا زالت تتعامل بكثير من الاستعلاء والخشونة مع المواطنين، كما لاحظت أن الموظفين لا زالوا يمنون على المواطنين بأي خدمة إدارية يقدمونها لهم، حتى ولو كانت بسيطة وتافهة. إن هذه النظرة الخاطئة لابد من العمل الجاد على تغييرها، حتى يعلم الوزراء وكل الموظفين أنهم في خدمة هذا الشعب، وأنهم يتلقون رواتب من ثروته، وهو ما يفرض عليهم تغيير أسلوب تعاملهم مع المواطنين.
سادسا، فيما يخصكم أنتم الفقراء فإني أعدكم من الآن بأني سأستعيد كل قنوات الاتصال بكم، والتي تم قطعها ـ "يا للأسف" ـ  بعد تنصيبي. وسأنظم سلسلة من الزيارات الميدانية التي سأستمع فيها لكم ودون وسيط، لتحدثوني عن همومكم وعن مشاكلكم، والتي سأعمل جاهدا  لإيجاد حلول سريعة لما يمكن أن يحل منها بشكل فوري.
كما أني سأقوم بسلسة من الزيارات المفاجئة لكل الإدارات ذات الصلة المباشرة بهمومكم، وذلك لأطلع ـ وبشكل مباشر ـ على تعامل تلك الإدارات معكم، وسيتم عزل ومعاقبة كل من وجدناه مقصرا في حقكم.
أما فيما يخص  مكافحة الفقر، والتشغيل، والحد من الآثار السلبية لارتفاع الأسعار، فإني أعدكم بأنه سيتم اتخاذ بعض القرارات والإجراءات الثورية، في وقت قريب، للحد من البطالة، ومن الفقر، ومن الانعكاسات السلبية لارتفاع الأسعار. وهذه الإجراءات لن أحدثكم عنها الآن، بل أني سأتركها تتحدث عن نفسها في وقت قريب.
أيها المواطنون..
أيتها المواطنات..
إني أهنئكم بمناسبة عيد الفطر المبارك، وإني أعلن ـ  بهذه المناسبة العظيمة ـ عن عفو رئاسي سيشمل العديد من السجناء، وسيكون من بينهم سجناء "إيرا" والذين أعدهم بأنه سيمنح لهم ـ فور خروجهم من السجن ـ ترخيصا سيمكن منظمتهم من مزاولة كافة أنشطتها الحقوقية المتعلقة بمحاربة الاسترقاق ومخلفاته، وستدعمهم الحكومة في تلك الأنشطة، ولكن عليهم ـ في المقابل ـ أن يعلموا  بأن الحكومة ستكون صارمة، وصارمة جدا، في التعامل مع كل من يسيء لمقدساتنا، أو يسيء لأي شريحة، أو عرق من مكونات شعبنا، حتى ولو كان يرفع شعارا نبيلا كالشعار الذي ترفعه منظمتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*تخيلت أنه تم تعييني مستشارا افتراضيا للرئيس، وأنه قد تم تكليفي بصياغة مسودة لخطاب الرئيس بمناسبة عيد الفطر المبارك، فجاءت هذه المسودة.
تصبحون على خطاب ثوري..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق