الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

"رسالة مفتوحة" من السماء السابعة!!!



لقد قررت بمناسبة هذه الأيام العشر، أن أنشر رسالة أبينا التي أرسلها لنا بعد وفاته بزمن بعيد. وهذه الرسالة هي رسالة استثنائية تختلف عن كل الرسائل العادية التي عرفها الناس، فالمرسل هو أعظم محب عرفه التاريخ الإنساني، لأنه أحب أبناءه من قبل أن يولدوا، وشهادة حبه لهم خالدة في القرآن الكريم .ولقد كان أبونا في حياته، يُكثر من الدعاء لنا، حتى من قبل أن نولد، ونحن اليوم نعيش وننعم ببركة دعائه، وأما بعد موته فقد أرسل لنا هذه الرسالة الرائعة، والتي قررت اليوم أن أضعها بين أيديكم.
وحب أبينا لنا لا تستطيع لغتي المتواضعة أن تعبر عنه، فالعبارات تعلم أنها ليست أهلا لذلك، مهما صيغت، ومهما أعيدت صياغتها. وأمام ذلك الحب الكبير لا أملك ما أقوله لأبي، في هذه الأيام العشر، سوى أني أحبه، أحبه، أحبه. وأسأل الله تعالي أن يجمعني أنا ـ وإخوتي ـ معه في وطننا الأم. .وهذه الرسالة التي سأقدم لكم اليوم، هي رسالة استثنائية، بكل المقاييس، فهي قد أرسلت من السماء السابعة، أرسلها لنا أبونا ليسلم علينا، وليصف لنا فيها وبكلمات مختصرة وجامعة، بعض أوصاف وطننا الأم الذي كُتِب على أبينا الأول أن يخرج منه، ليعيش هو وكل أبنائه، وبلا استثناء، في عالم الغربة.
ولقد استوطن الكثير من هؤلاء الأبناء بلاد الغربة، بل أن الكثير منهم أصبح يعتقد أن بلاد الغربة هي وطنه الأم، مما جعله يبني ويعمر ويستثمر في الوطن الجديد، غافلا عن ادخار ما يلزم لنفقات العودة إلى الوطن الأم. والكارثة التي ستحل بهذا الغافل أنه سيطرد يوما من بلاد الغربة وحيدا، ذليلا، مهانا. وسيترك خلفه كل ممتلكاته، سيطرد وهو لا يملك شيئا، تماما على تلك الهيئة التي دخل بها "بلاد الغربة" ولأول مرة.
أما أنا وإخوتي فقد خصنا أبونا برسالته، ونحن لا نزال نحلم بالعودة يوما ما إلى وطننا الأصلي. ولا نزال حتى الآن، ورغم السنين الطويلة في بلاد الغربة، ورغم الإغراءات الكثيرة، ندخر ـ بمستويات مختلفة طبعا - للإعداد لرحلة العودة، وللخروج من بلاد الغربة، والتي نعلم ـ يقينا ـ بأنها ليست وطننا الأصلي، وأننا سنغادرها يوما- إن شاء الله- إلى وطننا الأصلي.
سنترك هوياتنا وكل أوراقنا الثبوتية، بل سنترك كل ممتلكاتنا غير آسفين، لأننا نؤمن بأن ما ينتظرنا في وطننا الأصلي، لا يقاس بالممتلكات التافهة التي نملكها في بلاد الغربة.
وهذه الرسالة استثنائية كذلك، لأنها تصف لنا أرض الوطن الأصلي، وتصف لنا عذوبة مائه، وروعة نباتاته، بل إنها ترشدنا إلى طريقة زرع أراضيه الواسعة والمبسطة، والتي تعتبر بحق طريقة متميزة جدا، نظرا لبساطتها وسهولتها. فتقنية غرس النباتات في أرض الوطن الأم، لا تحتاج إلا لتحريك اللسان، وهو ما يمكن تسميته "بالزراعة باللسان". ولا يتطلب منا غرس ألف نخلة بهذه التقنية، إلا ربع ساعة. مع أن نخلة واحدة من هذا النخيل، خير من كل نخيل الأرض.
ووطننا الأصلي شجره ليس كالشجر، فظل شجرة واحدة، لا يستطيع الفارس المسرع أن يقطعه، حتى بعد مائة سنة من السير المتواصل. وتراب وطننا الأم ليس كالتراب، فحصاه من أنفس المعادن وأغلاها. وقصوره ليست كالقصور، ونساؤه لسن كالنساء، فابتسامة واحدة منهن تبعث من النور ما لا تستطيع كل مولدات الكهرباء في العالم بعثه، حتى ولو شغلت في وقت واحد وبكامل طاقتها.
وطننا الأصلي جميل لا يمكن وصفه، فيه ما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وطننا الأصلي لا توجد فيه أية قيود على حرياتنا، ولا يوجد فيه شراب حرام، ولا أكل حرام، فكل ما تشتهيه أنفسنا حلال علينا، حرام على غيرنا، ويقدمه لنا في صحاف من ذهب خدم كأنهم اللؤلؤ المنثور.
أما أولئك الذين اختاروا بلاد الغربة عن وطنهم الأصلي، فلن يعرفوا لهذه الحرية طعما، بل إنهم سيقيدون في السلاسل، وسيعيشون في نكال وهوان وعذاب دائم.وطننا الأم لو مُنِح أتعس الناس تأشيرة لدخوله، لنسي كل آلامه وأحزانه، بل إنه لو سئل إن كان قد عرف في حياته سوءا لأجاب بالنفي. ومع ذلك فالتأشيرات إليه توزع في هذه الأيام العظيمة، دون أي يكون عليها الإقبال الذي يليق بها.
وهذه الرسالة استثنائية أيضا لأنها أرسلت- وهذا يكفيها شرفا- مع سيد ولد آدم، والذي سيكون أول من تفتح له أبواب الوطن، ليعتلي فيه أرفع الدرجات، وأعلى المنازل على الإطلاق.
ولقد أرسلت معه هذه الرسالة خلال رحلة عظيمة ومشوقة، قام بها في جزء من الليل، وهي رحلة لم تشهد لها البشرية ولن تشهد لها مثيلا. رحلة طويت فيها المسافات، وتوقف فيها الزمن، ولم تعد للكواكب ولا للمجرات أي دلالة. بل إن الموت لم يعد قادرا في تلك الليلة على أن يفرق بين عالمين، اتفقنا على تسمية أحدهما بعالم الأموات، والآخر بعالم الأحياء.
فقد تحدث الحي مع الميت، في تلك الرحلة العجيبة، بل إنهما اجتمعا فيها معا في صلاة واحدة، حضرها كل الأنبياء، وأمهم فيها النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد أحببت كثيرا هذه الرسالة التي أرسلها لنا أبونا الذي لم يجمعنا به "عالم الغربة"، وإن كنا نؤمن بأنه قد جمعنا به "عالم الذر"، والذي شهدنا فيه جميعا حينما أخرجنا ربنا من صلب أبينا الأول " آدم " عليه السلام، بأن ربنا هو الله. ولقد عاش أبونا في عالم الغربة يدعو الناس لتلك الشهادة.

ونحن اليوم أنا وإخوتي الذين يزيدون على المليار ونصف المليار، نشهد بأن ربنا هو الله، كما شهدنا بذلك في عالم الذر. وهي شهادة نسأل الله أن يميتنا عليها، حتى نلتقي بأبينا في الجنة، أي في وطننا الأصلي .
وهذه الرسالة الاستثنائية، كلما قرأتها، رحلت بي الخواطر بعيدا، إلى زمن بعيد عاش فيه أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ابتلاء عظيما، وامتحانا صعبا، وهو خارج أرض الوطن الأم.
ولقد اتخذ هذا الامتحان والابتلاء عدة أشكال وألوان، ويكفي أخفها لأن يزلزل قلب أعتي الرجال. وقد خرج أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام من كل هذه الامتحانات بأعلى الدرجات، وأرفع الشهادات، وأسمى "الأوسمة "، وأغلى "الميداليات". لقد ألقي به في أعظم نيران الدنيا ومع ذلك فقد رفض أن يشكو حاله لأمين السماء، إيمانا وتوكلا منه على ربه الذي جعل من أيامه في النار بردا وسلاما، فكانت أسعد أيام إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأرض.
وقد أمره الله أن يترك زوجته وولدها الصغير في صحراء جرداء قاحلة، لا يسكنها بشر، ونفذ أبونا ذلك الأمر. ثم بعد ذلك رأى في المنام، أن يذبح ابنه الوحيد الذي رزق به بعد أن أصبح شيخا كبيرا ففعل، ورؤيا الأنبياء من الوحي.
إنها مواقف صعبة، ومشاهد عظيمة، فيها من الدروس الكثير والكثير، ونحن بأمس الحاجة لأن نستلهم منها دروسا في الإيمان، و الصبر، و التوكل، و الاستقامة نتسلح بها في هذا العصر المليء بالفتن। لقد كانت أسرة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أسرة مؤمنة صابرة، يحق لنا أن نعتز وأن نفتخر بالانتساب لها। ولقد خلد ربنا ذكراها بما لم يخلد به ذكرى أسرة أخرى। فالملايين من المسلمين تجتمع كل عام، في أشرف الأيام، وفي اشرف الأمكنة، لتتبع نفس الخطوات التي خطتها أمنا منذ آلاف السنين، وهي تبحث عن جرعة ماء، لابنها الصغير الذي كان يصرخ عطشا. ومئات الملايين من المسلمين تذبح الأضحية في يوم النحر من كل عام، وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين فدى الله ولده بذبح عظيم. وفي الأخير إليكم نص الرسالة التي أرسلها إلينا أبونا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء: عن ابن مسعود رضي الله نه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر]. رواه الترمذي، وقال حديث حسن.تصبحون من الذاكرين لله كثيرا...






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق