الثلاثاء، 8 أكتوبر 2024

بأي منطق يستثنى النواب من التصريح بالممتلكات؟


هناك تناقض لافت للانتباه في المسار الذي مَرَّ به القانون رقم 054/ 2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007، المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، ويتمثل هذا التناقض في طبيعة تعامل رئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية مع مشروع القانون،  فعندما وصلت المسودة الأولى لهذا القانون إلى الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، قرر أن يجري عليها تعديلا إيجابيا، وذلك عندما لاحظ بأنه لا يوجد بتلك المسودة مادة تنص على أن رئيس الجمهورية ملزمٌ بأن يعلن عن ممتلكاته للرأي العام، فما كان منه إلا أن طلب إضافة نشر رئيس الجمهورية للتصريح بممتلكاته، لتظهر في القانون المادة الثانية، والتي تقول: "يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر. وينشر هذين التصريحين". بالطبع، كان من المفترض أن تُشمل الزوجة في هذه المادة.
لابد من الإشارة هنا، ومن قبل تقديم ردة الفعل المناقضة التي جاءت من البرلمان، أن النشر الذي جاء في هذه المادة لم يطبق ـ حسب علمي ـ حتى الآن، وأتمنى من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، أن يَسُنَّ سنة رئاسية حسنة، وأن يكون هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية يلتزم بمطلب نشر التصاريح الذي جاء في المادة الثانية من هذا القانون.
لا أدري إن كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد صَرَّح بممتلكاته، والراجح عندي أنه لم يُصرح بها، وإن كان قد صرَّح بها، فالمؤكد هو أن تصريحه لم ينشر للرأي العام، وربما يكون قِصَر الفترة التي قضاها رئيسا قد حال دون تصريحه بممتلكاته، ومع ذلك فسيبقى يحسب له، أنه أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، وذلك ليعطي المثال الحسن في محاربة الفساد، وليُظْهِر أنه حريص على إضافة كل ما من شأنه أن يحسن من القانون، ويعزز ـ بالتالي ـ من قيم الشفافية والنزاهة، حتى وإن استدعى ذلك أن يلزم نفسه بالتصريح بممتلكاته ونشر ذلك التصريح للرأي العام. أقول فإذا كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، فسنجد في المقابل، أن النواب قد أجروا على مشروع القانون تعديلا سلبيا، حذفوا بموجبه أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، وكان النواب ضمن هذه اللائحة في مشروع القانون عندما أحيل إليهم للمصادقة عليه.  
لم يوفق النواب في حذف أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، ولم يكن فعلهم ذلك مبررا، خاصة إذا ما استحضرنا:
1 ـ أن النواب في البلدان المماثلة لنا وغير المماثلة، يشملهم قانون التصريح بالممتلكات، وهم ملزمون بالتصريح بممتلكاتهم، فبأي منطق يستثنى النواب في موريتانيا؟
2 ـ أن النواب هم من يمثل الشعب، ولذا فأول ما يجب على النواب  فعله للتعبير عن تمثيلهم للشعب هو  إظهار جديتهم في محاربة الفساد، فلا شيء يتضرر منه الشعب الموريتاني أكثر من الفساد، وأول ما يجب على النواب فعله لإظهار جديتهم في محاربة الفساد هو أن يصرحوا بممتلكاتهم؛
3 ـ أن النواب لا يليق بهم أن يكونوا هم الاستثناء الوحيد من بين كل المنتَخبين في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، تقول المادة الرابعة من القانون : "يلزم كذلك بالتصريح بالممتلكات بنفس الشكل وبنفس الشروط، أصحاب المأموريات الانتخابية"، فبأي منطق يُسْتثنى النواب لوحدهم من بين كل أصحاب المأموريات الانتخابية؟ 
4 ـ أن القانون رقم 014/ 2016 المتعلق بمكافحة الفساد يجعل من المنتخَب موظفا عموميا ينطبق عليه في هذا القانون ما ينطبق على الموظف العمومي.
وتبقى الحجة الوحيدة التي يبرر بها النواب سحب أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هي أن القانون لا يمنعهم من مزاولة الأعمال التجارية، وهذه حجة ضعيفة، فهناك في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات من لا يُحَرِّم عليه القانون ممارسة أنشطة تجارية، ثم إن السماح بممارسة الأنشطة التجارية للنواب تدعو أكثر لمطالبتهم بالتصريح بممتلكاتهم، وذلك خوفا من أن يستغلوا الصلاحيات الممنوحة لهم في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، أن يستغلوها لتحقيق إثراء غير مشروع  من خلال الأنشطة التجارية التي يمارسونها.
ومما يزيد من ضرورة إدراج النواب في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هو أن هناك تزايدا كبيرا في نسبة رجال الأعمال في البرلمان، وهناك من النواب من أنفق أموالا طائلة في حملته الانتخابية، وعندما فاز في الانتخابات لم يظهر له أي نشاط برلماني، ومن النادر جدا أن يُشاهد في جلسات البرلمان،  فمن هنا وجب طرح الأسئلة التالية: لماذا ترشح هؤلاء أصلا؟ ولماذا أنفقوا أموالا طائلة لضمان فوزهم ما داموا لا يفكرون في أداء مهامهم البرلمانية؟ وهل لتشرحهم علاقة ما بمصالح تجارية يريدون تحقيقها من خلال استغلال مقاعدهم في البرلمان؟ 
تزداد وجاهة طرح هذه الأسئلة في ظل تنامي حصول شركات ومؤسسات لنواب معروفين على العديد من الصفقات العمومية خلال مأمورياتهم، وذلك حسب ما ينشر في بعض المواقع والمنصات الإخبارية.
خلاصة القول : لم يعد من المقبول أن يبقى النواب خارج  لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات، خاصة في ظل هذه المأمورية التي رُفع فيها شعار محاربة الفساد عاليا، وكذلك في ظل الحديث عن قرب تعديل القانون المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، والسعي إلى تحسين آلية التصريح بالممتلكات، وإضافة التصريح بالمصالح مع التصريح بالممتلكات، والتصريح بالمصالح  قد يعني النواب أكثر من غيرهم، ومن هنا وجبت إضافتهم للائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم.
حفظ الله موريتانيا..



.

السبت، 5 أكتوبر 2024

كيف لا أدعم إيران؟

 


استند على سلاحه وألقى خطاب حرب في خطبة جمعة معلنا المواجهة مع العدو، بلغة عربية فصيحة، وينتظر ردة فعل العدو خلال ساعات، والعرب - كل العرب - يتفرجون، بل إن بعضهم لا يكتفي بالتفرج فقط، وإنما يدعم العدو سرا أو جهرا.

بعد هذا كله، قد يأتيك أحدهم، ويقول لك : لا تدعم إيران ونظامها؟

يا هذا، كيف لا أدعم إيران ونظامها الحالي، وهي الدولة الوحيدة في هذا العاام التي تحارب اليوم العدو، وتخاطبه بلغة السلاح: الضربة بالضربة، والقصف بالقصف، والبادئ أظلم.

أشهدكم بأن كاتب هذه السطور، يدعم في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ العرب والمسلمين، إيران شعبا وحكومة، ما دامت تقف مع فلسطين، وتحارب العدو لوحدها، وتخاطابه بلغة السلاح، لا بلغة الانبطاح والتطبيع، والتفرج التي تسود بلاد العرب من المحيط إلى الخليج.  

مع إيران، وهي تنتظر - ربما خلال ساعات - رد العدو المدعوم بقوة من أمريكا ومن كثير من بلدان الغرب.

حفظ الله إيران..

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

مقترحٌ إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي


قد لا يلقى هذا المقترح حظا أفضل من المقترحات التي سبقته، ولكن ذلك لن يمنعني من مواصلة تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من طرف الجهة التي وُجِّهَ إليها.

مقترحي إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي يدخل في إطار الجهود التي نقوم بها في "منتدى 24 ـ 29" للتوعية حول مخاطر الفساد، وهي جهود ترمي في مجملها إلى خلق بيئة مجتمعية معادية ومناهضة للفساد، وبالمناسبة فإن خلق تلك البيئة يشكل الهدف الثاني من أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والرشوة في موريتانيا، ومن المؤسف جدا أن هذه الاستراتيجية التي أطلقت في العام 2010، وجددت بعد ذلك، لم تُفَعَّل حتى اليوم، ولم يطلع عليها إلا عدد قليل جدا من الموريتانيين، بل أكثر من ذلك، فإن بعض الموظفين الكبار في وزارة الاقتصاد، وهي الوزارة المعنية بتنفيذ هذه الاستراتيجية ليسوا على اطلاع بمحتواها!!

يتعلق هذا المقترح بتخصيص أول درس في الافتتاح الدراسي في هذا العام لمخاطر الفساد، ويمكن في هذا الإطار أن يُعدَّ درسٌ نموذجي بمستويين (ابتدائي وثانوي) يتم تقديمه في السابع من أكتوبر من العام 2024 في عموم المدارس الابتدائية والمؤسسات الثانوية على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

يُعَدُّ الفساد من القضايا الشائكة التي يُجمع الموريتانيون على خطورتها، فالمعارضة الحزبية في بلادنا، ومنذ تأسيسها في بداية التسعينيات من القرن الماضي، جعلت من المطالبة بمحاربة الفساد أولوية من أولوياتها النضالية، وهي ما تزال وحتى اليوم تضعها على رأس مطالبها، والمواطن الموريتاني أينما كان يتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر من تفشي الفساد في بلادنا.

والأغلبية الداعمة للرئيس يُفترض فيها أنها تضع محاربة الفساد على رأس أولوياتها، وذلك بعد أن جعل فخامة رئيس الجمهورية من محاربة الفساد مرتكزا أساسيا في برنامجه الانتخابي( طموحي للوطن)، وهو البرنامج الذي نال بموجبه أكثر من 56% من أصوات الشعب الموريتاني.

وحتى إن اقتصرنا على خطاب فخامة الرئيس في يوم التنصيب، فسنجد أن ما جاء في هذا الخطاب من مفردات يكفي لوحده لتقديم درس متكامل حول خطورة الفساد.

لقد صنف الرئيس في خطاب التنصيب الحرب على الفساد بأنها "حرب مصيرية"، ومن المعروف أن الحرب عندما تصنف في بلد ما بأنها حرب مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك  البلد أصبح مرتبطا بنتائج تلك الحرب.

ويقول الرئيس في نفس الخطاب :" فلا تنمية، ولا عدل، ولا إنصاف مع الفساد، ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا." وتعني هذه الفقرة من الخطاب بأن جهودنا في التنمية وإقامة دولة العدل والإنصاف ستبقى جهودا ضائعة، وعديمة الفائدة، إذا لم نحارب الفساد.

ويقول في فقرة أخرى من الخطاب نفسه بأن الحرب على الفساد هي حرب الجميع، وأنه لا سبيل للنصر فيها إلا بتضافر جهود الجميع، ومن المؤكد أن المدرسة وطواقم التدريس، وآباء التلاميذ، وكل من له صلة بالعملية التربوية، يدخل ضمن دائرة هذا "الجميع" الذي تحدث عنه الرئيس، والذي يعتبر الحرب على الفساد حربه، وهي الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها بشكل حاسم ـ حسب ما جاء في خطاب الرئيس ـ  إلا بمشاركة هذا "الجميع".

إن أي درس تعليمي حول خطورة الفساد يتم تحضيره على أساس هذه المرتكزات الثلاثة التي جاءت في خطاب التنصيب سيكون درسا عميقا، فيكفي أن نقول في هذا الدرس أن الحرب على الفساد هي حرب مصيرية للبلد، وأنه لا تنمية ولا عدل في بلادنا من دون محاربة الفساد، وأنه لا بد من مشاركة الجميع لكسب هذه الحرب، فنحن عندما نقول ذلك لأبنائنا التلاميذ في المدارس الابتدائية والثانوية نكون قد قلنا لهم أهم ما يمكن أن يُقال حول مخاطر الفساد وضرورة محاربته.

لا تخفى أهمية تربية التلاميذ على مخاطر الفساد، فإذا كنا قد خسرنا الآباء في موريتانيا، والذين أصبحوا يمجدون الفساد والمفسدين،  وينظرون إلى المفسد المعلوم الفساد بنظرات التقدير والاحترام، فإذا كنا قد خسرنا الآباء فعلينا أن لا نخسر الأبناء، وعلينا أن نبذل كل الجهود الممكنة لتنشئتهم على أن ممارسة الفساد تعدُّ من أرذل الأفعال وأقبحها وأسوئها، وأنها من أشد الجرائم حرمة في الشرع والقانون.

لا أريد أن أختم هذا المقال المقترح من قبل أن أقول بأني لا اتفق مع الذين يقولون بأننا في هذه البلاد قد خسرنا نهائيا الكبار في مجال التوعية حول خطورة الفساد، فأنا من الذين يؤمنون بأن مجتمعنا هو مجتمع سهل الانقياد إلى ما هو صالح وإلى ما هو فاسد، وهناك أمثلة على ذلك لا يتسع المقام لبسطها، فمجتمعنا عندما يظهر له أن هناك إرادة قوية وصارمة على أعلى مستوى لمحاربة الفساد والمفسدين، فإنه سيتحول تلقائيا ـ عن قناعة أو تماشيا مع الإرادة السياسية الصارمة ـ إلى مجتمع مناهض للفساد.

حفظ الله موريتانيا..