فضيلة الفقيه وسيادة الرئيس،
هذه الرسالة هي أول رسالة مفتوحة أكتبها لكم، وربما
تكون الأخيرة، وهي أيضا أول رسالة مفتوحة أكتبها من بعد إعلان التوقف عن كتابة
الرسائل المفتوحة. ومن المصادفات اللافتة أن رسالتي المفتوحة الموجهة لرئيس الدولة،
والتي حملت الرقم 24، والتي كانت واحدة من آخر رسائلي المفتوحة الموجهة إليه لم تكن
رسالة عادية، بل كانت عبارة عن مجرد لافتة كُتب عليها أين ديوان المظالم؟ وتم رفعها لساعات أمام القصر الرئاسي، وهناك
صورة لهذه الرسالة اللافتة مرفقة بهذه الرسالة المفتوحة.
فضيلة الفقيه وسيادة الرئيس،
لقد طالبتُ في تلك الرسالة اللافتة بضرورة تأسيس ديوان
للمظالم لأني كنتُ حينها أعتقد بأن تأسيس مثل هذا الديوان قد يساعد في تسوية بعض
المظالم الكثيرة، ولم أكن أعتقد بأن هذا الديوان أو المجلس سيتحول بعد تأسيسه إلى
مجرد هيئة شكلية لابتلاع المئات من الملايين من أموال الشعب الموريتاني، ودون
تقديم أي خدمة من طرف هذا المجلس مقابل
صرف تلك الأموال الطائلة . لم أكن اعتقد بأن ديوان المظالم سيكون مثل وساطة الجمهورية،
والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الإسلامي الأعلى، وبقية تلك الهيئات
والمجالس والتي لا نسمع عنها إلا عند استدعاء رؤسائها لحضور حفل رفع العلم الوطني.
فضيلة الفقيه وسيادة الرئيس،
في فاتح نوفمبر من العام الماضي وصل إلى العاصمة نواكشوط المئات من حراس ازويرات
المظلومين، جاؤوا إلى العاصمة سيرا على الأقدام، ورابطوا عند مدخلها لشهر ونصف ودون
أن يسمح لهم بدخولها. ولقد أتيح لي أن أستقبل هؤلاء الحراس عند قدومهم إلى
العاصمة، وأن أودعهم لما قرروا فك اعتصامهم والعودة إلى ازويرات وهم لا يحملون معهم
إلا اتفاقا جائرا تم التوصل إليه بعد تدخل
من سيادتكم. وللتذكير فإن هؤلاء الحراس كانوا قد حصلوا من قبل ذلك على مسودة اتفاق
برعاية من الحزب الحاكم، ولقد كانت تلك المسودة أفضل بكثير من الاتفاقية التي
توليتم رعايتها، ويكفي أن نعرف بأن المسودة التي عرضها الحزب الحاكم لم تشمل بندا
ينص على فصل سبعة من قادة المسيرة، وهو الشيء الذي كانت قد نصت عليه الاتفاقية
التي توليتم رعايتها.
فضيلة الفقيه وسيادة الرئيس،
لا أخفيكم بأني كنتُ ممن انتقد ممثلي الحراس لأنهم
قبلوا بمثل هذه الاتفاقية الجائرة، ولقد قدموا لي جملة من الأسباب لتبرير ذلك وقد تفهمتها
في ذلك الوقت، وكان من أهمها أنهم لم يكن من اللائق بهم أن يرفضوا اتفاقية تولى
رعايتها عالم جليل مثلكم. ولا أخفيكم أيضا بأني كنتُ ممن تحمس في بداية الأمر
لوساطتكم، ولقد رافقتُ ممثلي الحراس يوم زاروكم لأول مرة في منزلكم، لقد رافقتهم
إلى أن أوصلتهم إلى باب المنزل، وكانوا يومها على ثقة كاملة بأن مشاكلهم سيتم حلها
بعد اللقاء بعالم جليل مثلكم، يرأس مجلسا تم تكليفه بالمظالم
ذلك كان حالهم يوم التقوا بكم يا عالمنا الجليل منذ
عام تقريبا، ويؤسفني أن أقول لكم بأن حالهم قد تغير الآن كثيرا، وبأن نظرتهم إلى
العلماء قد تغيرت بعد آخر مقابلة معكم، وهي المقابلة التي تمت منذ يومين في مكتبكم،
والتي قلتم في ختامها لممثلي الحراس بأنكم لم تلتزموا لهم بأي حق. لقد اتصلوا بي بعد
ساعات من خروجهم من مكتبكم، ولقد قابلتهم فوجدتهم ـ يا عالمنا الجليل ـ في قمة
الإحباط واليأس، لقد كان حالهم يوم خرجوا من مكتبكم في آخر لقاء يختلف تماما عن
حالهم يوم وقفوا ولأول مرة عند باب منزلكم، وإني على ذلك لمن الشاهدين.
فضيلة الفقيه وسيادة الرئيس،
قد يكون من المهم أن أذكركم بالاتفاق، وخصوصا بالبند
الشائك من هذا الاتفاق، والمتعلق بفصل سبعة من قادة المسيرة وهو الشيء الذي أصر
عليه ممثل الشركة، وقبل به العمال السبعة بشرط أن تمنحهم الشركة حقوقهم كاملة. أما
الأمين العام للنقابة المعنية فقد رفض ـ وبشكل صارم ـ أن يوقع على فصل عمال لا ذنب
لهم إلا أنهم قادوا إضرابا كان قد اتبع كل المساطر القانونية. لقد أصرت الشركة على
فصل العمال السبعة، ولقد أصر الأمين العام على رفض التوقيع على فصل العمال السبعة،
وبعد نقاش طويل تم الاتفاق على حذف البند المتعلق بفصل العمال السبعة من نص الاتفاق، على أن تضمنوا أنتم استعادة كامل حقوق العمال السبعة من إدارة الشركة. لقد تعهدتم بذلك شفهيا ولم تكتبوه، حسب
ما قال العمال، والذين قالوا أيضا بأنهم كانوا يعرفون مدى أهمية أن يكتب مثل ذلك
التعهد، ولكنهم لم يستطيعوا أن يطلبوا ذلك من عالم جليل، وذلك بعد أن كان قد تعهد
لهم شفهيا باستعادة حقوقهم كاملة، وأمام عدد من الشهود.
هذا ما ذكره العمال السبعة، والذين ظل ممثلهم يزوركم في مكتبكم ولعام كامل طلبا لحقوقه وحقوق زملائه،
والذين لم يحصلوا حتى الآن إلا على
1.400.000 أوقية (200.000 لكل عامل)، وقد سلمتموها لهم ـ حسب ما قالوا ـ
على أساس أنها لا تدخل في إطار حقوقهم، وإنما هي مساعدة كان قد قدمها لهم رئيس
مجلس إدارة الشركة.
هذا هو ملخص ما جرى خلال عام، ولقد كان ختام هذا
المسار هو أنكم قلتم للعمال في مطلع هذا الأسبوع بأنكم لم تلتزموا لهم أصلا باستعادة أي حق.
فضيلة الفقيه وسيادة الرئيس،
في ختام هذه الرسالة المفتوحة أرجو أن تسمحوا لي أن
أذكركم ببعض ما جاء في المرسوم رقم 134/2012 ، والصادر بتاريخ 24 مايو 2012، والقاضي بإنشاء مجلس أعلى للفتوى والمظالم. لقد جاء في هذا
المرسوم أن من بين مهام هذا المجلس:
ـ استقبال تظلمات المواطنين المتعلقة بتعاملهم
مع الإدارة.
-
دراسة التظلمات المقدمة إلى المجلس والتحقيق فيها.
ـ الاتصال المباشر بالقطاعات الوزارية
والمؤسسات العمومية المعنية بالتظلمات المرفوعة إلى المجلس، والعمل على إيجاد
التسوية النهائية وفقا للعدل والإنصاف.
واسمحوا لي أن أذكركم أيضا، وأنتم أدرى مني بذلك، بأن
حقوق هؤلاء العمال السبعة ـ إن كانت لهم حقوق ـ لن تضيع أبدا، وسيستعيدونها كاملة غير منقوصة في
يوم قادم لا محالة، يقول الله تعالى : (( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) صدق الله
العظيم.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق