تابعت الحلقة
التي بثتها التلفزة الموريتانية مساء الأربعاء الماضي، وهي الحلقة التي استضافت ممثلا
عن كل كتلة من الكتل الثلاث التي تتقاسم اليوم المشهد السياسي في البلاد. وعلى غير
عادتي، فقد قررت أن أشارك هذه المرة في برنامج تلفزيوني، وأن أرسل مشاركة لصفحة
البرنامج، وهي المشاركة التي قرأ الصحفي تقي الله الأدهم ـ مشكورا ـ جزءا منها في بداية الحلقة، وطلب من ضيوفه أن
يعقبوا على ما جاء في المشاركة، وهذا هو النص الكامل للمشاركة التي أرسلت لصفحة
البرنامج:
"هناك
حقيقة يجب أن يعترف بها ضيوفك الكرام، وهي أن هذه الكتل الثلاث (السلطة، المنسقية،
المعاهدة) لم تعد قادرة على التستر أمام الشعب الموريتاني على عجزها ولا عن فشلها
الذريع في تنفيذ مشروعها السياسي..
فالمعارضة
عاجزة عن تحقيق شعارها الذي رفعته منذ مدة، أي شعار فرض الرحيل.
والمعاهدة
عاجزة عن جر الأغلبية والمعارضة إلى طاولة الحوار رغم مرور مدة طويلة على إعلان
ميلاد مبادرة الرئيس مسعود.
والسلطة
عاجزة هي بدورها عن تنظيم أية انتخابات لأسباب تقنية، وكذلك لأسباب سياسية لا يلوح
في الأفق أنها ستنفرج قريبا.
نحن إذاً
أمام ثلاث كتل سياسية عاجزة تماما عن القيام بأي فعل سياسي، لذلك فإن حل الأزمة
السياسية التي نعيشها اليوم يبدأ أولا بأن تعترف كل كتلة، وعلى لسان ممثلها في
الحوار، بعجزها الكامل عن تنفيذ مشروعها السياسي، وبعد ذلك تعلن عن استعدادها
للحوار الشامل، والذي يمكن لمبادرة مسعود أن تكون منطلقا له.
وبهذا وحده
يمكن للكتل الثلاث أن تتغلب على عجزها المزمن الذي تعاني منه، ويمكنها بالتالي أن
تتجاوز ـ وبشكل توافقي ـ الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ مدة."
ولقد جاءت تعقيبات
ضيوف الحلقة على هذه المشاركة منسجمة تماما مع مستوى أداء كل واحد منهم خلال الحلقة
كلها. فالنائب سيدي محمد ولد محم برأ الأغلبية من أي عجز في تعقيبه على المشاركة،
وقال بأن الانتخابات أصبحت الآن بيد اللجنة المستقلة للانتخابات، وأنها لم تعد بيد
السلطة، وهو ما يُفهم منه بأن تهمة العجز ـ في حالة وجود عجز ـ يجب أن توجه للجنة
المستقلة للانتخابات لا إلى السلطة الحاكمة.
ولا شك أن
هذا الرد كان ردا ذكيا، حتى وإن كان لا يخلو من مغالطات كثيرة. والحقيقة أن أداء
النائب ولد محم خلال الحلقة كان أداءً جيدا، فردود النائب ومداخلاته كانت ذكية في
مجملها، مرتبة الأفكار في عمومها، غير متشنجة بل هادئة في أغلبها، وذلك رغم أن هذا
النائب كان يمثل ـ على الأقل بالنسبة لي ـ الكتلة الأضعف والأقل حججا من بين الكتل
الثلاث.
أما النائب بداهية
فقد كان على العكس تماما من النائب ولد محم، فوضعه كان مريحا، وذلك لأنه كان يملك من الحجج ما لا
يملكه غيره، ولأنه أيضا ـ وهذا هو الأهم ـ لم يكن يجلس بين خصمين بالكامل، حتى وإن
لم يكونا حليفين بالكامل. فالنائب يعقوب لم يكن بالنسبة لبداهية إلا نصف خصم ونصف حليف، فنصف يعقوب المخاصم
يكفيه نصف ولد محم المحالف، ونصف ولد محم المخاصم يكفيه نصف يعقوب المحالف.
وجد النائب
بداهية نفسه في وضع مريح جدا، ولقد استغل النائب هذه الوضعية استغلالا جيدا
للترويج لمبادرة مسعود، وللدعوة لتبنيها بوصفها هي المخرج الوحيد من هذه الأزمة التي
تتخبط فيها البلاد منذ مدة. ولم يخرج
تعقيب النائب بداهية على مشاركتي عن هذا السياق، حيث دعاني، كما دعا كل الموريتانيين من قبلي، إلى دعم مبادرة الرئيس
مسعود، وهي دعوة من المفترض أنها ستجد أذانا صاغية، خاصة في ظل غياب مشاريع سياسية
بديلة لدى الطرفين الآخرين.
أما النائب
يعقوب فقد رفض التعقيب على المشاركة رغم إلحاح مقدم البرنامج، ورغم أن المشاركة
تمت قراءتها في وقت كانت فيه الكلمة للنائب يعقوب.
ولم يكن رفض
النائب يعقوب التعقيب على المشاركة، إلا انعكاسا لأدائه خلال الحلقة كلها، فهو يبدو
أنه لم يأت للبرنامج محاورا، وإنما جاء لكي يعرض ـ وبتشنج ـ بعض الملفات، وليوجه المزيد
من تهم الفساد للرئيس عزيز.
ومع أنه لا
خلاف على قدرة النائب يعقوب في إعداد الملفات، وعلى جمع الأدلة، إلا أنه أظهر خلال
هذه الحلقة بأنه ليس بالمحاور الجيد، على العكس من الضيفين الآخرين.
كان على منسقية
المعارضة أن لا تضيع مثل هذه الفرصة الثمينة، وأن تختار للبرنامج أحد محاوريها
الجيدين، وهم كثر، وتترك النائب يعقوب لتخصصه، أي لإعداد الملفات، وللقيام بالتحقيقات
حول فساد الرئيس، وبالمناسبة، وعلى ذكر التحقيقات، فأين وصل تحقيق نواب المعارضة المتعلق
بتسجيلات أكرا؟
لم يتمكن النائب
يعقوب ـ على العكس من النائبين ولد محم وبداهية ـ من أن يقدم للمشاهد موقف الكتلة
التي يمثل من أي انتخابات قادمة، وإنما أضاع الوقت في قراءة وإعادة قراءة بعض
الملفات التي تتحدث عن تهم موجهة للرئيس، وكأن المشاهد كان بحاجة إلى سماع المزيد
من تهم فساد الرئيس. أما النائب ولد محم فقد أرسل رسالة واضحة من حيث صياغتها، وهذا
لا يعني بأنها جادة في مضمونها، وتقول هذه الرسالة بأن الأغلبية على استعداد كامل
لأن تتحاور مع الجميع، بل وأن تقدم كل الضمانات اللازمة حتى تكون الانتخابات
القادمة شفافة. أما النائب بداهية فقد بعث برسالة مفادها أن جلوس الأطراف السياسية
على مائدة مبادرة مسعود هو وحده الذي بإمكانه أن يُخرج البلاد من أزمتها، وأن يضمن
تنظيم انتخابات شفافة في المستقبل.
حفظ الله
موريتانيا..