الجمعة، 11 أبريل 2025

أين هؤلاء الوزراء الثلاثة؟


تابعتُ مساء اليوم بثا مباشرا من أمام مستشفى التخصصات المعروف محليا ب "طب كوبا" حيث يوجد 32 عاملا  ـ حسب معلومات صحفية ـ تعرضوا فجر اليوم لتسرب غاز "المونياك" من أحد مصانع السمك، مما استوجب نقلهم إلى المستشفى.

يوجد أمام المستشفى أهالي العمال، وكان من المفترض أن يتنقل معالي وزير الصحة إلى المستشفى ليطلع بشكل مباشر على الإجراءات الطبية، ويتابع وضعية العمال عن قرب.

وتابعتُ كذلك ـ وبشكل متزامن ـ بثا مباشرا من أمام مقر خفر السواحل بنواذيبو، حيث  تجمهر أهالي 5 بحارة كانوا على متن زورق اختفى في المياه الإقليمية بعد اصطدامه ليلة البارحة بباخرة.

تابعتُ بثا مباشرا من التجمهر، وكان من المفترض أن ينتقل  معالي وزير الصيد إلى عين المكان، ويتابع عمليات البحث مع خفر السواحل، ويواسي أهالي البحارة المفقودين، نسأل الله تعالى أن يعيدهم إلى ذويهم سالمين. 

حتى السلطات الجهوية في مدينة نواذيبو غابت عن التجمهرين.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فكثيرا ما ننظم في حملة معا للحد من حوادث السير  زيارات لمواقع حوادث سير مميتة، ونواسي ذوي الضحايا، ولم يحدث أن شاهدنا وزيرا للتجهيز والنقل ولا أي مسؤول في الوزارة ينظم زيارة ميدانية لموقع حادث سير مميت أو يعزي ذوي الضحايا.

نتابع هذا الموضوع منذ تسع سنوات، ونحاول دائما أن نتحرك إلى مواقع حوادث السير التي تكون حصيلتها ثقيلة، وكل ذلك على حسابنا في الحملة مع ان جل أعضائها من العاطلين عن العمل، نقوم بذلك دون أي مساعدة من أي جهة حكومية أو خاصة، أي أنه على حسابنا الخاص، ولم يحدث أن صادفنا وجود موظف في الوزارة عند موقع حادث سير.

حتى حادث السير الأخير الذي وقع عند منعرج جوك وتوفي فيه ثلاثة من عمال مؤسسة أشغال صيانة الطرق ETER، وأصيب فيه خمسة آخرون، فحتى هذا الحادث لم يجعل الوزير يتحرك إلى موقعه رغم أن المتوفين والجرحى عمالا في شركة تتبع إلى الوزارة.

فإلى متى سيبقى الوزراء في مكاتبهم عند وقوع مثل هذه الحوادث التي تستدعي تحركهم العاجل؟

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

،#معا_للحد_من_حوادث_السير

الخميس، 10 أبريل 2025

ماذا يُراد بهذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته؟


"في الثالث من أبريل 2025، وبموجب الصلاحيات التي يمنحها الدستور للبرلمان ووفقًا لأحكام النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وجهتُ استجوابًا إلى وزير الداخلية واللامركزية والتنمية المحلية. يتعلق هذا الاستجواب بعمليات الطرد الجماعي للأجانب الذين يُعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا. ووفقًا لشهادات الضحايا، ولمنظمات حقوقية موثوقة مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان
(AMDH)، وعدد من النواب البرلمانيين، فإن عمليات الترحيل هذه تتم مع انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين، مما يسبب حالة من الإحراج العميق والاستياء لدى دول شقيقة ومجاورة، ويعرض مواطنينا في هذه الدول لخطر الانتقام والمعاملة بالمثل.

إن دافع هذا الاستجواب هو الطابع الاستعجالي والخطورة البالغة للوضعية، التي لا تخلو من تذكيرنا بالأحداث المؤسفة لعام 1989، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم".

 

كانت تلكم مقدمة بيان صادر في نواكشوط بتاريخ: 09 أبريل 2025، وموقع من طرف النائب كادياتا مالك جالو.

دعونا نتوقف بعجالة عند هذه الفقرة من بيان النائب كادياتا مالك جالو، وذلك من خلال النقاط التالية:

1 ـ  صنَّفت هذه الفقرة من بيان النائب كادياتا ما حدث في الأسابيع الماضية في بلادنا من ترحيل لمهاجرين غير نظاميين "بعمليات الطرد الجماعي".

من المؤسف حقا أن  تستخدم  النائب كادياتا في بيانها عبارة "طرد جماعي" لوصف ما جرى، وذلك في وقت يصف فيه ساسة ونواب ووزراء ورؤساء جاليات الدول المتضررة ما حدث  بأنه ترحيل لمهاجرين غير النظاميين.

 فلماذا كانت نائبتنا الموقرة ملكية أكثر من الملك في بيانها هذا؟ ولماذا أظهرت تعاطفا مع المهاجرين المرحلين أقوى من تعاطف نواب من دول أولئك المهاجرين، حيث لم يتجرأ أحدهم أن يُصَنِّف ما جرى بكونه "طردا جماعيا"؟

2 ـ حددت النائب كادياتا في بيانها الضحايا الذين تعرضوا لعمليات الطرد الجماعي، بأنهم "الأجانب الذين يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا". ويمكنكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة "يعتقد". لا يستطيع أي سنغالي أو مالي أو أي مواطن من الدول التي رحل بعض مواطنيها أن يدعي بأن المرحلين كانوا في وضعية قانونية. إن كل من تم ترحيلهم مؤخرا من المهاجرين غير النظاميين صرحوا أمام ممثلي جالياتهم، بأنهم قد استوفوا جميع حقوقهم، وأنهم لا يمتلكون إقامة، وكانت الحكومة الموريتانية قد أعطتهم من قبل ترحيلهم مهلة زمنية طويلة جدا لا تعطيها لمواطنيها، وفتحت لهم التسجيل المجاني بصفته أجانب مقيمين لدى الحالة المدنية، وكل ذلك كان من أجل أن يسووا وضعيتهم القانونية، ولكنهم لم يفعلوا.

إن كل هذه الإجراءات هي التي حالت دون التشكيك في قانونية الترحيل من طرف نخب الدول المتضررة، والكل كان يعلم بأنهم في وضعية غير قانونية، وحدها النائب كادياتا لا تستطيع أن تجزم بأنهم كانوا في وضعية غير قانونية، ولذا فقد لجأت إلى استخدام كلمة: "يعتقد" في بيانها، حيث قالت:" الأجانب الذين يعتقد أنهم في وضعية غير قانونية في بلادنا".

3 ـ أظهر البيان أن النائب كادياتا تستقي معلوماتها  عن المهاجرين غير النظاميين المرحلين مؤخرا من بلادنا من ثلاثة مصادر فقط: الضحايا أولا،  والمنظمات الحقوقية الموثوقة ثانيا، مثل الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، ولكم أن تضعوا أكثر من خط تحت كلمة موثوقة، أما المصدر الثالث فهو "عدد من النواب البرلمانيين".

في مقابل شهادات الضحايا، ومن أجل الحد الأدنى من التوازن في مصادر المعلومات، لم  تأخذ النائب بعض المعلومات من المصادر الرسمية، وإنما اكتفت هنا بشهادات الضحايا فقط. أما بخصوص منظمات المجتمع المدني، فقد تجاهلت النائب البيان الذي أصدره منتدى المجتمع المدني في يوم 28 مارس 2025، ووقعه ممثلو عشرات المنظمات الحقوقية، نذكر من بينها على سبيل المثال: "منظمة نجدة العبيد". يبدو أن كل هذه المنظمات ليست منظمات موثوقة حسب النائب كادياتا.

تجاهل البيان أيضا شهادة رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الذي نظم زيارات ميدانية لمقر احتجاز المهاجرين غير الشرعيين، وتجاهل كذلك تصريح رئيس الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب في أعقاب زيارته لمراكز احتجاز المهاجرين غير النئاميين في نواكشوط. وكل هؤلاء يعتبرون ـ حسب النائب كادياتا ـ مصادر غير موثوقة، ولا يمكن أن يأخذ بشهادتهم عن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ووحدها الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH)، والتي ترأسها المحامية  "فاتيمتا أمباي"، هي التي يمكن اعتبارها مصدرا موثوقا، وذلك لأنها أصدرت بيانا قويا يوم 06 مارس 2025، عبرت فيه عن استيائها الشديد مما تعرض له المهاجرون الأفارقة في موريتانيا، وأدانت فيه ـ وبأشد العبارات ـ عمليات: "الاعتقال الجماعي والتعسفي"، و ظروف "الاحتجاز اللاإنسانية" التي تعرض لها المهاجرون في موريتانيا، وأكدت الجمعية في بيانها أن ما ترتكبه موريتانيا في حق المهاجرين يشكل "انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، وللالتزامات الدولية والإقليمية".

وطالبت الجمعية في بيان 06 مارس بالوقف الفوري "للاعتقالات التعسفية" و"الترحيل القسري للمهاجرين"، ودعت المجتمع المدني وكل المدافعين عن حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل ل"حماية كرامة المهاجرين" في موريتانيا.

فقط، وللتذكير، فإن هذه الجمعية لم تعلم حتى الآن بأن الجيش المالي قد ارتكب مجزرة في يوم 9 سبتمبر من العام 2012  في حق تسعة من الدعاة الموريتانيين، حتى تُصدر بيان تنديد أو رسالة تعزية من سطر أو سطرين لضحايا تلك المجزرة، ولم تعلم هذه الجمعية أيضا بأن عشرات الموريتانيين قتلوا في السنوات الأخيرة في مالي حتى تُصدر بيانا لتعزية ذويهم. هذه هي المنظمة الحقوقية الموثوقة، والتي تستقي منها النائب كادياتا المعلومات عن أوضاع المهاجرين في موريتانيا.

أما المصدر الثالث المعتمد لدى النائب كادياتا (عدد من النواب)، فلن أعلق عليه، فأنتم تعرفون من هم النواب المقصودين هنا.

4 ـ توصلت النائب كادياتا، واعتمادا على شهادات المصادر المعتمدة لديها إلى الاستنتاجات التالية :

 ا ـ أن عمليات الترحيل  تتم مع انتهاكات جسيمة لحقوق المهاجرين؛

ب ـ أن ذلك يسبب حالة من الإحراج العميق والاستياء لدى دول شقيقة ومجاورة؛

ج ـ أنه يعرض مواطنينا في هذه الدول لخطر الانتقام والمعاملة بالمثل؛

د ـ أن الخطورة البالغة للوضعية، تذكر بالأحداث المؤسفة في العام 1989، والتي لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.

هذه هي الاستنتاجات التي توصلت إليها النائب كادياتا في بيانها الغريب في محتواه وتوقيته، وسأكتفي للتعليق عليها بالقول بأن من يحرج حقا الدول الشقيقة والمجاورة هو من يصدر مثل هذه البيانات الغريبة المحتوى والتوقيت، خاصة وبعد أن وصلتنا شهادة في منتهى الإيجابية من رئيس دولة شقيقة كالسنغال، يقول فيها  بأنه  تلقى خلال مباحثات "بناءة" حول أوضاع  السنغاليين في موريتانيا "تطمينات" قوية من شقيقه الرئيس الموريتاني بخصوص تلك الأوضاع ، داعيا في الوقت نفسه مواطنيه المقيمين في موريتانيا إلى احترام قوانين البلد المضيف، ومؤكدا أن الرئيس غزواني كان يُدافع عن مصالح السنغال في ملفات حساسة كانت الحكومة السنغالية تجهل تفاصيلها، مما يعكس قوة العلاقة بين البلدين الشقيقين.

ومن يُحرج حقا الدول الشقيقة، هو من يُصدر مثل هذا البيان الغريب في محتواه وفي توقيته، بعد أسبوع واحد من عزل رئيس الجالية المالية في موريتانيا في خطوة تؤكد أن الجالية المالية ومن ورائها الحكومة المالية أصبحت تتفهم كثيرا ما قامت به الحكومة الموريتانية من ترحيل للأجانب غير النظاميين.

ومن يحرج حقا الدول الشقيقة هو من يُصدر هذا البيان الغريب في مثل هذا التوقيت بالذات، وكأنه أراد أن يبعث من خلاله برسالة في غاية الاستعجال إلى الرئيسين السنغالي والمالي، يقول من خلالها : لقد أخطأت يا رئيس السنغال بحديثك عن "التطمينات بخصوص جاليتكم في موريتانيا"، ولقد أخطأت يا رئيس مالي عندما قبلت بتغيير رئيس جاليتكم في موريتانيا، فمثل ذلك سيفهم منه رضاكم عن تعامل حكومة موريتانيا مع جاليتاكم في بلدنا.

وإن من يعرض مواطنينا في السنغال وفي بقية الدول الأخرى لخطر حقيقي، وإن من يستدعي أحداث 1989 المؤلمة، هو من يصدر مثل هذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته، وذلك بعد أن لاحظ الجميع أن النخب في البلدان الشقيقة والمجاورة بدأت تتفهم ما جرى في موريتانيا، وبدأت تلتزم بالصمت حيال ممارسة موريتانيا لحقها السيادي في ترحيل المهاجرين غير النظاميين.

إن النائب كادياتا تقول بلسان الحال من خلال إصدارها لهذا البيان الغريب في محتواه وتوقيته، لنخب الدول الشقيقة التي اختارت السكوت، لم صمتم الآن؟ لماذا لا تعودوا إلى حملتكم ضد موريتانيا تضامنا مع مواطني بلدكم الذين يتعرضون للطرد الجماعي وللانتهاكات الجسيمة لحقوقهم؟

فهل تريدون دليلا على ذلك؟.

إليكم هذا الدليل القوي، والذي أقدمه إليكم من خلال هذا البيان، فهل هناك دليل يمكن أن تنتظروه أقوى من دليل: "وشهد شاهد من أهلها"؟ أليس ذلك دليلا قويا، وخاصة إذا كان الشاهد ليس مواطنا موريتانيا عاديا، وإنما هو نائب مثلي له مكانته المعتبرة في البرلمان الموريتاني؟

حفظ الله موريتانيا


 

الأربعاء، 9 أبريل 2025

لا للتصعيد في المنطقة


 التوتر الحاصل حاليا في العلاقات الجزائرية المالية مقلق جدا، ونرجو أن لا يتطور ويتصاعد أكثر.

لا أدري لماذا يُصَعِّد حكام مالي مع الجزائر، خاصة وأنهم يواجهون تحديات ومشاكل عديدة:

1- التحديات المتعلقة بالانقلاب؛

2- التحديات المتعلقة بإطالة فترة المرحلة الانتقالية ووقف المسار الديمقراطي؛

3- التحديات المتعلقة بعدم الوفاء بتنظيم الانتخابات في العام 2024 كما كان منتظرا، وتجميد الأحزاب السياسية والمنظمات، والقول بأن كل من يطالب بانتخابات في هذه المرحلة هو خائن للوطن؛

4 - التحديات المتعلقة بوجود حركات مسلحة وبخروج أجزاء كبيرة من الأراضي المالية عن سيطرة الدولة المركزية؛

5- التحديات المتعلقة بشبه عزلة إقليمية بعد الخروج أو الطرد من أغلب المنظمات الإقليمية والافريقية؛ 

6- التحديات المتعلقة بقطع العلاقات مع فرنسا وطرد جنودها من مالي، ومما لاشك فيه أن فرنسا لن تدخر جهدا في إيذاء الحاكم العسكري الذي طردها من مالي وأهانها، وفتح المجال لدول أخرى لأن تقوم بنفس الشيء.

هناك تحديات كبيرة يواجهها الحكام في مالي، ومع ذلك فهم لا يترددون في خلق المزيد من العداءات مع دولة جارة وذات وزن إقليمي وتمتلك قوة عسكرية كبيرة جدا (الجزائر).

فلماذا كل هذا الحماس لدى حاكم مالي لخلق المزيد من العداوات في المتطقة؟

هناك من يقول بأنه على موريتانيا أن تتوسط بين الجزائر ومالي، وهذا قول سليم، فموريتانيا هي أفضل من يتوسط بين الدولتين الجارتين والشقيقتين، ولكن المشكلة أن هناك طرفا يريد التصعيد دائما، ولأسباب غير مفهومة، حتى نحن في موريتانيا فإننا لم نسلم  من بعض التصرفات غير الودية، وذلك عندما قتل الجيش المالي العديد من مواطنينا بدم بارد بعد الانقلاب في مالي، وفي وقت كنا قد رفضنا فيه بحزم أن نغلق حدودنا مع الشقيقة المالي، أو أن نشارك في مقاطعة الشعب المالي، وذلك بعد أن أعلنت دول عديدة في المنطقة عن مقاطعة الشقيقة مالي.

نسأل الله تعالى أن يجنب المنطقة أي حرب جديدة، ونرجو أن يخف التصعيد بين مالي والجزائر، وأن يعود الأمن والاستقرار إلى مالي الدولة الشقيقة، فاستقرارها هو استقرار لنا في موريتانيا وفي المنطقة بكاملها.

الثلاثاء، 8 أبريل 2025

لا لخطاب الكراهية

 


استمعتُ إلى رسالة صوتية وجهها الرئيس بيرام إلى نشطاء حركة إيرا، وكنتُ أعتقد أنه سيدعوهم إلى وقف عبارات السب التي أكثروا من استخدامها في الفترة الأخيرة، فإذا بالعكس..

هناك متغيرات من المهم جدا أن تأخذها الحركة وأنصارها  بعين الاعتبار:

1- أن الدعم الخارجي (المنظمات الدولية والدول الغربية) لم يعد كما كان، فأمريكا في عهد ترامب لم تعد معنية أصلا بشعارات حقوق الإنسان الخداعة التي كانت ترفعها في الماضي،  ولا الضغط بها على بعض الأنظمة الحاكمة، والمنظمات الدولية لم تعد تمتلك أدنى ذرة مصداقية بعد الإبادة الوحشية التي تجري الآن والعالم يتفرج، والاتحاد الأوروبي يمر بلحظة ضعف وفقدان البوصلة.

وفرنسا يتراجع نفوذها بشكل سريع في المنطقة، وعلاقات موريتانيا حاليا بالغرب جيدة وكل الأنظمة الغربية تخطب ودها.

اختصارا لهذه الفقرة، فإنه على حركة إيرا أن لا تعول في أيامنا هذه على الغرب والمنظمات الدولية كما كانت تفعل سابقا. ورقة الضغط الدولي محترقة الآن؛

2- هناك مزاج شعبي بدأ يتغير، ولم يعد يقبل بهذه الازدواجية في التعامل مع الإساءات، فإذا كان تجاهل إساءات بعض نشطاء إيرا لبعض المكونات كان مقبولا في الماضي، فاليوم لم يعد مقبولا.

تصوروا مثلا أن النائب داوود ولد أحمد عيشه وصف شخصية من مكونة وطنية أو من شريحة غير شريحته بصرصار؟ لو فعلها لشنت عليه حملة عشواء، ولأصدرت بعض الأحزاب و"المنظمات الحقوقية" بيانات تنديد شديدة اللهجة، ولصنفته تلك المنظمات بأنه عنصري يجب أن ترفع عنه الحصانة ويعاقب بأقسى عقوبة؛

3- كان من المفترض بعد حصول الرئيس بيرام على الرتبة الثانية في عدة انتخابات رئاسية متتالية، أن ينتزع ثوب الشريحة، ويرتدي ثوبا وطنيا جامعا تجد فيه كل المكونات نفسها. لا يمكن لمن يبارك الإساءة لشرائح أو مكونات وطنية، أن يصل إلى الرئاسة؛

4 - من العنصرية كذلك اعتبار بعض المواطنين من الدرجة الثانية، وأنهم ليسوا أهلا لأن يعاقبوا عندما يخالفون القانون.

المساواة يجب أن تشمل الحقوق والعقوبة كذلك في حالة مخالفة القانون.   

نعم للمساواة في الحقوق، ونعم للمساواة في المساءلة والعقوبة.

للاستماع إلى الرسالة الصوتية:



الاثنين، 7 أبريل 2025

أيُّ حوار نريد؟ (الشباب يجيب)


أعاد صالون المدونين في حلقته لهذا الأسبوع (الأحد 06 أبريل 2025) طرح السؤال: "أيُّ حوار نريد؟"، واستضاف لحلقته الثانية المخصصة للحوار بعض النواب والنشطاء الشباب من مختلف الطيف السياسي.


الحلقة افتتحتها ـ باسم الصالون ـ الكاتبة والناشطة الشبابية حياة جبريل، والتي ذكَّرت في كلمتها بالظروف التي انطلق فيها الصالون، منبهة إلى أن الصالون شكل منذ افتتاحه فضاءً للحوار بين المدونين بمختلف آرائهم واتجاهاتهم الفكرية، وبما أن الحديث في هذه الأيام عن الحوار، فقد ارتأى الصالون أن ينظم هذه الحلقة للاستماع  لآراء بعض الشباب حول ملف الحوار المطروح بقوة في هذه الأيام.


الكلمة الرئيسية الأولى في الجلسة كانت للنائب عن اللائحة الوطنية للشباب في حزب تواصل  المرتضى ولد أطفيل الذي أوضح فيها أن هناك أهدافا عامة وأخرى خاصة للشباب من الحوار المنتظر، ومن أبرز الأهداف العامة تعزيز المرجعية الإسلامية،  وحماية الوحدة الوطنية وتقويتها، والانتقال بالديمقراطية من ديمقراطية شكلية إلى ديمقراطية حقيقية، وحكامة رشيدة تحارب الفساد بشكل جدي. 


أما الأهداف الخاصة فهي تتعلق ـ حسب وجهة نظره ـ بإصلاح التعليم بمختلف جوانبه، ومحاربة البطالة.


وفي الكلمة الرئيسية الثانية اعتبرت النائب عن اللائحة الوطنية للشباب في حزب الإنصاف خديجة وان، أن الحوار سنة حسنة، وأن موريتانيا في أمس الحاجة إليه، نظرا لموقعها الجغرافي، وخاصة في هذا الظرف بالذات، وفي جوابها على السؤال أي حوار نريد؟ قالت بأنها تريد حوارا وطنيا جامعا ينبذ التفرقة والتحريض، حوارا يكون الجوهر فيه الوطن بعيدا عن التلاسن والتخوين، تُريد ولو لمرة واحدة أن يكون الوطن هو نصب أعيننا في الحوار المنتظر مبتعدين عن انتماءاتنا السياسية، وأولويات الحوار يجب أن تكون حسب النائب خديجة وان: التعليم، والموروث الثقافي والديني، وترسيخ المواطنة، وتجسيد اللحمة الوطنية والاجتماعية، مع ضرورة إشراك الشباب لأن ذلك هو الرهان الحقيقي.


وفي المداخلة الرئيسية الثالثة عبَّر مسؤول الإعلام في حركة إيرا الناشط السياسي والحقوقي حسن أمبارك أيجه عن قلقهم في المعارضة بخصوص الحوار، الذي يسمعون عنه دون أن يروه، مؤكدا أن الحوار يتطلب تهيئة الساحة له، وأن كل ما يقوم به النظام حاليا هو عكس ذلك، فهو يتجه إلى تأزيم وتوتير الوضع، من خلال سجن النشطاء الحقوقيين والسياسيين والمعارضين.

وقد انتقد مسؤول الإعلام في حركة إيرا في مداخلته سياسة النظام اتجاه الشباب ومحاربة العبودية وترخيص الأحزاب، مؤكدا أن الحوار المطلوب عندهم في المعارضة يجب أن يختلف عن الحوارات السابقة، أي أن لا يكون شكليا، وأن يناقش جميع القضايا الكبرى، ويبحث لها عن حلول، وأن تكون هناك مصارحة قبل المصالحة، مع ضرورة إلزام جميع الأطراف بتنفيذ مخرجاته، وأن يتم تشكيل  هيئة مستقلة للإشراف على تنفيذ تلك المخرجات.


وفي آخر مداخلة رئيسية في الجلسة النقاشية قال الناشط الشبابي إبراهيم يسلم الأمين العام لتيار أبناء الوطن بأن الشباب الموريتاني إما "حاضرا ميتا" أو "ميتا حاضرا"، فهو حاضر بالكثرة ـ حسب الأمين العام لتيار أبناء الوطن ـ لأن نسبته في المجتمع تتراوح ما بين 65 إلى 70% من المجتمع، لكنه ميت بغيابه وتهميشه، فعلى مستوى المعارضة فإن أقصى منصب سياسي يمكن أن يصل إليه الشاب في المعارضة هو أن يكون رئيس المنظمة الشبابية لحزبه، مع أن كل أنشطة الأحزاب يقوم بها الشباب من توعية وتحسيس، وإلى غير ذلك من الأنشطة. أما الشباب في أحزاب الموالاة ، والذي لا يمتلك القدرة في الدفاع عن النظام الذي ينتمي إليه حسب المتحدث، فأقصى طموح للشاب هناك هو أن يُمنحَ وظيفة من قبيل مستشار أو نائب مدير.  وقد ختم  الناشط إبراهيم مداخلته بالتذكير بأن الحوارات الأربعة الأخيرة التي نُظمت في موريتانيا منذ العام 2009 وحتى اليوم، غُيب عنها الشباب، مطالبا بضخ دماء شبابية في الحوار المنتظر.

بعد انتهاء المداخلات الرئيسية توالت مداخلات الحضور من الشباب المشارك في الجلسة النقاشية، وكانت المداخلات متنوعة ومتشعبة، وكان من بين المتدخلين من طالب بتعيين بعض الشباب مع المنسق الوطني للحوار، لأن الشباب هو الذي يعرف مشاكل الشباب، ولأنه بالإضافة إلى ذلك يمثل 70% من المجتمع.

الأحد، 6 أبريل 2025

استقبال في توقيت خاطئ


كانت أخطاء أسرة أهل الشيخ آياه تنحصر في الماضي في طبيعة إنفاقهم، فكانوا في كثير من الأحيان ينفقون بكرم على من لا يستحق، ويبخلون في الإنفاق على الذي يستحق، مع الإعتراف بأنهم بدؤوا يصححون ذلك الخطأ في الفترة الأخيرة، خاصة عندما وزعوا بعض السيارات والصهاريج على عدد من الفقراء في الفترة الأخيرة.

كانت أخطاؤهم تنحصر في الماضي في طبيعة إنفاقهم، واليوم امتدت أخطاؤهم لتشمل استقبالاتهم.

هذا الاستقبال في مثل هذا التوقيت بالذات يعتبر خطأ فادحا، ولا يمكن تصحيحه إلا إذا شارك بعض أفراد هذه الأسرة الفاضلة في الاعتصامات والاحتجاجات التي تنظم قبالة السفارة الأمريكية في نواكشوط.    

لستُ ضد استقبال أي وفد ديني آمريكي، بل إن هذا النوع من الاستقبالات مرحب به ويدخل في إطار تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين الدول ولكن ليس في مثل هذا التوقيت بالذات، والذي تشارك فيه أمريكا بشكل مكشوف وفاضح في أخطر إبادة بشرية يشهدها عصرنا الحديث.

من يتخذ قرارا أو موقفا حتى ولو كان سليما في توقيت خاطئ، يتحول قراره ذلك إلى قرار خاطئ.

إن استقبال وفد أمريكي في مثل هذا التوقيت بالذات يعتبر خطأ فادحا، وباستقبال أهل الشيخ آياه لهذا الوفد الأمريكي في مثل هذا التوقيت، فإنهم بذلك يكونون قد أخطؤوا خطأ عظيما، وسنوا -إضافة إلى ذلك - سنة سيئة، فكل من سيستقبل بعدهم هذا الوفد الأمريكي سيتقاسمون معه وزر ذلك الاستقبال.

أنبه أخيرا بأني لست ضد الاستقبالات الشعبية لهذا النوع من الوفود، ولكن المشكلة، كل المشكلة، تكمن في توقيت الاستقبال.

الخميس، 3 أبريل 2025

سفر مع كتاب "في ضيافة ملائكة العذاب"


حظيتُ بأن تسلمتُ ـ منذ أسبوعين ـ نسخة من كتاب "في ضيافة ملائكة العذاب"، وقد سلمني النسخة مؤلف الكتاب، الكاتب والإعلامي الزاهد في الأضواء عبد الله محمدُّ، والذي يظهر زهده في الأضواء، إذا ما اكتفينا فقط بإلقاء نظرة سريعة على كتابه، من خلال تسميته للكتاب بالكراس، وكتابة اسمه على غلاف الكتاب مجردا من أي صفة، وغياب سيرته الذاتية عن غلاف الكتاب، وقد جرت العادة أن تتضمن الكتب سِيَّر مؤلفيها.

بعد أسبوعين من استلام الكتاب، سافرتُ إلى مدينة لعيون لقضاء عطلة عيد الفطر المبارك هناك، وشكلت تلك الرحلة فرصة مناسبة لقراءة الكتاب، فأكملتُ قراءته وأنا في سيارة انطلقت بنا فجر آخر يوم من شهر رمضان من العاصمة نواكشوط، لتصل قبيل الإفطار إلى مدينة لعيون.

ومن قبل قراءة الكتاب، تولَّدَ لديَّ انطباع أو حكم أولي عليه، وهذا يحدث معي دائما، وارتكز الحكم الأولي في جانبه الإيجابي على إعجاب شخصي بالمؤلف، وهو إعجاب تشكل بالنسبة لي في زمن كانت تعدُّ فيه الإذاعة من أهم روافد الإخبار والتثقيف، وفي ذلك الزمن كان صوت الصحفي عبد الله محمدُّ من الأصوات المميزة التي أحب سماعها دائما.

أما الجانب السلبي في ذلك الحكم الأولي، فقد تمثل في الانطباع الذي تركه في نفسي عنوان الكتاب، وغلافه الأسود، والصورة الملتبسة لأحد الجلادين على خلفية غلافه، فالكتاب ـ وكما يُقال ـ يُعرف من عنوانه، وقد بدا لي ـ من قبل قراءة الكتاب ـ أن المؤلف قد بالغ كثيرا عندما اختار هذا العنوان القوي جدا، والغلاف الأسود للكتاب، وكأنه أراد بذلك أن يغري القراء بقراءة الكتاب، أو أراد في فرضية أخرى، أن  يُضَخم من حجم التعذيب الذي تعرض له البعثيون في السجون عندما اعتقلوا في شهر مارس من العام 1982، ولم يفرج عن بعضهم إلا بعد انقلاب معاوية في نهاية العام 1984.

من المعلوم بداهة، أنه لا وجه للمقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، ولا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، ولكن ذلك لا يمنع من استخدام مصطلحات دنيوية لتقريب ما قد يلاقي الشخص من نعيم أو عذاب في الآخرة، والعكس صحيح، فهو لا يمنع كذلك من استخدام مصطلحات أخروية لتقريب بعض صور العذاب أو النعيم في الدنيا، إذا ما تجاوز أحدهما الحدود العادية أو المعهودة عند الناس، فهل تجاوز تعذيب البعثيين بعد اعتقالهم في العام 1982 حدود تعذيب السجناء السياسيين المتعارف عليها في ذلك العهد، حتى يَحُقَّ للمؤلف أن يستدعي ملائكة العذاب لوصف سجاني البعثيين في تلك الفترة من تاريخ البلد؟

بالنسبة للمؤلف فإن الجواب محسوم بنعم، وقد أكد ذلك في الكتاب، وفي أكثر من موضع، حيث قال في موضع: "ما تعرض له السجناء من أهوال ومن ترهيب وتعذيب وتجويع وانتهاك للكرامة، كان أمرا غير مسبوق في هذا البلد"، وقال في موضع آخر: "إذا أضيف إلى كل ذلك، التعذيب البدني الذي مورس بشكل غير مسبوق في تاريخ البلد".

أما بالنسبة لي فلم أقتنع في بداية الأمر أن تعذيب البعثيين تجاوز تلك الحدود المتعارف عليها في تلك الفترة، ومع ذلك، وبعد قراءة الكتاب كاملا، تفهمتُ كثيرا دوافع اختيار المؤلف لهذا العنوان، واستحضاره لملائكة العذاب، فالعنوان قد جاء في الأصل على لسان أحد المعتقلين البعثيين (باب الغوث)، جاء في ردٍّ ساخر له على سجانه، وذلك عندما سأله ذلك السؤال الساذج والمستفز والسخيف حسب تعبير المؤلف، والذي كان يتكرَّر مع كل السجناء: هل تعرف من نحن؟ فأجاب باب الغوث متهكما : أجل إنني أعرف من تكونون ..إنكم ملائكة العذاب!.

ويشفع للمؤلف في اختيار هذا العنوان ـ بالإضافة إلى وُرودِه على لسان أحد المعتقلين ـ أن عملية الاعتقال في صفوف البعثيين، والتي وصلت في أيامها الأولى إلى أكثر من 1000 موقوف، كانت تبدأ بالترهيب النفسي "عن طريق الاعتقال العنيف والمفاجئ في ساعات متأخرة من الليل، حين تكون الانفس تخلد إلى الراحة متمتعة بسكينة الليل ونعمة النوم.. يقتحم رجال الشرطة في ساعات السحر المنازل، يكسرون الأبواب أو يقفزون من فوق الجدران، فيروعون الأطفال والنساء، وينقضون على ضحاياهم، ويبدؤون بتفتيش الأشخاص والغرف والخزانات، ويتعمدون إثارة الضجيج والفوضى في كل مرافق البيت ومتاعه". بعد محطات مؤقتة نُقِل السجناء إلى مقر الهندسة العسكرية، ووزعوا على غرف في غاية الخشونة، لا توجد بها إلا أسرة حديدية، وأسمال متناثرة، دون أن تكون هناك حشايا أو وسائد، وقد كانت هذه الغرف تستضيف فيما سبق سجناء جبهة البوليساريو، وقد توفي البعض منهم فيها، بسبب المرض، وخاصة السل والبربري، وربما التعذيب، وقد دفنوا بجوارها، حسب ما سمع المؤلف بعد ذلك، ونقل في كتابه.

ألقيَّ السجناء البعثيون عرايا في تلك الغرف الخشنة والباردة، وبقوا هناك لفترة طويلة، ومضى الوقت بطيئا بلياليه وأيامه، وهم على ذلك الحال، يقول المؤلف: "ونحن على ذلك الحال، نعيش في عزلة، لا نرى النور إلا حين يفتح السجان ليسكب قليلا من الماء في علب بالية غير نظيفة من علب الحليب، سبق أن أدخلوها كأوان إلى الغرف. كنا نحاول الصلاة دون وضوء وفي لباس لا يستر إلا العورة المغلظة".

كانت زنزانة المؤلف مجاورة للغرفة التي اتخذها السجانون مكتبا للتحقيق، وهو ما مكنه من أن يسترق السمع للاستجواب والتعذيب الذي كان يتعرض له زملاؤه في جلسات التحقيق والتعذيب، وكان مما ذكر: "سمعتُ من ضمن ما أسمعه كل ليلة، مما لا يرضى ولا يسر من آهات وأنات وألم، صرخات تطلقها إحدى الفتيات المعتقلات في تلك الساعة المتأخرة من الليل البهيم، وهي محاطة فيما يبدو برجال الشرطة المقنعين ممن يفترض فيهم أصلا حماية شرف وكرامة المواطنات الشريفات، كانت تصرخ وأحيانا تذكر الله، وأحيانا تخف الأصوات، لا تسمع إلا همسا، واحيانا تعلو فيزمجر "القائد" ويرعد ويزبد ويهدد ويعد بالويل والثبور وعظائم الأمور.."

ثم يواصل المؤلف في نقل ما كان يسمع في تلك الليلة: "صدرت الأوامر فظة غليظة إلى الجند الأشاوس أن افعلوا بفلانة كما فعلتم بفلانة.."

ثم يضيف: "لحسن الحظ، لم ينفذ الجنود الأوامر، على الأقل لم نسمعهم يفعلون، ولم نسمع فيما بعد أنهم فعلوا، هل لأن الأوامر كانت فقط للتخويف، أم أن الجنود تورعوا، أم أن الأمر قد تم بدون علمنا وأحيط بالسرية؟ الله أعلم."

 إن من طالع الكتاب، لابد وأن يتفهم وجاهة اختيار المؤلف لهذا العنوان القوي، واستحضاره لملائكة العذاب، ويتأكد الأمر عندما يتوقف مع حالات محددة من التعذيب، وقد اتخذ التعذيب عدة أنماط وأشكال عددها المؤلف في كتابه، ولا يتسع هذا المقام لبسطها، ومن تلك الحالات حالة الصحفي محمد حرمة ولد محفوظ الذي سكب السجانون على ساقه زيتا أو حمضا حارقا، يقول المؤلف: "فصرخ صرخة مدوية من شدة الألم.. شاهدته بعد ذلك، وكان جلده قد تقشر، وتلفت بعض أنسجته وتحولت إلى بقع بيضاء تحتل مساحة كبيرة، وبالطبع أعاقه ذلك عن المشي، وعانى آلاما لمدة طويلة من الزمن."

ويضيف المؤلف: "بعد العلاج ومرور فترة طويلة على تلك الحادثة، ما يزال الأخ محمد حرمة، يعاني تبعات عملية الحرق: آلاما وصعوبات في المشي، وتقشرا، وانسلاخ جلده عن المناطق المحروقة، وتحولها إلى بقعة بيضاء مثل البرص".

ومن تلك الحالات المحددة التي قد تشفع للمؤلف في اختيار هذا العنوان القوي، ما تعرض له من وصفه المؤلف في كتابه بأنه شخص عادي من عامة الناس، ليس له أي مركز قيادي في التنظيم، ويعتقد المؤلف بأنه لم يبلغ مرتبة العضوية الكاملة في فرع حزب البعث في موريتانيا.

يقول المؤلف في كتابه، إن المرحوم يمهلُ ولد ختاري، انتزعت ثيابه ذات ليلة ليلاء، "وأمسك رجال أشداء أطرافه الأربعة، وأخذوا يشوونه على ذلك الجمر (كميات كبيرة من الجمر الملتهب)، كما تشوى الدجاجة أو الشاة، يقلبونه على جنبيه وبطنه وظهره، حتى نضُج اللحم وغاب الرجل عن الوعي".

يروي المؤلف أن رائحة الشواء التي كانت تزكم أنوفهم في تلك الليلة، لم يكونوا يعلمون من أين تأتي، ولم يدر بخلدهم أن لها علاقة بتعذيب أحد السجناء، فهذا أمر لم يكن بالمقدور تصوره، وبعد أن تكشفت الفاجعة يقول المؤلف، سنعلم أن الضحية كان قد أنذر الجلادين بأنه إذا تعرض للتعذيب، فإنه سيصوم عن الكلام، ولن ينبس ببنت كلمة حتى ولو مزقوه إربا إربا، وقد أنجز الحر ما وعد، كما يقول الكاتب الذي وصف هذا السجين البعثي ب"البطل المُبْتلى"، واعتبره بمثابة "أيوب أبي اغريب الموريتاني".

لقد بقي هذا البطل المُبتلى ـ حسب ما جاء في الكتاب ـ "زهاء ستة أشهر جالسا لا يستطيع الاضطجاع، وقد ألبس من الضمادات ما جعله يبدو مُكَفنا وهو حي، ولم يكن أحد يتوقع أن ينجو مما أصابه، بل إننا توقعنا موت الكثيرين، ولكنها عناية الله.. لقد طال التعذيب، واشتد المرض، وانسدت الآمال في حصول تغيير، وكاد القنوط يسيطر على الجميع لدرجة أن البعض منا كان يقول: ما أشد تمسكنا بالحياة، وما أقوى أبداننا، أمع كل هذا التعذيب والجوع والمرض، لا أحد يموت، فلو مات البعض لعلم الرأي العام، وتدخلت منظمات حقوق الإنسان، وانفرج الحال."

كان هناك تعتيم كامل على ما كان يجري خلال تلك الأشهر من تعذيب وتنكيل بالسجناء البعثيين، ولم يكن ذوو السجناء يعلمون عنهم أي شيء، وسيطلع فيما بعد الرأي العام الوطني والدولي على حقيقة بعض ما جرى، عن طريق المؤلف، وبصدفة عجيبة وغريبة.

بعد حادثة الشواء، يقول المؤلف: " حُمِل السجين إلى زنزانته بين الحياة والموت، وبعد أيام ساءت حالته وحالة ثلاثة آخرين من الذين تعرضوا للتعذيب، فاستدعي طبيب عسكري لمعاينتهم، وسمعتُ خلسة، جانبا من حديثه لأعضاء فرقة التعذيب، يقول لهم، هؤلاء الأشخاص الأربعة لشدة ما حاق بهم، ليس من الممكن علاجهم هنا، فحالاتهم بالغة الخطورة، إذا كنتم تريدون قتلهم فاحتفظوا بهم هنا، وإلا فلا علاج لهم إلا في المستشفى. وبعد مغادرة الطبيب العسكري، أحضروا ممرضا عسكريا وكان رجلا طيبا بذل جهده لمعالجة الضحايا لكنه لم يفلح، وساءت الأحوال، فاضطروا لنقلنا جميعا إلى المستوصف العسكري."      

في تلك الفترة كان المستشفى أو المستوصف العسكري هو المرفق العسكري الصحي الوحيد، كما يروي المؤلف، وكان يقع في الجهة الغربية من مقر القيادة العامة لأركان الجيوش، وكان هذا المستوصف يُدار في ذلك الوقت من طرف ضابطين فرنسيين، أحدهما برتبة رائد وهو الطبيب الرئيسي، والثاني مساعده برتبة نقيب.

جيء بالسجناء الأربعة إلى المستوصف في أوقات مختلفة، دون أن يعلم أحدهم بالآخر، وكان اثنان منهما مصابان بالسل الرئوي الحاد ( المؤلف أحدهما)، والاثنان الباقيان أحدهما هو الذي تعرض للحرق بالحامض، والثاني هو الذي تعرض لعملية الشواء على الجمر.

وُضِع السجناء الأربعة في أماكن منفصلة، ولم يكن يُسمح لأي كان بأن يتحدث مع أي أحد منهم، وكانت الرقابة مشددة جدا، وكان الحراس يرافقونهم إلى دورة المياه، وإلى الطبيب أثناء الفحوص.

يقول المؤلف: "وذات يوم كان الطبيب الرئيسي يفحصني، وينظر في نتائج فحصي المخبري، وكان يتبادل الآراء مع مساعده فقال له: إنهم لحسن الحظ شباب أقوياء، ولذلك فهم يتحسنون بسرعة، رغم خطورة إصابتهم.. يا للتخلف بدل توظيف قوتهم فيما يفيد، ها هم يدمرون أنفسهم، ويثيرون الفتن بسبب المراعي والآبار وما إلى ذلك، أجابه مساعده: لو أنهم يفهمون الفرنسية لبينا لهم أن مرضهم يحتاج إلى عناية تامة لمدة سنة كاملة على الأقل. وربما إذا أفرج عنهم، وتماثلوا قليلا للشفاء، عادوا إلى صراعاتهم القبلية.. قاطعته قائلا (المؤلف):

ـ من تعني؟ أجاب بتعجب وارتباك واضح ودهشة : هل تفهم الفرنسية؟

ـ نعم

ـ حسن، حسن جدا، ردداها معا؟

ـ لماذا تتقاتلون باسم القبائل على الماء والكلأ؟

ـ لابد أنكم مخطئون يقول المؤلف نحن بعيدون كل البعد عما وصفتم، نحن سجناء رأي تعرضنا للتعذيب لمدة شهور، وما ترونه هو بعض آثار وانعكاسات ذلك!

شكل ذلك الحوار بداية لتسريب معاناة السجناء البعثيين للرأي العام الوطني والدولي، فبعد عدة جلسات استماع، أعد الطبيبان تقريرا، وأرسلاه إلى منظمة العفو الدولية، فنشرت المنظمة مضمون التقرير، منذرة الحكومة الموريتانية بأنها ستواجه عواقب وخيمة وحملة تنديد واسعة النطاق، إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

فوجئت الحكومة بالتقرير، واستاءت منه، وأبعدت الطبيبين الفرنسيين، ولكنها في المقابل، خففت على المعتقلين، وأطلقت سراح البعض منهم، وعجلت بمحاكمة البعض الآخر، وكان المؤلف من ضمن الفئة الثانية من حيث قسوة الأحكام، وهي فئة تتألف من تسعة سجناء حُكِمَ على كل واحد منهم، بالسجن لعشر سنوات نافذة مع الأعمال الشاقة، ومصادرة الممتلكات.    

تلكم كانت بعض الصور من التعذيب البدني للبعثيين الذين اعتقلوا في العام 1982، استعرضها المؤلف في كتابه، وكان هناك تعذيب من نوع آخر(التعذيب المعنوي)، والذي يعتبره المؤلف أقسى وأشد من التعذيب البدني، ففي فقرة من الكتاب يقول المؤلف: "إن الآلام التي ترتبت على توصيفنا بتلك الصفات المشينة من خلال التهم الموجهة إلينا، كانت أشد وأنكى من كل الآلام البدنية التي تعرضنا لها على أيدي الجلادين، فقد تضمدت الجراح على الأجسام والأبدان والتأمت، وظلت جراح الدعاية السامة، نازفة غائرة في الأنفس".  ومن صور التعذيب المعنوي ـ حسب المؤلف ـ  اتهام البعثيين بالعمالة للأجنبي، وتلقي الدعم من الخارج، وقد حاول المؤلف أن يفند تلك الاتهامات في أكثر من موضع أو محطة من الكتاب.

يقول المؤلف في واحدة من تلك المحطات: "وبخصوص هذه الحيثية بالتحديد، أقدم من خلال هذه السطور شهادة للتاريخ لا مطعن فيها، وهي أني لم استلم في أي يوم من الأيام فترة انضمامي للحزب، ولا قبلها ولا بعدها، فلسا واحدا من العراق أو غيره، ولم أر الحزب يقدم الأموال لأي من أعضائه، بل على العكس من ذلك، أنا وغيري من الرفاق من أصحاب الرواتب، كنا نقدم المال للحزب من رواتبنا، ونساهم في مساعدة الأغلبية الساحقة من البعثيين الفقراء، وأكثر من ذلك لم اطلع، وأنا كنتُ في مراكز متقدمة من العمل الحزبي والجماهيري، على أن الحزب قدَّم في أي يوم من الأيام، أية أموال لشراء ذمم الناس".

وفي هذا الإطار يتساءل المؤلف: " هم يزعمون أن البعثيين، يهددون المجتمع بأفكارهم المستوردة، فلماذا لا تنطبق نفس المعايير على دعاة التغريب من أتباع الليبرالية الوحشية ولفرانكفونية أو الزنجوية..أكانت هذه الأفكار وحيا من السماء، أو قطاف زرع موريتاني؟".

وبخصوص السعي للاستيلاء على السلطة، يقول المؤلف بأن البعثيين لم يكونوا طلاب سلطة، ودليله على ذلك: "أن البعثيين كانوا من الناحية اللوجستيكية قادرين على استلام السلطة بسهولة ويسر، ومن دون إراقة الدماء، وربما حتى من دون إعلان حالة استنفار أو حالة طوارئ، فأعضاء من الحزب وعناصر منه، كانوا يشغلون الكثير من مناصب التحكم الحساسة في الدولة، وكان ميزان القوى لصالحهم، وكذلك كونهم يوم 16 مارس، حكموا البلد وظلت السلطة بين أيديهم لمدة ساعات طويلة، ولكنهم تأففوا عن الاستيلاء عليها، وتركوها لمن كانت آئلة إليه، وهذه حقيقة يعرفها كل الذين كانوا مُطَّلِعين على خفايا الأمور، في ذلك اليوم وفي تلك المرحلة".

 ويؤكد المؤلف في موضع آخر: " أصبح الانطباع السائد هو أن البعث بعد 16 مارس، يسيطر على الوضع لدرجة أن بعض الدبلوماسيين الأجانب، وبالذات من السفارات الغربية، كانوا يغازلون البعثيين ويترددون إليهم، بل أكثر من ذلك يكاشفونهم بالاستعداد للتنسيق معهم في حالة ما إذا قرروا تغيير النظام واستلام الحكم، وفي فترة لاحقة اتصل بي شخصيا القائم بالأعمال في سفارة إحدى الدول الغربية الكبرى، وزارني في مكتبي، وأخبرني بكل صفاقة، استعداد بلاده لدعم أية جهة تقرر تغيير النظام".

كانت تلكم بعض صور التعذيب بشقيه البدني والمعنوي، التي أوردها المؤلف في كتابه "في ضيافة ملائكة العذاب"، وتبقى هناك جملة من النقاط المختصرة ذات الصلة بالتعذيب، قد يكون من المهم التوقف معها، أو الإشارة إليها على الأقل:

1 ـ أن مناضلي كل الحركات الإيدولوجية والتنظيمات السياسية تعرضوا للاعتقال   والتعذيب، في فترات مختلفة من تاريخ موريتانيا، وبخصوص هذه الفترة بالذات فقد تعرض الناصريون للسجن والتعذيب مع البعثيين، وكان هناك من توفي في تلك الاعتقالات؛

2 ـ كل الحركات الإيديولوجية والتنظيمات السياسية دفعت أثمانا باهظة، وقد تعرض العديد من المنخرطين فيها للكثير من التعذيب والتنكيل، وهذا ما على الأجيال الحالية أن تعلمه، ومع ذلك فإن الأثر الإصلاحي على أرض الواقع  لكل تلك التضحيات الكبيرة التي قدمتها الحركات الأيدولوجية بمختلف انتماءاتها كان دون المستوى، وذلك أمرٌ مُحَيِّر. فبماذا يُفَسَّرُ هذا التناقض الكبير أو هذه الفجوة الكبيرة بين حجم التضحيات الكبيرة التي قدمتها الحركات الإيديولوجية، والأثر الإصلاحي الهزيل على أرض الواقع لتلك التضحيات الكبيرة؟؛

3 ـ لم تسلم مختلف المكونات الوطنية والحركات والتنظيمات السياسية من عنف الدولة، فالكل كان ضحية لعنف الدولة وأنظمتها الحاكمة، ولكن بعض ذلك العنف تم التركيز عليه دون غيره، ربما سعياً لإلصاق تهمة العنصرية بالدولة.

ومن قبل أن أنهي هذا التعليق على كتاب "في ضيافة ملائكة العذاب"، فلابد من لفت الانتباه إلى نقطتين أراهما مهمتين وردتا في الكتاب، مع أنه لا علاقة لهما بالتعذيب، أولهما أن مؤلف الكتاب كان داخل الإذاعة يوم 16 مارس 1982، وقدم رواية مفصلة لما حدث داخل الإذاعة في ذلك اليوم، وهي رواية تختلف تماما عن الرواية الشائعة عند الناس، لما حدث في ذلك اليوم داخل الإذاعة.

أما النقطة الثانية، فإنها تتعلق بحملات التطوع التي أطلقها النظام الحاكم في تلك الفترة، وقد تحدث عنها المؤلف بشيء من التفصيل في كتابه، ومما لاشك فيه أن إطلاق تلك الحملات كان من الناحية النظرية عملا وطنيا في غاية الأهمية، ولا يختلف من حيث الأهمية عن حملات محو الأمية والمطالعة من خلال تشييد دور الكتاب التي سَتُطلق فيما بعد في عهد الرئيس الموالي، ولكن اللافت في هذا الأمر، وخصوصا في حملة محو الأمية التي كنتُ شاهدا على تحولها إلى عمل مسرحي، أن النسبة السنوية للقضاء على الأمية من قبل تلك الحملات، ومن قبل تأسيس وزارة خاصة بمحو الأمية، كانت أعلى من نسبة القضاء عليها بعد أن أصبحت لدينا وزارة لمحاربة الأمية، وبعد أن أطلقت حملات واسعة لمحو الأمية. 

فلماذا تأتي دائما هذه الحملات التي تنفق عليها أموال طائلة، وتبذل فيها جهود كبيرة، بنتائج سلبية؟

حفظ الله موريتانيا..

الثلاثاء، 1 أبريل 2025

الأنانية في العلاقات بين الدول


في العلاقات الإنسانية هناك أشخاص أنانيون، إن لم أقل لؤماء، وهؤلاء عندما تقدم لأحد منهم خدمة بشكل تطوعي مرة أو مرتين، قد يعتقد بعد ذلك أن من واجبك أن تستمر في تقديمها له، وعندما تتوقف عن تقديمها له أو لغيره   ينتقدك أولئك بألسنة غلاظ شديد لأنك توقفت عن تقديم خدمة لم يكن من واجبك أصلا أن تقدمها لهم، وإنما تطوعت بتقديمها لهم.  

شيء كهذا قد يحدث في العلاقات بين الدول، فموريتانيا مثلا فتحت حدودها للمهاجرين غير النظاميين القادمين من دول شقيقة، واستمرت في ذلك لعدة سنوات، وعندما وصل الأمر إلى مرحلة الخطر، وأصبح تدفق المهاجرين يهدد البلاد أمنيا، واجتماعيا، واقتصاديا، طلبت موريتانيا من مهاجري تلك الدول أن يصححوا وضعياتهم القانونية، وأمهلتهم مهلة طويلة بل طويلة جدا، واتاحت لهم الفرصة لأن يصححوا تلك الوضعيات بشكل مجاني، ومع ذلك رفضوا بكل استهتار واستفزاز أن يصححوا وضعياتهم.

ولما قررت موريتانيا مؤخرا أن ترحل بعضهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، خرجت بعض حكومات تلك البلدان لتعبر عن قلقها، فبأي منطق تتصرف تلك الحكومات بذلك التصرف المستهجن، وهل أصبحت تلك الحكومات تعتقد أن من واجب موريتانيا أن تستضيف المهاجرين غير النظاميين القادمين من تلك البلدان؟

وهل أصبحت موريتانيا مجبرة على أن تأويهم دون تسوية أوضاعهم حتى لا تشكل عودتهم إلى بلدانهم الأصلية ضغطا على حكومات تلك البلدان؟

المستفز في الأمر أن بعض المواطنين الموريتانيين يدعمون تلك الحكومات في موقفها الغريب هذا.

مرة أخرى أكرر : حذار من الالتفاتة إلى الوراء، فتلك الالتفاتة قد تكون قاتلة، ولتستمر بلادنا في ترحيل المهاجرين غير النظاميين، ولتستمر كذلك في الترحيب بالمهاجرين النظاميين الذين لا يرفضون تسوية وضعيتهم القانونية.