الجمعة، 31 يناير 2025

أيها المواطنون الصالحون: أنتم المشكلة!


عرفت أوروبا في القرن التاسع عشر تزايد نسبة الوفيات لدى الأمهات بعد الولادة بسبب حمى النفاس. كان عدد الوفيات مرتفعا جدا، وقد انشغل الأطباء بالبحث عن أسباب هذا الارتفاع الكبير في الوفيات، ولكن دون جدوى. في تلك الفترة كان بعض الأطباء ينتقل من تشريح الجثث مع طلابه في الصباح إلى أقسام توليد النساء في المساء دون غسل اليدين، ولم تكن حينها توجد قفازات طبية، ولم تكن هناك أي ممارسة لأي شكل من أشكال التطعيم والتطهير. وقد لاحظ الطبيب المجرِّي "أجناتس سيملويس " الذي كان يعمل في قسم التوليد بمستشفى فيينَّا العام، أن نسبة الوفيات لدى الأمهات في جناح الأطباء أعلى بكثير من نسبة الوفيات في جناح القابلات، وقد توصل هذا الطبيب إلى استنتاج صادم مفاده أن الأطباء كانوا هم أصل المشكلة.

لم يكن القول باتهام الأطباء بأنهم هم السبب في وفاة مرضاهم بالقول البسيط، ولم يكن الأطباء ليقبلوا بتلك التهمة، ولذلك فقد تعرض الطبيب "أجناتس سيملويس" لهجوم شديد من زملائه الأطباء، فرُفض طلبه بغسل اليدين، وطُرد من المستشفى الذي كان يعمل به، رغم النتائج الإيجابية الكبيرة التي تتحقق عند الالتزام بغسل اليدين، وتسبب له ذلك في حالة غضب شديد، وإصابة بالاكتئاب، وأصبح سلوكه عدوانيا، وألقاه أحد زملائه في عنبر المجانين بأحد المستشفيات، فتشاجر مع الحراس، وأصيب بجرح في يده تحول إلى غرغرينا، وكان ذلك هو السبب المباشر في وفاته.

تم الاعتراف بجهود الطبيب "أجناتس سيملويس " بعد قرن من وفاته، فلقب بمنقذ الأمهات، وثبت اليوم لدى الجميع أن غسل اليدين وتعقيمهما يؤدي إلى ممارسة طبية أكثر أمانا، ويحدُّ من نقل العدوى، ويقلل من الوفاة الناتجة عن نقل الجراثيم من الطبيب إلى المريض.

هذا السرد التاريخي لبعض تفاصيل حياة طبيب وصف زملاءه الأطباء بأنهم هم المشكلة، أردتُ من خلاله أن أبين أنه في بعض الأحيان قد تأتي المشكلة ممن كنا نتوقع منهم حل تلك المشكلة.

فلنترك أوروبا في القرن التاسع عشر، ولنتحدث عن موريتانيا في العام 2023، ولنترك الطب ولنتحدث في السياسة، فإذا ما قمنا بذلك، فسيكون بإمكاننا ـ وعلى طريقة الطبيب المَجَري ـ أن نقول لمن يرى نفسه مواطنا صالحا: أنتَ هو المشكلة!

نعم إن المواطنين الصالحين في هذه البلاد، إذا لم يحاولوا أن يتحولوا إلى مواطنين مُصْلِحين وإلى نخبة مُصلحة سيصبحون هم المشكلة.

وعملية التحول هذه من نخب صالحة إلى نخب مُصلحة، تتطلب تجاوز بعض نقاط الضعف التي عُرِف بها أغلب من يعدُّ نفسه مواطنا صالحا، ومن أهم نقاط الضعف تلك، يمكننا أن نذكر:

1 ـ تتمثل نقطة الضعف الأولى التي تعانيها "النخب الصالحة" في استقالة هذه النخب من قضايا الشأن العام، وقبولها لمواصلة التفرج على ما يجري في البلد دون فعل أي شيء. وعلى العكس من ذلك فإن أولئك الذين يصنفون ضمن النخب الانتهازية أو الفاسدة لا يقبلون بالتفرج، وإنما يتحركون هنا وهناك بحيوية ونشاط، ليس من أجل إصلاح البلد، وإنما من أجل إفساده؛

2 ـ فشل هذه النخب الصالحة ـ والتي هي نخب في منتهى الخمول ـ في إطلاق مبادرات إصلاحية، أو في خلق عناوين سياسية أو جمعوية تمكنها من توحيد الجهود في عمل سياسي أو جمعوي هادف يعود بالنفع على الوطن. وعلى العكس من ذلك فإن أولئك الذين يصنفون ضمن النخب الفاسدة يعرفون بالحيوية والنشاط، والقدرة على إطلاق المزيد من المبادرات ذات "الضرر العام"؛

3 ـ فشل هذه النخب الصالحة في خلق مساحات للعمل المشترك، فمن الصعب أن تجد عشرة من "المواطنين الصالحين" يخلقون مساحة للعمل المشترك فيما يتفقون عليه، وكأنهم ينتظرون تطابقا تاما في الآراء والمواقف حتى يعملوا معا، وهو الشيء الذي لن يحدث أبدا، أو كأن كل واحد منهم يعتقد أنه يكفيه من خدمة البلد أن يبقى مواطنا صالحا، وأن لا ينخرط فيما يقع من فساد وإفساد. يا أيها المواطن الصالح إن صلاحك لا أهمية له، ولن يفيد المجتمع، إذا لم تستطع أن تتحول إلى مواطن مُصلح، وإذا لم تخلق مساحة مشتركة مع مواطنين مصلحين آخرين بهدف تنسيق جهودكم لخدمة المجتمع. وعلى العكس من النخب الصالحة، فإن النخب الانتهازية والمفسدة تمتلك قدرة كبيرة على خلق مساحات للعمل المشترك دفاعا عن مصالحها الضيقة، واستمرارا في "جهودها الجبارة" في إفساد المجتمع؛

4 ـ الانسحاب المبكر من معركة الإصلاح. هناك قلة من المواطنين الصالحين تقبل بالنزول إلى الميادين من أجل الإصلاح، ولكن هذه القلة القليلة من المواطنين الصالحين إذا لم تشاهد ثمار جهودها تنضج في وقت مبكر، وإذا لم تجد من يقدر تلك الجهود، فإنها تسارع إلى الانسحاب من معركة الإصلاح. هذه الطائفة مشكلتها قصر النفس النضالي، ومن المعلوم أن معركة الإصلاح تحتاج إلى نفس نضالي طويل.

إن اكتفاء النخب الصالحة بالتفرج على ما يحدث في البلد دون فعل أي شيء، وسرعة انسحاب القلة القليلة من هذه النخب الصالحة التي تقبل بالنزول إلى الميادين عند خسارة أول معركة من معارك الإصلاح، إن كل ذلك ترك هموم البلد ومشاكله لنخب انتهازية فاسدة ومفسدة تضع مصالحها الخاصة في أعلى سلم الاهتمامات، ومصلحة الموالاة إن كانت موالية أو مصلحة المعارضة إن كانت معارضة في الرتبة الثانية في السلم، في حين تكون المصلحة العليا للبلد في الرتبة الثالثة، أي في أدنى رتبة.

إن البلد بحاجة اليوم ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ إلى نخب صالحة ومُصلحة، تضع المصلحة العليا للبلد في الرتبة الأولى في سلم الاهتمامات، ومصلحة الموالاة إن كانت موالية، والمعارضة إن كانت معارضة في الرتبة الثانية، في حين تكون المصالح الشخصية الضيقة في الرتبة الثالثة، أي أدنى رتبة في سلم الاهتمامات.

 

تنبيهات :

1 ـ سئلتُ كثيرا عن السبب في اختيار هذا العنوان للكتاب، ولتكرر السؤال قررتُ أن أعيد نشر المقال الذي اخترتُ عنوانه ليكون عنوانا فرعيا للكتاب؛

2 ـ هناك عنوانان للكتاب، والعنوان الأصلي للكتاب هو "في نقد المصلحين"، وهذا عنوان غير دقيق، وقد اخترته تجنبا للدخول في نقاش بلا أول ولا آخر ، فالعنوان الذي كان يجب أن يكتب في مقدمة الكتاب هو "في نقد الصالحين"، فالنقد موجه للصالحين، لأنهم لم يستطيعوا أن يكونوا مصلحين، والكتاب قد شخص الحالة المرضية  للمواطنين الصالحين، بأنهم "صالحون بلا فعل إصلاحي".

3 ـ هذه فقرة من الكتاب من المهم أن تكون من بين التنبيهات الملحقة بالمقال: "قد يستغرب البعض منكم أن أخصص أول كتاب في هذه السلسلة التي تنظر للإصلاح في موريتانيا لنقد المواطنين الصالحين، والذين لم يتمكنوا من أن يكونوا مصلحين، أرجو أن لا تستغربوا ذلك، فهذا أمرٌ مقصودٌ في حد ذاته، وهو يهدف إلى ما تهدف إليه إحدى القصص المتداولة في موروثنا الشعبي، والتي تتحدث عن شخص بدأ بمحاولة حلب تيس أو كبش ليؤكد للنعاج أن الدور قادم عليها لا محالة. لقد بدأتُ في هذا الكتاب بنقد المواطنين الصالحين، وذلك حتى يعلم غيرهم أن  الدور قادم إليهم، وأن نصيبهم من النقد سيأتيهم كاملا غير منقوص. "  

حفظ الله موريتانيا..

 


ما هو التصرف الأنسب؟ (تدوينة)


نادرا ما أسافر، وهذا الموضوع لا يهمني بشكل مباشر أو ملح، ولكنه قد يهم آخرين، وهو  يستحق في كل الأحوال نقاشا معمقا.

مشهد يتكرر في المطارات:

- هل أكملتَ وزن الأمتعة؟

- نعم

- إذا كان وزن امتعتك ناقصا فأرجو أن تسجل بعض أمتعتي على تذكرتك.

هذا طلب عادي عند الموريتانيين، وهو طلب بريئ، والامتعة هي أمتعة طبيعية ولا تشكل أي خطر في أغلب الأحوال، وبالتالي فالمطلوب هو أن تساعد مواطنا من بلدك في نقل أمتعته، حتى لا يتحمل كلفة مادية زائدة.  

ذاك هو الاحتمال شبه المؤكد، ولكن ذلك لا يعني إلغاء أي احتمال آخر، حتى ولو كان ضعيفا جدا، فمن الممكن أن يترتب على تسجيل أمتعة شخص آخر على اسمك مخاطر ما.

السؤال : هل الأنسب أن تقبل تسجيل أمتعة أي موريتاني لا تعرفه على اسمك في حالة طلب منك ذلك بسبب زيادة الوزن أم الأنسب أن ترفض الطلب حيطة وحذرا؟ 

ولأن الشيء بالشيء يذكر

في سنوات خلت، ومن قبل التحسينات التي حدثت في الوثائق المؤمنة، كنتَ عندما تمر بقصر العدل قد يصادفك شخص لا تعرفه، وبعد السلام يسألك :

- هل لديك بطاقة تعريف؟

- نعم

-أريدك أن تشهد لي على : زواج أو وفاة أو أي أمر آخر قد ترتبط به حقوق ما أو قد يتسبب في أضرار لأشخاص ما..

عندما ترفض الشهادة في هذه الحالة لشخص لا تعرفه، فإنه يغضب عليك، ويعتبرك من الذين "يمنعون الماعون".

هذان المثالان يطرحان سؤالا كبيرا يقول :

هل الأنسب أن نستمر في التعامل مع من لا نعرف من مواطني بلدنا بعفوية وطيبة وحسن نية، أم أنه علينا أن نأخذ بمتطلبات المدنية وتعقيداتها، فنأخذ حذرنا حتى لا نتورط في مشاكل كنا في غنى عنها؟

الخميس، 30 يناير 2025

القبيلة والمجتمع المدني والقضاء والترتيب بالمقلوب!


نحن مجتمع مجاملٌ، نخبا وعامة، ويصعب أن ننظر إلى أي ملف بموضوعية وشمولية، والمبادرات والحلول تأتي عندنا دائما مقلوبة رأسا على عقب، وهذا ما بدأ يظهر الآن في ملف "حنفي ـ زين العابدين"، فالترتيب الصحيح كان يجب أن يكون على النحو التالي:

القضاء  أولا

إن هذا الملف كان يجب أن يترك بشكل كامل للقضاء، فينال من مارس عنفا جسديا ضد صحفي أمام قناته ما يستحق من عقوبات، ويُنظر في الوقت نفسه لشكوى رجل الأعمال من الصحفي، فإن كان رجل الأعمال قد تعرض فعلا للقذف والإساءة دون بينة أو دليل، وتم تكرار ذلك عدة مرات، ثم مُنع بعد ذلك كله من حق الرد، ففي هذه الحال وجب إنصافه قضائيا، فهو أيضا مواطن يستحق أن تُحمى سمعته وعرضه.

المؤسسات المدنية ثانيا

كان من المفترض في حالة التفكير ـ لأي سبب كان ـ في حل الملف دون اللجوء إلى القضاء، أي تغليب الصلح على التقاضي، كان يُفترض في هذه الحالة أن تظهر دعوات الصلح من مؤسسات مدنية وهيئات نقابية لا من الأطر التقليدية (القبائل).

فكان الأولى أن تتولى مساعي الصلح النقابات الصحفية التي ينتسب لها أحد الأطراف، واتحاد أرباب العمل الذي ينتسب له الطرف الثاني.

الملاحظ أن هذه الهيئات ـ كغيرها من هيئات المجتمع المدني ـ تغيب دائما عن مثل هذه المساعي، ولا تسارع إلى إطلاق مبادرات للصلح عندما يتعرض أحد أعضائها للظلم أو يرتكب خطأ في حق الآخرين، تاركة بذلك فراغا كبيرا تستغله في العادة الأطر التقليدية، فتزيد هذه الأطر من نفوذها وحضورها في قضايا الشأن العام.

فلماذا لم نسمع بعد اعتداء رجل أعمال على صحفي عن لقاءات بين ممثلين عن أرباب العمل وآخرين من النقابات الصحفية،  بدلا من ترك مبادرة المساعي الحميدة للأطر التقليدية، أي لقبيلتي رجل الأعمال والصحفي؟

ولماذا تأخرت من قبل ذلك النقابات الصحفية بالتدخل عندما بدأ يدور الحديث عن رفض منح حق الرد لرجل الأعمال، إن صح ذلك الحديث، فتطالب تلك النقابات من  القناة المعنية بمنح حق الرد لرجل الأعمال.

من المهم جدا أن تُدافع النقابات عن أعضائها عندما يتعرضون للظلم، ويتأكد الأمر بالنسبة للنقابات الصحفية، فالصحفيون هم الأكثر تعرضا للمخاطر بسبب طبيعة عملهم، خصوصا منهم أولئك الذين يهتمون بكشف الفساد، ولكن من المهم كذلك أن لا يتوقف تدخل النقابات والروابط الصحفية على التضامن والمؤازرة عندما يتعرض الصحفي للظلم، بل يجب أن يشمل ذلك التدخل النصح والتوجيه لتصحيح الأخطاء، إن كانت هناك أخطاء، كأن يظهر مثلا أن مؤسسة إعلامية أو صحفيا ما قد أخطأ في حق آخرين.

الأطر التقليدية ثالثا

في حالة عجز القانون عن حسم ملف ما، وفي حالة عجز هيئات المجتمع المدني عن إطلاق مبادرة صلح ناجحة، قد نقبل في هذه الحالة اللجوء إلى الحل الأسوأ، أي إدخال القبائل في قضايا الشأن العام من خلال إطلاق مبادرات مساعي الصلح بين شخصين ينتميان أو ينتسبان لهيئتين مدنيتين، فنحن وللأسف ما زلنا مجتمعا تقليديا تتمتع فيه القبائل بشيء من النفوذ يجب أن يُقضى عليه بحكمة وتدرج.

المشكلة  في هذا الملف، وفي ملفات أخرى، أن هرم التدخل كان مقلوبا، فالقبيلة كانت هي أول ما ظهر في هذا الملف، والقضاء تأخر كثيرا في التعامل مع الملف، هذا إن كانت شكوى رجل الأعمال صحيحة. أما المؤسسات المدنية والهيئات النقابية، فهي غائبة تماما عن الملف، كما هو الحال بالنسبة لاتحاد أرباب العمل، أو اكتفت ـ في حالة ظهورها ـ  بدور المتضامن فقط، بعد تعرض أحد أعضائها للاعتداء، كما هو الحال بالنسبة للنقابات والروابط الصحفية.

حفظ الله موريتانيا...

الاثنين، 27 يناير 2025

هل ستنجح الحكومة في تنفيذ خطة 304/2025؟


تعودنا أن نسمع من الحكومات السابقة خطابات مليئة بعبارات والتزامات مبهمة، ووعود ضبابية، غير قابلة للقياس، وكثيرا ما كان يتعهد الوزير الأول أمام البرلمان بأن حكومته ستقوم ب"جهود جبارة" في هذا القطاع، وستحقق "قفزة نوعية" في ذلك القطاع، وستسجل "إنجازات غير مسبوقة" في ذاك القطاع، وهكذا حتى تُعَمَّم الالتزامات المبهمة على كل القطاعات الوزارية.

وبطبيعة الحال، فلا يخفى عليكم، أنه لا توجد وحدات للقياس، لا بالطول، ولا بالوزن، ولا بالحجم، يمكن أن نقيس بها هذه العبارات الفضفاضة والمبهمة لنعرف ماذا تحقق من "الجهود الجبارة" في عهد هذه الحكومة، أو من" الإنجازات المسبوقة أو غير المسبوقة" في عهد تلك الحكومة، ونحن لا نعرف أيضا، حتى عند استخدام وحدات القياس المعروفة، إن كان من المناسب أن نستخدم الكيلومتر أو المليمتر  لقياس المسافة التي قطعتها بلادنا في إحدى "قفزاتها النوعية" التي تتكرر دائما، وفي كل القطاعات، حسب ما تعودنا أن نسمع من القائمين على تلك القطاعات.

لم يكن بإمكاننا في الماضي أن نتابع أو نراقب أو نقيم الأداء الحكومي بشكل دقيق، فبرامج الحكومات المتعاقبة كانت قائمة على وعود والتزامات فضفاضة لا يمكن قياسها، ولا التحقق من مستوى التقدم في إنجازها، ولذا فقد كان من الطبيعي جدا أن يقول الداعم للنظام بأن الإنجازات التي تحققت كانت عظيمة، ويقول في نفس الوقت المعارض للنظام بأن الإخفاقات كانت أعظم، وأنها إخفاقات غير مسبوقة.

في اعتقادي الشخصي أن هذا الخلاف الكبير في التقييم بين القائلين بالإنجازات العظمى، والقائلين بالإخفاقات الأعظم، لم يعد مبررا في عامنا هذا، وذلك بعد أن ألقى معالي الوزير الأول خطابا هاما أمام البرلمان، يمكن أن يُصنَّف بأنه أول خطاب لوزير أول يتضمن خطة عمل سنوية للحكومة واضحة المعالم، وقائمة على التزامات محددة، يمكن أن تُقيم بسهولة في نهاية العام، وذلك من خلال تحديد نسبة ما تم تنفيذه من التزامات الخطة، والتي بلغت في مجموعها 304 التزامات. 

لقد أتاح خطاب الحصيلة والآفاق الفرصة لكل متابعي الشأن العام، معارضين كانوا أو موالين أو مستقلين، أن يتحدثوا ببرهان، وأن يقيموا أداء الحكومة الحالية في عام الناس هذا بشكل علمي دقيق، وذلك اعتمادا على نسبة ما أنجز وما لم ينجز من الالتزامات التي تضمنتها خطة الحكومة للعام 2025. 

وإذا ما تحدثنا بلغة إحصائية فصيحة، فإن الحكومة مطلوب منها ـ وبلغة المتوسطات الحسابية ـ أن تنفذ التزاما واحدا في كل يوم من العام 2025، أو على الأصح، واحتراما لدقة الأرقام، أن تنفذ التزاما واحدا كل 28 ساعة و48 دقيقة.

لم تعد هناك ضرورة للاستمرار في التقييمات المتباينة جدا بين المعارضة والموالاة، وذلك بعد أن استعرض الوزير الأول أمام البرلمان 304 من الالتزامات المحددة بشكل دقيق، ووعد بتنفيذها خلال سنة، فما على المعارضة إلى أن تعُدَّ ما تحقق من تلك الالتزامات خلال العام، فإن كانت نسبة الإنجاز قليلة، وجدت حجة لا يمكن الطعن فيها لتنتقد النظام بقوة وحدة، وما على الموالاة كذلك إلى أن تعُدَّ ما نُفِّذَ من تلك الالتزامات عدَّا، فإن كانت نسبة ما تم تنفيذه عالية، جاز لها أن تثمن أداء النظام تثمينا تمتلك على وجاهته كل البراهين والأدلة المطلوبة.  

إنها مجرد أسئلة بسيطة جدا علينا أن نجيب عليها خلال العام 2025، وبذلك سنمتلك من الأدلة ما يكفي لأن نصدر حكما إيجابيا أو سلبيا على أداء الحكومة، فيمكننا مثلا أن نسأل في نهاية العام: إن كانت الأعمال قد انتهت فعلا في مستودعات التخزين للشركة الوطنية للمحروقات؟ وهل انتهت الأعمال في الخط الكهربائي الرابط بين نواكشوط وازويرات؟ وهل وُضِع الحجر الأساسي لمشروع تزويد كيفة بمياه الشرب من النهر؟ وهل تم تشييد 18 منشأة صحية بيطرية جديدة؟ وهل نُظمت في نواكشوط النسخة الأولى من المعرض الدولي للكتاب؟ وهل انتهت الأشغال في مستشفى تجكجة ومستشفى لعيون، وهل دخلا الخدمة فعلا؟ وهل تم اكتتاب حوالي 3000 موظف ما بين مهندس وطبيب وأستاذ ومعلم في العام 2025، أي بمعدل اكتتاب 8 موظفين في كل يوم؟ وهل أصبحت هناك سلطة وطنية لمحاربة الفساد تتمتع بالاستقلالية وتمتلك الصلاحيات الكاملة لمحاربة الفساد؟ وهل تم إصلاح نظام الصفقات العمومية ورقمنة إجراءاتها؟ وهل شُقت في العاصمة نواكشوط 136 كلم من الطرق، منها 50 كلم عبارة عن طريق التفافي؟ وهل بدأ العمل في خط أمل الكهربائي الذي يربط نواكشوط بالنعمة؟ وهل بدأت الدراسة في جامعة نواذيبو؟ وهل انطلقت الأشغال في مستشفى سلمان الجامعي؟ وهل بدأت الأشغال لبناء المختبر الوطني لمراقبة جودة الأدوية؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تتعلق ب304 من الالتزامات التي تعهد بها الوزير الأول أمام البرلمان، ووعد بتنفيذها في العام 2025.

كل الالتزامات التي تضمنتها خطة الحكومة في العام 2025 كانت التزامات واضحة جدا، يمكن تحديد مستوى تنفيذها بدقة عالية جدا، باستثناء التزام واحد، استخدمت فيه واحدة من العبارات التقليدية المبهمة، وهو الالتزام المتعلق بإحداث "نقلة نوعية في مجال مرتنة مناصب الشغل في أسطولنا الوطني"، فكم من موظف موريتاني علينا أن نوظفه في أسطولنا الوطني خلال هذا العام، حتى يكون بمقدورنا أن نقول بأننا قد أحدثنا فعلا "نقلة نوعية" في مرتنة الأسطول؟ في هذا الالتزام، وفي هذا الالتزام فقط، قد نختلف في تحديد العدد المطلوب.

جاء خطاب الحصيلة والآفاق بعد خطاب آخر سبقه، ألقاه معالي الوزير الأول أمام البرلمان، ولم تغب فيه هو أيضا بعض الالتزامات الواضحة والمحددة بسقف زمني قصير جدا، ففي يوم 4 سبتمبر 2024 تعهد الوزير الأول أمام البرلمان بتسريع وتيرة العمل لإكمال 13 مشروعا قبل نهاية السنة، وقد اكتمل العمل في 11 مشروعا منها، وبقي مشروعان أحدهما قد يتأخر لشهر، والثاني لثلاثة أشهر وزيادة، والتزم أيضا في نفس الخطاب بتسريع العمل لوضع حجر الأساس لتسعة مشاريع قبل نهاية السنة، فانطلقت الأعمال في سبعة منها، وبقي اثنان تأخرا لشهرين، هذا فضلا عن الالتزام بعشرة برامج لتحسين ظروف عيش وسكن المواطنين، وقد أنجزت، كما أطلقت ثلاث مبادرات لإشراك المواطن في مراقبة العمل الحكومي، وكانت من بين ما التزم به الوزير الأول في خطاب 4 سبتمبر.

يعني هذا ـ وبلغة الأرقام ـ أن نسبة الالتزام بتعهدات الأشهر الأخيرة من العام 2024 قد وصلت إلى 88.5%، وأن التأخر في تنفيذ تلك الالتزامات لم يتجاوز نسبة 11.5% ، ويتعلق التأخر بأربعة مشاريع فقط من بين 35 مشروعا، وتأخر هذه المشاريع كان لفترة غير طويلة جدا، وكان على النحو التالي : مشروعان تأخرا لشهر واحد، ومشروع واحد تأخر لشهرين، ومشروع واحد تأخر لثلاثة أشهر.

لقد نجح الوزير الأول وحكومته في امتحان الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2024، فهل سينجح في امتحان العام 2025، والذي يتعلق هذه المرة بمئات الالتزامات؟

إن نجاح الوزير الأول وحكومته في امتحان 2025 سيبقى مرهونا بتنفيذ 304 من الالتزامات التي تعهد بها أمام البرلمان في خطاب الحصيلة والآفاق، وفي حالة نجاحه في تنفيذ هذه الخطة سيكون بذلك قد حقق أكثر من 5/1 برنامج "طموحي الوطن"، فهذه الالتزامات ال304 ما هي إلا أقساط سنوية من الركائز الخمس التي تضمنها برنامج فخامة رئيس الجمهورية، والتي وعد بالعمل عليها خلال هذه المأمورية. 

ختاما

لقد خاطر معالي الوزير الأول سياسيا عندما تعهد في خطابه أمام البرلمان بأن الحكومة ستنفذ 304 من الالتزامات الموثقة في خطة الحكومة خلال العام 2025، ولقد أشار هو بنفسه في خطابه إلى تلك المخاطرة، والتي أعتبرها شخصيا مخاطرة في غاية الأهمية، وذلك لأنها قدمت للنخبة السياسية من معارضة وموالاة، ولكل متابعي الشأن العام، التزامات واضحة ومحددة ستمكنهم من تقييم الأداء الحكومي في العام 2025 تقييما علميا قائما على أدلة وبراهين، إيجابيا كان أو سلبيا، حسب ما سينفذ من تلك الالتزامات.

هناك تفاؤل له ما يبرره، وهناك توقع بأن نسبة الإنجاز في العام 2025 لن تكون بعيدة من نسبة الإنجاز التي تحققت بخصوص التزامات الرابع من سبتمبر من العام 2024.  

حفظ الله موريتانيا...


الأحد، 26 يناير 2025

لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية


بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الأمين العام لهيئة العلماء الموريتانيين،

أصحاب الفضيلة علماءنا الأجلاء، وأئمتنا الفضلاء، ودعاتنا الأخيار،

أسر وأقارب وزملاء ضحايا حوادث السير من العلماء والأئمة والدعاة،

إخوتي الأفاضل، أيها الجمع الكريم.

انطلقت حملة "معا للحد من حوادث السير" منذ ما يُقارب تسع سنوات، وتحديدا في يوم السابع من أغسطس من العام 2016، وكان الهدف من إطلاقها المساهمة في إنقاذ الأنفس من حرب الشوارع ومجازر الطرق التي كانت ـ وما تزال ـ تخلف في كل عام أعدادا كبيرة من الجرحى، ونفقد فيها أعزاء على قلوبنا تغمدهم الله بواسع رحمته.

وللحد من هذا النزيف في الأرواح عملت الحملة منذ انطلاقها على توعية السائقين والركاب في مختلف المحاور الطرقية، وقدمت المقترحات والعرائض المطلبية للقطاعات الحكومية المعنية، وسعت إلى خلق رأي عام وطني واعِ بخطورة حوادث السير، والتي أصبحت هي القاتل الأول في العالم للأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 29 سنة، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية في العام 2018. 

ومع أنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة الوفيات الناتجة عن حوادث السير في بلادنا بالقياس إلى الوفيات الناتجة عن أسباب أخرى، إلا أنه يصعب اليوم ـ إن لم أقل يستحيل ـ أن تجد أسرة موريتانية إلا ولها ذكرياتها الأليمة وقصصها الحزينة مع حوادث السير، ومع ذلك فما تزال الجهود المبذولة رسميا وشعبيا دون المستوى المطلوب، حتى وإن كان قد حدث تحسن ملحوظ على المستويين الرسمي والشعبي خلال السنوات الأخيرة.


إننا في حملة معا للحد من حوادث السير، ومنذ أن انطلقنا في منتصف العام 2016، لم ندخر جهدا للفت الانتباه إلى الحصيلة الثقيلة التي نتكبدها في موريتانيا بسبب حوادث السير، ومواصلة لهذا الجهد يأتي برنامجنا التأبيني والتوعوي هذا، والذي نسعى من خلاله إلى إظهار حجم الكلفة البشرية التي يتكبدها كل قطاع على حدة، وذلك من خلال تنظيم يوم تأبيني خاص بضحايا كل قطاع، وقد بدأنا اليوم بقطاع الشؤون الإسلامية من خلال هذا التأبين لمجموعة من خيرة علمائنا وأئمتنا ودعاتنا.

ونحن إذ ننظم هذا اليوم التأبيني فإننا نسعى كذلك إلى إشراك العلماء والأئمة والدعاة في هذا الجهد التوعوي، إنقاذا للأنفس، ووفاء لذكرى هذه الكوكبة من المشايخ والعلماء الذين توفوا في حوادث سير أليمة، وإننا بهذه المناسبة نتوجه إلى علمائنا وأئمتنا ومشايخنا ودعاتنا بالمطالب التالية :

1 ـ تخصيص بعض خطب الجمعة لتبيان خطورة حوادث السير، وأهمية التوعية في مجال السلامة الطرقية؛

2 ـ تخصيص مساحة معتبرة خلال شهر رمضان القادم في السهرات الرمضانية للتوعية في مجال السلامة الطرقية؛

3 ـ منح وقت أكبر للسلامة الطرقية في الدروس والمواعظ وخطب الجمعة في المساجد التي تقع قرب محطات للنقل، والتي تشهد إقبالا معتبرا من طرف السائقين؛

4 ـ طرح موضوع مبلغ الدية والمطالبة بمراجعته، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، كلما وُجِدت فرصة لذلك.

وفي الأخير، فإننا في الحملة نؤكد أن جهودنا في مجال التوعية للحد من حوادث السير ستتواصل إن شاء الله، وأن هذه الأيام التأبينية والتوعوية ستشمل قطاعات أخرى، ونحن نخطط في الوقت الحالي ليكون اليوم التأبيني القادم لصالح المنتخبين، من نواب وعمد وشيوخ ورؤساء جهات، تذكيرا بالعديد من المنتخبين الذين فقدناهم في حوادث سير، وسعيا لإشراك المنتخبين بشكل أكبر في الجهود الرامية للحد من حوادث السير في بلادنا.




الخميس، 23 يناير 2025

قراءة في كتاب

 


خصص اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين حلقته لهذا الأسبوع من "شاي الأربعاء" لقراءة في كتاب " أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة" لمؤلفه الكاتب محمد الأمين ولد الفاضل.

وقد افتتح رئيس الاتحاد النائب الخليل النحوي الحلقة بالإشادة بدور الكاتب في التوعية والإصلاح، وأهمية كتابه الذي ينظر للإصلاح في موريتانيا.

بعد ذلك تناول الكلام الكاتب محمد الأمين ولد الفاضل فتحدث عن محتوى الكتاب بشكل مفصل، مبرزا الأسباب التي جعلته يختار هذا العنوان، والذي استلهمه من قصة طبيب مجري اكتشف أن الأطباء الذين يقومون في العادة بعلاج المرض وإنقاذ المرضى قد يتحولون في ظروف معينة إلى ناقل للمرض وقاتل للمرضى، كما حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر، حيث تسببوا حينها في موت أعداد كبيرة من النساء أثناء الولادة.

وفي حديثه عن محتوى الكتاب عدَّدَ المؤلف 16عرضا مرضيا تعاني منه النخب الصالحة في موريتانيا، وقال بأن تلك النخب لن تستطيع أن تؤدي دورها الإصلاحي ما لم تعالج تلك الأعراض المرضية التي تعاني منها، والتي تم استعراضها بشيء من التفصيل  من خلال مقالات الكتاب، وأكد المؤلف في ختام حديثه أن كتاب "أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة" يعدُّ الجزء الأول من سلسلة من الكتب يعمل على إصدارها خلال السنوات القادمة إن شاء الله.

وقد خُصص الجانب الثاني من حلقة شاي الأربعاء لمؤازرة شاعر موريتانيا المختار عبد الله صلاحي، المنافس في سباق أمير الشعراء، وقد تبرع الكاتب بمبيعات كتابه خلال الحلقة لصالح لجنة مؤازرة ودعم الشاعر المختار عبد الله صلاحي.

نشير في الأخير إلى أن الحلقة قد أدارها الأمين التنفيذي في الاتحاد عبد الباقي محمد، وقد شهدت العديد من المداخلات، واختتمت بتكريم المؤلف من طرف الاتحاد.

الاثنين، 20 يناير 2025

لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية(تدوينة)


في إطار التحضير لليوم التأبيني الذي سننظمه في حملة معا للحد من حوادث السير يوم السبت القادم إن شاء الله، اتصلت اليوم بالأخت الفاضلة النجاح بنت محمذن فال، وذلك في إطار تحديد أسماء المتدخلين في تأبين الوالد القاضي والمقرئ محمد ولد محمذن فال الذي توفي بسبب حادث سير أليم تعرض له فجر يوم الجمعة الموافق 06 يونيو 2006.

وعلمتُ منها أن ابنه الشيخ ماء العينين ولد محمد محمذن فال توفي هو أيضا في حادث سير وقع بعد أقل من أربع سنوات من رحيل الأب، وتحديدا في  يوم 19 ابريل 2010.

وحدثتني أيضا عن حادث آخر، ولكنه هذه المرة يتعلق بحادث طائرة عسكرية توفي فيه ابنها النقيب الطيار سيد أحمد محمدن في يوم الأربعاء الموافق 15 مايو 2024 رحم الله الجميع.

الأخت النجاح التي فقدت الوالد، والأخ، والابن في حوادث أليمة متفرقة كتبت مقالا شهيرا عن حوادث السير في العام 2010 من قبل أن تتأسس الحملة، ونشرته يومية الأمل الجديد، وترك صدى قويا، وهي نفسها التي تحدثت بشجاعة بعد وفاة الابن في فيديو شهير تم تداوله بشكل واسع في هذا الفضاء.

 سيشمل النشاط التأبيني عدة علماء وأئمة ودعاة آخرين توفوا في حوادث سير، ويأتي في مقدمتهم القاضي والمقرئ محمد ولد محمذن فال الذي كان ضمن بعثة العلماء والقضاة الشهيرة التي درست في تونس، وهو أول من جاء بالقراءات العشر إلى موريتانيا، وقد أجاز فيها العديد من الأئمة والعلماء، وعلى رأسهم فضيلة العلامة بداه ولد البصيري رحمه الله.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير



الأحد، 19 يناير 2025

بيان من منتدى 24-29


صادق مجلس الوزراء  المنعقد يوم الخميس 16 يناير 2025 على ثلاثة مشاريع قوانين مهمة، في مجال محاربة الفساد، وتعكس المصادقة على مشاريع القوانين الثلاثة دفعة واحدة، وفي نفس الاجتماع، أن هناك إرادة سياسية جادة لدى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وحكومته في تنفيذ ما تضمنه برنامج "طموحي للوطن" من التزامات قوية  في مجال محاربة الفساد، وخاصة ما يتعلق منها ب"إنشاء منظومة متكاملة لمكافحة الفساد والرشوة على مستوى القطاعين العام والخاص استنادا إلى الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة". 

إن مصادقة الحكومة على مشاريع قوانين تتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، ومكافحة الفساد، وتأسيس سلطة وطنية لمكافحة الفساد وفق أحدث المقاييس والمعايير الدولية في هذا المجال ليؤكد جدية الإرادة السياسية للوفاء بالتعهدات في مجال محاربة الفساد، وإننا في منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، لنؤكد بمناسبة إجازة الحكومة لهذه القوانين على ما يلي :

1 ـ تثميننا القوي لمصادقة الحكومة على مشاريع القوانين الثلاثة المذكورة أعلاه؛

2 ـ دعوتنا لإسراع الإجراءات حتى تتم مصادقة البرلمان على مشاريع القوانين هذه، خلال الدورة الحالية التي تقترب من نهايتها؛

3 ـ تأكيدنا على أن السلطة الوطنية لمكافحة الفساد لن تؤدي بفعالية المهام الجسيمة الموكلة إليها، إلا إذا تم اختيار تشكلتها من الذين يجمعون بين الكفاءة والاستقامة وتحدوهم الرغبة الصادقة والجادة في محاربة الفساد.  

نواكشوط : 19 يناير 2025

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

#منتدى24_29

السبت، 18 يناير 2025

داعمون يحاربون النظام إعلاميا وسياسيا!


أتابع منذ أيام نقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي في غير صالح النظام الحاكم، وإذا كان من الطبيعي جدا أن يُسَعِّر المدونون المعارضون تلك النقاشات، فإن الغريب حقا هو أن ينخرط فيها مدونون داعمون  للنظام.

مثل هذه الأخطاء، تتكرر دائما، ربما بسبب غياب رؤية إعلامية واضحة المعالم في مواقع التواصل الاجتماعي لدى داعمي النظام، وفي ظل غياب تلك الرؤية سيبقى الارتجال والاجتهاد الفردي هما سيدا الموقف، وسيبقى من الممكن دائما وضع الطعم في مواقع التواصل الاجتماعي، من هذا الطرف أو ذاك، لجر مدوني النظام إلى نقاش قضايا، يعدُّ نقاشها ـ ومن أي زاوية ـ  يضر النظام أكثر مما ينفعه.

ومن تلك القضايا، يمكننا أن نذكر ثلاثا:

1 ـ الحديث المبكر عن مرشح النظام المحتمل في العام 2029، فمن ينخرط الآن من داعمي النظام  في أي حديث من هذا القبيل، ولأي سبب كان، فإنما يحارب النظام إعلاميا وسياسيا بحديثه في هذا الموضوع، علم ذلك أو لم يعلم، قصد ذلك أو لم يقصده.

إن السياسة تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطنين، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للرئيس في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا  بأنه لا إنجازات تحققت تستحق أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

لا خلاف على أن حديث مدوني المعارضة في هذا الوقت المبكر عن "مرشحين مُتَخيلين" للنظام، وترجيح كفة بعضهم على البعض، اعتمادا على الخيال والإشاعات، قد يكون حديثا مقبولا على المستوى السياسي، حتى وإن كان غير مقبول أخلاقيا لاعتماده على الإشاعة والكذب، ومثل هذا الحديث لمن لا يعني له الكذب والتلفيق أي شيء، قد يدخل في صميم العمل المعارض، لأنه يهدف أساسا إلى إرباك النظام، وإلى قتل الأمل لدى المواطن، هذا فضلا عن كونه يخلق نوعا من عدم الثقة بين أركان النظام، ولكن الغريب حقا هو أن ينجرف مدونون محسوبون على النظام في مثل هذا الحديث، ومن يشارك منهم في نقاش كهذا، معززا هذه الفرضية أو تلك، إنما يقوم بعمل عدائي للرئيس أولا، ولنظامه الحاكم به ثانيا.

اللافت في الأمر أن الجهة السياسية التي  كان يفترض فيها أن تسمي مرشحها في وقت مبكر، وتبدأ في الدعاية له من أول عام من المأمورية الحالية هي المعارضة، ولكن المعارضة عاجزة عن ذلك لغياب الرؤية السياسية، ولما تعاني منه من تشظي وانشطار تزداد حدته عاما بعد عام، وهو ما يعني أن عجزها في اختيار مرشح توافقي سيبقى قائما إلى ما بعد انتخابات 2029، وهذا استشرافي بخصوص المعارضة. أما الأغلبية فما يخدمها سياسيا وإعلاميا هو أن تؤخر الحديث عن هذا الموضوع إلى آخر سنة من المأمورية الحالية، ولكن بعض مدونيها يبدو أنه استعجل الأمر، وانخرط ـ بالتالي ـ  في موجة التخمينات التي أطلقت عن إمكانية ترشيح فلان أو علان.

لستُ بحاجة للقول بأن الأسماء التي تذكر حاليا ما هي إلا مجرد تخمينات ليس لها ما يدعمها، وأي مدون داعم للنظام يروج لهذا الوزير أو ذاك العسكري المتقاعد، أو ذلك الموظف السامي، بوصفه مرشحا مفترضا للرئيس في العام 2029، إنما يضر من يروج له من حيث أراد أن ينفعه. ويمكنني أن أجزم تحليليا، واعتمادا على اختيارات الرئيس في مأموريته السابقة، حيث ظلت الاختيارات  بالنسبة لوزرائه الأول أو لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الإنصاف حاليا)، أو لبعض الوظائف السامية الأخرى، ظلت كلها خارج دائرة التوقع حتى أعلن هو عنها. أقول يمكنني أن أجزم تحليليا بأن هذا الأسلوب لن يتغير، ومن الراجح عندي أن مرشح الرئيس في العام 2029 لن يعلن عنه ولن يعرف إلا في آخر لحظة، ولا أحد سيكون بإمكانه أن يتكهن به اليوم أو غدا، ولا أن يجزم الآن بأنه سيكون من بين الأشخاص المتوقعين أو غير المتوقعين من قبل أن يعلن عنه الرئيس في آخر لحظة، وهذا هو استشرافي لمرشح النظام في العام 2029.

2 ـ وتأتي في الرتبة الثانية من قائمة المواضيع التي يعتبر نقاشها يضر النظام  أكثر مما ينفعه، المشاركة في أي نقاش من أي نوع يتحدث عن وجود منافسة وهمية على المستوى الإعلامي أو السياسي  بين الرئيس ووزيره الأول.

مثل هذه المنافسة التي يتخيلها البعض لا يمكن أن تقع، والحديث عنها بلا معنى، فالرئيس هو من عين الوزير الأول، وهو القادر على إقالته في أي وقت، وكلما يقوم به الوزير الأول من عمل صالح يُحسب سياسيا وإعلاميا للرئيس، وكلما يرتكب من أخطاء سيحسب سلبا على الرئيس، فالرئيس ووزيره الأول  في كفة واحدة إعلاميا وسياسيا، فأي دعاية إعلامية وسياسية للوزير الأول هي دعاية للرئيس، وأي  حملة إعلامية أو سياسية ضد الوزير الأول هي حملة إعلامية وسياسية ضد الرئيس الذي عين الوزير الأول واختاره من بين بدائل أخرى  ليكون وزيرا أول في بداية مأموريته الثانية المثقلة بما يُعلق عليها المواطنون من آمال. وتبقى هناك جزئية خاصة بطبيعة الوزير الأول الحالي، وهي جزئية قد ينتقده البعض بسببها، وقد يمدحه البعض الآخر بسببها، وهي في كل الأحوال تنفي وجود ما يتحدث عنه البعض من إمكانية وجود تنافس إعلامي أو سياسي، فالوزير الأول الحالي معروف بأنه من الذين لا يدخرون جهدا في إرضاء الرئيس الذي يشتغل تحت إمرته، ومن هنا تسقط نهائيا أي فرضية يمكن أن تطرح عن وجود مثل ذلك التنافس. 

إن كل ما قيل في هذا الموضوع يتعلق بفخ آخر نصبه بعض معارضي النظام ووقع فيه ـ وبكل براءة ـ بعض المدونين المحسوبين على النظام.

الفخ تم نصبه بعد تزامن زيارتين، لم يكن من الموضوعي إطلاقا أن يُقارن بين تغطيتهما الإعلامية،  فالزيارة الأولى كانت للرئيس السوداني الذي يعاني بلده من حرب أهلية، يقودها  من ينازعه في السلطة، وقد جاء إلى موريتانيا في إطار زيارة ستشمل دولا أخرى، جاء مرفقا بمدير مخابراته وبعض القادة العسكريين الآخرين، ولذا فملفات الزيارة أقرب إلى السرية، وهذا يعني أنه كلما أبعدت الزيارة وملفاتها عن الإعلام، كلما كان ذلك أفضل، لأنه  يزيد من احتمالات نجاحها، وعلى العكس من ذلك، فإن الزيارة الثانية التي قام به الوزير الأول السنغالي، والذي يمثل نظاما حاكما لا يمكن الطعن في شرعيته من أي سنغالي، ضمت وفدا كبيرا من الوزراء ورجال الأعمال، وقد جاؤوا لنقاش قضايا وملفات اقتصادية وسياسية كبرى تهم البلدين، وهو ما يعني أن نجاح هذه الزيارة يرتبط أولا بما سيتم التوصل له من اتفاقيات، ويرتبط ثانيا بمستوى التداول الإعلامي والسياسي معها، وهو ما استوجب أن تُحظى بمواكبة إعلامية واسعة، وهي المواكبة التي انتقدها البعض، ناسيا أنه كان ينتقد في وقت قريب جدا الوزير الأول السابق لعدم اهتمامه بالإعلام، ولتقصيره في تسويق العمل الحكومي للرأي العام الوطني.

بكلمة واحدة، لا تنافس إعلامي يمكن أن يحدث بين الرئيس ووزيره الأول، وحتى إذا افترضنا جدلا أن مثل هذا التنافس يمكن أن يقع بين رئيس ووزيره الأول، فلن يكون ذلك في عهد الوزير الأول الحالي المعروف بمدى استماتته في خدمة وإرضاء الرئيس الذي يشتغل تحت إمرته.

3 ـ وتأتي في الرتبة الثالثة من قائمة المواضيع التي يعتبر نقاشها يضر النظام  أكثر مما ينفعه المشاركة في أي حديث من أي نوع عن وجود أقطاب تتنافس داخل النظام.

لا يعني هذا الكلام بأنه لا يجب أن ننتقد هذا الوزير أو ذاك إن قصر في عمله، فأنا من الذين يشجعون انتقاد العمل الحكومي من طرف داعمي النظام، مع ضرورة أن يكون لذلك النقد ضوابطه، وأن يكون الهدف منه هو تحسين الأداء الحكومي، ولا شيء غير ذلك.

أقول، لا يعني هذا الكلام بأنه على من يدعم النظام أن لا ينتقد هذا الوزير أو ذاك إن قصر في عمله، وإنما يعني فقط أن لا ننتقد هذا الوزير أو ذاك أو نمتدح هذا الوزير أو ذاك دعما لحلف وهمي نتخيله، أو مناصبة العداء لحلف وهمي آخر نتخيله.

على من يقوم بذلك، معتقدا أنه يدعم الرئيس، أن يتوقف عن هذا الفعل الذي يضر الرئيس أكثر من غيره، ومن لم يستطع أن يتوقف عن مثل هذا الفعل، عليه أن يكون شجاعا، وينخرط علنا في العمل المعارض، ويتفرغ  بالتالي للنقد المباشر للرئيس، فالمعارضة ـ وكما هو الحال بالنسبة للموالاة ـ ليست عيبا، وإنما هي مجرد خيار سياسي لمن اقتنع بها.

إن ما  يمكن أن تُنتقد عليه هنا هو أن ترفع شعار الانتماء للمعارضة، وتعمل في الخفاء ضدها، أو ترفع شعار الموالاة، وتعمل في الخفاء ضد الرئيس، وفي اعتقادي الشخصي فإن كل من يتحدث الآن عن مرشح النظام في العام 2029، أوعن وجود منافسة إعلامية بين الرئاسة والوزارة الأولى، أو يغذي إعلاميا الصراع  بين أقطاب النظام ، إن من يفعل أي شيء من ذلك، إنما يعمل ضد الرئيس، حتى وإن رفع شعار دعمه عاليا.

حفظ الله موريتانيا..


 

 

الخميس، 16 يناير 2025

الحرائق في أمريكا والدقة في اختيار ساحة المعركة!

تحدثت في مقالي السابق، والذي كان تحت عنوان : " كيف خططت الحرائق لحربها المشتعلة في أمريكا؟"
عن دقة الحرائق في اختيار التوقيت الأمثل، والمكان الأنسب، لحربها المشتعلة حاليا في أمريكا.

وفي هذه السطور المكملة سأعود بتفصيل أكثر إلى دقة الحرائق في اختيارها للمكان الأنسب ليكون ساحةً لحربها في أمريكا، فاختيار ولاية كاليفورنيا بالذات، ومدينة لوس انجلوس بشكل خاص، زاد من حجم خسائر الحرائق بشكل رهيب وفظيع، فولاية كاليفورنيا هي الولاية الوحيدة في أمريكا، بل وفي العالم كله، التي يعيش فيها 1000000(مليون) مليونيرا، و186 مليارديرا، وإذا ما افترضنا أن هذه الولاية انفصلت عن أمريكا، وشكلت دولة لوحدها،  فإنها اقتصاديا ستصبح الدولة  الخامسة عالميا، وفي هذه الولاية يوجد وادي السيليكون، والذي يعتبر المركز العالمي للتكنولوجيا والابتكار، وذلك لاحتضانه  كبريات شركات التكنولوجيا الرقمية في العالم : آبل، كوكل، ميتا (فيسبوك)، نتفليكس، ميكروسوفت....إلخ، وتوجد بها كذلك هوليوود والتي تعدُّ امبراطورية صناعة السينما في العالم.

ولمعرفة دقة الحرائق في اختيار ساحة معركتها، فيكفينا أن نعلم أن عداد الخسائر وصل في أيام معدودة إلى أرقام فلكية لا يمكن تخيلها، فحسب آخر التقديرات فإن الخسائر التي تسببت فيها الحرائق وصلت إلى 275 مليار دولار خلال 10 أيام فقط، ومع ذلك فعداد الخسائر ما زال يشتغل، وقد يزيد تسارعه مع الزيادة المتوقعة في سرعة الرياح.

يعني هذا الرقم الضخم، بلغة المتوسطات الإحصائية، أن كلفة الحرائق في أمريكا تصل في اليوم الواحد إلى  27.5 مليار دولار، وهذا الرقم ـ ولكي تدركون حجمه ـ يساوي قيمة مجموع  الدعم العسكري والاقتصادي الذي قدمته أمريكا للعدو الصهيوني  في حرب الإبادة التي خاضها في غزة خلال الخمسة عشر شهرا الماضية، فمجموع ذلك الدعم  يقدر ب28 مليار دولار، ويعني أيضا أن الحرائق كانت تكبد أمريكا في كل ساعة من الأيام العشرة الماضية 1.14 مليار دولار، وتكبدها في الدقيقة الواحدة 19 مليون دولار.

وبمقارنة أخرى، ودائما لتبيان ضخامة هذا المبلغ، فلكم أن تعلموا أن حجم خسائر الحرائق خلال ثلاثة أيام فقط، وبالاعتماد على المتوسط اليومي، و صل إلى  82.5 مليار دولار، أي أنه زاد ب 15.5 مليار دولار على مجموع ما تكَلَّفهُ العدو الصهيوني خلال 15 شهرا من  حرب الإبادة في غزة،  فكلفة حرب الإبادة تقدر ب 67 مليار دولار.

والآن، هل أدركتم حجم الخسائر الضخمة التي تتكبدها أمريكا بسبب حرب الحرائق المشتعلة في ولاية كاليفورنيا؟
"المصيبة الأكبر" أن هذه الخسائر الضخمة تكبدتها أمريكا أياما قليلة قبيل تنصيب الرئيس ترامب، والذي يعني له المال الشيء الكثير والكثير جدا، وربما كان يتمنى أن تكون  خسائر الحرائق  في الأنفس لا في الأموال، أي أن يموت عدد كبير من الأمريكيين بدلا من خسارة 275 مليار دولار في 10 أيام فقط.

وإذا ما ابتعدنا قليلا عن المال، فيمكن القول بأن حرائق كاليفورنيا قد استهدفت ثلاث جهات يمكن تصنيفها على أنها هي الجهات الأمريكية الأكثر مناصرة للعدو الصهيوني، والأشد عداءً لفلسطين، وهذه الجهات الثلاث هي:

1 ـ هوليود، والتي زيفت الحقائق في أفلامها، فجعلت المجرم الصهيوني بريئا وصاحب مظلمة وقضية عادلة، وجعلت الضحية الفلسطيني مجرما وإرهابيا لا يستحق إلا القتل والتهجير من أرضه؛

2 ـ كبريات شركات التكنولوجيا الرقمية، وهي داعمة للعدو، وعلى رأس تلك الشركات شركة الفيسبوك التي تحاصر المحتوى المناصر لفلسطين وتحظره بكل وقاحة؛

3 ـ رجال الأعمال بغض النظار عن مجال أنشطتهم، فغالبية رجال الأعمال في أمريكا يتبرعون للعدو الصهيوني بمبالغ مالية ضخمة، وبسخاء كبير.

هكذا يتضح أن الحرائق قد استهدفت الاقتصاد الأمريكي، كما استهدفت كذلك أهم داعمي العدو الصهيوني في أمريكا، فهل يمكن أن يكون كل ذلك صدفة؟

جوابي على هذا السؤال تجدونه في المقال السابق، والذي ستجدون رابطه في خاتمة هذا المقال.

لقد قلتُ في هذا المقال إن هناك بالفعل احتمالا لأن يقرأ  ترامب رسائل الحرائق الموجهة إليه، ولكني قلتُ أن ذلك الاحتمال سيبقى ضعيفا، واليوم أقول بأن هذا الاحتمال لن يكون بذلك الضعف الذي تحدثتُ عنه في المقال السابق، فمن الصعب جدا أن يقبل ترامب أن يتحمل في وقت واحد خسائر الحرائق الضخمة وكلفة دعم إسرائيل في حروبها الوحشية، ولذا فقد أجبر حكومة العدو على التوقيع على اتفاق إطلاق النار، وهو الشيء الذي فشل فيه سلفه غير الصالح، والذي كان يتسول لنتنياهو، بينما أعطى ترامب أوامره الصارمة لنتياهو بتوقيع الاتفاق، مع أن الاتفاق لم يتغير كثيرا في الحالتين، حسب المتداول إعلاميا.

كل شيء يمكن أن نتوقعه من ترامب خلال فترة رئاسته القادمة، وهذا هو أحسن ما فيه، وهو أيضا أسوأ ما فيه، فمن يدري، فربما تغلب على ترامب عقلية التاجر الذي لا يفكر إلا في المال فقط، فيطلب من حكومة العدو أن تدفع له فاتورة حماية أمريكا لها، وإن لم تدفع، فيهددها بوقف دعمها عسكريا ودبلوماسيا.

لا شيء يمكن أن نستغربه في فترة رئاسة ترامب القادمة، فالرئيس ترامب  الذي هدد دولا صديقة بضمها إلى أمريكا، يمكنه ـ وبكل بساطة ـ أن يهدد دولة أخرى بوقف دعمها العسكري والاقتصادي ـ وربما الدبلوماسي ـ  إذا لم تسدد فاتورة ذلك الدعم كاملة غير منقوصة.

حفظ الله بلاد العرب والمسلمين..

لمطالعة المقال السابق اضغط على الرابط التالي:

كيف خططت الحرائق لحربها المشتعلة في أمريكا؟


الثلاثاء، 14 يناير 2025

كيف خططت الحرائق لحربها المشتعلة في أمريكا؟


أظهرت الأيام الماضية أن أمريكا بكل قوتها وجبروتها غير قادرة حتى الآن على حسم حرب الحرائق لصالحها، فلم تستطع خلال أسبوع كامل أن توقف اشتعال تلك الحرائق وتمددها في ولاية كاليفورنيا، بل على العكس من ذلك، فقد أظهرت عجزا بينا في مواجهتها، واللافت في الأمر أن هذه الحرائق قد اختارت ـ وبمنتهى الذكاء ـ التوقيت الأكثر إحراجا لإعلان حربها على أمريكا، واختارت كذلك المكان الأكثر استفزازا لتجعل منه منطلقا وساحة لحربها.

فعلى مستوى التوقيت فقد اختارت الحرائق الساعة صفر الأمثل، فبدأت في الاشتعال في فترة "رخوة سلطويا"، انتهى فيها تقريبا حكم الرئيس السابق، ولم يبدأ فيها عمليا حكم الرئيس الجديد، ليس هذا فقط، بل إنها إضافة إلى ذلك فقد اختارت اللحظة الأكثر إحراجا للرئيس القادم (ترامب)، فردت على تهديده الذي وعد فيه بجحيم في الشرق الأوسط، بشكل سريع وقوي، فما كاد ترامب المتغطرس ينهي تهديده ذاك، حتى اشتعلت الحرائق في لوس انجلوس، وكأنها أرادت أن تقوله له : يا هذا عليك أولا أن تطفئ الحرائق التي اشتعلت في بلدك من قبل أن تهدد بإشعال الحرائق في الشرق الأوسط.

لم تتوقف دقة اختيار التوقيت عند هذا الحد، فعلى مستوى المناخ، اختارت الحرائق أن تشتعل في التوقيت "الأمثل مناخيا"، أي بعد أن طال توقف الأمطار، واشتد الجفاف، وتعاظم هبوب الرياح الحارة، وزادت سرعتها.

فهل كان اختيار الحرائق لهذا التوقيت بالذات لإشعال حربها في أمريكا مصادفة؟

لن أجيب على سؤال التوقيت، ولكني في المقابل سأطرح سؤال المكان.

لقد اختارت الحرائق ساحة معركتها بذكاء شديد، لا يقل عن ذكائها في اختيار التوقيت، فاختيارها للمكان كان اختيارا استراتيجيا، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى،  فمن المعروف أن الرئيس ترامب رئيس يعبد المال ويقدسه، وهو في العادة لا يحسب الخسائر إلا بالمال، ففقدان مليارات الدولارات قد يكون أشد وقعا وتأثيرا في نفسه من موت عشرات الأمريكيين، ولذا فقد اختارت الحرائق ـ وبذكاء تحسد عليه ـ  أن تجعل من المكان الذي  يوجد فيه أثرياء أمريكا، وتوجد فيه أغلى العقارات، ساحة لمعركتها، فطافت على بعض مساكن أثرياء أمريكا فدمرتها تدميرا، وتركتها قاعا صفصفا، وهو ما يعني حسابيا، وحسب آخر التقديرات، أن أمريكا ستخسر ما بين 130 إلى 150 مليار دولار في أقل من أسبوع، وهذا الرقم الضخم قابل للزيادة في الأيام القادمة.

لا يتوقف الذكاء في اختيار المكان عند هذا الحد، فتدمير الحرائق للبقعة التي شيدت عليها المنازل الأغلى في أمريكا، وربما الأغلى في العالم، قد أتاح لهواة التصوير ومحترفيه أن يلتقطوا صورا لتلك البقعة التي كانت ـ وإلى وقت قريب ـ جنة في الأرض، فإذا بها وقد أصبحت كالصريم، أن يلتقطوا لها صورا  تذكر ـ وفي أدق تفاصيلها ـ  كل من رآها بصور غزة التي دمرتها أمريكا بشراكة  مع العدو الصهيوني ( بالنسبة لي فإن المسؤول الأول عن حرب الإبادة في غزة هو أمريكا ومن بعد ذلك تأتي مسؤولية العدو الصهيوني).

لقد أرادت أمريكا وشريكتها في الإجرام (إسرائيل) أن تجعلا من غزة المكان الأكثر خرابا ودمارا في العالم، بل أن تجعلا منها مكانا غير صالح للسكن إطلاقا، فإذا بما فعلته أمريكا وإسرائيل في غزة بعد أكثر من عام من حرب الإبادة الأكثر وحشية في التاريخ الحديث، تفعله الحرائق في ساعات معدودة في لوس انجلوس، وتحديدا في مناطقها الأغلى،  حيث كان يسكن الأثرياء و"علية القوم" في أمريكا.

لقد فرضت الحرائق على الأمريكيين وعلى غيرهم أن يقارنوا بين  صور الدمار الذي حل بغزة بعد أكثر من عام من حرب الإبادة، والدمار الذي حل بمنطقة الأثرياء في لوس انجلوس بعد ساعات معدودة من الحرائق، وعندما يُقارنوا بين الصور هنا وهناك، سيجدون تشابها كبيرا، إن لم أقل تطابقا تاما، وهذا التشابه الكبير بين "الخرابين" هو الذي جعل الرئيس بايدن، وصورة دمار غزة حاضرة في ذهنه، حتى وإن لم يذكرها  بالاسم، يصف ما حدث في بلده بأنه : "بمثابة مسرح حرب".

فهل كان اختيار الحرائق لهذا البقعة بالذات من لوس أنجلوس مصادفة؟

هذا سؤال ثان لن أجيب عليه، ولكني في المقابل سأحاول أن أجيب على سؤال ثالث سأطرحه الآن، وهو السؤال الذي يقول : هل من دروس وعبر من حرب الحرائق المشتعلة حاليا في أمريكا؟

لقد أبرقت حرائق أمريكا بعدة برقيات ورسائل إلى صناديق بريد متعددة، ولكن المشكلة أن تلك الرسائل والبرقيات قد لا تجد من يقرؤها بتأمل، فيستفيد مما بين سطورها ـ عفوا مما بين رمادها ـ  من دروس وعبر.

أهم تلك الرسائل وُجهت ـ وبلغة عنيفة وخشنة ـ  إلى جهات عديدة داخل أمريكا، وعلى رأس تلك الجهات يأتي الرئيس ترامب، والذي تقول له رسالته بأن أمريكا ومهما بلغت قوتها وعظمتها فإنها قد تهزم من طرف "عدو ضعيف" أعلن الحرب ضدها، وهو ما زال مجرد شرر من نار يتطاير هنا وهناك، وذلك من قبل أن يتحول إلى حريق لا يبقي ولا يذر. فهل سيُحْسِن ترامب قراءة الرسالة التي أرسلتها له الحرائق قبيل تسلمه للرئاسة رسميا؟ الراجح أن ترامب لن يحسن قراءة تلك الرسالة، ومع ذلك فسيبقى هناك احتمال، حتى ولو كان ضعيفا، أن يحسن قراءتها، ومن مؤشرات ذلك ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من أن ترامب طلب من حكومة العدو الهدوء في الشرق الأوسط، وعلى مختلف الجبهات، وذلك حتى يتمكن من التركيز على قضايا بلده الداخلية.

كان على أمريكا أن تأخذ الدرس في وقت سابق من جائحة كورنا، من ذلك  الفيروس الصغير الذي لا يرى بالعين، والذي هزها بقوة، وهز معها العالم كله، فأغْلِقَتْ الحدود، وتعطلت حركة الطيران، وانهارت اقتصاديات بعض الدول، وخلال تلك الجائحة وجدت أمريكا نفسها ـ كغيرها من بلدان العالم ـ عاجزة عن توفير الكمامات لمواطنيها، وهو ما ألجأها إلى القرصنة حتى على أصدقائها، فقرصنت كميات كبيرة من الكمامات كانت في طريقها إلى ألمانيا وفرنسا قادمة من الصين، فمن كان يتصور في تلك الفترة أن أمريكا بكل قوتها وجبروتها ستعجز عن توفير كمامات من قماش لمواطنيها؟

واليوم تجد أمريكا نفسها عاجزة عن وقف حرائق تلتهم كلما يقع في طريقها، فلا ماء لديها يكفي لإطفاء الحرائق، ولا رجال إطفاء قادرون على إخماد كل هذه النيران، وهكذا بدت أمريكا الخبيرة في إشعال الحرائق، والتي أحرقت العديد من المدن في العقود الأخيرة، بدت عاجزة تماما عن إطفاء الحرائق التي اشتعلت في واحدة من أهم مدنها.

أليس في ذلك الكثير من الدروس والعبر لمن يحسن قراءة ما يكتبه الآن رماد الحرائق في أمريكا؟

هناك دروس وعبر أخرى اختارت الحرائق أن تبرقها في رسائل غير مشفرة، وأن ترسلها عبر البريد المضمون والسريع، وأن تضعها مباشرة ـ ودون وسيط ـ  في منازل "كبار القوم" في أمريكا، من مشاهير السينما، وصناع السياسة، ورجال الأعمال، فمن المعروف أن هؤلاء هم صُنَّاع القرار في أمريكا، وأنهم هم الذين كانوا ـ وما زالوا ـ يزيفون الحقائق، ويفشون الكذب، ويجعلون من المجرم في إسرائيل ضحية، ومن الضحية في فلسطين مجرما وإرهابيا وآكلا للحوم البشر، ومصاصا لدماء الأبرياء.

نعم، لقد زيف أولئك الذين احترقت منازلهم الفاخرة في لوس انجلوس حقائق التاريخ والجغرافيا، وكان صناع السينما يتصدرون لائحة مزيفي تلك الحقائق، ولكن الحرائق ـ وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبرـ  باغتتهم جميعا، بكتابة قصة عنيفة، وإعداد سيناريو أكثر عنفا، وتصوير وإخراج فيلم في منتهى العنف، وكانت مشاهد العنف  في ذلك الفيلم حقيقية لا خيالا، وهي حقيقة تفوق خيال كل  مخرجي أفلام العنف في أمريكا.

لقد كان ضحايا العنف هذه المرة هم صناع مشاهد العنف في السينما الأمريكية، وفي ذلك مفارقة لافتة، وهم أيضا صناع الكذب والتلفيق، فهم الذين جعلوا من الضحية مجرما في أفلامهم، ومن المجرم  ضحية، فقلبوا الحقيقة رأسا على عقب، فهل سيأخذ هؤلاء العبرة بعد أن أصبحوا ضحايا للحرائق المشتعلة، وبعد أن رأوا في بث مباشر كيف كانت منازلهم التي شيدوها بملايين الدولارات تحترق وتتحول إلى خراب خلال ساعات، فهل سيجعلهم ذلك يشعرون بالظلم  القاسي الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ ثمانين سنة تقريبا، لم يمر منها يوم واحد إلا ودُمِّر فيه منزل أو قُتِلت فيه امرأة مسالمة أو طفل صغير أو شيخ طاعن في السن؟

وهل سيقرأ المواطن الأمريكي العادي تلك الرسائل التي تطايرت مع النيران والرياح، والتي لاشك أنها وصلت لكل أمريكي أينما كان، وهي الرسائل التي تضمنت أسئلة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه، أسئلة من قبيل : فبأي منطق يستمر المواطن الأمريكي في دفع الضرائب لتمويل حروب الإبادة في فلسطين؟ أليس الأولى أن توجه تلك الأموال لتعزيز قدرات الإطفاء في بلد فعلت به الحرائق ما فعلت، أو لتوفير الكمامات إن ظهرت جائحة جديدة؟

لا أظن أن "علية القوم" في أمريكا سيقرؤون تلك الرسائل قراءة فطنة، ولكن يبقى الأمل معقود في شباب أمريكا، وفي طلاب جامعاتها بشكل خاص، والذين ـ والحق يُقال ـ لم يقصروا خلال السنة الماضية في التعبير عن تنديدهم  بحرب الإبادة في فلسطين، والتي يمولها بلدهم من الضرائب التي يدفعون.

وتبقى هناك رسالة بسيطة وعميقة وجهتها تلك الحرائق للعرب والمسلمين، حكاما وشعوبا، وتقول تلك الرسالة بلغة فصيحة وصريحة، إن العالم لا يتحرك وفق إرادة أمريكا ومزاجها، فأمريكا أضعف من أن تحمي نفسها من الجوائح التي يتسبب فيها فيروس لا يُرى بالعين، والحرائق التي قد يتسبب فيها الشرر من النار.

لقد أصابت هذه الحرائق قوة أمريكا وجبروتها في مقتل، وعلى من كان يعبد الصنم الأمريكي من حكام العرب والمسلمين أن يلتقط الرسائل التي أبرقتها الحرائق المشتعلة أمريكا، وأن يستحضر في كل حين، أن لهذا العالم خالق واحد، ورب واحد، هو الذي يديره كيفما شاء، وما الريح والنار إلا جند من جنوده التي لا يعلم عددها إلا هو.

ويبقى أن أقول بأن السبب الذي جعلني لا أجيب على سُؤاليْ التوقيت والمكان، هو نظرا لكونها قد تمت صياغتهما بشكل خاطئ، كما هو الحال بالنسبة للعنوان أيضا، وكل ذلك كان لاستدراج بعض القراء لمواصلة القراءة، فالمسألة هنا لا تتعلق باقتناص الفرص لاختيار التوقيت والمكان المناسبين، كما أشير إلى ذلك في بداية المقال، وخالق هذا الكون لا ينتظر الفرص حاشاه، وهو إذا ما أراد للحرائق أن تكون مدمرة، خلق لها الظروف المناسبة لكي تكون مدمرة، فأوقف الأمطار، وزاد من حدة الجفاف، وسرَّع الريح، وكل تلك الأسباب تجعل الحرائق أسرع انتشارا، وأشد فتكا، وأقوى تدميرا.   

حفظ الله بلاد العرب والمسلمين..

محمد الأمين الفاضل

Elvadel@gmail.com 




الأحد، 12 يناير 2025

جبهة المواطنة والعدالة تتبنى ميثاق منتدى 24-29


 أعلن رئيس جبهة المواطنة والعدالة الأستاذ محمد جميل منصور عن تبنيهم في الجبهة لميثاق الشرف الخاص بمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة الذي أطلقه منتدى 24-29  لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية في وقت سابق، وأكد الرئيس محمد جميل منصور عن استعدادهم في الجبهة لتوقيع الميثاق في أي وقت.

 وكانت بعض الأحزاب الداعمة لرئيس الجمهورية قد تبنت الميثاق في وقت سابق، منها حزب الإصلاح وحزب حاتم، في حين أن هناك  أحزابا أخرى في طريقها للإعلان عن تبني الميثاق وتوقيعه، ويتضمن الميثاق ثلاثة بنود رئيسية، وهي :

1 ـ إعطاء مساحة واسعة لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة في الخطاب السياسي للأحزاب الموقعة على الميثاق؛

2 ـ عدم ترشيح من أدين بالفساد في أية انتخابات قادمة، وحرمانه من أي منصب قيادي حزبي؛

3 ـ العمل على تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها.

نشير في الأخير، إلى أن نسخة الميثاق الخاصة بالمجتمع المدني قد تم توقيعها حتى الآن من طرف عشرات منظمات المجتمع المدني.

نواكشوط : 12 - 01 - 2025

لجنة الاتصال بمنتدى 24-29  لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية. 




الأربعاء، 8 يناير 2025

هل تمكن عصرنة نواكشوط دون عصرنة ساكنتها؟


من المؤكد أن عصرنة مدينة نواكشوط ليست بالمهمة السهلة، خاصة وأن المدينة تقترب من عامها السبعين دون أن يكون فيها صرف صحي، وإنشاء صرف صحي بعد ما يُقارب سبعين سنة من تشييد العاصمة، سيتسبب حتما في إلحاق أضرار كبيرة ـ حتى وإن كانت مؤقتة ـ  بالكثير من الطرق والبنى التحتية الأخرى.

وحتى تمديد شبكات الماء والكهرباء والاتصالات في بعض أحياء العاصمة، كثيرا ما يتسبب  هو الآخر في إتلاف بعض الطرق والشوارع التي شيدت دون التنسيق مع الشركات المسؤولة عن تلك الخدمات، ولذلك فكثيرا ما تظهر حفر مستحدثة على الشوارع والطرق، والتي يكون بعضها قد تم تشييده حديثا، والمستفز في الأمر أن الشركات التي استحدثت تلك الحفر قد تتركها دون ترميم، وهو ما يتسبب في بعض الأحيان في حوادث سير مميته، وأرشيفنا في حملة معا للحد من حوادث السير، يمكن أن يقدم أدلة قوية على ذلك.

إن عصرنة مدينة نواكشوط بعد مرور سبعين عاما من العمل المنفرد ـ إن لم أقل المرتجل ـ  للشركات المعنية بالبنية التحتية، دون أي تنسيق أو تخطيط،  لهو أمر في غاية الصعوبة، وستكون له ـ وبلا شك ـ  كلفته الكبيرة.   

كما أن تشييد الجسور وشق الشوارع ذات المسارات المتعددة، له هو كذلك كلفته الكبيرة على أرزاق المواطنين وتنقلاتهم، ولكم أن تسألوا سكان ولايتي نواكشوط الشمالية والجنوبية عن المعاناة الصعبة التي عاشوها خلال السنوات الماضية بسبب زحمة حركة السير الناتجة عن استمرار إغلاق العديد من الطرق خلال فترة بناء الجسور وتشييد مسارات جديدة في طرق وشوارع حيوية ورئيسية.

إن لكل تغيير كلفته، وكلفته يجب أن تدفع مسبقا من قبل قطاف ثماره، وكلما كان التغيير كبيرا ومُهِمًّا ـ كما هو الحال بالنسبة لعصرنة مدينة نواكشوط ـ كانت الكلفة أكبر، ثم إن مقاومة التغيير قد تكون أقوى عند أكثر المستفيدين منه، وعصرنة مدينة نواكشوط لن تخرج عن تلك القاعدة، فأول من سيقاوم هذه العصرنة، وخصوصا في شقها المتعلق بتشييد الجسور وشق الطرق ذات المسارات المتعددة هم السائقون، والذين هم بالمناسبة أول مستفيد من تلك الشوارع والجسور.

إن عصرنة مدينة نواكشوط كانت وما تزال مطلبا ملحا، فليس من المقبول أن تبقى عاصمتنا تتميز عن كل العواصم في العالم بأنها العاصمة الوحيدة  في هذا العالم التي لا يوجد بها صرف صحي، ونحن لابد لنا أن ندفع كلفة هذه العصرنة، وبكل تأكيد فإننا سننسى تلك الكلفة الكبيرة التي دفعنا عندما نبدأ في قطف ثمار عصرنة عاصمتنا.

لا بد من عصرنة مدينة نواكشوط، مهما كان حجم الكلفة، ولم يعد من الممكن التأخر أكثر في عصرنتها وهي تخطو إلى عامها السبعين، ولو خرجت الحكومة الحالية بإنجاز واحد وهو عصرنة مدينة نواكشوط لكفاها ذلك، ولكن يبقى سؤال العصرنة مطروحا : هل يمكن عصرنة أي مدينة دون عصرنة ساكنتها؟

قطعا لا يمكن ذلك، فعصرنة المدينة، أية مدينة، لا يمكن أن تتحقق دون عصرنة ساكنة تلك المدينة، وتطوير البنية التحتية في أي مدينة لابد أن يُصاحبه، إن لم يسبقه، تطوير عقليات ساكنة تلك المدينة،  ويعني هذا الكلام، أن هناك تحديا آخر سيواجه الحكومة، بعد تطوير البنية التحتية للعاصمة، ألا وهو التحدي المتعلق بتغيير العقليات وعصرنة الساكنة. 

لا يمكن للعاصمة نواكشوط أن تحلق في فضاء المدن العصرية، دون تشغيل  جناحين في وقت متزامن، جناح سيشتغل تلقائيا إن تطورت البنية التحتية للمدينة، وجناح آخر سيشتغل  كذلك بشكل تلقائي إن تطورت عقلية ساكن نواكشوط، وبدون تشغيل الجناحين، فإن العاصمة نواكشوط ستبقى في مكانها، ولن تتمكن من التحليق في فضاء العصرنة.

لقد تعود ساكن مدينة نواكشوط، أميا كان أو متعلما، غنيا كان أو فقيرا، ومنذ أن فتح عينيه في مدينة الفوضى هذه، على أن يتوقف بسيارته أو بعربته التي يجرها حمار في الشارع متى شاء وكيفما شاء، وعلى أن يبيع بضاعته على حافة الشارع إن لم أقل في وسط الشارع، وهو لا يتردد في أن يستولي على أي ساحة عمومية تقع على طريقه، فيشيد عليها كوخا إن كان فقيرا، أو قصرا فخما إن كان غنيا، وعندما ينتزع كوخه أو يهدم قصره يبدأ في الاحتجاج والتظلم والشكوى، وكأنه يمتلك وثائق تؤكد أنه ورث تلك الساحة أبا عن جد.

لن يقبل السائق في مدينة نواكشوط إذا لم تتغير عقليته بموازاة مع عصرنة المدينة، أن يتجاوز المكان الذي يقصده، لأنه لم يجد فتحة في الشارع تمكنه من الوصول إلى ذلك المكان دون قطع مسافة إضافية للوصول إلى فتحة في الطريق تمكنه من العودة إلى المكان الذي كان يقصد.

لن يلتزم السائق في نواكشوط ـ وكما تعود دائما ـ بقواعد السلامة المرورية، وستكثر حوادث السير على الطرق المشيدة مؤخرا، وعلى الجسور، إذا لم يتغير سلوك السائق، ولكم في الحادث الأليم الذي وقع ظهر يوم الثلاثاء ( 07 يناير 2025) أمام "سوق ولد الحسن" خير دليل على ذلك. 

مساعد سائق شاحنة (آبرانتي كما نسميه) يقود شاحنة في النهار على شارع حيوي، فيتسبب في حادث سير، تكون حصيلته إصابة مواطن إصابة بليغة لا ذنب له إلا أنه كان يستظل بمحطة حافلة من حر الشمس، وكان ذلك في "التوقيت الخطأ" الذي ستمر فيه شاحنة بالمكان يقودها مساعد سائق، وكانت من حصيلة ذلك الحادث أيضا إتلاف إحدى محطات الحافلات على الشارع، وحتى من قبل أن تشغل، وكذلك إتلاف أجزاء من مقطع الشارع المجاور لها، هذا فضلا عن الأضرار التي لحقت بالشاحنة، والتي سيتكبدها مالك الشاحنة.

إن تغيير عقليات ساكنة نواكشوط أصبح ضرورة ملحة، ويتأكد الأمر بالنسبة للسائقين في المدينة، وبدون ذلك التغيير في العقليات والمسلكيات فإننا لن ننعم ـ ولو للحظة ـ  بالجسور ولا بالطرق ذات المسارات المتعددة، بعد أن يكتمل تشييدها، وتصبح سالكة.

 إن تغيير عقليات ساكنة نواكشوط عموما وسائقيها خصوصا يحتاج إلى :

1 ـ التوعية، ثم التوعية، ثم التوعية؛ 

2 ـ فرض قانون السير وتنفيذ العقوبات بصرامة على كل من يخالفه؛

3 ـ فرض القانون بشكل عام في كل المجالات، وعلى كل المستويات من أعلى إلى أسفل، فالتجارب تثبتُ أن فرض القانون في مجال ما وعلى طائفة ما من المواطنين دون الأخرى سيبقى أمرا عبثيا، فلن يكون بالإمكان أن ننجح في تطبيق القانون في الشارع على السائقين، وذلك في وقت نتهاون في تطبيقيه على الموظفين في مكاتبهم، أو على رجال الأعمال في شركاتهم ومؤسساتهم، أو على المدرسين وتلاميذهم في المدارس، وإلى غير ذلك من فئات المجتمع. 

تذكروا دائما، أن لعصرنة المدن شرطين، وهما تطوير البنية التحتية وتغيير العقليات، ولا يمكن أن تتحقق العصرنة دون أيٍّ من الشرطين.

حفظ الله موريتانيا..


الاثنين، 6 يناير 2025

عاشت التفاهة!


عندما تكتب كلاما، مجرد كلام، فستجد تفاعلا، ويزداد حجم التفاعل كلما زدت من حدة النقد، وكان نقدك جارحا، إن كان موقفك "ضد" ، أو زدت من حجم التثمين، وكان تثمينك مطبلا إن كان موقفك "مع".

وسيبلغ التفاعل ذروته إن "طعَّمت" منشورك بعبارات مسيئة أو بذيئة أو جارحة في حالة النقد، أو طعَّمته بعبارات تطبيلية تصفيقية تملقية في حالة التثمين.

ويغيب التفاعل، وينخفض إلى أدنى مستوى له إن جئت بفكرة أو مقترح لمعالجة الخلل الذي تتحدث عنه إن كنتَ منتقدا، أو لتعزيز المنجز الذي تكتب عنه إن كنتَ مثمنا.

ويغيب التفاعل بشكل شبه كامل إن تركت الكلام ونزلت إلى الميدان لفعل شيء ما لصالح هذا البلد.

موجبه أني أعرف أشخاصا نزلوا إلى الميدان لا يذكرهم ذاكر، وأعرف أسخاصا يكتبون كلاما أنيقا وعميقا لا يحصدون من الإعجاب إلا قليلا.

وأعرف آخرين ينشرون كلاما تافها، ويتحدثون بألفاظ تافهة وسخيفة، ومع ذلك ينالون من الإعجاب والتفاعل الشيء الكثير.

أسمع في كثير من الأحيان البعض في هذا الفضاء ينتقد الحكومة لأنها لا  تضع "الشخص المناسب في المكان المناسب". هؤلاء هم أيضا لا يضعون "الإعجاب المناسب على المنشور المناسب"، وهم لا يملكون في هذا الوقت إلا وضع الإعجابات، ولو ملكوا منح الوظائف لوضعوا الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، ولكانوا في هذا المجال أكثر ارتكابا للأخطاء من الحكومات التي ينتقدونها.