الأربعاء، 26 فبراير 2025

وما زال في بلادنا من يستنجد بالغرب!


تابعتُ بعض محطات زيارة النائب خالي جالو لبروكسل، وما استقبل به من حفاوة وترحيب من طرف بعض نواب البرلمان الأوروبي، وكان مما استوقفني في هذه الزيارة استجداء النائب بالحكومات الغربية، وحثِّه للنواب الذين استقبلوه على اتخاذ خطوات وإجراءات ملموسة لنجدة من يعتبرهم مضطهدين يتعرضون للعنصرية والإقصاء والحرمان من الوثائق المدنية في موريتانيا.

حمل النائب الموقر إلى البرلمان الأوروبي الذي استقبله بحفاوة الكثير من المغالطات، ولستُ هنا للكشف عن زيف تلك المغالطات، فقد كشفتُ عنها في مناسبات سابقة، فكثيرا ما حمل بعض الموريتانيين إلى الغرب الكثير من المغالطات، وكثيرا ما استقبل أولئك الموريتانيين من مروجي المغالطات استقبال الأبطال في الغرب، وهو استقبال يطرح ـ بطبيعة الحال ـ أكثر من سؤال.  

إن زيارة النائب خالي جالو لبروكسل، والحفاوة التي استقبل بها هناك، وتصريحاته واستنجاده بالبرلمان الأوروبي والحكومات الغربية، ليستدعي منا تقديم الملاحظات التالية:

1 ـ لم يعد يحقُّ للغرب عموما، ولا للبرلمان الأوروبي خصوصا، أن يتحدث عن حقوق الإنسان أو يدافع عنها خارج بلدانه، وذلك بعد أن شارك عسكريا ودبلوماسيا واقتصاديا في حرب الإبادة الأكثر بربرية ووحشية في التاريخ الحديث، وأقصد هنا حرب الإبادة في غزة.

لم يكن يحق للغرب أصلا أن يتحدث عن حقوق الإنسان، فتاريخه غير مشرف في هذا المجال، والشعوب التي استعمرها خير شاهد على ذلك، وإذا كان بإمكان الغرب أن يغطى في الماضي القريب على جرائمه خلال فترة الاستعمار بشعارات وعبارات براقة من قبيل "الضمير العالمي" و "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" و"العالم المتحضر"، فإنه لم يعد بإمكانه اليوم أن يغطي على تلك الجرائم، ولا أن تتظاهر حكوماته ونخبه السياسية والحقوقية والإعلامية  بالدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك  بعد أن عرتها حرب الإبادة في غزة.

2 ـ هناك موجة تحرر واسعة شهدتها دول عديدة  في إفريقيا السوداء خلال السنوات الأخيرة، وقد قاد موجة التحرر هذه  الشباب الافريقي، وكانت فرنسا هي الأكثر تضررا من آثارها، والأمثلة على ذلك عديدة، في مالي وبوركينافاسو وتشاد والنيجر وحتى السنغال وساحل العاج فقد وصلت إليهما العدوى، وكان من نتائج ذلك أن أخلت فرنسا قاعدتها العسكرية في ساحل العاج، وأن أعلنت عن نيتها إنهاء وجودها العسكري بشكل كامل في السنغال، وذلك بعد أن أعلن الرئيس السنغالي الجديد أن وجود قواعد عسكرية فرنسية في السنغال لم يعد مقبولا لتعارضه مع السيادة الوطنية. 

في مثل هذا الوقت الذي يُظهر فيه الكثير من الشباب الإفريقي سخطه على الغرب عموما وفرنسا خصوصا، نجد أن بعض الشباب الموريتاني، وفي تناقض صارخ مع الوعي المتنامي لدى الشباب الإفريقي، يزيد من وتيرة خنوعه وخضوعه وإظهار كل أشكال الطاعة والانبهار بفرنسا وبكل ما له صلة بها أو بالغرب، فتجد بعض شبابنا يحج إلى بروكسل طلبا لتدخل الغرب ـ  حكومات وساسة ـ لإنقاذ من يعتبرهم مضطهدين في بلده، وتخليصهم من الإقصاء والعنصرية والحرمان الذي يُمارس ضدهم .. يا للمفارقة.

3 ـ  تمثلت أول إطلالة برلمانية للنائب الموقر خالي جالو بعد انتخابه  نائبا في البرلمان في ظهوره في الجمعية الوطنية غاضبا عندما طُلب منه بأن يتحدث بلغته الأم، وقد رفض بشدة أن يتحدث بها أو باللغة الرسمية، مع العلم أن مداخلته كانت ستترجم إلى كل اللغات الوطنية وإلى اللغة الرسمية إن هو تحدث بلغته الأم، وهو ما سيتيح لكل الموريتانيين أن يسمعوه بكل لغاتهم الأم من خلال قناة البرلمانية. رفض النائب الشاب بشدة أن يتحدث بغير اللغة الفرنسية في أول إطلالة له في البرلمان، وذلك مع العلم أن مداخلته تلك لن تترجم إلى اللغات الوطنية، ولن يفهمها ـ بالتالي ـ إلا القليل جدا من الموريتانيين الذين صوتوا له وانتخبوه نائبا.

إن إصرار النائب خالي جالو ونواب آخرين على الحديث حصرا باللغة الفرنسية داخل البرلمان، جعل برلماننا يشكل حالة استثنائية من بين كل برلمانات العالم، فهو البرلمان الوحيد في هذا العالم الذي يمكن فيه لأي نائب أن يتحدث بأي لغة شاء، وفق مزاجه.

لا يوجد في النظام الداخلي للجمعية الوطنية مادة واحدة تسمح بالحديث بلغة غير دستورية في البرلمان (الفرنسية مثلا)، وتمنع الحديث بلغة غير دستورية أخرى كالإيطالية أو الاسبانية أو الإنجليزية. ولو أني انتخبتُ نائبا في البرلمان لترجمتُ مداخلة من مداخلتي إلى اللغة الصينية وعملتُ على حفظها عن ظهر قلب لتقديمها في إحدى الجلسات العلنية لفتا للانتباه على أن السماح بتقديم مداخلة في البرلمان الموريتاني باللغة الفرنسية، لا يختلف قانونا عن السماح لنائب آخر بأن يقدم مداخلته باللغة الصينية أو الروسية أو الإنجليزية، بحجة أنه درس في الصين أو في الروس أو في أمريكا، وأنه يتقن تلك اللغات أكثر من اللغة الرسمية للبلد أو من لغته الأم.

فإذا كان النائب خالي جالو يريد حقا أن يدافع عن فئة من الموريتانيين يرى هو أنها مضطهدة، فكان عليه أولا أن يعتز بلغته الأم، ولغة تلك الفئة التي يُدافع عنها، وأن لا يفضل عليها اللغة الفرنسية، والتي هي ـ بالمناسبة ـ  في تراجع كبير، لدرجة أصبحت فيها بعض الدول الإفريقية الشقيقة والتي لا تمتلك لغة وطنية بديلة عنها، تحاول أن تبدل اللغة الفرنسية بلغة عالمية أخرى. ففي مالي مثلا نزعوا من دستورهم الجديد صفة الرسمية من اللغة الفرنسية، وتركوها للغاتهم الوطنية بما في ذلك اللغة العربية، وجعلوا من اللغة الفرنسية لغة عمل فقط، ربما في انتظار استبدالها كليا بلغة أخرى. وفي السنغال تم إدخال تدريس اللغة الإنجليزية في مرحلة التعليم ما قبل المدرسي، وقد اعتبر البعض أن تلك الخطوة ستتبعها خطوات أخرى في نفس الاتجاه، وهو ما سيهز من مكانة اللغة الفرنسية في السنغال.

4 ـ  لو كنتُ نائبا في البرلمان الموريتاني لراسلتُ نواب البرلمان الأوروبي ولقلتُ لهم بأن عليهم أن ينشغلوا أولا بحكوماتهم التي دعمت حرب الإبادة الأكثر وحشية في التاريخ الحديث، وذلك من قبل أن ينشغلوا بحكومات بلدان أخرى. ولو كنتُ نائبا في البرلمان الموريتاني واجتمعت بأي نائب أوروبي لقلتُ له ذلك بلغة قوية وفصيحة وصريحة وجها لوجه. ولو كنتُ نائبا في البرلمان لأطلقت اليوم مبادرة من داخل البرلمان الموريتاني للرد على نواب البرلمان الأوروبي، وعلى كل المشتغلين في الغرب بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وفي شؤون أي بلد إفريقي آخر سعيا لإحداث بلبلة وإشعال فتن داخلية، بحجة الدفاع عن "حقوق الإنسان" وحقوق الأقليات، وربما حقوق الشواذ مستقبلا.

ولعل الحسنة الوحيدة التي تُحسب للرئيس ترامب حتى الآن، هي أنه قال وبوضوح شديد بأنه لا يوجد إلا ذكر أو أنثى، وأنه لن يقبل بجنس ثالث في أمريكا، فربما يوقف قوله ذلك هذا الجنون الغربي ( الأوروبي خاصة) الساعي للاعتراف بحقوق الشواذ، وفرض ذلك الاعتراف على الدول التي كان يستعمرها.

ختاما

فليعلم النائب الموقر أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يملك الشرعية للدفاع عن حقوق الإنسان، وذلك بعد أن فضحته حرب الإبادة في غزة، ولم يعد عسله المزور بقادر على أن يخفي سمه الحقيقي والقاتل، ثم إنه ـ أي الاتحاد الأوروبي ـ  لم يعد قادرا كذلك على فرض قيمه الزائفة على أي بلد آخر، خاصة بعد مجيء ترامب وتخليه عن أوروبا، وإعلانه عن رفضه للاعتراف بجنس ثالث كانت أوروبا ستحاول خلال السنوات القادمة أن تفرض الاعتراف به في بلداننا، والاعتراف بالشواذ كان هو آخر صرعة جديدة في قيم الغرب البائسة، وهي القيم التي كان يحاول الغرب علمنتها، وفرضها على بلداننا بحجة أنها هي قيم "العالم المتحضر"، وأنها حق من "حقوق الإنسان"، وأن "الضمير العالمي" لن يقبل برفضها أو بمعاداتها من أي دولة.

حفظ الله موريتانيا..

عندما تغيب الإشارة الصفراء نقع في ورطة!


هذه الإشارة إن صادفتك في شارع، فإنك ستقع في ورطة حقيقية، فأنت إن توقفت احتراما للإشارة الحمراء تكون قد خالفت قانون السير بحجز الطريق أمام أصحاب السيارات الذين هم خلفك، والذين يرون الإشارة الخضراء ويريدون أن يعبروا ملتقى الطرق من قبل أن تتبدل الألوان.
وأنت إن تجاوزت في هذه الحالة تكون قد خالفت قوانين السير لعدم احترام الإشارة الحمراء، وربما تسجل عليك غرامة إذا كان هناك شرطي عند ملتقى الطرق، أو كانت هناك كاميرا مثبتة في ملتقى الطرق هذا.
بالمناسبة، كل ما قرأتم سابقا ليس هو ما أردت أن أقوله تعليقا على هذه الصورة. هناك كلام آخر هو ما  أريد قوله،  وقد يرى البعض منكم بأن لا علاقة له بالصورة. أما أنا فأرى أن له علاقة قوية بالصورة، ولولا تلك العلاقة لما وجدت رغبة جامحة في قوله بعد مشاهدة الصورة.
خلاصة الكلام الذي أريد قوله هو أن الإشارة الصفراء كثيرا ما تغيب دائما في الفيسبوك، فلا إشارة صفراء في الفيسبوك يمكن أن تنقلك من موقف أحمر شديد الاحمرار، إلى موقف أزرق أو أخضر شديد الاخضرار، أو العكس.
في الفيسبوك هناك فقط لونان أو رأيان أو موقفان متناقضان تماما من كل قضية أو ملف يثاران في هذا الفضاء، ولا يوجد بين الرأيين أو الموقفين أو اللونين، رأي آخر أو لون آخر يأخذ شيئا من اللون الأحمر وشيئا من اللون الأزرق، ليتحول في النهاية إلى لون أصفر بمستويات مختلفة تبعا للنسبة التي أخذ من اللون الأحمر وتلك التي أخذ من اللون الأزرق.
فمثلا إذا أخذنا ملف الهجرة، وهو آخر ملف يستقطب المدونين بشدة، فسنجد أن هناك من يرى أن ملف الهجرة يجب أن يصبغ باللون الأحمر، ولذا فإن الهجرة يجب أن تتوقف فورا، وفورا تعني بالفعل فورا. وهناك طائفة ثانية تراه من الملفات التي يجب أن تبقى دائما باللون الأزرق، أي أن الحدود يجب أن تبقى مفتوحة - كما كانت - لكل المهاجرين القادمين من الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب، إن كان هناك أصلا من يأتينا مهاجرا من الغرب.
في هذا النقاش غاب تماما اللون الأصفر، اللون الذي يمكن اعتبار أصحابه يرون أن ما يحدث من هجرة إلى بلادنا يجب أن نتعامل معه كما نتعامل مع الإشارة الصفراء، أي أننا إذا لم نتجاوز الآن من خلال التحرك السريع، فإن الإشارة ستتحول قطعا إلى اللون الأحمر، وهو ما يعني أننا إذا لم نتخذ حلولا عاجلة لوقف تدفق المهاجرين إلى بلادنا، فإن ملف الهجرة سيتحول قريبا من اللون الأصفر إلى اللون الأحمر.
ويبقى أن أقول إن المواقف الصفراء في هذا الملف متباينة هي أيضا، وليست متساوية من حيث درجة الإصفرار، فهناك أصفرار قريب جدا من الإحمرار، وهذا هو موقفي الشخصي من الملف ( وما يمنعني من الدخول في المنطقة الحمراء هو وجود الكثير من الموريتانيين في غرب إفريقيا وفي دول أخرى). وفي المقابل فهناك أصفرار قريب جدا من اللون الأزرق، وفي اعتقادي أن هذا اللون عبر عنه  الرئيس محمد جميل منصور في منشوره الأخير عن الهجرة، ويبقى الرئيس جميل هو أكثر السياسيين في موريتانيا تحركا في المنطقة الصفراء، ومن النادر جدا أن تجده في المنطقة الزرقاء أو الحمراء.   
سياسيا يمكن أن نعبر عن المنطقة الصفراء، وبشكل عام،  بالموالاة الناصحة والتي يمثلها حاليا (جمع) أو بالمعارضة المسؤولة التي كان يمثلها في العهد السابق حزب الوئام من قبل انصهاره في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.

الثلاثاء، 25 فبراير 2025

أي مستقبل للتدوين في ظل استقالة النخب وسيطرة التفاهة؟

 


نظم "صالون المدونين" مساء اليوم الأحد 23 فبراير 2025  حلقة جديدة من لقاءاته النقاشية المفتوحة التي ينظمها مساء كل أحد تحت شعار: "معا نرتقي بالحوار"، وقد تساءل المدونون في ثاني حلقات الصالون عن مستقبل التدوين في موريتانيا في ظل استقالة النخب الجادة، وسيطرة التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي.

 المداخلات سواء منها تلك الرئيسية التي قُدمت من المنصة، أو تلك التي قدمها  الحضور في القاعة، كانت في مجملها ثرية ومنوعة، وقد غطت الموضوع من مختلف جوانبه وزواياه، فهناك من المتدخلين من اعترض أصلا على العنوان، وعلى استخدام كلمة تفاهة لوصف ما يجري في وسائل التواصل الاجتماعي، في حين اعتبر البعض الأخر أن التدوين في موريتانيا ما هو إلا تعبير صادق عن واقع المجتمع، وما يعيشه البلد، وحاله في ذلك كحال المجالات الأخرى، فهو يتردى بتردى تلك المجالات، ويتحسن بتحسنها، وهناك طائفة ثالثة ترى بأن الميوعة ـ لا التفاهة ـ هي العبارة الأنسب لوصف حقيقة ما يشهده التدوين في موريتانيا من نواقص وسلبيات.

الحلقة النقاشية استمرت لعدة ساعات، وشهدت حضورا معتبرا، وقد أدارها الصحفي والمدون الطالب النافع أفاه الذي تساءل في بدايتها عن تراجع دور النخب في وسائل التواصل الاجتماعي؟، وتساءل إن كان ناتجا عن استقالة هذه النخب، أم أن تلك النخب أجبرت على الانسحاب بسبب خوارزميات الفيسبوك والتفاعل الكبير الذي يحظى به ما يبث أو ينشر من منشورات وتدوينات سطحية؟.

وقد اختتمت الحلقة من طرف الكاتب والمدون محمد الأمين الفاظل الذي تحدث باسم الصالون، وأكد في مداخلته أن نقاشات الصالون ستتواصل إن شاء الله خلال الأسابيع القادمة، وأنهم في الصالون سيسعون في المستقبل القريب إلى استضافة بعض الوزراء والمسؤولين في الحكومة، وفتح نقاش مباشر معهم لطرح مشاكل المواطن والاستماع إلى ردودهم عليها، وستبقى تلك هي المهمة الأبرز للصالون في نسخته الجديدة.

الكلمة الاختتامية في الفيديو المرفق 👇



السبت، 22 فبراير 2025

يوم تدريبي عن الموهبة في توجنين


نظمت "جمعية الاتحاد للتنمية والثقافة" اليوم السبت 22 فبراير 2025، وبالتعاون مع "جمعية خطوة للتنمية الذاتية"، يوما تدريبيا لصالح 32 ناشطا شبابيا في بلدية توجنين

هذا اليوم التدريبي الذي تم تنظيمه في الفضاء الثقافي لبلدية توجنين، وبحضور المندوب الجهوي للشباب بالمقاطعة، يأتي في إطار برنامج خطوة التدريبي لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية، والذي استفاد منه حتى الآن مئات الشباب في عدة ولايات من الوطن.

وقد شمل اليوم التدريبي ورشتين، إحداهما ـ وهي الورشة الأساسية في البرنامج ـ كانت عن الموهبة واكتشافها واستغلالها، وتلقى خلالها بعض المشاركين تدريبا عمليا على ما برز من مواهبهم من خلال إجاباتهم على اختبار الورشة، أما الورشة الثانية فكانت عن إدارة الوقت، وقد قدم الورشتين المكون في برنامج خطوة التدريبي السيد محمد الأمين الفاضل.

وفي ختام اليوم التدريبي تم توزيع إفادات على المشاركين.

الخميس، 20 فبراير 2025

عن تفشي الفساد قبل العاشر من يوليو!


هناك مُسَلَّمَة لدى الأجيال التي لم تصل إلى مرحلة الوعي في عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه رحمه الله، أو تلك التي وُلدت بعد رحيله، مفادها أن الفساد لم يظهر في موريتانيا إلا بعد وصول العسكر إلى الحكم في العاشر من يوليو من العام 1978، يبدو أن هذه المسلمة ليست بتلك الدقة التي كنا نتخيلها سابقا.

صحيحٌ أن الفساد تفشى في بلادنا بشكل واسع بعد العاشر من يوليو من العام 1978، ولكن الصحيح أيضا أنه كان متفشيا في بلادنا من قبل العاشر من يوليو.

نعم، لقد كان الفساد متفشيا في بلادنا من قبل انقلاب 10 يوليو، وهذه حقيقة صدمتنا نحن الذين لم نواكب تلك الفترة، وذلك بعد أن حضرنا للحلقة الأولى من "صالون المدونين" التي تم تنظيمها يوم الأحد 16 فبراير 2025 في أحد فنادق العاصمة، والتي قدم فيها ضيف الحلقة معالي الوزير السابق سيدي ولد أحمد ديه، نماذج من ملفات فساد كان شاهدا عليها خلال مسيرته الثرية بين الإدارة والسياسة.

الحلقة النقاشية المفتوحة كانت عن "الفساد وآليات محاربته"، وقد تحدث فيها الضيف عن بعض ملفات الفساد التي كان قد استعرضها في كتاب من تأليفه، حمل عنوان: "قصتي مع الفساد"، وكان من بين تلك الملفات ملف فساد كبير في عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه، وهو الملف الذي سنركز عليه في هذا المقال.

فساد كبير قبل العاشر من يوليو

تم اكتتاب سيدي ولد أحمد ديه مفتشا للضرائب في بداية العام 1974، وفي أول عملية تفتيش له استمرت لما يُقارب 45 ايوما لإحدى الشركات، اكتشف حالات تهرب ضريبي واسعة، بلغت قيمتها 42 مليون أوقية قديمة.

وبعد توليه لرئاسة قسم الضريبة غير المباشرة في إدارة الضرائب، اكتشف المفتش الشاب ملف فساد آخر، وكان ضخما هذه المرة، وقد نُهبت بموجبه 105 ملايين أوقية قديمة من أموال الشعب الموريتاني، وهذا المبلغ كان في تلك الفترة مبلغا ضخما جدا، وكان من بين الضالعين في عملية النهب هذه، وزيران للمالية، والمدير العام للضرائب، وبعض كبار رجال الأعمال.

ويكفي هذا الملف لوحده، للقول بأن الفساد كان متفشيا في بلادنا من قبل انقلاب العاشر من يوليو، ومن قبل وصول العسكر إلى السلطة، وهذا هو الاستنتاج الأول الذي سنختم به الفقرة الأولى من المقال.

الإرادة السياسية لوحدها لا تكفي

هناك إجماع واسع لدى الخصوم السياسيين للرئيس الراحل المختار ولد داداه من قبل مناصريه، على أنه كان رئيسا نزيها يستحيل أن يَمُدَّ يده للمال العام، بل على العكس من ذلك، فقد كان يُسلم ما قد يصله من هدايا، حتى ولو كانت شخصية إلى خزينة الدولة.

هناك أيضا إجماع آخر على أن الرئيس الراحل المختار ولد داداه كان جادا في محاربته للفساد، والشواهد على ذلك كثيرة، ولا يتسع المقام لتعدادها وبسطها.

تلك حقائق لا جدال فيها، ولكن يبقى السؤال: كيف وصل الفساد في عهد الرئيس الراحل المختار إلى هذا المستوى الكبير، وذلك رغم اتفاقنا جميعا على أنه كان رئيسا نزيها لا يمد يده للمال العام، وكان ـ بالإضافة إلى نزاهته واستقامته ـ يمتلك إرادة سياسية صارمة لمحاربة الفساد؟

وإذا ما اكتفينا بملف الفساد في الضرائب، والذي يُعدُّ ـ بالمناسبة ـ أول ملف فساد في تاريخ البلد يعرض على القضاء، فقد أظهر هذا الملف صرامة الرئيس الراحل المختار وجديته في محاربة الفساد، وقد تجلت تلك الصرامة في الإجراءات التالية:

1 ـ  منحه تهنئة مكتوبة للمفتش الشاب سيدي تشجيعا له على كشف الفساد في إدارة الضرائب، وقد نُشرت هذه التهنئة في يومية الشعب، وبُث نصها في الإذاعة الوطنية، وبالمناسبة فإن هذه التهنئة تعدُّ هي أول وآخر تهنئة يقدمها رئيس موريتاني لموظف حكومي؛

2 ـ إقالته للوزيرين الضالعين في ملف الفساد، مع إشعارهما بأن عليهما أن يكونا على استعداد للمساءلة والتحقيق؛

3 ـ إعطاؤه الأوامر لوزير الدولة لشؤون السيادة بتوقيف أي إجراء يستهدف المفتش سيدي ولد أحمد ديه مهما كانت طبيعة ذلك الإجراء، وقد أعطاه الأوامر بذلك بعد أن وصلته رسالة من سيدي وزميله حيدرة محمد شريف تتحدث عن إجراءات اتخذت ضدهما لإجبارهما كمفتشين للضرائب بإعادة أموال تحصلا عليها بشكل قانوني من الغرامات؛

4 ـ إعطاؤه الأوامر لوزير العدل باكتتاب محام من سلك المحامين في داكار لمساعدة وكيل الجمهورية في الملف.

5 ـ تأكيده في مجلس الوزراء بأن التحقيق في هذا الملف يجب أن يستمر، وأن لا يتوقف، حتى ولو وصل إلى الرئيس نفسه.

6 ـ اجتماعه بالمكتب السياسي لحزب الشعب وأعضاء الحكومة، ودعوته لأعضاء المكتب والحكومة للاختيار بين السلطة والمال، هذا فضلا عن سلسلة من الإقالات ذات الصلة التي قام بها في تلك الفترة.

7 ـ استدعاؤه لمكتب رجال الأعمال، وتوجيه الأوامر الصارمة بالتوقف عن تقديم أي دعم للدولة ومسؤوليها، مع ضرورة التزامهم التام بدفع الضرائب المستحقة عليهم لخزينة الدولة، وتسديد القروض البنكية.

لقد كانت لدى الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله إرادة سياسية صارمة لمحاربة الفساد، ومع ذلك فقد تفشى الفساد في عهده، وكانت لديه إرادة سياسية صارمة في معاقبة كل الضالعين في هذا الملف بالذات، ومع ذلك فقد تمكن الفريق القضائي المشرف على الملف من إبطاء المسار القضائي للملف، إلى أن وقع انقلاب العاشر من يوليو فسُجن الرئيس المختار، وسُجن كذلك المفتش سيدي بعد أن وُجهت له تهمة "الإساءة إلى القضاء"، وتمت إعادة الاعتبار للضالعين في ملف الفساد، حيث عُيِّن أحد الوزيرين الضالعين في الملف مديرا لديوان رئيس اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني!

من هذه الفقرة يمكن أن نخرج بالاستنتاج الثاني، والذي يقول بأن الشرط الأول والأساسي لمحاربة الفساد يتمثل في وجود إرادة سياسية قوية لمحاربته لدى رئيس الدولة، ولكن علينا أن نعلم بأن تلك الإرادة لا تكفي لوحدها لحسم الحرب على الفساد.    

حِيَّل المفسدين ونفوذ الدولة العميقة

عندما يُفتح أيُّ ملف فساد، يتحرك المتضررون المباشرون في ذلك الملف سعيا لإغلاقه من قبل الوصول إلى أي نتيجة، كما تتحرك بالموازاة مع ذلك الدولة العميقة التي تقف بشكل دائم في وجه أي عملية إصلاح، وقد أشار الوزير سيدي في كتابه، وكذلك في عرضه الذي قدم في صالون المدونين إلى نماذج من تحركات الدولة العميقة، حتى وإن كان مصطلح الدولة العميقة من المصطلحات التي يلفها بعض الغموض والضبابية.

هناك حِيَّلٌ معروفة يتبعها المفسدون منها محاولة رشوة المُبَلغ عن الفساد وكاشفه، أو تهديده، أو الضغط عليه من خلال الأهل والأقارب، أو تشويه سمعته، ومحاولة إظهاره بأنه لم يفتح ذلك الملف إلا لإلحاق أضرار بالآخرين، أو لتحقيق مصالح شخصية، إلى غير ذلك من الأساليب التقليدية المعروفة، وبعض هذه الأساليب التقليدية قد استخدم فعلا في هذا الملف، ولستُ بحاجة لذكرها في هذا المقام.

ومن المحاولات التي يُمكنُ أن نخرجها عن الحيَّل التقليدية المعروفة، وندخلها في دائرة جهود الدولة العميقة التي تقوم بها لوأد أي عملية إصلاح في مهدها، يمكننا أن نذكر:

1 ـ وصف المدير العام للأمن الوطني للرئيس المختار رحمه الله بأنه أصيب بالجنون، ولم يعد يعرف من يهنئ، وذلك بعد تهنئته للمفتش سيدي . لقد تمت إقالة هذا المدير قبيل الانقلاب، ولكنه عاد إلى نفس المنصب بعد ستة أشهر فقط، أعادته اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني؛

2 ـ  تحذير مدير الديوان للرئيس المختار رحمه الله، ومخاطبته بما يشبه النصح قائلا له: " سيدي الرئيس، إن تحريك هذا الملف والمواجهة في هذه الظرفية مع الشركات ورجال الأعمال سيكون بمثابة قطعك لآخر غصن قوي تقف عليه"؛

3 ـ على مستوى القضاء فقد تحركت الدولة العميقة أيضا، بعد دخول الملف في مسار قضائي. كان المسار الطبيعي المفترض للملف يقتضي أن يتم الاستماع إلى مدير الضرائب، ومدير الميزانية، ومدير الخزينة العامة، ومدير الرقابة المالية، ومدير البنك الذي فتح فيه مدير الضرائب حسابا بطريقة غير شرعية، والشركات التي دفعت أموالا في ذلك الحساب البنكي، هذا فضلا عن الوزيرين الضالعين في الملف.

أحيل الملف إلى وكيل الجمهورية، وكان أربعة من أقارب الوكيل مشمولين بالاتهام في الملف، ولتفادي مثول هؤلاء أمام القضاء، اتخذ الوكيل قراره بالمحاكمة المباشرة، وحدد لائحة بمن ستشملهم المتابعة القضائية، مستبعدا منها أقاربه الأربعة، واقتصر التحقيق القضائي على ثلاثة أشخاص فقط، هم مدير الضرائب والوزيران المقالان.

بعد ذلك أحال وكيل الجمهورية الملف برمته إلى قاض مقرب من مدير الضرائب، ومن أحد الوزيرين، ليبدأ بعد ذلك التلاعب بالملف من خلال محاولة القاضي توسيع دائرته فأضاف مفتشي الضرائب بدلا من إضافة المسؤولين والشركات المعنية بالملف، وذلك لإحراج النظام، كما عمل على إطالة أمد التقاضي إلى أن تم الانقلاب على المختار رحمه الله من قبل أن يصدر القضاء الحكم على المشمولين في الملف.

لا تتوقف مظاهر الفساد في القضاء في تلك الفترة عند هذا الحد، فقد ذكر معالي الوزير في مذكراته أنه لما أحيل إلى السجن المدني مطلع العام 1979، كان من حسن حظه أن وجد أحد أقاربه من النزلاء القدامى في السجن، وقد وفر له ذلك القريب السجين الحماية، فالنزلاء الجدد كانوا يتعرضون للضرب وسلب الممتلكات. وقد ذكر المؤلف في مذكراته أن السجن المدني كان يتحول في النهار إلى سوق رائج، تباع فيه المقتنيات الثمينة من ملابس عصرية وتقليدية وأحذية وساعات وعطور، وكل هذه البضائع هي حصيلة عمليات تلصص ليلية، كان يقوم بها بعض نزلاء السجن الذين يسمح لهم الحراس بالخروج من السجن ليلا للسرقة، والعودة فجرا بما سرقوا لبيعه وتقاسم عائداته مع الحراس.

المعارضة وإشكالية التعامل مع إصلاحات النظام

تحدث الوزير السابق سيدي ولد أحمد ديه في قصته مع الفساد، عن الدعم الكبير الذي كان يتلقاه من طرف حركة الكادحين، وبخصوص هذا الملف فقد أكد معالي الوزير في مذكراته أنه نوقش بشكل قوي داخل مراكز القيادة في حركة الكادحين، وكانت هناك وجهتا نظر حوله، فهناك فريق من قيادات الحركة يرى أن هذا الملف يعكس حالة فساد واسع ينخر نظام المختار، وأنه لا ينبغي للحركة أن تكون عونا للنظام، بل يجب عليها أن تتركه يتخبط في الفساد حتى ينهار بشكل كامل. وفريق آخر كان يرى أن الحركة حتى وإن كانت تُعارض النظام، فإن ذلك يجب أن لا يجعلها تتجاهل أي جهد يقوم بها النظام لمحاربة الفساد والمفسدين.

لم تبين المذكرات كيف حُسِم ذلك النقاش، ولا أي الرأيين تم اعتماده من طرف الحركة، ومهما تكن النتيجة، فإن هذا النقاش بقي قائما في صفوف معارضات الأنظمة المتعاقبة، وكانت الكفة تميل فيه دائما لصالح الفريق المعارض الذي يقول بترك النظام يتخبط في فساده حتى يسقط، ولكن اللافت هنا أن سقوط نظام المختار رحمه الله، لم يمكن المعارضة من الوصول إلى السلطة، وإنما أتى بنظام جديد من رحم النظام القديم، كان أكثر فسادا.

ولعل أهم ما قامت به حركة الكادحين بخصوص هذا الملف هي أنها حمته من أن تُعطى له تفسيرات عرقية، كما كان يُريد البعض، فقد ذكر الوزير في مذكراته، وفي مقام الإنصاف والإشادة، موقف بعض رفاقه في الحركة، من أمثال لادجي تراوري، ودافا بكاري، وسوماري عمار، والدكتور جاكانا يوسف، الذين كانوا من نفس المكونة الوطنية التي ينتمي إليها أحد الوزيرين ومدير الضرائب، ومع ذلك اتخذوا موقفا وطنيا نزيها،  بعيدا عن الانتماءات الضيقة.

ثمار الصمود على الاستقامة وعدم مد اليد للمال العام

يختم الوزير السابق سيدي ولد أحمد ديه مساره المهني بالقول: " وإذا كان كثيرٌ من رفاقي وزملاء الوظيفة والسياسة والفكر، ورفاق الأجيال السياسية التي أنتمي إليها، قد راكموا الأموال الكثيرة والعقار الشاهق من مال الشعب، وعن طريق الفساد الذي طال وامتد وترسخ خلال الستين سنة المنصرمة، فإنني أشعر بأن كسبي وربحي كان أكبر، إذ خرجتُ صفر اليدين من المال العام، أتقاضى مبلغا زهيدا نهاية كل شهر، لكنني ربحتُ راحة ضميري، ونقاء مسيرتي المهنية وسلامة عرضي، وجنبتُ أبنائي من أن يكونوا قد أكلوا في أي يوم من الأيام أوقية واحدة غير مستحقة. إنني أعتبر ذلك مكسبا عظيما، ولئن رآه آخرون "نفشه"، فهو بالنسبة لي شرف عظيم، ولله الحمد أولا وآخرا."

في الحلقة النقاشية لصالون المدونين تعرض سيدي لنقد قوي من طرف بعض الحضور، وذلك لأنه لم يذكر أسماء المفسدين الذين تحدث عنهم في مذكراته في مختلف محطات مسيرته المهنية، وهذا النقد لوحده يكفي للتأكيد على أهمية الصمود على الابتعاد عن المال العام، فهناك شخصيات ـ من أمثال سيدي ـ ابتعدت عن المال العام تُستضاف اليوم في الندوات للاستفادة من خبرتها وللاستلهام من تجاربها، وهناك شخصيات أخرى ولغت في المال العام، إذا ذُكِرت في نقاشات عامة حُجبت أسماؤها، خوفا من أن يكون ذلك تشهيرا بها وإساءة إلى أبنائها وأقاربها.

لماذا نبش فساد الماضي؟

هذا سؤال وجيه، ومن المؤكد أنه سيطرح من طرف بعض القراء، ذلك أن الحديث عن الفساد في الوقت الحالي، أولى من الحديث عن ملف فساد يتجاوز عمره نصف قرن من الزمن.

صحيحٌ أن الحديث عن الفساد الحالي أولى من الحديث عن الفساد القديم، ولكن الصحيح أيضا أن تقديم سير ملهمة في مجال محاربة الفساد قد يكون مهما للأجيال الحالية التي تناضل ضد الفساد، ثم إن هناك رسالة في غاية الأهمية حاول هذا المقال أن يقدمها للقراء، مفادها أن استقامة الرئيس ووجود إرادة سياسية قوية لديه لمحاربة الفساد لن تحسم لوحدها الحرب على الفساد، وخير دليل على ذلك هو ما تحدثنا عنه من تفشي الفساد في عهد المختار ولد داداه رحمه الله.

لن تُحسم أي حرب ضد الفساد، إذا لم يتوفر شرطان أساسيان، وهما وجود إرادة سياسية قوية عند الرئيس لمحاربة الفساد، ووجود نخبة واعية قادرة على خلق حلف شعبي واسع يدفع إلى تلك الحرب ويدعمها، وهذا الحلف هو ما دعونا في منتدى24 ـ 29 إلى ضرورة تأسيسه، في كل لقاءاتنا التي جمعتنا ببعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

معذرة على الإطالة، وإلى مقال قادم أعلق فيه ـ إن شاء الله ـ على النقاش الذي ستشهده الحلقة الثانية من صالون المدونين.

حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 17 فبراير 2025

حلقة نقاشية عن الفساد وآليات محاربته


نظم "صالون المدونين" مساء الأحد 16 فبراير 2025 جلسة نقاشية عن الفساد وآليات محاربته، وكان ضيف الجلسة النقاشية الوزير السابق سيدي ولد أحمد ديه مؤلف كتاب "قصتي مع الفساد" بحضور لافت لشخصيات ونخب فكرية وثقافية.

وقد استعرض الوزير السابق سيدي ولد أحمد ديه في عرضه المطول والمفصل  نماذج عديدة من ملفات فساد كان شاهدا عليها خلال فترات توليه لمناصب مختلفة في عدة أنظمة متعاقبة، وكان أول ملف فساد من تلك النماذج هو اكتشافه لنهب مئات الملايين من الأوقية لما كان مفتش ضرائب، وقد فوجئ الرئيس الراحل المختار ولد داداه بحجم الفساد المتفشي في نظامه، فأرسل تهنئة لمفتش الضرائب سيدي، وهي التهنئة الوحيدة من نوعها في تاريخ البلد، فلم يحدث بعد ذلك أن أرسل أي رئيس رسالة تهنئة لموظف.

وذكر سيدي في شهادته أن الرئيس المختار رحمه الله أصر على أن يفتح هذا الملف، وأن لا يستثنى أحدا من الضالعين فيه، حتى ولو كان الرئيس نفسه. تم تأجيل البت في الملف إلى أن حصل انقلاب 10 يوليو 1978،  فكوفئ بعض الضالعين في الملف بالتعيين، بينما سجن المفتش سيدي في شهر دجمبر 1978 بتهمة الإساءة إلى العدالة.

بعد ذلك استعرض ضيف الصالون نماذج كثيرة أخرى من الفساد في عهد الرؤساء: هيدالة ومعاوية، ومحمد عبد العزيز، والذي شغل الضيف في عهده منصب المفتش العام للدولة، وهو أخر منصب له من قبل أن يتقاعد.

وفي ختامه عرض ضيف الصالون فُتح النقاش أمام الحضور الذي ضم أكاديميين وإعلاميين ونشطاء في المجتمع المدني ومدونين، واستمرت المداخلات لعدة ساعات ثم رد ضيف الصالون على أبرز مداخلات الحضور. وقد اختتمت الجلسة من طرف الكاتب محمد الأمين ولد الفاظل، والذي وعد بحلقة نقاشية جديدة مساء الأحد القادم، مؤكدا أن الصالون سيستمر في تنظيم نقاشات أسبوعية حول قضايا تهم الوطن والمواطن مساء كل أحد.

رابط الكلمة الافتتاحية للصالون:

https://youtu.be/lWSQKYyRZUc?si=a-LL1ANxQBr96vy6


الجمعة، 14 فبراير 2025

بيان


طالعنا في "منتدى 24 ـ 29" للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي، التقرير المتعلق بمؤشر مدركات الفساد للعام 2024، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية بتاريخ 11 فبراير 2025، والذي أظهر أن بلادنا ما تزال في رتبة متأخرة جدا على مؤشر مدركات الفساد (رتبتها في هذا العام  هي نفس رتبتها في العام الماضي، أي الرتبة 130 على قائمة 180 دولة شملها المؤشر، ونقاطها في هذا العام لم تتجاوز 30 نقطة من مائة، وهي نفس نقاطها في العام الماضي).

إننا في "منتدى 24 ـ 29" و بمناسبة صدور هذا التقرير الذي أظهر أن بلادنا ما تزال تحتل رتبة متأخرة على المؤشر، لنؤكد على ما يلي:

1 ـ ضرورة المسارعة في  برمجة مناقشة مشاريع القوانين الثلاثة المتعلقة بالتصريح بالممتلكات والمصالح، ومكافحة الفساد، والسلطة الوطنية لمكافحة الفساد مع افتتاح الدورة البرلمانية القادمة، وكنا في المنتدى قد طالبنا بتسريع الإجراءات لمناقشة تلك القوانين والمصادقة عليها من قبل أن تختتم الدورة البرلمانية الماضية؛

2 ـ الصرامة في تطبيق تلك القوانين بعد المصادقة عليها من طرف البرلمان، والحرص على أن تكون تشكيلة السلطة الوطنية لمكافحة الفساد من خيرة الكفاءات الوطنية المشهود لهم بالاستقامة؛

3 ـ عدم السماح مستقبلا لأي موظف تتم إدانته بالفساد بالإفلات من العقاب؛

4 ـ مضاعفة الجهود، والقيام بكل ما هو متاح، لتحسين موقع بلادنا على مؤشر مدركات الفساد في العام 2025، والاستمرار في  بذل تلك الجهود إلى أن تصل بلادنا إلى رتبة متقدمة على هذا المؤشر مع انتهاء المأمورية الثانية.

نواكشوط بتاريخ : 13 فبراير 2025

اللجنة التأسيسية  لمنتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي

#منتدى24_29

الخميس، 13 فبراير 2025

من يملك الشارع؟


لابد من تغيير عقلية السائق، ولا يتوقف الأمر على فئة محددة من السائقين، فعقلية السائق الذي يقود سيارة أجرة متهالكة، وعقلية الموظف السامي أو رجل الأعمال الذي يقود  سيارة فاخرة بعشرات الملايين من الأوقية القديمة، نفس العقلية، وجميع هؤلاء يتصرف بعقلية بدوية عندما يقود سيارته، سواء كانت متهالكة، أو كانت فاخرة. 

نفس العقلية البدوية، التي كان يتعامل معها سلفنا مع الحمير والجمال كوسائل للتنقل، هي نفس العقلية التي يتعامل معها الخلف مع السيارات المتهالكة والسيارات الفاخرة.

السائق في بلادنا يمكن أن يتوقف على الشارع متى شاء وكيفما شاء، فهو قد يتوقف في وسط الشارع ليتحدث مع صديق، أو ليشتري سلعة من بائع متجول، أو ليعطي صدقة لمتسول يقضي يومه كاملا يتجول وسط الشارع عند ملتقيات الطرق.

عندما يُغلق أحدهم الشارع أمامك بمثل هذه التصرفات البدوية، فتطلب منه بكل أدب واحترام أن يفتح لك الطريق، يرد عليك في الغالب غاضبا، ومعلنا رفضه فتح الطريق، وقد يوجه لك سؤالا في منتهى السخافة والعجرفة:

- هل الشارع شارعك؟

وكأن الشارع شارعه، ورثه أبا عن جد، ويملك الوثائق التي تؤكد ذلك، ويحق له بموجب تلك الملكية أن يتوقف في وسطه متى شاء وكيفما شاء.

نعم الشارع لي، ولكَ، ولهُ، ولها، ولنا جميعا، ولكن بشرط أن نستغله بشكل سليم، وهو قطعا ليس لكَ أنت يا هذا، عندما تحاول أن تستغله بشكل غير سليم، وأنت عندما تفعل ذلك يحق لي أن أعترض على تصرفك الخاطئ هذا، وأن أطلب منك - وعلى وجه الاستعجال -  أن تصحح تصرفك الخاطئ فورا.

لا يمكن القضاء على  مثل هذه المسلكيات الخاطئة، إلا من خلال التوعية، ثم الغرامات، والغرامات، والغرامات.

الفيديو من حساب : محمد محمود عبد الرحمن 👇



#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير

الثلاثاء، 11 فبراير 2025

حتى لا يظهر "فاعل شر" آخر!


تعودنا أن نصف كل من يقوم بأي عمل خير نافع للمجتمع، بشكل مجاني، ودون أن ينتظر من مقابلا ماديا، تعودنا أن نصف كل من يقوم ذلك ب: "فاعل خير". وتتأكد شرعية ووجاهة منح هذه الصفة أو اللقب الجميل لكل من ينفق من ماله الخاص أو من جهده ووقته لإطعام أو علاج فقراء جوعى أو مرضى لا يجدون ما يكفي من المال لشراء الطعام أو الدواء الذي يحتاجونه، أو لا يجدون ما يكفي من المال لتوفير احتياجات أساسية أخرى كالملبس أو السكن مثلا.

إن كل من ينفق من ماله أو جهده على الفقراء يستحق أن نصفه أو نلقبه ب"فاعل خير"، وهو جدير بأن يوصف بتلك الصفة أو يلقب بذاك اللقب، ويتأكد الأمر لمن ينفق من الاثنين معا، أي ينفق على الفقراء من ماله وجهده في نفس الوقت.

هناك حالة غريبة جدا من إنفاق المال والجهد دون مقابل، لم أسمع بها من قبل اليوم، يستحق صاحبها أن يوصف ب"فاعل شر".

 بالفعل إنه يستحق ـ وبجدارة ـ ذلك الوصف، ومن ذا الذي يستحق ذلك الوصف غيره؟ دعونا في هذه السطور نتعرف على "فاعل الشر" هذا..

إنه شاب موريتاني من مواليد العام 1992، لأبوين طاعنين في السن، سافر إلى السنغال، وفي سفره ذلك مخاطرة. المهم أنه سافر وخاطر من أجل شراء كمية من "مادة ما" من السنغال، والعودة بها إلى موريتانيا، قبل العيد، ولا أدري أي عيد بالضبط، ليوزعها مجانا على بعض "المحتاجين لها"، دون أي مقابل مادي، وكأنها هديته لهم بمناسبة العيد!!

إن في قصة هذا الشاب شيء عجاب، وربما تكون هناك تفاصيل غابت عن التحقيق والمحكمة، فكيف لنا أن نصدق أن هذا الشاب سافر فعلا إلى السنغال، وأنفق ماله الخاص لشراء كمية من المخدرات، ثم العودة بها إلى موريتانيا ليوزعها مجانا قبيل العيد، وهو لا ينتظر من ذلك جزاءً بمال، أو شكراً من الناس؟

حقيقة إننا أمام قصة غريبة جدا، يصعب تصديقها، وهي تستدعي المزيد من التحقيق من طرف المحكمة، والمزيد من الاستقصاء من طرف صحافتنا للوقوف على الجوانب الخفية التي لم تُكشف في قصة "فاعل السوء" هذا.

وإذا لم تكن في هذه القصة أي جوانب خفية لم تكشف، وإذا كان ما قيل في جلسة يوم أمس الاثنين 10 فبراير 2025 من الدورة الجنائية بمحكمة نواكشوط الغربية هو حقيقة هذا الشاب، فهذا يعني أن هناك "جهة ما" تسعى لأن تغرق المزيد من شبابنا في مستنقع المخدرات، وقد غرق بالفعل الكثير من شبابنا في مستنقع المخدرات، وهو الشيء الذي أكد معالي وزير الداخلية وترقية اللامركزية والتنمية المحلية أمام البرلمان في يوم 14 دجمبر 2024، عندما قال : " إن المخدرات أصبحت منتشرة في المدارس وفي الحدود وفي جميع الأماكن"، وقد أعلن معالي الوزير في حديثه ذاك عن تشكيل لجنة وزارية دائمة لمواجهة المخدرات في بلادنا، وما زلنا ننتظر نتائج عمل تلك اللجنة الوزارية، كما طالب معالي الوزير في نفس الخطاب ب"هبة شعبية" ضد المخدرات، وما زالت الجهود الشعبية على هذا المستوى ضعيفة جدا، إن لم أقل غائبة تماما، هذا إذا ما استثنينا بعض الجمعيات المحدودة جدا، والتي تعمل دون أي دعم، كما هو الحال بالنسبة لجمعية " نور القمر للتعبئة الاجتماعية".

إن متابعة تفاصيل القضايا التي حكمت فيها محكمة نواكشوط الغربية يوم أمس، لتؤكد من جديد أن المخدرات قد تفشت في بلادنا، وأن الضحايا هم بالأساس شباب، وأن دور الأجانب في تفشي المخدرات واضح وجلي.

تابعتُ تفاصيل هذه الجلسة من خلال بث مباشر للصحفي "الحسن مصطفى سيدي" عبر منصة نسيم، فشكرا للصحفي وللمنصة على هذا الجهد الإعلامي المهم.

يقول الصحفي الحسن مصطفى سيدي في بثه المباشر الذي تحدث فيه عن قصة الشاب الذي منحناه في هذه السطور لقب "فاعل شر"، يقول إنه استغل الفترة المخصصة للمداولات قبل النطق بالحكم، للجلوس قرب والد الشاب وهو شيخ كبير طاعن في السن، ويجد صعوبة كبيرة في السمع، وبعد التحدث معه أخبره بأن ابنه ليس من أصحاب السوابق، وأنه ألقي عليه القبض لأول مرة في هذا الملف خلال "العيد" الماضي، وخلال الحديث طلب الشيخ من الصحفي أن يبلغه بالحكم عندما نودي لابنه بعد المداولات.

الوالد كان يتوقع أن يُبَرَّأ ابنه أو يحكم عليه في أسوأ الأحوال بسنة، فذلك ما كان يمنيه به المحامي الذي وكله للدفاع عن ابنه.

يقول الصحفي بأنه وجد صعوبة كبيرة في إبلاغ الشيخ الطاعن في السن بالحكم على ابنه بخمسة عشر سنة كاملة، فالشيخ كان يتوقع البراءة لابنه، فإذا بحكم بالسجن لمدة خمسة عشر سنة.

لم يكن من الشيخ بعد أن أخبره الصحفي بالحكم إلا أن وقف في تصرف مرتبك، وخلع نعليه، ثم خرج من المحكمة، وهو لا يعرف كيف يتصرف، وقد أبلغ الشيخ والدة الشاب، وهي امرأة طاعنة في السن، وقد تأثرت هي أيضا بالحكم على ابنها بخمسة عشر سنة في السجن.

ليست هذه إلا قصة أخرى من قصص كثيرة قد لا تروى، تعكس مدى تفشي المخدرات في بلادنا، فلنجعل من هذه القصة الغريبة شرارة لانطلاق جهد رسمي وشعبي واسع ومنظم للتصدي للمخدرات والوقوف بحزم ضد المزيد من تفشيها، حتى لا تدمر شبابنا، وتفكك مجتمعنا، وتدخل بلدنا في نفق مظلم لن نعرف كيف نخرج منه.

حفظ الله موريتانيا..

  


الأحد، 9 فبراير 2025

أوقفوا العنف اللفظي


يشرفني كثيرا أني أدرتُ نقاشا مع الأخ الفاضل المدون الموريتاني الأكثر متابعة الطالب عبد الودود لمدة ساعة وربع دون أن يستخدم أيُّ واحد منا كلمة مسيئة في حق الآخر، رغم التباين الكبير في آرائنا حول بعض القضايا التي ناقشنا، وهو تباين  قد يصل إلى 180°.

أذكر حينها أني كنتُ أتلقى اتصالات عديدة من أخوة وأصدقاء أفاضل، دقائق قليلة قبل أن تبدأ الحلقة، يطالبونني بالانسحاب من قبل أن تبدأ المناظرة، وهذا هو أسوأ تشجيع، أي أن تُطالب من تشجعه أن ينسحب من قبل "المعركة"، ولكني كنتُ أرفض كل تلك الطلبات، وكنتُ واثقا أنه بإمكان الطالب عبد الودود ومحمد الأمين الفاضل أن يديرا نقاشا راقيا، يختلفا فيه بقوة، ولكن دون أن يسيء أي منهما للآخر، وقد نجحا في نهاية المطاف في ذلك، والفضل يرجع أولا للطالب. 

تؤكد تلك المناظرة أن بإمكان أي شخصين آخرين أن يديرا نقاشا راقيا دون أن يسيء أي واحد منهما للآخر حتى ولو كانت آراؤهما ومواقفهما متباينة تماما.

على المستوى الشخصي فإني - كغيري من المهتمين بالشأن العام - منزعج تمام الإنزعاج من تنامي العنف اللفظي، ومن اتساع وانتشار لغة السب والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي.

نحن الآن نربي أبناءنا وشبابنا، وهم جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، على أسوأ عبارات السب والشتم، ونلقنهم على أن الخلاف في الأراء والمواقف لا يُدار ولا يُعبر عنه إلا بالتنابز بالألقاب وبالشتائم واستخدام كل أسلحة العنف اللفظي.

كثيرٌ من نخبنا المؤهلة لفتح نقاش جدي وراق من مختلف الاتجاهات والآراء انسحبت من هذه المواقع، أو اكتفت في أحسن الأحوال بالتفرج، مما يزيد الأمور تعقيدا...

إن استمر الحال على هذا الحال، فقد تفاجؤون بعد سنوات قليلة بجيل كامل لا يتلفظ فيه أحد إلا بشتيمة، يسلم عليك الواحد منهم بشتيمة، ويودعك بإساءة، حتى وإن لم يكن يعرفك مسبقا، ولا بينك وبينه ما يستدعي كل تلك الشتائم والإساءات.

قد تقتضي مصلحتي السياسية، على الأقل مؤقتا، وأنا ممن يُحسب حاليا على النظام الحاكم، أن أشجع هذا التنابز القائم بين صاحبي الحسابين الأكثر متابعة في موريتانيا، حساب الطالب وحساب "الطاقم المتخفي" الذي يديره سيدي ولد أكماش، فاستمرار الحسابين على هذا النهج  سيشغلهما لفترة عن نقد النظام، ولكن المشكلة هي أني لا أفكر بهذه الطريقة، فأنا من الذين يضعون في قضايا الشأن العام، المصلحة العامة أولا، ومصلحة الخندق السياسي الذي أنتمي إليه ثانيا، ومصلحتي الشخصية ثالثا. فإذا كان هذا التنابز بين صاحبي الحسابين الأكثر متابعة، والمحسوبين على المعارضة يفيدني سياسيا بشكل مؤقت، إلا أنه سيضر البلد كثيرا، فهذا الأسلوب سيشيع العنف اللفظي، وسيزيد من استخدام لغة السب والشتم في صفوف شبابنا، وسيبعد المزيد من النخب الجادة عن هذا الفضاء، وهو ما ستنتج عنه كوارث خطيرة في المستقبل القريب قبل البعيد.

نعم، أنا منشغل جدا منذ فترة بهذا الخطر القادم، وأرى أن التصدي له أصبح اليوم هو أولوية الأولويات، ولدي بعض الأفكار القابلة للتنفيذ، وسأعرضها إن شاء الله على بعض المهتمين بالشأن العام من مختلف الاتجاهات والتخندقات، وأرجو أن نوفق جميعا في تنزيل تلك الأفكار على أرض الواقع ، وسيكون في ذلك مصلحة كبيرة للبلد.   

فهل هناك من هو مستعد للمشاركة ولو بالرأي؟

السبت، 8 فبراير 2025

اقتراحات انتهت صلاحيتها!


من كان يتوقع أنه سيأتي يوم يطالع فيه خبرا عن عريضة موجهة من طرف القضاء إلى زعيم التكتل أحمد داداه تمنحه 20 يوما فقط للرد عليها؟ ومن كان يتوقع أن هذه العريضة يقف وراءها أحد أطراف القيادات المتصارعة على شرعية تمثيل حزب التكتل؟

مرَّ هذا الخبر دون أن يثير أي اهتمام، فالتكتل لم يعد كما كان، والرأي العام لم يعد كذلك كما كان، فهو منشغل هذه الأيام بنقاشات أغلبها يدخل في دائرة النقاشات التافهة.

على المستوى الشخصي فقد آلمني كثيرا هذا الخبر، ويؤسفني حقا أن تكون خاتمة حزب التكتل، أكبر وأعرق حزب معارض في تاريخ البلد، وخاتمة زعيمه أشهر زعيم للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة بهذا الشكل.

فمن كان يصدق أن الزعيم أحمد داداه والذي التف حوله في فترة من الفترات كل الطيف السياسي المعارض، لم يعد اليوم قادرا على السيطرة على ما تبقى من حزب التكتل، وذلك مع العلم أن الحزب عجز ـ وبطرفيه المتصارعين حاليا ـ عن الحصول على مقعد واحد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة.


لا يختلف حال حزب التكتل عن حال حزب التحالف الشعبي التقدمي، ولا يختلف حال الزعيم أحمد داداه عن حال الزعيم مسعود ولد بلخير، فكلا الزعيمين قدم تضحيات كبيرة للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة، وكلاهما ظل متمسكا بقيادة حزب لم يعد قادرا على الحصول على مقعد واحد في البرلمان، حسب ما قالته صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة.

وما قيل عن الحزبين ( التكتل، والتحالف)، وعن الزعيمين (أحمد ومسعود)، يمكن أن يُقال أيضا عن حزب اتحاد قوى التقدم، وعن زعيمه الدكتور محمد ولد مولود، والذي قدم هو أيضا تضحيات كبيرة للمعارضة الموريتانية، ولكنه ظل كذلك متمسكا بقيادة حزبه، والذي لم يتمكن ـ حاله في ذلك كحال التكتل والتحالف ـ من الحصول على نائب واحد أو عمدة واحد في آخر انتخابات تشريعية وبلدية.


مؤلم حقا أن تكون الخاتمة السياسية لأهم ثلاثة أحزاب سياسة معارضة، ولأهم ثلاثة زعماء للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة بهذا الشكل القاسي.

المؤلم أكثر أن هذه الخاتمة كانت متوقعة، بل كانت مؤكدة، في ظل تمسك القادة الثلاثة برئاسة أحزابهم، فلماذا لم ينسحب القادة الثلاثة في الوقت المناسب؟ ولماذا لم ينسحبوا وهم ما زالوا يحتفظون ببريق القيادة والزعامة، تاركين لأجيال أخرى في أحزابهم مواصلة المسار النضالي؟

ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة أن ينسحبوا في التوقيت المناسب من قيادة أحزابهم، ويشتغلوا في مجالات أخرى تليق بهم، ويخدمون من خلالها وطنهم الذي ما زال بحاجة إلى عطائهم، ولكن في مجالات أخرى غير سياسية؟

ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة، والذين كانوا يطالبون الأنظمة الحاكمة بالديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة، أن يقدموا هم المثال الحسن على التناوب السلمي من خلال أحزابهم، وذلك بدلا من أن يتشبثوا برئاسة تلك الأحزاب رغم الانسحابات الواسعة التي عرفتها تلك الأحزاب في السنوات الأخيرة، وكأنهم يريدون أن لا يتركوا تركة حزبية لمن سيتولى بعدهم قيادة تلك الأحزاب.

لقد قلتها منذ سنوات وفي الوقت المناسب، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس أحمد داده أن ينسحب بعد رئاسيات 2007 من العمل السياسي الحزبي، وذلك بعد أن منحه نصف الشعب الموريتاني أصواته، أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بشكل متدرج وهو مرفوع الرأس، وأن يتفرغ بعد ذلك لإطلاق مؤسسة باسمه لتطوير الديمقراطية في موريتانيا تبتعد عن التجاذبات السياسية الآنية، وعن التخندقات والاصطفافات الآنية، وعن الصراعات المعهودة بين المعارضة والموالاة، وتهتم فقط بالأمور الفنية لتنمية وتطوير الديمقراطية الموريتانية.

 ولقد قلتها منذ سنوات وفي الوقت المناسب ، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس مسعود ولد بلخير أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بشكل متدرج وهو مرفوع الرأس بعد رئاسيات 2009، وأن ينشغل بإطلاق مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية تُعنى بالنضال التنموي ضد الاسترقاق ومخلفاته، وذلك من خلال التركيز على محاربة الجهل والفقر في الأوساط الأكثر هشاشة. لو فعلها الزعيم مسعود في ذلك الوقت، وقد قدمتُ له مقترحا بذلك في العام 2013، لكانت مؤسسته الاجتماعية تقدم اليوم خدمات تنموية كبيرة للفئات الهشة، ومما لا شك فيه أنه كان سيجد تمويلا كافيا لتلك المؤسسة، وبذلك يواصل خدمة موريتانيا في مجال آخر لا يقل أهمية عن المجال السياسي.

ولقد قلتها من قبل، وفي الوقت المناسب ، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس محمد مولود أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بعد رئاسيات 2019، وربما من قبل ذلك، وأن يطلق مؤسسة للحوار السياسي والاجتماعي، وهو الخبير بإدارة الحوارات، تكون قادرة على تنظيم حوارات سياسية وربما اجتماعية في الأوقات التي يكون فيها البلد بحاجة لتلك الحوارات، والبلد بحاجة دائما إلى تلك الحوارات.

اليوم يَعدُ النظام بحوار، وتشكك المعارضة في ذلك الحوار، وتطعن فيه حتى من قبل أن يبدأ، فلو كانت هناك مؤسسة شبه مستقلة للحوار، يترأسها شخص بتاريخ وخبرة محمد مولود في إدارة الحوارات، لكان بإمكان هذه المؤسسة أن تلعب دور الوسيط أو المسهل لضمان نجاح الحوار المرتقب بين الفرقاء السياسيين. 

إننا في موريتانيا بحاجة إلى شخصيات وطنية ومرجعية يقدرها الجميع، تأخذ نفس المسافة من الجميع، وهذه الشخصيات لم تعد اليوم موجودة بسبب الاصطفافات والتخندقات والصراعات السياسية الآنية، وكان بإمكان الرئيس أحمد داداه أن يكون شخصية مرجعية في مجال تنمية الديمقراطية وتطويرها إن كان قد انسحب في الوقت المناسب من العمل الحزبي، وأطلق مؤسسة باسمه لتنمية الديمقراطية يبتعد بها عن ثنائية المعارضة والموالاة و تركز على الجوانب الفنية والتقنية في التنمية الديمقراطية، وكان بإمكان الرئيس مسعود أن يكون شخصية مرجعية في النضال التنموي ضد مخلفات الاسترقاق، إن هو انسحب من العمل الحزبي في الوقت المناسب، وأطلق مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية، وكان بإمكان الرئيس محمد مولود أن يكون شخصية مرجعية في المساعي الحميدة والحوارات السياسية، إن هو انسحب من العمل الحزبي في الوقت المناسب وأطلق مؤسسة للحوار السياسي.

للأسف لم يحدث أي شيء من ذلك، ولذا فلم تحظ موريتانيا بشخصيات مرجعية قادرة على خدمتها في مجالات أخرى لا تقل أهمية عن المجال السياسي بمفهومه الضيق، وفي المقابل، فلم يحظ هؤلاء القادة الثلاثة بتقاعد سياسي مشرف يتناسب مع تاريخهم السياسي المشرف.

ختاما

هذه مقترحات قدمتها في وقت سابق، وأخلصتُ النصح لمن قدمتها له، وقد انتهت صلاحيتها منذ مدة، ولم تعد قابلة للتنفيذ، ومع ذلك سيعاد نشرها ـ إن شاء الله ـ مع مقترحات كثيرة أخرى، في أحد أجزاء سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، وهو الجزء  الذي سيخصص للمقترحات الكثيرة التي قدمتها لجهات مختلفة خلال العقدين الأخيرين.

حفظ الله موريتانيا..



الجمعة، 7 فبراير 2025

عن أهمية إطلاق "منصة 304"!


في يوم الأربعاء الموافق 29 مايو 2024 تم الإعلان عن تأسيس "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية"، وقد ركز المنتدى على متابعة ثلاثة ملفات أساسية من برنامج فخامة رئيس الجمهورية (طموحي للوطن)، وهي الملفات المتعلقة بمحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، والتمكين للشباب.

وفي إطار هذه المتابعة، أصدر منتدى 24 ـ 29 تقريره الأول بمناسبة المائة يوم الأولى، ووعد في ذلك التقرير بأن يُصدر تقريره الثاني في بداية العام 2025، وأن يخصصه  لثلاثة عشر مشروعا وعد معالي الوزير الأول في إعلان السياسة العامة للحكومة بإكمالها قبل نهاية العام 2024.

لم نُعِد في المنتدى تقريرا عن تلك المشاريع، كما وعدنا في تقريرنا الأول، وذلك بعد أن كشف معالي الوزير الأول في خطاب "الحصيلة والآفاق" عن ما تحقق بخصوص تلك المشاريع، حيث أكد أن العمل اكتمل في 11 مشروعا منها، وبقي مشروعان اثنان أحدهما قد يتأخر لشهر، والثاني قد يتأخر لثلاثة أشهر وزيادة.

لم تقتصر أنشطة المنتدى في الفترة الماضية على متابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، بل عمل جاهدا من أجل التحضير لتأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد، وقد مهَّد لذلك بإصدار ميثاق شرف لمحاربة الفساد من نسختين، إحداهما خاصة بالمجتمع المدني، وقد وقعتها عشرات المنظمات الفاعلة، والثانية خاصة بالأحزاب السياسية، وقد وقعتها بعض الأحزاب السياسية.

هذا عن حصيلة عمل المنتدى خلال النصف الثاني من العام 2024، أما عن الآفاق المستقبلية، فقد اجتمعت اللجنة التأسيسية للمنتدى في يوم السبت الموافق 1 فبراير 2025، وبعد استعراض الحصيلة وتثمينها في مجال دعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وكذلك في مجال التحضير لتأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد، فقد اتخذت اللجنة التأسيسية خلال الاجتماع المذكور قرارين مهمين، ستكون لهما انعكاسات ايجابية كبيرة على عمل المنتدى في الفترة القادمة.

القرار الأول : المنتدى مبادرة جمعوية

لقد تأسس المنتدى قبيل الحملة الانتخابية الرئاسية الماضية، وأسسه داعمون لفخامة رئيس الجمهورية، ولذا فقد شارك بقوة في الحملة الانتخابية الماضية، وأنشطته في الحملة موثقة، وكانت أنشطة متميزة، ولكن من جهة أخرى فإن أنشطة المنتدى فيما بعد الانتخابات الرئاسية كانت أقرب لأنشطة منظمات المجتمع المدني، فالملفات التي كان يتابعها هي ملفات أقرب لعمل المجتمع المدني : محاربة الفساد، إصلاح الإدارة، تمكين الشباب. كما أن طبيعة الأنشطة التي كان يقوم بها كانت أقرب هي أيضا لأنشطة المجتمع المدني : إصدار التقارير، تنظيم الندوات، العمل على تشكيل حلف وطني لمحاربة الفساد، وإصدار ميثاق شرف وجمع التوقيعات عليه.

إن هذا التداخل في عمل المنتدى، بين ما هو سياسي وما هو جمعوي، فرض على اللجنة التأسيسية للمنتدى في اجتماعها الأخير أن توقف هذا التداخل، وأن تحسم تصنيف المنتدى، من خلال الإجابة وبوضوح على السؤال : من نحن، فهل نحن في المنتدى مبادرة سياسية أم مبادرة جمعوية؟

بعد نقاشات معمقة على هذا السؤال، ولأسباب وجيهة لا يتسع المقام لبسطها، وربما أخصص لها مقالا مستقلا في المستقبل،  قررت اللجنة التأسيسية للمنتدى في اجتماعها الأخير أن تحسم هذا التداخل لصالح العمل الجمعوي، وأن تصنف المنتدى على أنه مبادرة جمعوية، وهو ما اقتضى تعديلا طفيفا في تسميته، لتصبح تسميته الجديدة: "منتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي".

القرار الثاني : متابعة الأداء الحكومي

استعرض معالي الوزير الأول  في خطاب "الحصيلة والآفاق" خطة الحكومة  للعام 2025، ووعد بتنفيذ 304 التزامات تضمنتها تلك الخطة، وقد كانت في مجملها التزامات واضحة ومحددة بسقف زمني، وهو ما يجعلها قابلة للقياس والتقييم، ولهذا فقد قررنا في المنتدى في اجتماع فاتح فبراير الجاري أن نتابع تنفيذ تلك الخطة، خاصة وأنها تشكل "مقطعا سنويا" من برنامج فخامة رئيس الجمهورية، والذي تأسس المنتدى أصلا لمتابعته.

وفي إطار متابعة خطة الحكومة للعام 2025، فقد قرر المنتدى أن يعمل على :

1 ـ إطلاق "منصة 304 لمتابعة الأداء الحكومي"، وستركز هذه المنصة على متابعة تنفيذ 304 التزامات التي تعهد بها الوزير الأول في خطة الحكومة السنوية للعام 2025، وستظهر على واجهة المنصة خريطة موريتانيا، وبها كل الولايات، وعلى خريطة كل ولاية ستوضع نقاط بلون محايد تمثل عدد الالتزامات الخاصة بتلك الولاية في خطة الحكومة للعام 2025، وكلما نفذَت الحكومة أحد تلك الالتزامات تحول لونه إلى اللون الأخضر، مع تلوين الالتزامات التي لم تنفذ باللون الأحمر في نهاية السنة، على أن يسبق ذلك، اللون الأصفر التحذيري الذي ستلون به الالتزامات التي لم يحصل تقدم في تنفيذها، كلما اقتربنا من نهاية السنة.

وفي ختام السنة سيكون من السهل جدا تقييم أداء العمل الحكومي في مجمله، وذلك من خلال حساب النسبة المئوية لكل لون على خريطة المنصة.

كما سيتم بالتوازي مع توزيع الالتزامات على الولايات، توزيع تلك الالتزامات على القطاعات الحكومية، وذلك من أجل تقييم أداء كل وزير على حدة، فلكل وزير التزامات خاصة بقطاعه في خطة 2025، وفي نهاية السنة سيتم حساب النسبة المئوية  لكل لون في كل قطاع على حدة، وبذلك يُقَيَّم أداء كل وزير على حدة، بعد أن تم تقييم أداء الحكومة في المجمل.

وبالإضافة إلى متابعة تنفيذ ما جاء في خطة الحكومة للعام 2025، فإن رقابة المنتدى على العمل الحكومي ستشمل أيضا توصيات المنتديات الجهوية للتخطيط التنموي التشاركي، وذلك من خلال مراقبة تنفيذ ما سيتم فرزه والإعلان عنه من تلك التوصيات و الأولويات التنموية لكل ولاية على حدة.

2 ـ ستركز جهودنا في المنتدى خلال العام 2025 على كل ما من شأنه أن يُفعِّل من رقابة المواطن، ويؤسس مستقبلا لرقابة شعبية فعالة على الأداء الحكومي، فنحن في هذه البلاد بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الرقابة الشعبية، وتقييم أداء الحكومة بكل موضوعية بعيدا عن التجاذبات السياسية التي تؤثر على طبيعة ذلك التقييم، وسنحاول في هذا المسعى إشراك بعض منظمات المجتمع المدني، وكذلك بعض المدونين نظرا للدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في تفعيل الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.

ولضمان تفعيل ذلك الدور،  سيكون من المهم جدا أن نطلق في المنتدى برنامجا تكوينيا لصالح المنظمات الفاعلة والمدونين الراغبين في الانخراط في هذا الجهد، ففي كثير من الأحيان قد تجد ناشطا جمعويا أو صحفيا أو مدونا يسعى بحسن نية لمراقبة الصفقات العمومية مثلا، ولكشف ما قد يشوب هذه الصفقة أو تلك من فساد، ومع ذلك فهو قد يكون شبه أمي في مساطر إجراءات الصفقات العمومية، ومن هنا تظهر أهمية التكوين، حتى تكون رقابتنا الشعبية على الصفقات العمومية رقابة أكثر جدية، وما ينطبق على الصفقات العمومية ينطبق على الملفات الأخرى التي قد تهم كل من يريد أن يساهم في التأسيس لرقابة شعبية فعالة على الأداء الحكومي:

3 ـ إن الرقابة الشعبية على العمل الحكومي  تتطلب كذلك توعية المواطن بأهمية استغلال المنصات المتاحة، وخصوصا منصة عين لإيصال شكاويه وما يريد أن يبلغ عنه من اختلالات ونواقص في أداء الإدارة العمومية.

ولأن التوعية في هذا المجال في غاية الأهمية، ولأنه لم تظهر حتى الآن، أي مبادرة جمعوية للقيام بهذا الدور التوعوي الهام، فإنه علينا في المنتدى أن نقوم بهذا الدور، مع مطالبة الحكومة بضرورة إشراك المجتمع المدني في متابعة تعامل القطاعات الحكومية مع الشكاوي والتبليغات التي يقدمها المواطنون من خلال منصة عين، ونشر تقارير دورية عن الشكاوي والتبليغات التي تمت معالجتها عن طريق المنصة.

4 ـ من المهم كذلك أن يستمر المنتدى في جهوده الرامية لتأسيس تحالف وطني واسع لمحاربة الفساد، ومما لاشك فيه أن الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي تدخل في صميم الجهود الرامية لمحاربة الفساد.

هذه بعض النقاط التي سيعمل عليها "منتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي" خلال العام 2025، وسيبقى المنتدى بحاجة إلى دعم الحكومة، فبدون تعاون الحكومة لا يمكن أن نتحدث عن رقابة شعبية فعالة. كما أنه سيبقى بحاجة إلى دعم كل الذين يتقاسمون معه هذه الأفكار، ويسعون إلى محاربة الفساد، وتفعيل رقابة المواطن، والتأسيس لرقابة شعبية جادة على الأداء الحكومي.  

حفظ الله موريتانيا...

الخميس، 6 فبراير 2025

ركز على نقاط قوتك...


في "مدرسة الغابة" المتخصصة في تعليم وتدريب الحيوانات، لم يتمكن الأرنب الصغير ـ وللمرة الثالثة ـ  من تجاوز سنة أولى ابتدائي من قسم السباحة.

كان في كل عام يفشل في امتحان التجاوز، وفي العام الثالث، وبعد الرسوب الثالث، قرر الأرنب أن يذهب إلى "البوم الحكيم" طلبا للاستشارة والنصح.

ولما عرض الأرنب الفاشل مشكلته على "البوم الحكيم"، ما كان من "البوم الحكيم" إلا أن التفت إلى الأرنب، وقال له يا بني إذا كنت تريد النجاح في المدرسة فعليك أن تذهب الآن وتسجل في قسم الجري و السباق بالمدرسة. 

استجاب الأرنب لنصيحة "البوم الحكيم" وسجل في قسم الجري والسباق، وفي العام الأول نجح الأرنب متفوقا، أما في العام الثاني فقد تمكن من أن يصبح هو "التلميذ" الأكثر شهرة في قسم الجري والسباق بمدرسة الغابة المتخصصة في تعليم وتدريب الحيوانات.

الأرنب فشل في بداية دراسته في "مدرسة الغابة"، لأنه حاول أن ينجح في تخصص لا يتناسب مع قدراته وإمكانياته التي أودعها الله فيه، وهذا يحدث كثيرا معنا نحن البشر، فتجد الكثير منا يسعى لأن ينجح في مجالات لا تناسب قدراته وإمكانياته الذاتية.

صحيح أنه بكثير من المثابرة والجهد يمكننا أن ننجح في مجالات لا تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا، لأنه لا مستحيل أمام الإصرار وقوة الإرادة، ولكن لن نتميز إطلاقا في تلك المجالات التي لا تتناغم مع قدراتنا وإمكانياتنا.

ثم إن الوقت والجهد الذي قد ننفقه لكي ننجح في مجالات لا تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا، قد يكفينا خمسه أو سدسه لكي نصبح متميزين ومشهورين في مجالات أخرى تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا.

فلماذا ننفق وقتا وجهدا كبيرا لتحقيق نجاح متواضع، وغير مضمون، في مجال ما، وذلك في الوقت الذي كان فيه بإمكاننا أن نحقق نجاحات عظيمة بجهد ووقت أقل لو استثمرنا ذلك الوقت والجهد المهدور في مجالات تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا؟

خلاصة القول : ركز على نقاط قوتك لتربح المزيد من الجهد والوقت، ولتحقق نجاحا أفضل.

#ومضة_في_دروب_الحياة

#خلاصات_في_تنمية_وتطوير_الذات

الأربعاء، 5 فبراير 2025

الناس معادن..


سنتوقف في هذه الحلقة الأولى من برنامج "ومضة في دروب الحياة" مع تشبيه الناس بالمعادن الذي جاء في حديث نبوي شريف، وسنقدم في هذه الحلقة أربعة نماذج من المعادن وكيف تتأثر بالنار : 

1 ـ الذهب يزداد بريقا ولمعانا؛

2 ـ الحديد يزداد قوة وصلابة؛ 

3 ـ الزنك يتبخر ويختفي؛

4 ـ الزئبق يطلق رائحة كريهة وسامة.

هكذا هم الناس في تعاملهم مع المصائب والمحن:

1 ـ طائفة تُبدع وتزداد بريقا ولمعانا عندما تتعرض للمحن والمصائب كالذهب بعد التسخين بالنار، ولذا فهناك مقولة شائعة تقول إن الإبداع يولد من رحم المعاناة. هناك نقاش واسع حول دقة هذه المقولة، ولكنها تبقى في كل الأحوال صالحة لأن يستأنس بها في هذا المقام؛

2 ـ طائفة تزداد قوة وصلابة عندما تتعرض للمحن والمصائب كالحديد بعد التسخين بالنار. فبعض الناس تزيده المشاكل والمحن صلابة وقدرة على مواجهة تحديات الحياة؛

3 ـ طائفة تتبخر وتختفي عندما تتعرض للمحن والمصائب كالزنك بعد تعرضه للنار. هناك من الناس من يتبخر وينسحب ويرفع الراية البيضاء عند مواجهة أول معركة من معارك الحياة، ويصبح بلا دور ولا تأثير في المجتمع، وكأنه غير موجود أصلا في هذه الحياة؛

4 ـ طائفة تتحول إلى الإجرام والانتقام من المجتمع، وتصبح ضارة عندما تتعرض للمحن والمصائب كالزئبق الذي يطلق غازات سامة عندما يتعرض للتسخين. فبعضُ الناس إذا تلقى ضربات قاسية في معاركه مع الحياة يتحول إلى مجرم يعمل على الانتقام من المجتمع، ويصبح بذلك ضارا وساما، تماما كالزئبق الذي يصدر عنه بخار سام عند التسخين.

كن كالذهب يزداد لمعانا إذا ما تعرض للنار، أو كن على الأقل كالحديد الذي يزداد صلابة وقوة، ولا تكن كالزنك الذي يتبخر أو كالزئبق الذي يطلق غازات سامة عندما يتعرض للنار.

يتواصل ....

الثلاثاء، 4 فبراير 2025

هل سنأخذ عبرة من هذا الخطأ الفادح؟


 أثار استلام وتوقيع هذه الرسالة استغرابا واسعا لدى الرأي العام الوطني، وهو استغراب مبرر وفي محله، فبأي منطق تستلم وتوقع السكرتيريا في وزارة الداخلية طلب إذن بوقفة سلمية للمطالبة بإطلاق سراح رئيس الجمهورية؟

في اعتقادي الشخصي، وهو اعتقاد له ما يدعمه، أن السبب في الوقوع في مثل هذا الخطأ الفادح هو عدم احترام الإدارة الموريتانية للمادة السادسة من الدستور الموريتاني، فالسكرتير أو السكرتيرة التي استلمت هذه الرسالة ووقعتها قد تكون أمية تماما في اللغة الرسمية للبلد، وهو ما جعلها - أو جعله -  يقع في هذا الخطأ الفادح.

لم أمر منذ زمن طويل بسكرتيريا وزارة الداخلية، وعهدي بها قديم، ولكني أعرفها في عهد كان يوجد بها بعض الموظفين الذين يستقبلون الرسائل الموجهة للوزارة، وهم مع ذلك لا يستطيعون قراءة محتواها إن كانت قد كتبت باللغة الرسمية للبلد.

عموما توجد حاليا مكاتب سكرتيريا في بعض الوزارات والمؤسسات العمومية، يوجد بها موظفون أميون في اللغة الرسمية للبلد، ومن الصعب أن تجد مثل هذا في غير بلدنا، ومثل هذه الرسائل سيبقى بالإمكان تمريرها في بعض الإدارات لمن رغب في ذلك، وكتبها باللغة  الرسمية للبلد!!!!

هذه  الرسالة مليئة بالأخطاء التي سيطلع عليها كل من يستطيع القراءة باللغة العربية، فقد بدأت بصاحب السعادة التي يخاطب بها السفراء بدلا من صاحب المعالي التي يخاطب بهاالوزراء، وعُنونت بطلب إذن وقفة، والذي كان يجب أن يكتب هو إشعار بوقفة، ومثل هذه الطلبات توجه في العادة إلى الحكام لا إلى وزير الداخلية. هذا فضلا عن الخطأ الفادح المتعلق بمضمون الوقفة. 

 لقد آن الأوان لأن نأخذ العبرة من هذا الخطأ الفادح، وأن تتصالح الإدارة الموريتانية وموظفيها مع اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

الاثنين، 3 فبراير 2025

نوابنا الموقرين : أليس هذا فسادا بيِّنا؟


 لقد أصبح من العادي جدا أن تظهر قاعة الجلسات العلنية في الجمعية الوطنية شبه فارغة تماما من النواب خلال مناقشة مشاريع القوانين التي يُفترض أنها مهمة.

ومن الأمثلة على كثرة تغيب النواب عن الجلسات العلنية ما حدث في الجلسة التي انعقدت يوم الاثنين الموافق 20 يناير 2025، والتي خصصت لمناقشة مشروعيْ قانونين، يفترض أنهما مُهمان: الأول مشروع القانون رقم 24 ـ 043 المتعلق بالمصادقة على النظام الأساسي لصندوق تنمية الصادرات في إفريقيا، والثاني مشروع القانون رقم 24 ـ 045 المتعلق بمدونة الاستثمارات.

في هذه الجلسة، وكغيرها من الجلسات العلنية، كان الحضور ضعيفا، ولكن ما ميزها عن غيرها من الجلسات التي يتغيب عنها النواب عادة، هو أنها شهدت مداخلتين مهمتين تدعمان ما أريد لفت الانتباه إليه في هذا المقال. المداخلة الأولى كانت للنائب المعارض خالي جالو، وكانت وعلى غير العادة، بلغة عربية (لهجة حسانية) فصيحة جدا، والمداخلة الثانية كانت للنائب محمد الأمين ولد أعمر رئيس الفريق البرلماني لحزب الإنصاف، وكانت وعلى غير العادة أيضا، بلغة صريحة جدا غير معهودة عند نواب حزب الإنصاف.

النائب خالي جالو طالب بتأجيل الجلسة لساعة حتى يكتمل النصاب القانوني، والنائب محمد الأمين ولد أعمر دعم ذلك الطلب، وقال وبوضوح شديد: " أنا بدوري أشدد على ما قاله النائب خالي جالو، ليس من المقبول، ولا من المستساغ، أن جمعية وطنية مبرمجة فيها جلسة علنية، يحضر لها هذا النوع من الناس ( وأشار بيده إلى العدد القليل من النواب الحاضرين وقد قدرتُ عددهم من خلال اللقطة المرئية ب17 نائبا فقط). ثم واصل رئيس فريق الأغلبية الكلام، فقال: "النواب موجودون في نواكشوط، ولم يُبَلِّغ أي أحد منهم عن مشكلة من أي نوع، هذا غير مقبول، غير مقبول (يقصد تغيبهم)".

لقد أصبح من الطبيعي جدا، في ظل ظاهرة تغيب النواب عن الجلسات العلنية، أن نتابع جلسة برلمانية يحضرها 17 نائبا فقط من مجموع 176 نائبا، أي بنسبة حضور أقل من 10%. أما الحضور لاجتماعات اللجان الخمس الدائمة في البرلمان، والتي تتم بعيدا عن الإعلام، فحدث عن كثرة الغياب ولا حرج.

وأصبح كذلك من الطبيعي جدا، أن يحضر رئيس البرلمان أو أحد نوابه ممن سيترأس الجلسة، ويحضر الوزير، ويظل الجميع ينتظر وينتظر ثم ينتظر، وقد يستمر الانتظار لأكثر من ساعة،  من قبل أن يحضر الحد الأدنى من النواب الموقرين : 20 أو 30 نائبا مثلا، حتي يكون بالإمكان افتتاح الجلسة (الحد الأدنى هنا لا تعني النصاب القانوني المطلوب فذلك من النادر أن يكتمل، فالنصاب القانوني في المداولات 53 وفي التصويت 89).

لقد أصبح الوزير ملزما بأن يُضيِّعَ في كل مرة تكون لديه جلسة في البرلمان ساعةً أو أكثر من وقته في انتظار حضور الحد الأدنى من نوابنا الموقرين لافتتاح الجلسة. إنهم لا يضيعون أوقات القلة القليلة جدا من النواب التي تلتزم بالحضور في الوقت المحدد، بل يضيعون معها أوقات الوزراء دون مبرر مقنع.

لا تتوقف لا مبالاة النواب وعدم جديتهم، وعدم وفائهم بالتزاماتهم التي قطعوها للناخبين، عند تضييع الوقت فقط، بل إن القليل ممن يحضر منهم للجلسات العلنية، قد يشهد انسحابات من قبل اكتمال الجلسة، والتصويت على مشاريع القوانين، وقد يوجه بعضهم أسئلة أو ملاحظات للوزير، وينسحب ـ بكل بساطة ـ ومن قبل أن يستمع إلى الرد عليها.

فماذا ينتظر من نائب لا يُخفي لا مبالاته وعدم جديته، كثير التغيب عن الجلسات العلنية، بخيل الكلام في الأوقات التي كان ينتظر فيها ناخبوه أن يتلفظ بكلمات في جلسة علنية، حتى ولو كانت كلمات غير مفيدة؟.

المستفز في الأمر أن هذا النائب المتغيب دائما، لا يمكن أن يُحرم من تعويض الجلسات التي يتغيب عنها، وهذا إجراء تأديبي منصوص عليه في النظام الداخلي للجمعية، ولكنه لم ينفذ ـ ولو لمرة واحدة ضد أي نائب ـ منذ العام 1992، وحتى يوم الناس هذا.

فيا نوابنا الموقرين أليس هذا فسادا بيِّنا وواضحا، حتى ولو كان من الفساد المسكوت عنه؟ فبأي حق تأخذون رواتب كبيرة من أعلى الرواتب في البلد، وتمتلكون القطع الأرضية في أرقى الأحياء التي توزع عليكم مع كل إنابة، وتمنحون عطلة سنوية من أربعة أشهر إذا لم تكن هناك دورة استثنائية، وقلما تكون هناك دورة استثنائية، ومع ذلك تبخلون بالحضور للجلسات العلنية، وليس في كل يوم من أيام عملكم خلال ثلثي السنة جلسة علنية، بل إن الأسبوع قد يمر، وقد يمر الأسبوعان دون أن تكون هناك جلسة علنية واحدة.

نحن لا نطلب منكم القيام بواجبكم التشريعي والرقابي الذي تأخذون بموجبه أموالا طائلة من خزينة الدولة، فذلك مما لا طمع فيه، نحن نطالبكم فقط بالحضور الشكلي للجلسات العلنية، حتى ولو خصصتم ذلك الحضور للتثاؤب أو النوم أو الانشغال بالهاتف، فحتى الحضور الشكلي للجلسات العلنية تبخلون به على ناخبيكم يا نوابنا الموقرين، أليس هذا بفساد بيِّن، بلى إنه فساد بيِّن، حتى وإن سكت عنه الجميع.

إننا نُطالبكم فقط  ـ يا نوابنا الموقرين ـ بأن يكون حضوركم للجلسات العلنية التي تُناقش فيها مشاريع القوانين، بحجم حضوركم للجلسات التي يُعلن فيها عن تأسيس فرق برلمانية للصداقة مع دول شقيقة أو صديقة، وقد شهدت هذه الدورة طفرة كبيرة في تأسيس تلك الفرق.

ومن قبل أن استرسل في الحديث عن غياب بعض النواب وعدم جديتهم، فلابد من أفتح قوسا قصيرا لأقول بأن هناك ثلة قليلة من النواب في المعارضة والموالاة لا ينطبق عليهم ما تضمنه هذا المقال من نقد للسادة النواب، ولكن هؤلاء يبقون قلة قليلة جدا، ولا يتجاوزن في عددهم الاستثناء الذي يؤكد صحة القاعدة، وصحة كل ما انتقدنا به نوابنا الموقرين في هذا المقال.

كثيرٌ من نواب الأغلبية منشغل بتجارته ومصالحه الخاصة عن الشأن البرلماني، وهو لم يترشح أصلا إلا من أجل الحصول على جواز سفر دبلوماسي وبعض الامتيازات المعنوية الأخرى التي قد تزيد من أرباح تجارته، وما دام الأمر كذلك، فلماذا لا نسن قوانين تتيح الفرصة للمشتغلين بالتجارة والأعمال الخاصة أن يترشحوا للبرلمان، مع إلزامهم بأن يختار كل واحد منهم خلفا يمتلك من المؤهلات والاستعداد ما يلزم لتأدية الدور الرقابي والتشريعي للنائب على أحسن وجه، وبعد الفوز في الانتخابات يمنح جواز السفر الدبلوماسي لمن ترشح من أجله، ويترك الراتب وتأدية مهام النائب للخلف الذي يمتلك المؤهلات ولديه الرغبة في تأدية تلك المهام (قد يبدو هذا المقترح ساخرا، ولكني ما وجدتُ غيره لحل هذه المعضلة الشائكة).

وفي الفسطاط الآخر، فإن بعض نواب المعارضة منشغل هو كذلك بأموره الخاصة عن تأدية مهامه كنائب، وكثيرا ما يتغيب بعض نواب المعارضة عن الجلسات العلنية وأعمال اللجان، وحجتهم التي يبررون بها ذلك الغياب أن حضورهم وتصويتهم على مشاريع القوانين لن يغير في الأمر شيئا، وكأنهم لم يكونوا على علم بذلك من قبل أن يترشحوا للبرلمان.

هذا عن الغائبين من النواب عن الجلسات، أما بخصوص الحاضرين بأجسادهم من الفسطاطين، فليعلم من يحضر من نواب الأغلبية للجلسات العلنية ليبالغ في مدح النظام، وبلغة تطبيلية تصطك منها المسامع، فليعلم هؤلاء النواب بأنهم يضرون النظام أكثر مما ينفعونه، وليعلم كذلك نواب أو "نائبات" المعارضة ممن يخضر في بعض الأحيان ليبالغ كثيرا في نقد النظام، فيستخدم لغة سوقية ساقطة وعبارات مسيئة، فليعلم هؤلاء النواب بأنهم يسيئون إلى أنفسهم ويضرون المعارضة من قبل أن يَضُرُّوا النظام.

إننا اليوم ـ وكما كنا بالأمس ـ بحاجة إلى نواب لديهم من الكفاءة والمؤهلات ما يمكنهم من القيام بدورهم التشريعي والرقابي على أحسن وجه، ولديهم من الشغف بالعمل البرلماني ما يشجعهم على الحضور للجلسات والتدخل بحماس في النقاشات، فإن انتقدوا النظام انتقدوه بقوة وبلغة محترمة دون إساءة، وذلك مما ينفع المعارضة ويضر النظام، وإن امتدحوا النظام امتدحوه بقوة وبلغة راقية دون تزلف، وذلك مما ينفع النظام ويضر المعارضة.

فهل سيأتينا زمانٌ برلمانيٌّ يكون فيه نوابنا الموقرون بتلك المواصفات والصفات؟

لا اخفيكم أني في بعض الأحيان أشعر بالحرج والعار عندما أسمع مداخلات بعض نوابنا الموقرين، ممن يبالغ منهم في التزلف إن كان داعما للنظام، أو يبالغ في الإساءة واستخدام لغة سوقية إن كان معارضا له، كلاهما ـ أي النائب المبالغ في التزلف والمبالغ في الإساءة ـ يشعرني بالحرج عندما أسمعه يتحدث، ويجعلني أتساءل : هل هذا نائب حقا، يمثل الشعب، ويتمتع بالحصانة البرلمانية؟

ختاما

ربما تكون الدورة البرلمانية الماضية قد حطمت الرقم القياسي في غياب النواب عن الجلسات العلنية، وتأخر تلك الجلسات عن موعدها المحدد لها سلفا في انتظار حضور الحد الأدنى من النواب، لم يسجل في الدورة المنتهية، أن جلسة واحدة، وأقول جلسة واحدة افتتحت في الموعد المحدد لها، والسبب دائما هو عدم حضور الحد الأدنى من النواب عند موعد الافتتاح، ولهذا كتبتُ هذا المقال بعد اختتام تلك الدورة للتنبيه على ذلك التغيب الذي سجل رقما قياسيا جديدا، راجيا أن يصحح هذا الخلل على الأقل خلال الدورة القادمة، ومتمنيا في نفس الوقت أن نحظى في المستقبل بنسخة برلمانية أكثر جدية وإقناعا من نسختنا الحالية، تكون قادرة على تأدية مهامها الرقابية والتشريعية على أحسن وجه.

حفظ الله موريتانيا..

 الفيديو :