في مساء الخميس شهدت الضاحية الجنوبية ببيروت تفجيرين
إرهابيين متزامنين راح ضحيتهما 41 قتيلا و180 جريحا، وفي مساء الجمعة الموالي شهد
شمال باريس ووسطها وشرقها ست عمليات إرهابية متزامنة أدت إلى سقوط 127 قتيلا و200 جريح.
المؤسف أن التفجيرات الإرهابية التي شهدتها بيروت كانت
بالنسبة للعالم كله مجرد عملية إرهابية عابرة
تتكرر يوميا في عالمنا العربي والإسلامي، والقتلى الذين سقطوا في بيروت
كانوا مجرد رقم جديد يمكن أن نضيفه إلى أرقام كبيرة من القتلى الذين يموتون يوميا
في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وأفغانستان وبورما .. إنهم مجرد
أرقام لا أكثر ولا أقل. ومن نفذ تفجيرات بيروت يمكننا أن لا ندين ما قام به من
إجرام، ما دامت العمليات الإرهابية التي نفذها قد حدثت على أرض عربية أو مسلمة،
وما دام الضحايا هم من العرب والمسلمين.
هذا ما حدث فعلا، فلم تكن تفجيرات بيروت إلا مجرد حدث
عابر لا يستحق أن يحزن له العالم، حتى كاتب هذه السطور فقد بخل هو أيضا بكتابة سطر
أو سطرين على صفحته الشخصية لإدانة ما حدث في بيروت، وللإعلان عن التضامن مع
الضحايا، أعترف بهذا، وقلبي يعتصره الألم.
ولكشف نفاقنا، ولكشف ازدواجيتنا، شاء الله أن تحدث في
اليوم الموالي عمليات إرهابية في باريس، فإذا بالعالم كله من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله
يستفيق من سكرته، وإذا به يستيقظ من غفوته، وإذا به يبالغ في إظهار إنسانيته، وإذا
بالحكومات والشعوب في مشارق الأرض وفي مغاربها تتسابق في إدانة عمليات باريس
الإرهابية، وإلى الإعلان عن تعاطفها مع الضحايا الذين سقطوا، حتى كاتب هذه السطور فقد
سارع هو أيضا إلى أن يدين ـ وبقوة ـ هذه العمليات الإرهابية، وإلى أن يعلن تضامنه
الكامل مع أسر الضحايا ومع الشعب الفرنسي.
بالتأكيد لست نادما على إدانة عمليات باريس الإرهابية،
ولست بنادم على التعاطف مع الضحايا ومع الشعب الفرنسي، لستُ نادما على أي شيء من
ذلك، فديني وأخلاقي وإنسانيتي يحثني على اتخاذ مثل هذا الموقف النبيل المندد بقتل
الأبرياء أينما كانوا ولأي جنسية انتسبوا. لستُ نادما على أي شيء من ذلك، ولكن
تزامن العمليات الإرهابية ببيروت وباريس جعلني أتوقف قليلا مع هذه الازدواجية
السلبية، والتي لم تعد تقتصر فقط على الحكومات الغربية، كما كنا نقول وندعي، بل إن
عدواها امتدت إلى أن وصلت إلى حكومات وشعوب العالم الإسلامي، حتى أصبح المواطن
البسيط من أمثالي لابد له وأن يسارع في إدانة أي عملية إرهابية تحدث في الغرب، وأن
يتضامن مع أي ضحية تسقط في الغرب، وذلك في الوقت الذي يتعامل فيه بشيء من عدم
الاكتراث واللامبالاة مع من يسقط من القتلى
في بلدان المسلمين.
لقد استطاع الغرب ـ ولقد ساهمت الحكومات والنخب والشعوب الإسلامية في هذا ـ في أن يجعل من دماء شعوبه دماء ثمينة وغالية، يجب أن يهتز العالم كله : من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله، لأي قطرة تسيل من تلك الدماء الغالية والثمينة. أما نحن في العالم الإسلامي فقد جعلنا من دمائنا دماءً رخيصة لا تستحق الحزن حتى ولو سالت منها الأودية والأنهار ...تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكنها يجب أن لا تمنعنا من استنكار وإدانة ما يجري الآن في باريس من عمليات إرهابية.
الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أبرر به هذه الازدواجية الساذجة والسلبية التي أمارسها ضد قومي، هو أن عمليات القتل في بلاد المسلمين أصبحت ولتكرارها مجرد حدث عادي بالنسبة لي ولغيري. أما في الغرب فإن عمليات القتل تبقى نادرة ومحدودة، ولذلك فهي تتحول عند حدوثها إلى حدث فظيع يجب أن تستنكره كل شعوب ودول العالم، وبما في ذلك الضحايا من المسلمين الذين يقتلون يوميا وبالجملة، ودون أن يكترث أي أحد بموتهم.
لقد استطاع الغرب ـ ولقد ساهمت الحكومات والنخب والشعوب الإسلامية في هذا ـ في أن يجعل من دماء شعوبه دماء ثمينة وغالية، يجب أن يهتز العالم كله : من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله، لأي قطرة تسيل من تلك الدماء الغالية والثمينة. أما نحن في العالم الإسلامي فقد جعلنا من دمائنا دماءً رخيصة لا تستحق الحزن حتى ولو سالت منها الأودية والأنهار ...تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكنها يجب أن لا تمنعنا من استنكار وإدانة ما يجري الآن في باريس من عمليات إرهابية.
الشيء الوحيد الذي يمكنني أن أبرر به هذه الازدواجية الساذجة والسلبية التي أمارسها ضد قومي، هو أن عمليات القتل في بلاد المسلمين أصبحت ولتكرارها مجرد حدث عادي بالنسبة لي ولغيري. أما في الغرب فإن عمليات القتل تبقى نادرة ومحدودة، ولذلك فهي تتحول عند حدوثها إلى حدث فظيع يجب أن تستنكره كل شعوب ودول العالم، وبما في ذلك الضحايا من المسلمين الذين يقتلون يوميا وبالجملة، ودون أن يكترث أي أحد بموتهم.
لقد آن الأوان لأن نخصص نصيبا غير يسير من دموعنا ومن
أحزاننا لإخوتنا المسلمين الذين يقتلون يوميا وبالجملة في مشارق الأرض، وإن تَبّقَّى
من بعد ذلك شيء من الدموع و الأحزان فعلينا أن لا نبخل به عن كل نفس بريئة تقتل ظلما
وعدوانا في مغارب الأرض.
ولقد آن الأوان لأن تستخلص الحكومات الغربية العبر
والدروس من عمليات باريس الإرهابية، فعلى هذه الحكومات أن تعلم بأنه على من أراد
أن يعيش في بلده آمنا مطمئنا فإن عليه أن يعمل من أجل "عولمة الآمن". لا
يمكن للحكومات الغربية أن تستمر في دعم المستبدين وفي إشعال الحروب والفتن في
أجزاء كثيرة من العالم، وتتوقع من بعد ذلك أن تعيش شعوبها آمنة مطمئنة.
أما الدرس الذي على الإرهابيين أن يستخلصوه، والذي كان
عليهم أن يستخلصوه منذ أحداث 11 سبتمبر، فهو يتلخص في أن قتل الأبرياء في الغرب لن
يجلب للمسلمين إلا المزيد من القتل والخراب والدمار.
لقد قدر لي أن أتابع من قبل عمليات باريس بساعات قليلة
تقريرا بثته قناة "الجزيرة" عن مسلمة متحجبة في استراليا كانت قد أبدعت
طريقة فريدة للرد على من يسيء إليها وإلى حجابها من غير المسلمين.
لقد قررت هذه الاسترالية المسلمة أن تتبرع لمنظمات
خيرية بدولار واحد عن كل تغريدة كراهية تصلها، ولقد وصلتها حتى الآن ألف تغريدة
مسيئة، ولذلك فقد تبرعت مقابل تلك الإساءات بألف دولار مع توجيه الشكر لكل من أساء
إليها.
لقد تعرضت هذه المسلمة لكثير من الكراهية والإساءة من
طرف أستراليين يكرهون الإسلام والحجاب، ومع ذلك فإنها قررت أن ترد على المسيئين بشطر
آية يقول (( ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) فنالت بذلك إعجاب وتعاطف الكثيرين، وقدمت بذلك صورة
مشرفة وجذابة للإسلام، وتحقق لها بذلك الشطر الثاني من الآية ((فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)). وفي المقابل فقد قررت "داعش"
وأخواتها أن ترد على الظلم الذي تمارسه الحكومات الغربية ضد المسلمين بظلم أكبر،
فقتلت الكثير من المسلمين، وقتلت العديد من الأبرياء في الغرب، فشوهت بذلك صورة
الإسلام، وتسببت بذلك في حصول ضرر كبير على المسلمين في مشارق الأرض وفي مغاربها.
إن بين الأسلوب الراقي الذي اتبعته الباحثة الأسترالية
المسلمة "سوزان كارلاند" في خدمة الاسلام، وأسلوب "داعش"
المتوحش والهمجي لفرق كبير.
حفظ الله موريتانيا وكل ديار الإسلام..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق