في نهاية العام الماضي، وبمناسبة
مهرجان الغضب الذي نظمته المعارضة آنذاك، كتبت مقالا تحت عنوان "رسالتان مشفرتان من مهرجان المعارضة"، ولقد كتبت حينها بأن الجماهير
المشاركة في مهرجان الغضب قد وجهت رسالتين مشفرتين،
إلى جهتين لم يعرف عنهما سابقا أنهما تجيدان قراءة الرسائل المشفرة، ولا الرسائل
غير المشفرة.
أما
في هذا المقال، فإني سأتحدث عن ثلاث رسائل غير مشفرة، تم إرسالهما يوم الثاني عشر
من مارس، بلغة واضحة وصريحة جدا، قد تزداد تعقيدا عندما نحاول تبسيطها وشرحها لمن
وجهت إليهم تلك الرسائل. فكلمة ارحل ـ مثلا ـ ليست كلمة مشفرة، ونحن عندما نحاول تفسير كلمة
ارحل للرئيس، فذلك يعني أننا سنغالطه وسنخدعه، فكلمة ارحل لا تعني إلا ارحل، ولا
يمكن شرحها أو تبسيطها أو تفسيرها أو فك شفرتها بكلمة أخرى غير كلمة ارحل.
فالمطالبة
الصريحة بالرحيل كانت هي الرسالة التي وجهتها الجماهير الغفيرة التي شاركت في
مسيرة الأمس. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلوم الشعب على صراحته يوم 12 مارس،
خاصة أنه لم يكن صريحا يوم 14 دجمبر 2011 في مهرجان الغضب، حيث تحدث حينها بلغة
مشفرة، ولكنه لم يجد في النظام من يحاول أن يفكك لغته المشفرة، ويقرأها قراءة
صحيحة، حتى لا يضطر للحديث بلغة غير مشفرة في مسيرة 12 مارس.
ولقد
كتبت معلقا على مهرجان 14 دجمبر 2011، وتحت عنوان: "رسالتان مشفرتان من
مهرجان المعارضة"، ما نصه : "لقد أثبت
مهرجان المعارضة بأن هناك غضبا شعبيا عارما، ضد النظام الحالي. ويمكن القول بأن
هناك نسبة هامة من الجمهور التي حضرت للمهرجان، والتي جاءت لتعبر عن غضبها
واستيائها، لم تكن معارضة، بل كانت من الفقراء الذين صوتوا ـ وبحماس ـ لمرشح
الفقراء، في يوم انتخابي عصيب.
ومن اللافت للانتباه ـ وأنا هنا أعتمد على
استفتاء في محيطي الخاص ـ بأن الكثير ممن صوت ل"مرشح الفقراء" بحماس
شديد، أصبح اليوم يعارضه بحماس أشد، وذلك بعد أن أصيب بخيبة أمل، وبصدمة
كبيرة، من الفجوة الهائلة، والتي تتسع مع مرور الأيام، بين الوعود الانتخابية
لرئيس الفقراء، وانجازاته الميدانية.
إن الفقراء الذين أوصلوا الرئيس بتصويتهم
الكثيف، هم وحدهم الذين يستطيعون أن يفرضوا عليه الإصلاح، وهم وحدهم الذين
بإمكانهم أن يزيحوه إذا لم يقرأ وبشكل جيد رسالتهم المشفرة التي أرسلوها له، يوم
أمس، من ساحة مسجد ابن عباس، وعبر البريد السريع والمضمون."
ولأن الرئيس لم يقرأ رسالة الأمس المشفرة،
والأمس هنا تعني 14 دجمبر 2011 ، ولم يرد عليها بشكل ايجابي، فقد اضطرت الجماهير
لأن توجه له ، وبعد ثلاثة أشهر من انتظار الرد، رسالة صريحة جدا، وواضحة جدا، ومختصرة
جدا، رسالة من كلمة واحدة تقول: " ارحل" .."ارحل"..
"ارحل".
أما الرسالة الثانية فقد تم توجيهها للجيش
الموريتاني من طرف الضيف الجديد لمنسقية المعارضة، والذي وفق في مسيرة الرحيل لأن
يقول كلمة كنا ننتظر ـ ومنذ أربع سنوات ـ أن نسمعها من شخصية سياسية معارضة.
فالقول بأن الجيش والشعب ضحايا للنظام القائم،
وأن انقلاب 2008 كان مجرد تمرد من شخص واحد، ولم يكن انقلابا عسكريا، قد يؤسس
لبناء علاقة جديدة بين الجيش والمعارضة، ذلك الجيش الذي ظلت المعارضة تصفه ـ
بسذاجة وبغباء ـ بأنه جيش ولد عبد العزيز،
ومع ذلك فإنها لم تكن تتورع من أن تطلب من "جيش ولد عبد العزيز"، بلغة
مشفرة في بعض الأحيان، وغير مشفرة في أحيان أخرى، بأن ينقلب على ولي نعمته، أي على
الرئيس عزيز، وأن يسلمها السلطة.
إن وصف الجيش بأنه جيش ولد عبد العزيز كان من
الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها المعارضة، والتي
حاول الرئيس أعل ـ وبذكاء ـ أن
يصححها في خطابه في مسيرة الرحيل.
إن المعارضة بحاجة لأن تراجع بعض مفردات خطابها
السياسي، خاصة منه تلك العبارات الموجهة للجيش، فالجيش كمؤسسة لا يجوز أن نحمله كل
الأخطاء التي ترتكبها بعض عناصره وقياداته، ممن قاموا بانقلاب، عفوا، بتمرد أوصلهم
للسلطة.
هناك من الجيش من قام بانقلاب، أو بتمرد، وهناك
من الجيش من رفض ذلك التمرد، كقائد الأركان الأسبق، والذي يوجد اليوم في صفوف
المعارضة. وهناك أيضا من المدنيين من ناصر تلك الانقلاب وساندها، فهل يعني ذلك أن
نحكم على كل المدنيين نفس الحكم الذي نعممه على الجيش. إن الغالبية العظمى من
الجيش والشعب كانت دائما ـ ولا زالت ـ ضحية للانقلابات ولغياب الديمقراطية والتناوب
السلمي.
أيضا على المعارضة أن تفهم بأن حرب الجيش
الموريتاني ضد الإرهاب هي حرب مشروعة للدفاع عن الوطن، ولاستعادة كرامة الجيش
المهدورة في لمغيطي وفي تورين وفي الغلاوية وفي ...وفي...
وإنه لمن الخطأ الكبير أن نسمي الحرب التي
يقودها الجيش الموريتاني ضد القاعدة بأنها حرب بالوكالة، ومن يقول ذلك فإنما يمارس
الإرهاب بالوكالة ضد الجيش الموريتاني والدولة الموريتانية.
إن على المعارضة أن تراجع علاقتها بالجيش
الموريتاني، وهنا أيضا أعود إلى فقرة من مقال كنت قد كتبته في نوفمبر من العام
الماضي، بمناسبة الاحتفالات بالذكرى 51 لتأسيس الجيش الموريتاني، وطلبت فيه من المعارضة
بأن تشارك الجيش الموريتاني في أفراحه، وكتبت حينها:
"لقد كان بإمكان المعارضة أن تتخذ موقفا يرقى لمستوى
تطلعات قواعدها، ولكن ضعف الخيال السياسي للمعارضة، حال بينها وبين اتخاذ ذلك
الموقف. فكان بإمكانها أن تحضر لتلك الاحتفالات، بصفة مستقلة، وأن تشارك الجيش في
أفراحه، لخلق ثقة بينها وبينه. وكان بإمكانها أن تقوم بذلك من خلال منصة خاصة بها
تشيدها لذلك الغرض، بعيدا عن المنصة الرسمية، أو من خلال الوقوف مع المواطنين تحت
الشمس في حال رفض السلطات لتشييد منصة خاصة بالمعارضة. فمثل ذلك الموقف كان سيحرج النظام أكثر، وكان
سيساهم في خلق ثقة أكبر بين الجيش و المعارضة. أما غياب المعارضة عن الاحتفالات
فلم يحرج النظام، وبالتأكيد فهو لن يشجع الجيش على الانفتاح على المعارضة التي
رفضت أن تشاركه في يوم أفراحه".
أما الرسالة الثالثة فقد جاءت من السلطة، وهي
رسالة أوضحت بأن السلطة الحاكمة بطيئة الفهم، أو أنها لا تريد أن
تفهم. فتوزيع السمك بطريقة مهينة للكرامة، وتدخل الولاة والحكام بشكل فاضح في
عمليات التوزيع ذات الغرض السياسي البين، لم يكن هو أفضل طريقة لمواجهة السخط
الشعبي المتصاعد.
كان يمكن للسلطات أن تقوم بأشياء أخرى، غير
توزيع السمك والمناشير والإشاعات. ولقد قدمت للرئيس بعض المقترحات في مقال الأمس،
وهي المقترحات التي تمت ترجمتها ونشرها في
أغلب المواقع الفرنسية، على أساس أنها انجازات
قد قام بها الرئيس، بدلا من أن يتم نشرها بوصفها مقالا مترجما كما كان يحدث مع بعض
مقالاتي السابقة، وكما تفترض المهنية.
تصبحون على نظام غير بطيء الفهم....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق