لم أوفق في متابعة حلقة "الحوار" كاملة، إلا أني مع ذلك تابعت جزءا كبيرا من هذه الحلقة الهامة، ولقد خرجت بعد متابعتي لذلك الجزء بالعديد من الملاحظات سأكتفي بسبع منها:
1 ـ لقد تمكن نواب الأغلبية من الظهور في هذه الحلقة بشكل أفضل من نواب المعارضة، وإن كان أداء الجميع لم يكن على المستوى المتوقع. فمن الناحية الشكلية للجلسة فقد وُفِق نواب الأغلبية في الجلوس وفق ترتيب ساعد كثيرا في تقديم وجهة نظرهم، بأفضل طريقة ممكنة. فكان الكلام يبدأ بالنائب "سيدي محمد ولد محم" (الرأي المتزن إلى حد ما)، وينتهي بالنائب "محمد ولد ببانا"( الرأي الحاد جدا) مرورا بالنائب "محمد فاضل ولد الطيب" من حزب الوئام ( الرأي الذي حاول أن يبتعد عن الصراع القائم بين الفريقين وركز على الموضوع).
ولقد وُفقت الأغلبية في استضافة هذا النائب لأنه لم يكن معنيا ـ نظرا لتموقع حزبه ـ بالصراع بين المعارضة والأغلبية، وهو ما مكنه من استثمار كامل وقته في الحديث عن الموضوع .أما فريق المعارضة فلم تكن جلسته موفقة، حيث كان من الأفضل أن يبدأ الترتيب بالنائب "مصطفى ولد بدر الدين" الذي كان الصوت الأكثر اتزانا ضمن فريق المعارضة، على أن تنتهي الجلسة بالنائب "السالك" الذي كان الصوت الأكثر حدة في الفريق.
2 ـ ظهر فريق الأغلبية وكأنه أكثر تجانسا وانسجاما من فريق المعارضة، رغم وجود ضيف في فريق الأغلبية كان معارضا وحتى وقت قريب. وتظهر روح الفريق لدى ضيوف الأغلبية من خلال تنازل أحدهم عن جزء هام من وقته لآخر، وكأن المهم هو أن تصل أفكارهم بشكل أفضل للمشاهد، حتى وإن كان ذلك على حساب الوقت المخصص لأحد أعضاء الفريق. كما ظهر روح الفريق بشكل أكثر وضوحا عند الاختتام حيث تمكن فريق الأغلبية من أن يتقاسم دقائقه الست الختامية، دون أي خلافات في توزيعها، بينما تخاصم فريق المعارضة على دقائقه الست، وأخذ النائب "السالك" نصيب النائب "ولد بدر الدين"، وهو ما جعل النائب "ولد بدر الدين" يغضب ويطلب من مدير الحوار وقتا إضافيا.
3 ـ إذا كان الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" قد تمكن من الاستحواذ على خطاب المعارضة خلال حملته الانتخابية، فإن النائب "ولد محم" قد حاول جاهدا أن يستحوذ في حلقة "الحوار" على بعض الشعارات التي كانت ترفعها المعارضة. فظل هذا النائب يركز على الحوار، ويطالب به، بما في ذلك الحوار على انتخابات رئاسية مبكرة، بينما ظل فريق المعارضة ينتقد الحوار ويعارضه، حتى بدا وكأن المعارضة هي المستبدة، وأن الأغلبية منفتحة. ولم يحاول نواب المعارضة أن يظهروا الحقيقة، وهي أن الأغلبية لم تنجح حتى في حوار داخلي، فالرئيس لا يحاور أغلبيته ولا يناقشها، بل يكتفي بشتمها وسبها. والعديد من أحزاب الأغلبية قد انسحب منها لغياب حوار وتشاور داخل هذه الأغلبية. والظاهر أن المعارضة لم تكن لديها رسائل واضحة تريد أن توصلها للمشاهد فجاء خطابها مشتتا ومتنافرا ولم يركز على موضوع محدد.
4 ـ لقد كان أكبر الخاسرين في هذه المناظرة هو حزب "تواصل" الإسلامي، وذلك بعد ظهور النائب "السالك" وهو يتفوه بكلمات غير لائقة، ولن يشفع له بأنه كان يرد على كلمات غير لائقة من النائب "ولد ببانه". إن تحدث النائب "السالك" أمام الآلاف من المشاهدين بتلك الكلمات لابد وأنه سيترك أثرا سيئا على حزب "تواصل" الذي يكرر قادته ـ من حين لآخرـ بأنهم يبذلون قصارى جهدهم لإضفاء بعد أخلاقي على الحياة السياسية في البلد. ولقد كان من الأجدر بالنائب "السالك" أن يقابل السيئة بالحسنة، وأن لا يرد على الشتائم بالشتائم، وأن يتفرغ للنقد الموضوعي للنظام القائم، وما أكثر ما كان يمكن للنائب "السالك" أن يقوله دون الحاجة لاستخدام كلام غير لائق، يسيء إليه، وإلى حزبه، أكثر مما يسيء لخصومه السياسيين.
5 ـ مرة أخرى تصدم طبقتنا السياسية المشاهد الموريتاني، وتثبت له بأنها ليست على المستوى، وأنها غير قادرة على إجراء حوار حتى ولو كان مجرد حوار تلفزيوني.
6 ـ لقد كانت إدارة الصحفي "تقي الله الأدهم" لهذه الحلقة إدارة ناجحة، ولقد تمكن في هذه الحلقة ـ والتي يمكن عدها من الحلقات الأكثر تميزا ـ من أن يكون مرنا مع شيء من الصرامة، وأن لا يظهر انحيازا لفريق على حساب فريق آخر
. 7 ـ أظهرت هذه الحلقة بأن هناك ضرورة لتقديم حلقات تلفزيونية أخرى، يكون ضيوفها من خارج طبقتنا السياسية التقليدية التي لم تعد قادرة على نقاش هموم الوطن بموضوعية، بعيدا عن لغة السب والشتم.
تصبحون على برامج حوارية ناضجة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق