يحكى فيما يحكى أن ملك فرنسا لويس الرابع عشر كانت له تصرفات غريبة، ومن
تصرفاته الغريبة أنه دخل ذات يوم على سجين محكوم عليه بالإعدام، وكان ذلك السجين
مقيدا بالسلاسل ومسجونا بشكل
مؤقت في جناح من أجنحة قلعة الملك، فما كان من الملك
إلا أن وعد ذلك السجين بأنه سيعطيه فرصة للنجاة، وبأنه سيترك له ـ وليلة كاملة ـ
مخرجا في سجنه، وسيبقى ذلك المخرج بدون حراسة، فإن اهتدى السجين للمخرج فله أن
يخرج وهو حر، وإن لم يهتد إليه فسيتم تنفيذ حكم الإعدام في حقه مع طلوع شمس اليوم
الموالي.
أمر الملك الحراس بان يفكوا قيود السجين، وبأن يتركوه غير مقيد لليلة
كاملة، وذلك حتى يتمكن من استغلال الفرصة الثمينة المتاحة له للنجاة من حكم
الإعدام.
أخذ السجين يبحث بلهفة عن المخرج، وخلال بحثه وجد سجادة بالية تغطي فتحة
على الأرضية، وما إن نزعها حتى وجد الفتحة تؤدي إلى سلم ينزل إلى سرداب، وفي نهاية
السرداب وجد سلما آخر يصعد إلى الأعلى، نزل السجين مع السلم وصعد مع السلم الآخر،
وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي ففرح بذلك فرحا شديدا، ولكنه
في نهاية المطاف وجد نفسه في قمة القلعة، والتي لا ترى الأرض من قمتها بسبب طول
ارتفاعها، فما كان منه إلا أن عاد إلى حيث كان حزينا ومنهكا.
استلقى السجين على أرضية سجن القلعة حزينا مهموما، وبحركة غاضبة ركل
الجدار بقدمه، فإذا به يحس بالحجر يتزحزح قليلا، فما كان منه إلا أن ضغط على الحجر
بقوة، فإذا به يتدحرج، فظل يضغط عليه بقوة حتى أزاحه، لينكشف له سرداب ضيق دخل فيه
وأخذ يزحف إلى الأمام. واصل السجين زحفه داخل السرداب الضيق حتى وصل إلى نهايته،
والتي كانت عبارة عن نافذة محكمة الإغلاق بقضبان من حديد لا يمكن فكه ولا كسره.
لم يفقد السجين الأمل، وقضى ما بقي من ليلته وهو يبحث عن مخرج هنا أو
هناك، وكان يلوح له بريق أمل مع كل محاولة، ولكن بريق الأمل ذاك كان سرعان ما
يتلاشى، بسبب انتهائه بنافذة حديدية محكمة الإغلاق، أو بقمة برج لا ترى الأرض من
تحته.
مضى الليل مسرعا، وأشرقت الشمس بنور الصباح، وجاء الملك فوجد السجين
خائفا يترقب، فما كان من الملك إلى أن خاطب السجين بنبرة ساخرة قائلا:
ـ أراك لا زلت هنا؟!
رد السجين:
ـ كنت أظنك صادقا معي يا جلالة الملك
رد الملك:
ـ لقد كنت صادقا معك، فالباب الرئيسي للسجن لم يكن مغلقا، وكان يكفي أن
ترفعه قليلا لينفتح أمامك، ولتخرج منه إلى حال سبيلك!
كثيرة هي الحالات التي نجد فيها أنفسنا ونحن نجري ونلهث خلف حلول ومخارج
بالغة التعقيد، ولا توصل في كثير من الأحيان إلى أي نتيجة، وذلك على الرغم من وجود
حلول بسيطة ومخارج آمنة متاحة لنا، ولكننا لا نوليها أي اهتمام.
يحدث هذا ـ وبأشكال مختلفة ـ مع كثير من الناس، ويحدث الآن شيء من هذا
القبيل مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والذي يفترض بأنه سيخرج من
القصر الرئاسي في منتصف العام القادم، ورغم أن موعد الخروج قد اقترب كثيرا إلا أن
هذا الرئيس لم يهتد حتى الآن إلى الطريقة الأنسب والأكثر أمانا للخروج من الرئاسة.
في العام 2016 حاول الرئيس الموريتاني أن يسلك طريق التمديد، فأعطى الضوء
الأخضر لوزرائه لأن يطالبوا بالتمديد وبفتح المأموريات، وتم إطلاق المبادرات في
هذا المجال، ولكن ذلك أدى إلى زيادة الضغط الداخلي والخارجي، الشيء الذي جعل
الرئيس ولد عبد العزيز يضطر لأن يقول بلغة فصيحة وصريحة بأنه لن يعدل المادة
المتعلقة بالمأموريات، وبأنه سيترك الرئاسة بعد اكتمال مأموريته الثانية، فلم يكن
من المعارضة إلا أن رحبت بذلك التعهد، ولم يكن من فرنسا وأمريكا إلا أن سارعتا
لتوثيق ذلك التعهد، وذلك من خلال تقديم سفيريهما في نواكشوط لتهانئ مكتوبة بمناسبة
ذلك التعهد.
أدرك الرئيس الموريتاني بأن الصعود عبر سلم فتح المأموريات سيؤدي إلى أفق
مسدود، وسيعطي كل المبررات لتشريع انقلاب عسكري ضده. هذا عن سلم فتح المأموريات،
أما عن سرداب التوريث فإن الأمور لا تختلف كثيرا، فالرئيس محمد ولد عبد العزيز
يعلم بأن الرئاسة لا يمكن تقاسمها، وبأنه عندما يتركها لأحد أركان نظامه، فإن أول
شيء سيفعله الوريث هو أنه سيعمل على بسط نفوذه، وعلى الحد من نفوذ سلفه، مستفيدا
بذلك من أخطاء الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي تأخر كثيرا في الأخذ
بكامل سلطاته الرئاسية، الشيء الذي كلفه الخروج المبكر من السلطة عن طريق انقلاب
عسكري.
من الراجح بأن من سيورثه الرئيس محمد ولد عبد العزيز السلطة لن يتأخر في
الأخذ بكامل سلطاته، وسيسارع إلى انتزاعها مستفيدا بذلك من أخطاء الرئيس السابق
الذي لم يقرر أن يأخذ كامل سلطاته، وأن يعزل قائد حرسه إلا بعد فوات الأوان.
يدرك الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأنه لا يستطيع الخروج من السلطة في
العام 2019، وذلك بسبب ما يثار حوله فترة حكمه من فساد، وبسبب كثرة ما صنع من خصوم
وأعداء، وليقينه بأن من سيورثه السلطة لن يكرر أخطاء الرئيس السابق، وهو يدرك كذلك
بأنه لن يستطيع البقاء في السلطة من بعد منتصف العام 2019، وبأن البقاء فيها
سيتسبب في خروج غير مريح عبر ثورة شعبية أو عبر انقلاب عسكري.
يعلم الرئيس ولد عبد العزيز بأن الخروج من السلطة في العام 2019 سيكون
مكلفا، وبأن البقاء فيها سيكون أكبر كلفة، ولذلك فهو لم يعد يعرف ماذا يفعل
بالضبط، وسيزداد ارتباكه وضوحا كلما اقتربنا من منتصف العام 2019، موعد الخروج من
الرئاسة. تارة يفكر الرئيس ولد عبد العزيز في البقاء في السلطة عبر استخدام سلم التمديد وفتح المأموريات، ولذلك فإننا نجده
يقوم بخطوات في ذلك الاتجاه، وتارة يفكر في الخروج من القصر الرئاسي عبر سرداب
التوريث، ويقوم بخطوات في ذلك الاتجاه، الشيء الذي جعل قراراته وتصرفاته لا يحكمها
ناظم ولا ضابط ولا منطق، وهي في المجمل تعكس مستوى الارتباك الذي يعيشه الرئيس في
آخر عام من مأموريته الأخيرة.
هناك باب مفتوح كان على الرئيس ولد عبد العزيز أن يجربه، وهو باب الخروج الآمن من السلطة مقابل إتاحة الفرصة لانتخابات شفافة ولتناوب آمن على السلطة. هذا الطريق يحتاج إلى تهيئة الظروف، وإلى مصالحة وطنية، وإلى خلق أجواء توافقية تمكن من أجراء انتخابات شفافة يرضى الجميع بنتائجها، وحينها سيكون بإمكان الرئيس ولد عبد العزيز أن يخرج مرفوع الرأس من الباب الرئيسي للقصر الرئاسي، وحينها سيكون بإمكانه أن يسجل اسمه في سجل الأبطال، ولكن المشكلة هي أن الدكتاتوريين من الصعب جدا أن تكتب لهم خاتمة حسنة كتلك، ولذلك فنجدهم يصرون دائما على البقاء في السلطة، وإلى التمسك بها إلى آخر رمق، وذلك في انتظار إخراجهم منها بأبشع الطرق، وبأكثرها مأساوية.
هناك باب مفتوح كان على الرئيس ولد عبد العزيز أن يجربه، وهو باب الخروج الآمن من السلطة مقابل إتاحة الفرصة لانتخابات شفافة ولتناوب آمن على السلطة. هذا الطريق يحتاج إلى تهيئة الظروف، وإلى مصالحة وطنية، وإلى خلق أجواء توافقية تمكن من أجراء انتخابات شفافة يرضى الجميع بنتائجها، وحينها سيكون بإمكان الرئيس ولد عبد العزيز أن يخرج مرفوع الرأس من الباب الرئيسي للقصر الرئاسي، وحينها سيكون بإمكانه أن يسجل اسمه في سجل الأبطال، ولكن المشكلة هي أن الدكتاتوريين من الصعب جدا أن تكتب لهم خاتمة حسنة كتلك، ولذلك فنجدهم يصرون دائما على البقاء في السلطة، وإلى التمسك بها إلى آخر رمق، وذلك في انتظار إخراجهم منها بأبشع الطرق، وبأكثرها مأساوية.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق