ظهر الوزير الناطق باسم الحكومة الموريتانية وهو جالس خلف علم الاستقلال،
كما ظهر في خلفية الصورة نفس العلم بين أعلام الدول العربية، وكان ذلك خلال الجلسة
الافتتاحية للمؤتمر المنظم في العاصمة
تونس في الفترة ما بين 11 إلى 13 يناير حول الكتاب والنشر ودورهما في تنمية
الثقافة العربية.
تم تداول هذه الصور بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثارت هذه
الصور تساؤلات وجيهة عن العقوبة التي يستحقها الوزير، خاصة وأن هذه الصور قد جاءت
بعد أقل من شهر من إيقاف وسجن ستة نشطاء معارضين لستة أيام، والحكم عليهم من بعد
ذلك بالسجن لثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وذلك لأنهم رفعوا نفس العلم في مسيرة مرخصة
للمعارضة.
يستحق معالي الوزير وفق منطق النظام الحاكم ووفق قضائه أن يعاقب وذلك لأنه
رفع علم الاستقلال، بل إنه يستحق عقوبة أقسى وأشد من عقوبة نشطاء المعارضة، وذلك
لأن معالي الوزير يمثل جهة رسمية فهو الناطق الرسمي باسم الحكومة في حين أن نشطاء
المعارضة لا يمثلون أية جهة رسمية. كما أن الوزير قبل بظهور علم الاستقلال في نشاط
يقام على أرض دولة خارجية، ويحضره ممثلو كل الدولة العربية بالإضافة إلى السلك
الدبلوماسي المعتمد في تونس، بينما اكتفى نشطاء المعارضة برفع هذا العلم في مسيرة
شعبية لم تحضرها أية جهة رسمية أو دبلوماسية.
فبالمقارنة بين الحالتين فسنجد بأن الوزير الناطق باسم الحكومة يستحق
عقوبة أقسى وأشد من عقوبة نشطاء المعارضة، هذا مع التذكير بأنه لا يوجد أي نص
قانوني يعاقب على رفع علم الاستقلال، وبأنه لا جريمة إلا بنص، ولكن ما دام النظام
الحاكم يعتبر رفع علم الاستقلال جريمة تستحق العقاب، فإن العقاب يجب أن يكون أقسى
بالنسبة للشخصيات الرسمية التي ترفع هذا العلم في نشاط رسمي وبحضور دبلوماسي كبير.
إن هذا الوزير يستحق عقوبة قاسية بمنطق تصريحات وزير الداخلية
الموريتانية، وبمنطق تصريحات النائب الخليل ولد الطيب الذي كان قد توعد في لقاء
تلفزيوني كل من سيرفع علم الاستقلال من بعد 28 نوفمبر 2017 بعقوبة قاسية. فهل ستتم
معاقبة الوزير؟ وهل سيتحرك النائب الخليل ولد الطيب من داخل الجمعية الوطنية أو من
خارجها لمعاقبة الوزير، خاصة وأن هذا الوزير هو الأمين التنفيذي للعمل البرلماني
في الحزب الحاكم، وكان قد قاطع نشاط الحزب المنظم لتكريم نواب الحزب، وهو النشاط
الذي كان النائب الخليل والطيب قد انتقد من خلاله الحكومة على تعاملها غير اللائق مع
الحزب ومع نواب الحزب.
رب عذر أقبح من ذنب
حاولت الوزارة أن تتدارك الأمر فسربت إلى المواقع صورا للوزير يظهر جالسا
خلف العلم الجديد، كما ذكرت المصادر التي سربت تلك الصور بأن معالي الوزير قد احتج
على وضع علم الاستقلال، وبأنه نبه نظيره التونسي على هذا الخطأ ليتم تصحيحه بشكل
فوري، وليظهر من بعد ذلك العلم الجديد أمام معالي الوزير.
هذا التبرير الذي قدمته الوزارة يؤكد بأن معالي الوزير ليس سريع الفطنة،
وأنه لم يلاحظ غياب الخطوط الحمراء عن العلم الذي وضع قريبا جدا منه خلال نصف ساعة
كاملة. لقد ظل الوزير يستمع ويتابع أنشطة حفل الافتتاح لمدة 27 دقيقة ودون أن
ينتبه إلى غياب الخطين الأحمرين من العلم، وذلك موثق في فيديوهات يمكن لأي كان أن
يعيد مشاهدتها. وفي حالة ما إذا كان معالي الوزير سريع الفطنة، فذلك يعني بأنه
لاحظ من أول ثانية غياب الخطين الأحمرين عن العلم الموجود أمامه، وأنه رغم تلك
الملاحظة فقد قبل أن يستمر في الجلوس خلف "العلم القديم" لمدة تزيد على
27 دقيقة.
وتبقى الكارثة الأكبر في الصور التي سربتها الوزارة والتي يظهر فيها
معالي الوزير وهو يجلس خلف العلم الجديد. لقد أظهرت هذه الصور بأن معالي الوزير
حاول أن يعالج الأمر بعد انتهاء الندوة، فغابت في الصورة الجديدة المقاعد البيضاء
الفاخرة، وغابت اللافتة، وغابت الوفود الأخرى، وغابت الأعلام الخلفية، وحتى الوزير
التونسي فقد غاب في الصور، وجيء بشخص آخر، ربما يكون أحد عمال الفندق، فأجلس بجنب
معالي الوزير، ووضع أمامه العلم التونسي بطريقة خاطئة في عمل مسرحي يؤكد بأن وزارة
الثقافة عاجزة عن إنتاج مسرحية مقنعة حتى ولو كانت مسرحية من لقطة واحدة.
لقد ظهر معالي الوزير ولمدة 27 دقيقة على الأقل وهو يجلس بين علمين
للاستقلال، وكان ذلك بحضور الأشقاء العرب والسلك الدبلوماسي المعتمد في تونس، فأين
تصريحات وزير الداخلية؟ وأين تصريحات النائب الخليل ولد الطيب؟ وأين أولئك الذين
طالبوا بإنزال أقسى العقوبات بنشطاء المعارضة لأنهم رفعوا علم الاستقلال في مسيرة
للمعارضة، فلماذا سكتوا الآن؟ ألم تكن "جريمة" الوزير أخطر وأشد من
"جريمة" نشطاء المعارضة؟
بالنسبة لي فإني أعتبر بأن ما قام به الوزير في تونس من تكريم لعلم
الاستقلال هو عمل يستحق عليه التهنئة، ولكنه بمنطق القوم فهو عمل إجرامي يستحق أقسى
عقوبة، فهل ستتم معاقبة الوزير؟
أختم بالقول بأن العلم
الجديد كان قد ظهر في تونس من قبل، وهذا مما يزيد الأمر تعقيدا. لقد ظهر هذا العلم
خلال الندوة الدولية لآليات الوقاية من التعذيب، وهي الندوة المنعقدة في تونس في
الفترة ما بين 14 إلى 16 ديسمبر 2017، وتم على هامشها توقيع اتفاقية تعاون بين
الآلية الموريتانية للوقاية من التعذيب والهيئة التونسية للوقاية من التعذيب، وقد
ظهر العلم الجديد خلال مراسيم التوقيع على تلك الاتفاقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق