فرح صاحب السيارة بعودة سيارته وهي على أحسن حال، وذلك بعد أن تم
استخدامها في مهمة إنسانية نبيلة، وفرح كذلك بالاعتذار وبالحلويات وبتذاكر
السينما، ثم قرر في نهاية الأمر أن يذهب هو وكل أفراد عائلته إلى السينما.
في الوقت الذي كان فيه صاحب السيارة وأفراد عائلته يتابعون الفيلم
ويعلقون عليه كان منزلهم يتعرض لعملية سرقة كبيرة لم تترك شيئا من أثاث المنزل. بعد
عودة صاحب السيارة وأفراد عائلته من السينما، وجدوا المنزل خاليا من كل شيء،
ووجدوا أيضا رسالة أخرى، وكانت هذه المرة مختصرة جدا، وقد كتب فيها : هل أعجبكم
الفيلم!؟
في أول يوم من أيام العام الجديد، وفي الأيام التي تليه، سينشغل
الموريتانيون بالحديث عن العملة الجديدة، سيتحدثون عن جودتها، وعن الخمس، وعن
الأوقية الواحدة التي استعادت هيبتها ورمزيتها بعد عقود من الإهانة والمعاناة. في
تلك الأوقات التي سينشغل فيها الموريتانيون بالحديث عن العملة الجديدة وعن جودتها،
فإن منازلهم وممتلكاتهم ستتعرض لعمليات سرقة غير مسبوقة.
صحيح أن الموريتانيين لن يجدوا في منازلهم رسالة من اللص الذكي كُتِب
فيها : هل أعجبتكم العملة الجديدة!؟..لن يجدوا تلك الرسالة، ولكن لسان الحال يقول
بأن هناك لصا ذكيا يسرقهم الآن، وربما يكون قد سخر من سذاجتهم ومن طيبتهم، حتى وإن
لم يرسل لهم رسالة ساخرة تقول : هل أعجبتم العملة الجديدة!؟
قصة تحايل من الماضي
في نهاية القرن الماضي كانت الشركة الموريتانية للمشروبات تبيع قنينات
متوسطة الأحجام من الكوكو كولا بعشرين أوقية، وظل السعر في ازدياد بسبب انخفاض
قيمة العملة إلى أن وصل سعر القنينة إلى خمسين أوقية، حينها شعرت الشركة بأن
الاستمرار في الزيادة قد يؤدي إلى انخفاض المبيعات، فما كان منها إلى أن تحايلت
على المستهلك فأنزلت إلى الأسواق قنينات صغيرة تباع بثلاثين أوقية. ظل سعر هذه
القنينات الصغيرة يواصل ارتفاعه إلى أن وصل إلى سعر القنينات المتوسطة، وليزيد على
سعرها من بعد ذلك..اختفت القنينات المتوسطة من السوق، وأصبحت القنينات الصغيرة
تباع بسعر يفوق بكثير سعر القنينات المتوسطة، وهكذا نجحت حيلة هذه الشركة، وهكذا تعرض
المستهلك الموريتاني لعملية سرقة كبيرة.
في فاتح يناير من العام الجديد، وبمناسبة ظهور العملة الجديدة، تجدد
الحديث عن خبز 200 أوقية، والذي هو بالمناسبة خبز قديم كان يخبز ومنذ سنوات وبكميات
قليلة على مستوى عدد محدود جدا من المخابز. تجدُّد الحديث عن هذا النوع من الخبز
في هذا اليوم، ودخول مخابز أخرى على الخط, يذكر بحيلة الشركة الموريتانية للمشروبات،
ولذلك فمن المتوقع أن يختفي مستقبلا خبز مائة أوقية (10 أوقية)، ويحل محله الخبز
الذي يباع بمائتي أوقية (20 أوقية)، وسيظل هذا الخبز الجديد يتناقص في حجمه إلى أن
يصبح بحجم خبز مائة أوقية بالحساب القديم، وهكذا سيجد المستهلك الموريتاني بأنه قد
أصبح يشتري خبز مائة أوقية (10 أواق بالحساب الجديد) بمائتي أوقية أي بعشرين أوقية
بالحساب الجديد، وهو ما يعني بأن سعر الخبز قد تضاعف بنسبة 100%. من الراجح بأن
مثل هذا النوع من الحيل سيظل يتكرر مع مواد وسلع أخرى، خاصة وأنه في هذه المرة
سيتم اللعب على نفسية المستهلك الذي سيوقعه تغيير قاعدة الأوقية في ارتباك شديد،
ولذلك فإنه قد لا يشعر بعملية السرقة التي يتعرض لها عندما يشتري الخبز الذي كان
يشتريه بمائة أوقية في العام 2017 بعشرين أوقية في العام 2018.
من الراجح جدا أن يتعرض المستهلك الموريتاني في الأيام والأشهر القادمة
لعمليات غش واحتيال وسرقة من هذا القبيل، وسيتم ذلك من خلال استغلال الخلبطة
الحاصلة بسبب تغيير قاعدة الأوقية، كما سيتم ذلك من خلال التلاعب بنفسية المستهلك
الذي قد لا يهتم بزيادة خٌمس أو أوقية على سعر مادة ما أو سلعة ما، وذلك لأنه
سيبقى لفترة طويلة ينظر إلى الأوقية الواحدة في العام 2018 بنفس النظرة التي كان
ينظر بها إليها في العام 2017. وقد يفوته في هذه الحالة بأن زيادة سعر مادة ما كانت تباع
في العام 2017 بتسعين أوقية، زيادتها بأوقية واحدة في العام 2018، أي أن تصبح هذه
المادة تباع بعشر أواق، قد يفوته بأن هذه الزيادة هي زيادة كبيرة جدا، وأنها تصل
بلغة النسب إلى نسبة 10%.
فاصلة المحروقات
لقد ظلت السلطة الحاكمة وعلى العكس من كل دول الجوار ترفض تخفيض أسعار
المحروقات، وظلت تتربح من بيعها بسعر مجحف أي ب384.6 أوقية للتر المازوت في
العاصمة نواكشوط، ومن المفترض أن يصبح سعر لتر المازوت في العام الجديد هو 38.46
أوقية، وإذا ما تم بيع اللتر ب38.5 أوقية بدلا من 38.46 فإنه من المتوقع بأنه لا
أحد سيهتم بتلك الزيادة في سعر المحروقات، والتي كان من المفترض أصلا أن يتم
تخفيضها على غرار ما حدث في الدول المجاورة بدلا من زيادة سعرها.
من المتوقع أن تحدث في الأيام القادمة سرقات واسعة من هذا القبيل، وسيكون
الضحية في النهاية هو المستهلك الموريتاني، ولذا فإنه على القوى الحية وخاصة
المدونين أن يتابعوا هذا النوع من الحيل والسرقات وأن يكشفوا للمواطن مدى خطورته
على القوى الشرائية، وعليهم أن يبينوا لهذا المواطن بأن زيادة سعر أي سلعة في
العام 2018 بأوقية واحدة، أو حتى بخُمْس واحد بأن تلك الزيادة ستشكل زيادة معتبرة
في الأسعار، وبأنها ستؤثر كثيرا على القدرة الشرائية للمواطن، والتي كانت في الأصل
ضعيفة جدا.
والآن دعونا نختم بإعادة صياغة قصة اللص الذكي..يحكى فيما يحكى أن نظاما
خبيرا في التحصيل والجباية وسرقة المواطن قد وجد اقتصاد بلاده في حالة يرثى لها،
وذلك بسبب سياساته الاقتصادية المرتجلة وبسبب الفساد أيضا.
قرر هذا النظام أن يذهب باقتصاده الوطني إلى المستشفى، وربما يكون قد
أجبر على ذلك من طرف شركائه في التنمية.. المهم أن هذا النظام قرر أن يخفض عملته
بنسب معتبرة، وأن يزيد بالتالي من مستوى الأسعار، ولكن هذا النظام الذكي قرر أن
يقوم بذلك بطريقة مبتكرة وإبداعية، وذلك من خلال تغيير قاعدة الأوقية، وإصدار عملة
جديدة. وفي الوقت الذي سينشغل فيها المواطنون بالحديث عن العملة الجديدة، والحديث
عن جودتها، سيعمل هو على تخفيض العملة بنسب معتبرة، قد لا يراها المواطن بحجمها
الحقيقي.
هكذا ستتم سرقة المواطن الموريتاني في الأسابيع والأشهر القادمة، هذا إذا
لم يقم بحراسة ممتلكاته والدفاع بشكل جيد عن قدرته الشرائية. على المواطن
الموريتاني أن يكون يقظا في الفترة القادمة، وإلا فعليه أن يتوقع سرقة كبيرة قد
تختم في نهاية المطاف برسالة مختصرة جدا تقول : هل أعجبتكم النقود الجديدة!؟
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق