لم يعمر حلم الحوار طويلا، ولم يكتب له أن يعيش أكثر من
ثمانية أشهر. لقد وٌلِد حلم الحوار برسالة مفاجئة لم يكن يتوقعها أحد (رسالة
الوزير الأول)، ومات بأخرى لم يكن يتوقعها أيضا أي أحد (رسالة الوزير الأمين العام
للرئاسة). هكذا كانت سيرة حياة الحوار الذي بشرت بقرب ميلاده رسالة الوزير الأول
الموقعة بتاريخ 14 يناير 2015، والذي اغتالته رسالة الوزير الأمين العام للرئاسة
المؤرخة ب11 أغسطس 2015، وذلك من قبل أن يكمل شهر الثامن.
مفاجأة الميلاد
في وقت لم يكن من المتوقع فيه أن تدعو السلطة إلى حوار
يمكن أن تترتب عليه انتخابات تشريعية وبلدية بل ورئاسية سابقة لأوانها، في مثل ذلك
الوقت بالذات جاءت رسالة أو وثيقة الوزير الأول الداعية إلى الحوار. لقد جاءت هذه
الدعوة بعد أن أكملت السلطة انتخاباتها التشريعية والبلدية والرئاسية، ولذلك فلم
يكن من المتوقع أن تدعو السلطة وفي مثل ذلك الوقت بالذات إلى حوار يلغي تلك
الانتخابات ويعد بانتخابات جديدة.
ولعل المفاجأة الأكبر كانت في الإعلان عن استعداد السلطة
لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة لم تكن من الأمور التي كانت تطالب بها المعارضة
الموريتانية، فلماذا أعلنت السلطة عن استعدادها لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة؟
ولماذا ألمحت عن استعدادها للقبول بإجراء تعديلات دستورية لرفع السن القصوى للترشح
للرئاسة؟
إن الإجابة على ذلك السؤال قد تكون هي كلمة السر التي
ستكشف لنا شيئا من الطلاسم التي صاحبت الميلاد المفاجئ للحوار والاغتيال المفاجئ
له.
إن القراءة الفطنة للرسالتين تقول بأن الرئيس محمد ولد
عبد العزيز كان يفكر بجد في مأمورية ثالثة، وكان يعتقد بأنه عندما يقدم تنازلات
كبيرة ومفاجئة بحجم العروض التي جاءت في وثيقة الوزير الأول فإن المعارضة لن ترفض ـ
في المقابل ـ تعديل المادتين 28 و29 من الدستور الموريتاني، وهو ما كان الرئيس يفكر
في أن يستغله من أجل تشريع مأمورية ثالثة.
ولكن رد المعارضة الصريح والفصيح والسريع برفض أي تعديل
دستوري قد جعل الرئيس يشعر بشيء من الخيبة والإحباط انعكس سلبا على مسار الحوار.
مفاجأة الاغتيال
بعد التصريحات القوية للرئيس أحمد داداه الرافضة لأي
تعديل دستوري، وبعد التأكد من أن المعارضة لن تقبل بأي تعديل للدستور فإنه لم يعد
لدى السلطة أي رغبة في مواصلة الحوار الذي لن تترتب عنه أي تعديلات دستورية، ولذلك
فقد بدأت السلطة تتعامل مع الحوار بفتور شديد، وبدأت تفكر في الطريقة الأمثل
لاغتياله من قبل أن يبدأ بشكل فعلي.
ولذلك فقد أصرت السلطة على أن ترفض تقديم أي رد مكتوب
على وثيقة المنتدى، وبدأت تماطل وتفكر في طريقة أخرى للرد تكون سببا في اغتيال
الحوار، وتمنح للسلطة حججا واهية بأنها ليست هي المسؤولة عن اغتيال الحوار. ولقد
اهتدت السلطة إلى أن تتقدم برسالة جديدة تطالب بحوار جديد، ومن هنا جاءت دعوة
الوزير الأمين العام للرئاسة لحوار جديد كانت السلطة قد حددت موعده ومقاساته ودون
استشارة الطرف المحاور الآخر.
هكذا ولد الحوار برسالة، وهكذا تم نعيه برسالة أخرى،
ويبدو أن السلطة عازمة على أن تنظم حوارا مع نفسها في السابع من سبتمبر القادم،
وربما تخاطر السلطة بأن تعلن من خلال ذلك الحوار عن تعديل دستوري يسمح بمأمورية
ثالثة، ولكن ما على السلطة أن تعلمه هو أن المخاطرة بذلك قد تكون كلفتها كبيرة، بل
وكبيرة جدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق