"حتما لن تخلو المواجهة بين عزيز وولد الغيلاني من شيء من
الإثارة، فولد الغيلاني لديه أسلحة قانونية كثيرة، وسيجد تضامنا واسعا". كانت
تلك هي أول جملة كتبتها على
صفحتي الشخصية في "الفيسبوك"، في صبيحة يوم السبت الماضي، معلقا على إقالة رئيس المحكمة
السيد "السيد ولد الغيلاني". ولقد كنت أتوقع شيئا من الإثارة في تلك
المواجهة، ولكني لم أكن أتوقع كل هذا من الإثارة، في يوم الأحد، أول أيام المواجهة.
والحقيقة أن
هناك أسبابا كثيرة هي التي جعلتني أتوقع شيئا من الإثارة في هذه المواجهة، ومن بين
تلك الأسباب:
1ـ إن هذا
القرار ذكرني تلقائيا، وبتلقائية قد لا تكون بريئة، إن كانت هناك أصلا تلقائية غير
بريئة، بقرار إقالة القاضي"افتخار
شوردي" رئيس المحكمة في باكستان في
عهد الجنرال "برويز مشرف"، والذي أثار قرار إقالته حراكا واسعا في
باكستان، أدى في النهاية إلى استقالة الجنرال "برويز مشرف" من رئاسة
باكستان، في يوم 18 أغسطس 2008، أي قبل انقلاب
"ولد عبد العزيز" بأيام معدودة.
وإذا كان القاضي
"افتخار شوردي" يختلف عن القاضي "ولد الغيلاني"، في نقاط
كثيرة، لعل من أبرزها أن "افتخار شوردي" أقيل لأنه اختار مصلحة باكستان
عن مصلحة الرئيس "برويز مشرف"، عكس ما يحدث عندنا، إلا أنه ـ في المقابل
ـ هناك الكثير من نقاط التشابه بين "مشرف" و "وولد عبد العزيز"
لعل من أبرزها أن كلاهما جنرالا انقلب على رئيس مدني منتخب.
2 ـ هذه الإقالة
ذكرتني أيضا بإقالة الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله للجنرال محمد ولد عبد العزيز
والتي جعلت الأخير يستخدم "القوة العسكرية" لرفض تلك الإقالة، بل وليقيل
الرئيس الذي تجرأ على توقيع إقالته ذات فجر أربعاء مثير.
ورغم أن رئيس
المحكمة المقال لا يملك "أسلحة عسكرية" يمكن أن يزيح بها الرئيس الذي
أقاله، إلا أنه في المقابل يملك "أسلحة قانونية" لو استخدمها بشكل ذكي،
فإنها لا محالة ستتسبب في ضرر كبير للرئيس الذي أقاله.
3 ـ إن هذه
الإقالة جاءت في ظرفية حرجة، وفي توقيت مشاكس بإمكانه أن يجعل من حدث بسيط، حدثا
مثيرا، فكيف إذا كان الحدث مثيرا في أصله، كما هو الحال بالنسبة لإقالة رئيس محكمة
عليا من قبل أن يكمل مأموريته؟
إن هذه الإقالة
جاءت لتوسع من رقعة الصراع بين المعارضة والنظام الذي أصبح يقود ثلاث سلطات مشكوك
في شرعيتها ( السلطة التنفيذية التي استولى عليها بانقلاب، سلطة تشريعية منتهية
الصلاحية، وسلطة قضائية أقال رئيس المحكمة فيها من قبل أن تكتمل مأموريته).
4 ـ إن طبيعة شخصية
رئيس المحكمة المقال، ومن خلال متابعة الكثير من تصرفاته، لتؤكد بأنه لن يقصر على
المستوى الشخصي في تغذية هذا الصراع، ولن يفاجئ مناصريه، ولن يخذلهم، ولن ينسحب من
المواجهة مهما كانت طبيعة الترغيب أو الترهيب.
هذا الرجل
يتشابه تماما مع محمد ولد عبد العزيز فكلاهما عنيد، وكلاهما على استعداد لأن يفعل
كل شيء انتصارا لوظيفته.
فالرئيس محمد
ولد عبد العزيز قاد انقلابا للانتصار لوظيفته التي أقيل منها، والسيد ولد الغيلاني
مستعد كذلك لأن يفعل كل شيء انتصارا لوظيفته، وليس انتصارا للعدل ولا لاستقلالية
القضاء كما ادعى، فقد خذل الرجل العدالة واستقلالية القضاء في كثير من الأوقات، ونحن
لا زلنا نتذكر كيف عزل القاضي "محمد
الأمين ولد مختار" من القضاء.
الرجل سيقود
مواجهة مثيرة، انتصارا لوظيفته، وهو يملك الكثير من الأسرار والحجج القوية، وهو
على استعداد ـ حسب ما توحي به القراءة السريعة لشخصيته ـ لأن يستخدم في المواجهة كل الأسلحة التي لديه، والتي بدأها بأقوى سلاح يمكن استخدامه : سلاح
الدعاء بعد أداء الصلاة أمام مكتبه، الذي حُرم من دخوله.
5 ـ سيكتسب ولد
الغيلاني الكثير من الأنصار، وهو ما ظهر من خلال العديد من البيانات القوية من
أحزاب المعارضة، وكذلك من تضامن نقابة المحامين، فضلا عن بيان ودادية القضاة والتي
تحسب له، عكس جمعية القضاة التي تحسب لوزير العدل.
هذا فضلا عن
الكثير من الأنصار المحتملين محليا ودوليا، ولقد تحدثت بعض التسريبات أن حزب
التحالف قد يصدر بيانا مؤازرا لرئيس المحكمة المقال، وإذا ما حدث مثل ذلك، فسيكون
ذلك من الأمور التي تذكر أيضا بقضية إقالة
"افتخار شوردي" والذي تسببت إقالته في خروج المعارضة الصامتة عن صمتها.
6 ـ ومما سيزيد
هذه المواجهة إثارة، هو أن إقالة رئيس المحكمة ستعطي حججا جديدة لكل الأطراف السياسية المتصارعة، فهي ستعطي
للمعارضة حجة جديدة لتشريع المطالبة برحيل الرئيس محمد العزيز، فالرئيس الذي لا
يحترم مأموريات الآخرين، كما هو الحال بالنسبة لمأمورية رئيس المحكمة، لا يمكن أن
تُحترم مأموريته. كما أنها ستعطي حجة أيضا لأنصار ولد عبد العزيز من خلال طرح
السؤال التالي: كيف يحق للمعارضة التي تطالب برحيل رئيس من قبل أن يكمل مأموريته،
أن تطالب بضرورة احترام مأمورية رئيس المحكمة المقال؟
وفي الختام، فإن
قدرنا في هذا البلد هو أن نشارك في صناعة أبطال ليسوا بالأبطال، وأن نقف معهم في
معاركهم، رغم قناعتنا بأنهم لا يدافعون إلا عن مصالحهم الشخصية.
ليس أمامنا إلا
أن نقف مع رئيس المحكمة المقال، والذي لم يثبت لنا أثناء مزاولة لمهامه بأنه يضع
مصلحة الوطن فوق مصلحته الخاصة. ليس أمامنا إلا أن نقف معه، انتصارا لدولة
القانون، وليس انتصارا لشخصه، كما وقفنا ذات مرة مع الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ
عبد الله بعد الانقلاب عليه، انتصارا للديمقراطية ودولة القانون رغم أننا كمواطنين
فقراء تضررنا كثيرا من الخمسة عشر شهرا التي
قضاها رئيسا للبلاد، كما تضررنا كثيرا من رؤساء حكمونا من قبله، وآخر حكمنا من
بعده.
تصبحون على شيء
من الإثارة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق