(1)
حسم أمره، وحمل كتبه، واتجه إلى ساحة أمام منزله..
فاليوم حتما سيحقق حلمه..
كان حلمه أن يشغل الناس بأمر صادم لا يتحدثون عن
أمر من بعده..
لم يكن تعدد الأوسمة والجوائز ليشبع غروره..
لم تكن كثرة الأسفار والسكن في أرقى الفنادق ليكبح
طموحه..
لم تكن حيوية عشرات الشباب من حراسه لتشغله عن حلمه..
كان يعيش كالأمراء..
ويتحدث كالأمراء..
يسخط على الجميع كما يسخط الأمراء..
يقول ما يشاء.. وقت ما يشاء .. كيف ما شاء..
ولا أحد يستطيع أن يحاسبه..
كان إذا التفت تحدثت الصحف والمواقع عن التفاتته..
وكان إذا صرخ صرخت الصحف والمواقع..
وكان إذا غضب غضبت الصحف والمواقع..
وكان إذا ابتسم ابتسمت الصحف والمواقع..
عفوا، يا صغار، إني لم أشاهده يوما مبتسما..
وفي يوم من أيامه..
قال لأتباعه لا تصلوا في مساجدهم..
فقد قررت أن أجعل الساحة الواقعة أمام منزلي
مسجدا..
سنصلي فيها جمعة فريدة..
وأعلموا بأنه لا جمعة لمن لم يصل خلفنا..
لا جمعة له ..
لا جمعة له..
لا جمعة له..
وقال لهم اجلبوا لي بنزينا..
فإني سأحرق كتبا..
وسأقول كلاما عجبا..
(2)
حسم أمره، وضع نظارته السوداء على عينيه، لبس
عمامته الزرقاء، واتجه إلى ساحة أمام قصره..
ابتسمت له الحياة كثيرا..
وداعبه الحظ كثيرا..
وكانت كلما ضاقت فرجت..
أصبح جنرالا دون أن يطلق رصاصة..
وأصبح رئيسا بعد ساعة من الإقالة..
كان سخيا في وعوده..
بخيلا في انجازاته..
أحبه الفقراء ذات يوم..
وصوتوا له ذات يوم..
وظل يعدهم ويمنيهم يوما بعد يوم..
كان إذا سخط سخطت الأغلبية وسخط التلفزيون..
وإذا تحدث تحدثت الأغلبية وتحدث التلفزيون..
وإذا سكت سكتت الأغلبية و انقطع بث التلفزيون..
وكان إذا ابتسم
ضحكت الأغلبية وقهقه التلفزيون..
عفوا، يا صغار، إني لم أشاهده يوما مبتسما..
وكان مهموما منذ
أشهر..
فقد كثرت حول قصره الاعتصامات..
واحتجت القرى والأرياف..
وخرج الآلاف لفرض الرحيل..
قال الصغار بلهفة وماذا حدث لصاحب العمامة الزرقاء..
قلت: ألم أقل لكم بأنها كلما ضاقت فرجت..
لقد أحرق أحدهم كتبا..
وقال كلاما عجبا..
استشاط الناس منه غضبا..
فأبدلوا غضبا بغضب..
واحتجاجا باحتجاج..
ومسيرة بمسيرة..
وخرجوا إلى القصر دون أن يطالبوا بالرحيل..
فما كان من صاحب العمامة الزرقاء..
إلا أن خرج لهم و قال كلاما عجبا..
كان عند الناس محببا..
قال سأطبق الشريعة..
وسأصرع أمامكم العلمانية..
(3)
حسم أمره، وقيد حماره، ولبس عمامته السوداء، وخرج
من كوخه، وقال في نفسه لا شغل اليوم، حتى ولو هلك العيال جوعا..
كان إذا غضب غضب حماره..
وإذا جاع جاع حماره..
وإذا ابتسم ابتسم حماره..
عفوا، يا صغار، فلكثرة همومه ما رأيته يوما
مبتسما..
وكانت أحلامه بسيطة..
قليل من كرامة..
وقليل من طعام..
وعده صاحب الجمعة
الفريدة بالكرامة..
فأهان كرامته..
ومزق قلبه عندما أحرق كتبا..
وقال كلاما عجبا..
لم يكن عمكم الطيب ـ يا صغار ـ يعرف ما في تلك
الكتب..
لأن سادته ما علموه كيف يفك طلاسم الحروف..
ولكنه مع ذلك أحبها بفطرته..
وكان على استعداد ليفتديها بحياته..
ووعده صاحب العمامة الزرقاء بالطعام..
ولكنه بدلا من أن يطعمه..
طارده بمسيلات الدموع يوم ثار مع الحمالين..
طلبا لزيادة سخيفة..
على كل حمولة ثقيلة..
كان عمكم ـ يا صغار ـ طيبا دوما..
ولكن الحياة لم تبتسم له يوما..
كان أميا ..
ولكن فطرته لم تخذله يوما..
كان واحدا من البسطاء..
ولكنه كان يتصرف كالحكماء..
فقال الصغار بلهفة : وأين عمنا الطيب الآن؟
قلت : إنه الآن وسط الجموع الغاضبة..
أمام قصر صاحب العمامة الزرقاء..
ليندد بجريمة صاحب الجمعة الفريدة..
وغدا سيتظاهر ضد صاحب العمامة الزرقاء..
وسيظل عمكم الطيب ـ يا صغار ـ ينتظر فارسا يأتيه بالكرامة..
دون أن
يحرق كتبا..
أو يقول كلاما عجبا..
ونام الصغار ..
فسكتُّ عن الكلام المباح..
تصبحون وأنتم لا تقرؤون حكايات الصغار...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق