سيدي الرئيس، لقد تحمست كثيرا، في مثل هذا اليوم من العام الماضي، بمناسبة الذكرى الأولى لتنصيبكم، في أول لقاء لكم بالشعب المصفى أو المصطفى من طرف المنظمين لذلك اللقاء. ولقد دفعني الحماس ساعتها لأن أجمع قبل ذلك اللقاء ما يقارب خمسين سؤالا، وجهتها إلى سيادتكم عبر رسالة مفتوحة، تحت عنوان "أسئلة حائرة إلى رئيس الجمهورية"، وهي رسالة لا زلت أعتبر أنها واحدة من أهم رسائلي المفتوحة التي كتبت لكم حتى الآن.
ولقد حاولت في تلك الرسالة أن أجمع أهم الأسئلة الحائرة التي كانت تدور بخاطر المواطن الموريتاني البسيط، في ذلك الوقت. ولقد توقعت أن أسمع ـ في ذلك اللقاء ـ أجوبة صريحة وحاسمة من طرف سيادتكم على كل تلك الأسئلة الحائرة، أو على الأقل على جلها، أو على قليل منها في أسوأ الأحوال.
ولكن صدمتي كانت كبيرة، لأني لم أسمع سؤالا واحدا من كل تلك الأسئلة يطرح على سيادتكم في ذلك اللقاء، بل سمعت بدلا من تلك الأسئلة، أسئلة سطحية وغبية هبطت كثيرا باللقاء، وجعلته لا يختلف عن أي برنامج آخر في مسطرة برامج التلفزيون الموريتاني الشاحب دائما وأبدا، رغم أن فكرة اللقاء كانت فكرة رائدة، و كان من المتوقع لها أن تشكل سابقة فريدة من نوعها في المنطقة.
لقد تبين لي بعد متابعة اللقاء الأول بالشعب، بأنه لم يكن لقاء يهدف لنقاش هموم المواطنين، ولا للإجابة على أسئلتهم المطروحة، بقدر ما كان مجرد لقاء استعراضي، تمت فيه الإجابة على أسئلة استعراضية لا صلة لها بالأسئلة التي تعبر عن الهموم الحقيقية للمواطن البسيط، ذلك المواطن الذي أصبتموه بإحباط شديد، رغم أنه وقف معكم في يوم عصيب، ولم يدخر جهدا في سبيل فوزكم في ذلك اليوم العصيب، الذي تحتفلون الآن بذكراه الثانية.
سيدي الرئيس، لقد شعرت كغيري ـ بعد متابعة اللقاء الأول ـ بخيبة أمل كبيرة، وبإحباط شديد، وبصدمة لم أتمكن حتى الآن من تجاوزها، رغم مرور عام كامل. وهي صدمة جعلتني أقرر في ذكرى تنصيبكم لهذا العام، أن لا أطرح عليكم أي سؤال في لقائكم الثاني، والذي لن يُستجلب له إلا من كان على استعداد كامل لأن يشهد بأنه يعيش في جنة خالية من "رموز الفساد" أعلنت عنها حركتكم "التصحيحية" في فجر السادس من أغسطس من العام 2008. جنة عرضها كعرض مقاطعة أظهر، غُرست على كثبان عاصمتها ألف ألف شجرة، ووزعت على فقرائها ألف ألف سمكة، وبيع لساكنيها ألف ألف حبة أرز بسعر مدعوم، وينتظر تلاميذها أن تصنع لهم ألف ألف طاولة مدرسية، وأن تمنح لآبائهم ولأمهاتهم ألف ألف قطعة أرضية، وأن تصك آذانهم قبل ذلك كله بألف ألف وعد، حتى لا يعتصم منهم ألف ألف معتصم في يوم واحد.
سيدي الرئيس، إذا كنت قد تمنيت في العام الماضي، أن تجيبوا على بعض أسئلتي الحائرة، خلال لقائكم الأول بالشعب، فإني اليوم لم أعد أتمنى أن أسمع أي إجابة، على أي سؤال من تلك الأسئلة الحائرة، التي كتبت لكم في العام الماضي.
لم أعد أرغب في أن أسمع أي إجابة، لأن إجاباتكم أصبحت تقلقني أكثر مما تطمئنني.
فإن سألتكم عن أداء الحكومة فستقولون لي بأنها ماضية في تطبيق برنامجكم الانتخابي، وأنها سائرة على نهجها وأدائها الإصلاحي، فليتكم علمتم بأني ـ كغيري من المواطنين البسطاء ـ أصبحت أتمنى أن تتوقف حكومتكم عن التطبيق الحرفي لبرنامجكم الانتخابي، وعن السير على نهجها الإصلاحي، لتبدأ السير على نهج غير إصلاحي عسى أن يعود عليَّ ذلك بنتائج أفضل من استمرارها في السير على نهجها الإصلاحي الحالي.
وإن سألتكم عن الحرب عن الفساد، وعن السجن الكبير الذي وعدتم به في حملتكم الانتخابية، وعن الأموال الطائلة التي وعدتم باسترجاعها، وعن أشياء كثيرة أخرى ذات صلة بالحرب على الفساد كنتم قد وعدتم بها سابقا، إن سألتكم عن كل ذلك، فستقولون لي بأن الحرب على الفساد متواصلة، وأن المفسدين في هذا البلد يعيشون آخر أيامهم.
فليتكم علمتم بأن الحرب على الفساد لا يمكن أن تحصر في نطاق بعض العقوبات المحددة، لموظفين محددين، قد تتعدد التأويلات حول اختيارهم من بين مفسدين كثر يزاولون الآن وظائف سامية في زمن حربكم المعلنة على الفساد.
فالحرب على الفساد تبدأ باختيار الموظف المناسب في المكان المناسب، واسمحوا لي هنا أن أقول لكم بأن كل التعيينات التي قمتم بها منذ تنصيبكم حتى اليوم، لا تنسجم مع هذا المبدأ الهام.
فكل التعيينات في عهدكم لم يستفد منها إلا مفسد معلوم الفساد، أو موظف قليل الخبرة، قليل الكفاءة. ولقد وصل الأمر إلى تعيين طالب جامعي كملحق في الرئاسة.
فالمفسد قد لا يكون مختلسا، بل إن الموظف الذي لا يملك من المؤهلات ما يمكنه من أداء وظيفته على أحسن وجه يمكن اعتباره مفسدا، حتى وإن لم يسرق أوقية واحدة، لأنه سيتسبب في تعطيل الكثير من المصالح، بل وفي ضياعها.
كما أنه قد لوحظ في عهدكم بأن كل الوظائف الحساسة تم توزيعها على شخصيات سياسية، غارقة في السياسة حتى التراقي، تخصص أكثر وقتها للنشاطات الحزبية بدلا من وظائفها الحساسة (مفتشة الدولة، مدير الضرائب، رئيس لجنة الصفقات العمومية.......إلخ)
وإن سألتكم عن مكافحة الفقر فستقولون بأن الفقر قد تلقى ضربات موجعة في عهدكم، فليتكم علمتم بأن كل المؤسسات والإدارات المعنية بشكل مباشر في مكافحة الفقر تتخبط اليوم في كثير من المشاكل. فصناديق الادخار تمر اليوم بأسوأ مرحلة منذ تأسيسها، ووكالة تشغيل الشباب تمر بأصعب مرحلة لها منذ تاريخ إنشائها. هذا فضلا عن كل الإدارات ذات الصلة المباشرة بالمعوقين أو المتسولين أو مكافحة العبودية، وهي الإدارات التي تم تخفيضها ميزانياتها بنسب معتبرة في العام2011.
وإن سألتكم عن الحوار، فستقولون بأن الحوار بينكم وبين المعارضة لم تعد أمامه أي عراقيل، وإن انطلاقه سيتم قريبا، فليتكم علمتم بأني وإن كنت على ثقة بأني سأسمع في كل يوم تصريحا أو موقفا من هنا، أو من هناك، عن الحوار، وأن الحديث عنه لن ينقطع ، إلا أني مع ذلك أعتقد بأن الحوار لن ينطلق قريبا، وإن انطلق فلن يكون وفق الشروط والآليات التي قد تؤدي إلى نجاحه.
وإن سألتكم عن الإعلام الرسمي فستقولون لي بأن أبوابه مفتوحة أمام جميع الموريتانيين، فليتكم علمتم بأني ناضلت منذ سنوات، ولا زلت أناضل، من أجل أن تسمح لي بكلمة واحدة في التلفزيون، أو في الإذاعة، أو على صفحات يومية الشعب.
وليتكم علمتم بأني بذلت منذ عامين جهودا جبارة ـ لا أقصد جبارة وفق القاموس اللغوي للحكومة ـ في سبيل إعداد برنامج تنموي شبابي أسميته "خطوة إلى القمة"، كان سيشكل إضافة نوعية لبرامج الإعلام الرسمي لو تم اعتماده. وقد تم تسجيل حلقة منه للتلفزيون، وكان من المفترض أن يتم عرض هذا البرنامج خلال شهر رمضان لهذا العام، إلا أن إدارة التلفزيون اعتذرت في آخر لحظة، ووعدت بأنها ستبثه بعد رمضان مباشرة، وإن كنت غير متأكد من الموعد الجديد. كما أن إدارة البرامج بالإذاعة رحبت هي بدورها بفكرة البرنامج، ووعدت كذلك ببث حلقة أو حلقتين حول البرنامج، وهو الشيء الذي لم يتم حتى الآن.
وإن سألتكم ـ يا سيادة الرئيس ـ عن وسيط الجمهورية فستقولون بأنه يؤدي مهامه على أحسن وجه، وإن سألتكم عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي فستقولون بأنه يؤدي مهامه على أحسن وجه، وإن سألتكم عن المجلس الإسلامي الأعلى وعن المحكمة السامية فستجيبون بنفس الإجابة.
إن سألتكم عن المنتخب الوطني، أو عن دور الكتاب، أو عن أي شيء في هذا البلد فستقولون بأنه يسير على أحسن ما يرام، منذ بزوغ فجر السادس من أغسطس، ولأنه لا شيء في هذا البلد يسير على أحسن ما يرام، فلن أسألكم يا سيادة الرئيس.
لن أسألكم في لقائكم هذا يا سيادة الرئيس.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد، وإلى الرسالة الثالثة والعشرين إن شاء الله..
ملاحظة : كتبت هذه الرسالة قبيل بدء لقاء الشعب بأقل من ساعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق