إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
الأحد، 14 أغسطس 2011
تحدثت وثائق سونمكس فقالت2:
في الحلقة الثانية من هذه السلسلة المتواصلة إن شاء الله، سأستنطق لكم وثائق جديدة من وثائق سونمكس لمعرفة دور البنك المركزي في إهدار الأحد عشر مليار أوقية، التي تبخرت في مدة قصيرة جدا، من عام عصيب، جاع فيه الفقراء كثيرا. عام ثار فيه الفقراء في قرى ومدن عديدة بسبب الجوع، وأطلق عليهم فيه الرصاص الحي، فأصابت منه رصاصة غادرة شابا جائعا في مقاطعة كنكوصة لترديه قتيلا.
في ذلك العام العصيب ضاع القرض المذكور. وكان من بين الأسباب التي أدت إلى ضياعه عدم وجود دائن خارجي يطالب بتسديده. وقد مَثَّلَ غياب رقيب خارجي السبب الأبرز في نهب ربع احتياطي البلاد في العام 2008، بتلك الطريقة العجيبة التي تمت بها عملية النهب تلك في عام الناس ذاك.
فبعد إحجام البنك الإسلامي للتنمية عن تقديم القرض المذكور، قام البنك المركزي بتقديم القرض لسونمكس من خلال سحب ربع احتياط البلاد من العملة الصعبة. وهو ما تسبب في الإخلال بالتوازن بين الكتلة النقدية الوطنية والاحتياطي بالعملة الصعبة. ومن المسلم به أن سحب ربع احتياطي البلاد من العملات الصعبة، وضخ مبلغ بذلك الحجم دون مقابل لابد وأن يؤثر سلبا على قيمة العملة الوطنية، ولفترة ليست بالقصيرة.
فالقرض كان في النهاية عبارة عن تقديم ربع احتياطي البلاد من العملة الصعبة من طرف البنك المركزي لشركة سونمكس، مع تعهد جاء في رسالة كتبها بعد ذلك وزير المالية آنذاك، ووعد فيها بسداد الوزارة للقرض، في حالة إخفاق سونمكس في سداده.
إن هذا القرض الذي تم تقديمه رغم المخاطر المحتملة التي قد يتسبب فيها، لم تصاحبه أي إجراءات من طرف البنك المركزي من أجل تحصيله، وهو ما يقودنا إلى طرح السؤال التالي: هل ساهم محافظ البنك المركزي في ضياع الأحد عشر مليار أوقية أم لا؟
سؤال شائك ارتأيت أن أطرحه في مثل هذا الوقت الحساس في مسار ملف سونمكس، وذلك لسببين اثنين في غاية الأهمية:
السبب الأول : إن تقرير كودينو كان تقريرا مهنيا، بكل المقاييس، وهو ما أشرت إليه في الحلقة الماضية، إلا أنه مع ذلك ـ كأي جهد بشري ـ لم يخل من أخطاء غابت عن الجميع، خاصة عن أولئك الذين شككوا في التقرير، وعجزوا في الوقت نفسه عن تقديم ما يبررون به شكوكهم.
وفي اعتقادي أن كودينو وقع في ثلاثة أخطاء أثناء إعداد تقريره، وهي أخطاء يمكن أن أجملها في النقاط الثلاث التالية:
الخطأ الأول: لقد تجاهل كودينو حقيقة مفادها أن المسؤول الأول عن ضياع هذه الأموال الضخمة هو محافظ البنك المركزي، الذي وهب تلك الأموال الضخمة لسونمكس بلا ضمانات، ثم لم يتابع تنفيذ الاتفاق، ولم يتقدم إلى القضاء عندما ظهر جليا أن القائمين على سونمكس لم يظهروا أية بادرة إيجابية توحي بأنهم سيسددون القرض. وهذا الخطأ من أخطاء تقرير كودينو هو الذي سأخصص له هذه الحلقة بكاملها، دون أن يعني ذلك عدم ذكر بقية الأخطاء، ولو بشكل مختصر، مع إمكانية العودة إليها بشيء من التفصيل في الحلقات القادمة، إن كان في العمر بقية.
الخطأ الثاني: لقد اقتصر تقرير كودينو على فترة مولاي العربي وولد آكاط، وكان من المفترض أن تمتد عملية التدقيق إلى ما بعد فترة المديرين المذكورين، حتى تكتمل الصورة بشكل أفضل.
الخطأ الثالث : تسبب جهل كودينو للقانون الموريتاني في أن يقترح ثلاثة تهم، يقول خبراء القانون بأنها مستقاة من القانون الفرنسي، إحدى هذه التهم لا تعد جرما في القانون الموريتاني، بل إنها لا تتعدى كونها فعلا مدنيا يتعلق بسوء استخدام المال المشترك.
السبب الثاني : أن هناك خبرة وطنية تعد حاليا للتدقيق في تقرير كودينو والذي تجاهل ـ كما قلت سابقا ـ دور البنك المركزي في ضياع الأحد عشر مليار أوقية، ولذلك فقد كان من المهم جدا، في هذا الوقت بالذات، إثارة دور البنك المركزي في تبديد المبلغ المذكور.
وهناك إشارات عديدة توحي في محصلتها بأنه حتى الآن لم تتدخل السلطات التنفيذية العليا للتأثير على مسار التحقيق، أو توجيهه في اتجاه معين، عكس ما يقال. ولأن البعض قد يعد هذا الاستنتاج تطبيلا للنظام، فإني أطلب من أصحاب الاستنتاجات والاتهامات السريعة، بأن يعودوا إلى رسالتي المفتوحة للأسبوع الماضي والمنشورة تحت عنوان:" لن أسألكم يا سيادة الرئيس!!!" أو يعودوا إلى الرسالة المفتوحة المنشورة قبلها بأسبوع، والتي كانت عبارة عن صورة نادرة أهديتها لرئيس الفقراء بمناسبة حلول الشهر الكريم.
ويظهر عدم تدخل السلطات التنفيذية العليا، في لجوء قاضي التحقيق ـ من بين أمور أخرى ـ إلى خبير وطني من أجل إعداد خبرة وطنية محايدة، ومن أجل التدقيق في تقرير كودينو. وهذه الخبرة المحايدة والتي ستجيب على خمسة عشر سؤالا هاما، قبل يوم 17 من الشهر الحالي، تعد استجابة من القاضي لمطلب أساسي للبنك الوطني الموريتاني، الذي شكك في تقرير كودينو واعتبره تقريرا موجها.
إن القراءة المتأنية لوثائق سونمكس لتؤكد بأن محافظ البنك المركزي كان بإمكانه بقرارات بسيطة، وبإجراءات عادية، أن يوقف نهب الأحد عشر مليار أوقية، ولكن المحافظ اختار أن يظل متفرجا بدلا من أن يتخذ تلك القرارات البسيطة والإجراءات العادية.
وكان بإمكان محافظ البنك المركزي أن يتخذ الإجراءات التالية عندما ظهر جليا بأن شركة سونمكس قد أخلت بشرطي الاتفاق، وأنها ترفض أن تسدد أوقية واحدة للبنك المركزي من القرض المذكور. والإجراءات التي كان يمكن لمحافظ البنك المركزي أن يتخذها هي:
1 ـ كان بإمكان المحافظ أن يلزم شركة سونمكس بتحويل أرصد ة حساباتها من البنوك الوسيطة إلى حساب الشركة في البنك المركزي.
2 ـ كان بإمكانه أن يلزم سونمكس بأن تتوقف فورا عن تحويل الأموال المتحصلة من القرض إلى حساباتها في البنوك الوسيطة، مع رفض الحجة الواهية التي كانت تقول بأن تحويل تلك الأموال سيقلل من حجم الفوائد المترتبة على ديون البنوك الوسيطة.
3 ـ كان بإمكانه أن يعين شخصا من البنك المركزي لدى الشركة لمتابعة بنود الاتفاق مع الإدارة العامة لسونمكس.
4 ـ كان بإمكان محافظ البنك المركزي أن يفرض تسييرا مشتركا للمخزون، وذلك لمراقبة سير المواد التي تم شراؤها من القرض. وهو ما تفعله البنوك الوسيطة، لتحصيل ديونها من سونمكس. ويقتضي ذلك أن يكون لكل طرف نسخة من مفاتيح المخازن، حيث يستحيل فتح المخازن دون حضور الطرف الآخر. فلا تفتح تلك المخازن، إلا بحضور ممثلي الطرفين، وبعد أن يكون المشتري قد اتفق مع الشركة على الثمن والكمية، ودفع المبلغ في حساب الشركة لدى البنك.
5 ـ كان بإمكانه أن يقوم بإعداد خطة لبيع احتياطي سونمكس بالتنسيق مع إدارة سونمكس.
6 ـ كان بإمكانه أن يلجأ للقضاء عندما أخلت سونمكس وبشكل متكرر بشرطي القرض، بدل الاكتفاء برسائل خجولة لتذكير سونمكس ـ من حين لآخر ـ ببنود الاتفاق.
والغريب أن البنك المركزي لم يتخذ أيا من تلك الإجراءات لاستعادة ولوجزء يسير من القرض الذي منحه بطريقة غير قانونية لشركة سونمكس.
إن البنك المركزي، الذي منح قرضا لا يدخل في مجال عمله التقليدي، هو نفسه الذي رفض ـ حسب مديري سونمكس ـ أن يقوم بعملية في صميم تخصصه، كانت ستوفر لشركة سونمكس مبالغ هامة هي في أمس الحاجة إليها.
والبنك المركزي الذي خالف كل القوانين وأصدر رسائل ائتمان لتنفيذ عقود لصالح سونمكس، أبرمت قبل توقيع اتفاقية القرض نفسها، هو الذي ظل يرفض ـ حسب مديري سونمكس ـ أن يحول للشركة ما يكفي من العملات الصعبة اللازمة للقيام بعمليات استيراد مواد غذائية، وهو ما فرض على سونمكس أن تلجأ إلى بنوك وسيطة، من بينها بالتأكيد البنك الوطني الموريتاني الذي يظهر دائما، في الوثائق الرسمية التي بين يدي، كلما كانت هناك عملية مجحفة بسونمكس.
ففي بداية فبراير2009، ولاستيراد 20 طن من الأرز بسعر إجمالي يبلغ 11مليون دولار، حدد البنك الوطني سعر صرف بمبلغ 300أوقية للدولار. كما أخذ عمولتين عند فتح الاعتماد وعند إغلاقه، وصلت إلى حدود 8% ( كانت مخازن سونمكس في تلك الفترة مليئة بالأرز!!!). وفي نفس الفترة استوردت سونمكس ما قيمته 5 مليون دولار من القمح، ولكن هذه المرة عن طريق بنك التجارة والصناعة، والذي حسب سعر صرف قدره 281 أوقية للدولار، مع عمولة في بداية فتح الاعتماد ونهايته وصلت ل4%. وإذا كان من المؤكد بأن بنك التجارة والصناعة ليس مؤسسة خيرية، وأنه ربح مبالغ معتبرة من هذه العملية، فكيف بالبنك الوطني الذي ضاعفت فائدته فائدة بنك الصناعة، وزاد سعر الصرف الممنوح له ب19 أوقية لكل دولار، على سعر الصرف الممنوح لبنك الصناعة في نفس الآونة؟
وفي الفترة نفسها، كان سعر صرف الدولار لدى البنك المركزي 266 أوقية فقط، فلِمَ لم يوفر البنك المركزي لسونمكس المبلغ المطلوب بذلك السعر؟ ألا يدخل ذلك في صميم عمله وتخصصه؟ ولِمَ ترك الشركة فريسة للبنوك الأولية، خاصة البنك الوطني الذي تقول الوثائق بأنه ساهم كثيرا في وصول الشركة إلى هذا الواقع البائس الذي تتخبط فيه اليوم؟ وأنه ربما قام بسلسلة من الخطوات الممنهجة والمدروسة لإفلاس سونمكس، وهي خطوات تتشابه مع أرشيف كل الخطوات المتخذة سابقا، من طرف بعض رجال الأعمال، لإفلاس شركات عامة أو مختلطة، تم إفلاسها في نهاية المطاف. ومن بين تلك الخطوات المتخذة من طرف البنك الوطني، يمكن أن أذكر:
1 ـ عكسا لما هو شائع فلم يكن وضع سونمكس سيئا للغاية عندما تم تعيين السيد مولاي العربي في العام 2005. ففي ذلك العام راجعت الدولة ديون الشركة المستحقة عليها من طرف البنوك الوسيطة. وقد قبلت البنوك التنازل عن بعض فوائدها مقابل أن تسدد لها الدولة ديونها على سونمكس. وكان البنك الوطني هو البنك الوحيد الذي رفض أن يتنازل عن أي نسبة من الفوائد، وأصر على أن تسدد له ديونه كاملة غير منقوصة، ومع الفوائد المجحفة، وهو ما تحقق له بعد ذلك.
2 ـ رغم أنه لا يحق لأي مساهم أن يستفيد من رهن أصول الشركة المساهم فيها، إلا أن ذلك لم يمنع البنك الوطني الذي يعتبر أكبر مساهمي سونمكس من الاحتفاظ بالملكية العقارية رقم (1010/T vol 6 F°66 ) كرهن، والتي تمثل السند العقاري لمقر الشركة ومخازنها، مقابل ضمان لسلفة من (OFID)، تحمل البنك المركزي ضمانها، وتم تحويلها من طرف بنك الصناعة والتجارة لا البنك الوطني، مع العلم بأن قيمة العقار المرهون تفوق كثيرا مبلغ السلفة بكاملها.
3 ـ أنه هو المستفيد من مستويات سعر الصرف الخيالية المبينة أعلاه، ومن العمولات المجحفة المفروضة على الشركة عند فتح الاعتمادات وعند إغلاقها.
4 ـ أنه استطاع من خلال تطبيق سعر صرف مجحف، وفوترة عمولات مبالغ فيها، أن يستولي على ما يزيد على 900 مليون أوقية من أموال الشركة.
5 ـ أنه هو صاحب الحساب المثير رقم 502، والذي ظلت تحول إليه المبالغ المتحصلة من قرض البنك المركزي.
فلماذا لم يتصرف البنك المركزي لوقف تحويل المبالغ المتحصلة من قرضه لسونمكس إلى الحساب رقم 502 في البنك الوطني؟ ولماذا التزم محافظ البنك المركزي بصمت رهيب حتى اكتملت كل فصول العملية؟ ولماذا لم يتم الحديث عن التجاوزات إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن لم يعد هناك ما يمكن إنقاذه من ربع احتياطي البلد من العملات الصعبة؟ وهل استفاد المحافظ ـ على الصعيد الشخصي ـ من سكوته على كل تلك التجاوزات؟
هناك ثلاث إجابات محتملة، يمكن أن نجيب من خلالها على الأسئلة المذكورة.
الإجابة الأولى: أن يكون محافظ البنك المركزي موظفا ساذجا وغبيا، ولذلك فلم يشعر بعملية التحايل الواسعة التي كانت تتم عن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته. هذا الاحتمال مستبعد تماما لأن للمحافظ من الإمكانيات والخبرات والمؤهلات ما يستحيل معه أن لا يفطن لكل ما كان يتم من تحايل مكشوف في ذلك الوقت.
الإجابة الثانية: أو الاحتمال الثاني، أن يكون المحافظ شريكا في عملية النهب تلك، مقابل نصيب معلوم من الأحد عشر مليار أوقية. هذا الاحتمال ليس في الوثائق ما يؤكده أو ينفيه، وإن كان هناك من يتحدث من خارج الوثائق عن علاقة محتملة بين المحافظ والسمسار أو الوسيط الموريتاني ل: ( Novel) الشركة السويسرية التي ذهبت إلى حساباتها جل الأحد عشر مليار أوقية، وتبقى تلك مجرد إشاعات من خارج الوثائق، لا يمكن أن نعتمد عليها في حديث الوثائق هذا.
الإجابة الثالثة: أن تكون قد صدرت للمحافظ أوامر عليا تمنعه من اتخاذ أي إجراء لاستعادة القرض، وهو ما يعني أن تكون العملية قد شاركت فيها جهات في قمة الهرم الحكومي، مما يعني أن المتهمين حاليا ليسوا وحدهم هم من تسبب في تبخر الأحد عشر مليار أوقية.
وفي الحلقة الثالثة، سنحاول ـ إن شاء الله ـ أن نفك طلاسم لغز المخزون، والذي يعتبر الجزئية الأكثر تعقيدا في الملف كله، إنها الجزئية التي حيرت "الشيطان" أنطوان كودينو.
تصبحون على الحقيقة الكاملة لملف سونمكس....
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
اهتمام الموقع. إبقاء التدوين!
ردحذف