يجد البعض صعوبة
كبيرة في تفسير الأسباب التي جعلت بلادنا أحسن حالا من الدول المجاورة وغير
المجاورة في مجال التصدي لفيروس كورونا المستجد، ولا يخفي البعض استغرابه من كون
بعض المصابين الذين خالطوا عددا لا بأس به من المواطنين من قبل اكتشاف إصابتهم لم
يتسببوا في أي عدوى لمخالطيهم. أتحدث تحديدا عن حالات البصرة وكيهيدي والرياض،
فهذه الحالات الثلاث خالط أصحابها عددا من المواطنين من قبل أن تكتشف إصابتهم، ومع
ذلك ـ ولله الحمد ـ فلم يتسببوا في أي عدوى، حسب نتائج الفحوصات المعلنة.
من الطبيعي جدا أن
يكثر السؤال عن سر تميز بلادنا عن غيرها من البلدان في مجال التصدي لوباء كورونا
(ما شاء الله وبارك الله)، ومن الطبيعي جدا أن تتعدد التفسيرات والتأويلات.
إن التفسير الأقوى
الذي يجب أن يخطر ببال المؤمن هو أن ما تحقق لبلادنا تحقق بفضل الله، وأنه علينا
أن نشكر الله على هذه النعمة التي خص بها بلادنا، فله الحمد والشكر على هذه النعمة
العظيمة، وعلى كل نعمه الأخرى التي لا تحصى ولا تعد.
إن الفضل فيما تحقق
من نجاح لبلادنا في مجال التصدي لوباء كورونا يرجع أولا ـ وقبل أي شيء آخر ـ لهذا
القرآن الذي كان يتلى آناء الليل وأطراف النهار، من منابر المساجد، ومن داخل
المنازل بنية رفع البلاء. لقد أقبل الموريتانيون على القرآن، فتشكلت مجموعات كثيرة
في المساجد، والمنازل، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي (الواتساب)، وتعاونت تلك
المجموعات على ختم القرآن يوميا وعلى الدعاء، ولقد بلغني أن طلاب أحد المعاهد
الإسلامية في بلادنا ختموا القرآن ألف مرة بنية رفع الوباء.
إن نجاحنا في التصدي
لوباء كورونا، والذي نسأل الله أن يديمه، كان بفضل إقبال الموريتانيين على القرآن
وعلى الدعاء لرفع البلاء، ثم بفضل أخذنا بالأسباب الدنيوية التي ثبت علميا بأنها
تحول دون تفشي الوباء.
لقد اتخذت الحكومة،
وفي وقت مبكر، حزمة من الإجراءات التي لا خلاف على أنها كانت قاسية جدا، ولكنها
كانت ضرورية جدا للتصدي للوباء. وهنا لابد من الإشارة إلى أنه لا مصلحة للحكومة في
تعليق الجمعة، أو في غلق الأسواق ومضايقة الناس في أرزاقهم، أو في حظر التجول، لا
مصلحة لها في كل ذلك، ولا مكاسب يمكن أن تجنيها من تلك الإجراءات القاسية، بل إن
الحكومة قد تضررت هي بدورها من تلك الإجراءات القاسية التي تم اتخاذها بقصد حماية
البلاد من وباء أربك دولا عظمى، ولما حانت الفرصة للتخفيف من تلك الإجراءات سارعت
الحكومة إلى التخفيف منها. كما أن المجتمع
وبكل مكوناته وفئاته كان هو أيضا على مستوى التحدي، وشارك في هذا الإنجاز الهام، فأهل
السياسية تجاوزوا خلافاتهم ووقفوا وقفة رجل واحد للتصدي للوباء، ورجال الأعمال
تغلبوا على أنانيتهم وتنافسوا في البذل والعطاء، ونشطاء المجتمع المدني نزلوا بقوة
إلى الميادين، والإعلام بشقيه التقليدي والجديد أبلى بلاءً حسنا، والمواطن العادي
أظهر مستوى غير مسبوق من الانضباط والالتزام بتوجيهات السلطات الصحية والأمنية.
ومن قبل كل هؤلاء فقد أدار الأطباء ورجال الأمن معركة التصدي لكورونا ومن الخطوط
الأمامية باحترافية كبيرة.
صحيحٌ أنه حدثت أخطاء
هنا وهناك، على مستوى العمل الحكومي وكذلك على مستوى العمل المجتمعي، لا خلاف على
ذلك، ولكن إذا ما تحدثنا بالمجمل، فيمكن القول بأن الحكومة والشعب كانا على قدر
التحدي، وهذا ما يجب ذكره الآن، فذكره قد يساعد في تعزيز ثقتنا بأنفسنا (حكومة
وشعبا)، وذلك حتى ندرك بأنه بإمكاننا في هذه البلاد أن نحقق ما عجز عنه الآخرون
إذا ما أخذنا بالأسباب، وإذا ما تضافرت جهود الجميع.
نعم لقد أُصِبنا في
الماضي بالكثير من الإحباط بسبب كثرة الإخفاقات، الشيء الذي جعلنا نفتقد الثقة في
قدرتنا على الإنجاز، ولكن ما حققناه في مجال التصدي لوباء كورونا سيمنحنا ثقة
جديدة نحن في أمس الحاجة إليها، وهذه الثقة المكتسبة علينا أن نستغلها لمواصلة
التصدي لوباء كورونا، فهذه الحرب لم تضع أوزارها بشكل كامل، وذلك ما علينا أن
نتذكره دائما، كما يجب أن نستغل هذه الثقة في خوض حروب جديدة أصبح من اللازم خوضها.
فلماذا لا نبدأ ـ ومن
الآن ـ حربا جدية ضد الفساد والمفسدين؟
حفظ الله موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق