أصدرت اللجنة الإعلامية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية في يوم 30 /
05/ 2020 بيانا ردت فيه على ما اعتبرته بعض المزايدات من أحزاب المعارضة. البيان
كان مليئا بالعبارات الخشبية التي أعادتنا إلى لغة الحزب خلال العشرية الماضية،
ولقد اخترتُ واحدة من تلك العبارات الخشبية لتكون عنوانا لهذا المقال. وهذه بعض
الملاحظات السريعة على البيان.
(1)
إذا حذفنا من بيان "ناطحات الزوابع التي بنتها خراطيم العناكب"
كل العبارات الخشبية التي جاءت فيه فلن يبقى من البيان الشيء الكثير، وإذا ما
أردتم أن تجربوا ذلك فلتحذفوا من البيان العبارات التالية: "نافخة في كير
الفتنة" ـ "تجارة الأراجيف"
ـ "دهاليزها البائدة" ـ "أجندات
قاهرة" ـ "غشاوة الإفلاس" ـ "الخطابات المحنطة" ـ "أنياب الفتنة" ـ "سماسرة الألم " ـ "الأكاليل
المزيفة " ـ "التيجان البالية"
...إلخ.
على اللجنة الإعلامية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية أن تدرك بأن
بيانات الأحزاب السياسية يجب أن تكون موجزة، ومكتوبة بلغة بسيطة يفهمها الجميع، وتحتوي
على أفكار محددة ونقاط مرتبة، وتُعَبِّرُ ـ وهذه هي الأهم ـ عن الإرادة السياسية
للسلطة الحاكمة، إن كان الحزب الصادر عنه ذلك البيان يمثل الواجهة السياسية للسلطة
الحاكمة.
(2)
من المفترض أن من كتب هذا البيان يمثل الواجهة الإعلامية لحزب الاتحاد
من أجل الجمهورية، ومن المفترض كذلك أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يمثل
الواجهة السياسية لنظام الرئيس محمد ولد
الشيخ الغزواني . إذا كانت هذه الافتراضات صحيحة، فإن ذلك يقتضي أن تكون كل
البيانات الصادرة عن الواجهة السياسية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هي بيانات
تنظر إلى المعارضة بوصفها شريكا سياسيا، لا بوصفها "عميلة" أو
"خائنة" أو "عدوة للوطن".
وبطبيعة الحال فإن الشريك السياسي يمكن الرد عليه وانتقاده وبقوة،
ولكن لا يجوز ـ بأي حال من الأحوال ـ وصفه بالعميل أو الخائن أو عدو الوطن، ذلك أن
الشراكة مع الخائن والعميل تعدُّ هي أيضا عمالة وخيانة للوطن.
بكلمة واحدة: هذا البيان لا يعبر ـ لا إعلاميا ولا سياسيا ـ عن انفتاح
رئيس الجمهورية على المعارضة، وإنما يعبر ـ وبشكل دقيق ـ عن أسلوب تعامل الرئيس
السابق مع معارضته.
(3)
على حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ـ إن كان يمثل حقا الواجهة السياسية
للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ـ أن يعمل قدر المستطاع على تهدئة الأوضاع والحد
من التجاذبات السياسية مع المعارضة. أما إذا كان هذا الحزب يعبر عن الإرادة
السياسية للرئيس السابق فعليه أن يستغل كل فرصة أتيحت له ـ أو حتى لم تتح له ـ لخلق
المزيد من التوتر والصدام مع المعارضة.
إن العودة إلى الصدام مع المعارضة سيتضرر منه الجميع لا شك في ذلك،
ستتضرر منه المعارضة التي خرجت منهكة من "عشرية الصدام"، ولكن سيتضرر
منه بشكل أكبر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي لن يستطيع أن يحقق 10% من تعهداته
إن تحولت مأموريته إلى مأمورية لاستمرار نهج الصدام والتجاذب مع المعارضة.
(4)
لقد استبشرنا خيرا بالبيان الفريد من نوعه الصادر يوم 26 مارس 2020،
والذي وقعه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وبعض أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان.
كانت هذه هي المرة الأولى التي توقع فيها أحزاب الأغلبية والمعارضة على بيان
مشترك، فوقع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على هذا البيان الذي توجد به نقاط تتحدث
عن تقصير الحكومة، ووقعت أحزاب المعارضة على هذا البيان والذي كان ترتيب نقاطه
الثلاثة الأولى على النحو التالي : النقطة الأولى تثمن انفتاح رئيس الجمهورية على
الأحزاب ونهج التشاور، والنقطة الثانية تثمن ما قامت به الحكومة من تدابير
وإجراءات، والنقطة الثالثة تشيد بروح التضحية لدى القوات المسلحة وقوات الأمن. إن
التنسيق في بعض المجالات بين الأغلبية والمعارضة، وإصدار بيانات مشتركة يعدُّ
مكسبا سياسيا كبيرا لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو مكسب يجب أن يحافظ
عليه من طرف الجميع، وبالأخص من طرف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إن كان هذا
الحزب يمثل حقا الواجهة السياسية لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
(5)
صحيحٌ أن بيان أحزاب المعارضة الصادر بتاريخ 26 مايو 2020 قد تم
افتتاحه بعبارة "رئيس الدولة"، وهي عبارة لا تتناسب مع أجواء التهدئة،
وصحيحٌ أيضا أن أحزاب المعارضة لم توفق في بياناتها الأخيرة حول حادثة
"أمبان". كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضا أن المعارضة واجهت انتقادات حادة
من داخلها بسبب تلك البيانات، وإذا ما اكتفينا بحزب "تواصل" وهو أكبر
الأحزاب المعارضة، فسنجد بأن رئيسه السابق هو أول من انتقد عبارة "رئيس
الدولة" التي جاءت في بيان المعارضة، وأن إحدى نواب الحزب انتقدت بيانه
الأخير بخصوص حادثة "أمبان".
لا يعني هذا الكلام بأنه لا يحق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية أن يرد
على أحزاب المعارضة إن هي انتقدت النظام. إن من حق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ـ
بل ومن واجبه ـ أن يدافع عن النظام إذا ما انتقدته أحزاب المعارضة، ولكن ذلك
الدفاع يجب أن يكون قائما على ضوابط لعل من أهمها أن المعارضة في هذا العهد هي
شريك سياسي، وليست شلة من الخونة وأعداد الوطن، ومن المعروف بأن هناك فرقا كبيرا
بين اللغة التي يرد بها على شريك سياسي، وتلك التي يرد بها على الخونة وأعداء
الوطن.
(6)
لقد وُفِقت أحزاب المعارضة في بيانها المشترك الأخير، وذلك عندما
أعلنت عن دعمها الكامل للجنة التحقيق البرلمانية، وكان على حزب الاتحاد من أجل
الجمهورية أن يعلن عن دعمه الكامل لتلك اللجنة في بيانه الأخير، بدلا من تخصيص ذلك
البيان للتهجم على المعارضة بلغة خشبية أكل عليها عقد العشرية وشرب.
إن ما ينتظره الموريتانيون من الواجهة السياسية لنظام محمد ولد الشيخ
الغزواني، وخاصة في مثل هذا الوقت بالذات، هو التأكيد على الجدية في محاربة
الفساد، والإعلان عن الوقوف الكامل مع اللجنة البرلمانية حتى تؤدي مهامها على أحسن
وجه. ثم إن إصدار بيان في هذا الاتجاه من طرف حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيكون
بمثابة تأكيد سياسي لما عبر عنه رئيس الجمهورية أكثر من مرة من خلال مؤتمره الصحفي
وخطاب عيد الفطر المبارك. ففي المؤتمر الصحفي قال رئيس الجمهورية :"إن الدولة
لن تتعاطف أو تتساهل مع الفساد والمفسدين "، و في الخطاب قال: "لن تنفع
أي خطة مهما كانت محكمة ما لم تكن الشفافية الطابع الأساسي لتنفيذها. وإننا لن
نتساهل مع أي شكل من أشكال الفساد أو الإخلال بضوابط الحكامة الرشيدة".
ألم يكن الأولى بحزب الاتحاد من أجل الجمهورية أن يسبق المعارضة
لإصدار بيان يعلن فيه عن دعمه الكامل للجنة التحقيق البرلمانية؟ ألم يكن الأولى به
أن يخصص بيانه الأخير للإعلان عن دعمه هو أيضا للجنة التحقيق البرلمانية بعد أن
سبقته المعارضة للإعلان عن ذلك الدعم؟
وبكلمة واحدة فإن البيان الأخير لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية قد كتب
بلغة "استمرار النهج"، وهو أكثر تعبيرا من الناحية السياسية عن نهج
الرئيس السابق، وعلى الحزب إن أراد أن يعبر عن نهج الرئيس الحالي أن يكتب بياناته
بلغة أخرى لا بلغة "ناطحات الزوابع التي بنتها خراطيم العناكب".
حفظ الله موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق