كانت بوركينافاسو تحضر لأول انتخابات تشريعية
ورئاسية يتم تنظيمها بعد الثورة الشعبية التي أسقطت الرئيس السابق. ولقد كان من
المفترض أن تنطلق الحملة الدعائية لتلك الانتخابات بعد أربعة أيام، على أن يبدأ
التصويت في يوم 11 أكتوبر القادم. هكذا كانت تسير الأمور، ولكن، وفي يوم الأربعاء
16 سبتمبر قرر الحرس الرئاسي في بوركينافاسو أن يحتجز الرئيس الانتقالي، ورئيس الوزراء،
وعددا من الوزراء، وأن ينقلب على المسار الانتقالي الذي كان قد تم وضعه في ظل
إجماع وطني في هذا البلد الإفريقي المتعطش كغيره من البلدان الإفريقية إلى
ديمقراطية حقيقية لا تهددها الانقلابات، ولا تهددها تعديلات الدساتير من أجل
مأموريات إضافية.
قبل يوم الأربعاء 16 سبتمبر، وتحديدا في يوم الاثنين
14 سبتمبر أصدرت لجنة المصالحة الوطنية في بوركينافاسو تقريرا طالبت فيه بضرورة حل
كتيبة الحرس الرئاسي، وتوزيع عناصرها على وحدات الجيش، وذلك بحجة أن هذه الكتيبة
تشكل خطرا حقيقيا على المسار الانتقالي، وهو ما سيتأكد سريعا أي بعد يومين فقط من
إعداد التقرير، ذلكم التقرير الذي كان من المفترض أن تتم مناقشته في مجلس الوزراء المنعقد
يوم الأربعاء 16 سبتمبر.
تذهب بعض التحليلات إلى أن ما قام به الحرس
الرئاسي من احتجاز للرئيس الانتقالي ولرئيس وزرائه قد لا يكون فقط بسبب ذلك
التقرير، وإنما قد يكون بسبب حرمان أركان النظام السابق من الترشح في الانتخابات
القادمة. ومهما يكن السبب الحقيقي لتحرك الحرس الرئاسي، فإن الشيء المؤكد هو أن
تحركه كان ضد الديمقراطية، وكان ضد المسار التوافقي الانتقالي في بوركينافاسو، ومن
المؤكد أيضا بأن هذا التحرك لن يجلب خيرا لبوركينافاسو، ولا لديمقراطيتها المتعثرة.
إنه تحرك وقح وبائس، وربما يكون ذلك هو الذي
جعل الأمين العام للأمم المتحدة يغضب في هذه المرة، بدلا من الاكتفاء بالتعبير عن
قلقه المعهود. لقد نقل عنه المتحدث باسمه بأنه كان قد أعرب عن غضبه لما علم
باعتقال الرئيس ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء من طرف عناصر من الحرس الرئاسي في
بوركينافاسو.
وبعيدا عن قلق وغضب الأمين العام للمتحدة ـ والذي
يقال بأنه يتقاضى أعلى راتب مقابل أن يعبر فقط عن قلقه من حين لآخرـ فإنه يمكننا أن نقول بأن ملخص البرقية القادمة
من بوركينافاسو يقول ـ وبلغة فصيحة وصريحة ـ بأن الحرس الرئاسي في بوركينافاسو، لا
يختلف عن أي حرس رئاسي في أي دولة افريقية أخرى، فهو قادر دائما على أن يربك أي
مسار ديمقراطي، وعلى أن يقود أي انقلاب متى أراد وبالطريقة التي أراد.
إن هذه الكتيبة التي يتم تسليحها في البلدان الإفريقية
تسليحا متميزا لحماية الرؤساء قد أصبحت تشكل خطرا كبيرا على البلدان الأفريقية،
فهي قد تنقلب على الرئيس الذي كان له الفضل في تسليحها، والأمثلة على ذلك عديدة.
كما أنها قد تقف ضد خيار بلد بكامله وهو ما يحدث الآن في بوركينافاسو.
إن كتائب الحرس الرئاسي التي أصبحت في العديد
من البلدان الإفريقية أقوى من الجيوش في تلك البلدان، قد أصبحت تشكل خطرا حقيقيا
وجديا على الديمقراطية في إفريقيا، بل إنها قد أصبحت تشكل خطرا على بقاء الدول
وعلى أمنها.
لقد آن الأوان لدمج هذه الكتائب في الجيوش الإفريقية،
وذلك حتى لا يبقى ولاؤها للرئيس أو لقادتها فقط. إنه يمكن لأي رئيس إفريقي أن يضمن
بقاءه في السلطة من خلال هذه الكتيبة، حتى ولو كان الشعب والجيش لا يريدانه رئيسا.
وحتى إذا ما تم إسقاط الرئيس فإنه سيكون بإمكانه أن يحرك هذه الكتيبة للعودة إلى
السلطة أو لإشعال فتنة في بلاده عندما تتعذر عليه العودة إلى السلطة، وسيبقى
الرئيس اليمني وحرسه الجمهوري هو خير مثال على ذلك.
إن التأمل في ما يجري الآن في بوركينافاسو
ليؤكد بأن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة كان محقا في طلبه بتصحيح وضعية كتيبة
الحرس الرئاسي في موريتانيا، وبإدماجها ـ وبشكل كامل ـ في الجيش الوطني.
حفظ
الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق