في موريتانيا هناك كارثة خربت
كل شيء، ودمرت كل شيء، وأفسدت كل شيء، ومع ذلك فلا أحد يتوقف عندها، إنها كارثة
الأطر، والأطر في موريتانيا هم السوس الأبيض الذي يخرب البلاد ودون أن يشعر أحد
بذلك.
تنفق موريتانيا المليارات على
تعليم هؤلاء الأطر، يتخرجون من أرقى الجامعات في العالم، ثم عندما يعودون إلى أرض
الوطن يتركون كل ما تعلموا خلف ظهورهم ليتفرغوا من بعد عودتهم إلى أرض الوطن في كل
ما من شأنه أن يعجل من خراب هذه البلاد.
إن هؤلاء الأطر لهم قدرة
عجيبة في تبديل جلودهم وفي تبديل ولائهم.هم آخر من يودع الرئيس المطاح به، وهم أول
من يوالي الرئيس الجديد.
يذهب رئيس قديم ويأتي رئيس
جديد، ومع ذلك فلا تتبدل وظائفهم بل على العكس، فإنهم يترقون في وظائفهم مع سقوط
كل رئيس كانوا قد بالغوا في التصفيق والتطبيل له!!
في صحائف أطر موريتانيا قد لا
نجد حسنة واحدة قدموها لهذه البلاد، فكل ما في هذه الصحائف هو عدد لا يحصى من المبادرات
القبلية التي لم تقدم لهذه البلاد سوى المزيد من التصفيق والتطبيل، ومن المعلوم
بأن بلادنا كانت قد حققت فائضا من التصفيق، ولم تعد بحاجة إلى إنتاج المزيد منه.
المقلق في الأمر هو أن قرائح أطر
موريتانيا وإبداعاتهم لا تنضب أبدا عندما يتعلق الأمر بالتصفيق، وبالتملق،
وبالتطبيل للرئيس، فدائما هناك جديد قديم أو قديم جديد عند هؤلاء الأطر.
لا خير في أطر لم ينتجوا في
حياتهم سوى مبادرات التصفيق والتطبيل. فنحن لم نسمع يوما عن مجموعة من أطر مدينة
أو قرية موريتانية ما اجتمعوا للتفكير والبحث عن أفضل السبل لتنمية قريتهم أو
مدينتهم. لم نسمع يوما عن مجموعة من أطر مدينة أو قرية موريتانية قرروا أن يوحدوا
جهودهم من أجل فتح مدرسة أو مركز صحي في قريتهم أو في مدينتهم . لم نسمع أنهم
نظموا قافلة صحية واحدة في قراهم أو في مدنهم.
إننا لا نسمع عن هؤلاء الأطر
إلا في مواسم التصفيق والتطبيل، ولا نراهم إلا في اجتماعات قبلية للإعلان عن ميلاد
مبادرة جديدة للتصفيق وللتطبيل.
لا خير في هؤلاء الأطر، ويعلم
الرئيس الذي يصفقون له الآن في شرق موريتانيا وفي غربها، في شمالها وفي جنوبها،
بأنه لا خير فيهم. ويعلم أيضا بأنهم هم أول من سيتخلى عنه عندما يغادر ـ لسبب أو
لآخر ـ الرئاسة.
إن الرئيس الحالي يعرف هؤلاء
الأطر أكثر من غيره.لقد عرفهم يوم صفقوا عن بكرة أبيهم للرئيس السابق "معاوية
ولد الطايع"، وعرفهم يوم تخلوا عن بكرة أبيهم عن "ولد الطايع" لما
تم الانقلاب عليه. ولقد عرفهم أيضا يوم صفقوا عن بكرة أبيهم للرئيس السابق "سيدي
ولد لشيخ عبد الله"، وعرفهم يوم تخلوا عن بكرة أبيهم عن الرئيس السابق "سيدي
ولد الشيخ عبد الله" لما تم الانقلاب عليه.
لا أحد في موريتانيا يعلم
حقيقة هؤلاء الأطر أكثر من الرئيس الحالي الذي أتيح له أن يكون مرافقا لثلاثة من
رؤساء موريتانيا، مما سمح له أن يشاهد وعن قرب كيف يبدل أطر موريتانيا جلودهم
وولاءاتهم صبيحة كل انقلاب، ومع ذلك فإن هؤلاء الأطر سيخدعون الرئيس الحالي كما
خدعوا الرؤساء الذين سبقوه، وفي ذلك تتجلى
عبقريتهم في الخداع.
يعلم الرئيس الحالي بأن أطر
موريتانيا لو كانوا يحبونه حقا لما ذهبوا معه فرادى وجماعات في زياراته الكرنفالية
إلى الولايات الداخلية.
فلو كان الإطار الطبيب يهمه
أمر الرئيس الحالي لما ترك المستشفى أو المستوصف الذي يعمل به وسافر إلى قرية أو
إلى مدينة من المدن التي سيزورها الرئيس. لو كان هذا الطبيب يهمه حقا أن يخدم
الرئيس، لبقي في المستشفى أو في المستوصف الذي يعمل به لاستقبال وعلاج عشرات المرضى
بدلا من الانخراط في مبادرة تصفيق وتطبيل لاستقبال الرئيس في مضارب القبيلة. ما
قلناه عن الطبيب يمكن أن نقوله عن الأستاذ، وعن القاضي، وعن أي إطار آخر في أي
وزارة من الوزارات يقرر أن يهجر وظيفته، ويترك خدمة المواطنين، ثم يذهب لاستقبال
الرئيس في قرية أو مدينة ما من المدن المزورة، لا لشيء إلا من أجل إظهار المزيد من
التصفيق والتطبيل للرئيس، أو لحجب معاناة فقراء قريته أو مدينته عن الرئيس خلال كل
أيام الزيارة.
حقا، إننا نعاني من كارثة
اسمها الأطر، وبطبيعة الحال فإن هناك استثناءات، وإن هناك أطرا يخدمون وطنهم،
ولكنهم مجرد قلة قليلة جدا، وليسوا إلا مجرد استثناء يؤكد صدق القاعدة التي
تقول بأن خراب موريتانيا قد جاء من أطرها.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق