قررت القرود الخمسة بعد تكرر عملية صب الماء البارد أن تمنع أي قرد من الصعود، وأن تهاجمه من قبل أن يصل
إلى الموز، وذلك خوفا من أن يصب عليها الماء البارد.
وفي مرحلة لاحقة توقف صاحب التجربة عن صب
الماء البارد بعد أن تكفلت مجموعة القرود الخمسة بمنع أي قرد منها من التسلق،
ولكن، وفي المقابل، فإن صاحب التجربة قرر
أن يسحب أحد القرود الخمسة، وأن يبدله بقرد جديد لم يحضر لبداية هذه التجربة، ولا
يعلم بأن صعود أحد القرود الخمسة سيترتب عليه تلقائيا صب الماء البارد على القرود
الأربعة المتبقيين.
شارك القرد الجديد في التهجم على أي قرد
يحاول التسلق، إنه لم يكن كبقية القرود، ولم يكن يعرف السبب الذي جعلهم يهجمون على
أي قرد يتسلق، ولكنه مع ذلك ظل يشارك قرود القفص في عمليات الهجوم التي ينفذونها
ضد أي قرد يحاول الوصول إلى الموز. بعد ذلك أبدل صاحب التجربة قردا ثانيا من
القرود الذين عاصروا زمن صب الماء البارد بقرد جديد. ظل صاحب التجربة يبدل قردا من
الخمسة قرود بقرد آخر حتى أصبحت مجموعة القرود داخل القفص تتكون من خمسة قرود لم يصب على أي واحد منهم ماءً باردا، ولكنهم مع ذلك
ظلوا يسارعون في الهجوم على أي قرد يحاول أن يصل إلى الموز المعلق بأعلى القفص.
لقد أصبحت عملية الهجوم على أي قرد يحاول
التسلق عملية تلقائية وآلية يشارك فيها الجميع، وذلك رغم أنه لا قرد من القرود
المشاركة في تلك العملية كان يعرف السبب الذي يجعله يسارع إلى الهجوم على أي قرد
يحاول أن يصعد إلى الموز المعلق.
لقد كانت مجموعة القرود الجديدة تقوم بأفعال
لا تعرف لماذا تقوم بها، وكل ما في الأمر هو أن القرود الجدد كانوا قد شاهدوا أمة
من القرود قد خلت كانت تقوم بذلك الفعل.
لقد تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد تنافس
القبائل والقرى والمدن في التطبيل والتصفيق والتملق للرئيس. لقد ظهر لدينا جيل
جديد من المصفقين والمطبلين يسارع دائما إلى التطبيل والتصفيق، ولكن لا أحد في هذا
الجيل يعرف لماذا هو يصفق ويطبل، وكل ما
في الأمر هو أن هذا الجيل الجديد من المصفقين والمطبلين كان قد شاهد أمة قد خلت من المطبلين والمصفقين
كانت ـ وما تزال إلى الآن ـ تطلق
المبادرات وتتنافس في إظهار الولاء للرؤساء وقد استفادت تلك الأمة من ذلك، وذلك
لأنها كانت قد عاصرت رؤساء كانوا يجودون بالمال وبالوظائف لكل من يطبل ويصفق لهم. أما
الرئيس الحالي فإنه يريد من الجميع أن يصفق له وأن يطبل، ولكنه معه ذلك، وعلى العكس
ممن سبقه من الرؤساء، فقد ظل يبخل على المصفقين بالأموال وبالوظائف.
لقد فهم الرئيس الحالي سلوك المطبلين
والمصفقين، ولقد علم بأنهم حتما سيصفقون له وسيطبلون، وسيتنافسون في ذلك، ما دام
هو الرئيس. سيصفقون له وسيطبلون حتى وإن بخل عليهم بأقل شيء، كأن يبتسم لهم مثلا
بشكل عابر أو يصافحهم بشكل خاطف، إذا ما اصطفوا له في يوم مشمس ـ ولساعات طوال ـ
في انتظار تلك الابتسامة العابرة أو تلك المصافحة الخاطفة.
لقد فهم الرئيس الحالي سلوك المصفقين
والمطبلين، تماما كما فهم صاحبنا في القصة السابقة سلوك القرود. وإذا كان صاحب
القرود قد علم بأنه لم يعد بحاجة لصب الماء البارد حتى يجبر القرود على فعل معين،
فإن الرئيس الحالي قد علم هو أيضا بأنه لم يعد بحاجة لصب المال والوظائف على رؤوس
المصفقين والمطبلين والمتملقين، لإجبارهم على القيام بأفعال معينة.
أحد أصدقائي وهو يعمل لحسابه الخاص، وقد
أغناه الله عن عطايا السلطة، أخبرني بأنه كان
قد أنفق مالا كثيرا لتجهيز استقبال لائق بالرئيس في القرية التي ينحدر منها،
ولم يستفد صديقي هذا، ولا مجموعته، ولا قريته من زيارة الرئيس، وذلك رغم أنهم
كانوا قد أنفقوا مبالغ طائلة في حفل استقبال الرئيس.
الطريف في الأمر أني لما سألت صديقي هذا إن
كان سيكرر التجربة إن قرر الرئيس أن يكرر زيارة قريتهم فإذا به يؤكد لي بأنه
سيكررها، وبأنه قد ينفق أكثر مما أنفق في المرة السابقة، حتى وإن كان لا يعرف
السبب الذي يجعله ينفق من ماله الخاص، ولا السبب الذي يجعله يذهب إلى القرية
لاستقبال الرئيس في هذه الأيام الحارة جدا.
قبيل زيارة الرئيس لمدينة "روصو" تبرع عدد من التجار بنصف مليون أوقية
لإنجاح زيارة الرئيس، ولكن، وقبيل وصول
الرئيس بساعات شب حريق في السوق، وتضرر منه التجار الذين كانوا قد تبرعوا بنصف
مليون أوقية لإنجاح زيارة الرئيس.
تضرر من ذلك
الحريق، وحسب ما جاء على لسان أحد الضحايا:35 تاجرا، وخلف خسائر قدرها التجار ب 120مليون
أوقية.
الرئيس لم
يزر السوق المتضرر خلال زيارته "التفقدية" لمدينة "روصو"، ولم
يستقبل ممثلي الضحايا الذين حاولوا ـ
وبشتى الوسائل ـ أن يلتقوا به خلال الزيارة، وذلك رغم أنهم كانوا قد تبرعوا بنصف
مليون أوقية لإنجاح الزيارة
هذا ما حدث
مع أولئك التجار، ولكن ورغم ذلك فإن نفس التجار لن يبخلوا بإنفاق المزيد المال،
ولا بالاصطفاف لساعات طوال تحت الشمس
الحارقة، إذا ما قرر الرئيس أن يزور من جديد مدينتهم، بل إنه قد يحصل أكثر من ذلك،
وقد تسمعوا أحد ضحايا حريق السوق وهو يشيد بإنجازات الرئيس إذا ما أتاحت له
التلفزة أو الإذاعة الرسمية الفرصة لأن يشيد بتلك الانجازات "العظيمة".
إن غالبيتنا تتصرف
ـ وفي كثير من الأمور ـ وفق سيكولوجية القرود الخمسة، فإلى متى يظل كل واحد منا
يقبل بأن يكون سادس القرود الخمسة؟ ألم يحن الوقت لأن يقرر كل واحد منا أن يتوقف
عن لعب دور سادس القرود الخمسة؟
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق