كثيرا ما
يقول البعض بأن قناة الجزيرة ما هي إلا قناة بيد أمريكا والعدو الصهيوني، وبأنهما،
أي العدو وأمريكا، يستخدمان هذه القناة من وراء ستار لإحداث الفتن في الدول
العربية ولتفكيكها ولإضعاف الأنظمة "الممانعة" ولإشعال ثورات تأتي على
كل أخضر ويابس في بلاد العرب والمسلمين.
لا بأس دعونا
نصدق هذا الكلام، ودعونا أيضا نصدق بأن إمارة قطر (مالكة قناة الجزيرة) ما هي
بدورها إلا عميلة لأمريكا وللعدو الصهيوني، كما يقول أولئك، يستخدمانها كيفما شاءا، وفي كل ما يمكن أن يضر العرب
والمسلمين، تماما، مثلما يفعلان بقناة الجزيرة.
لا بأس سنصدق
كل ذلك، ولكن ليسمح لنا القوم بأن نسألهم هذا السؤال البريء أو غير البريء، لا يهم:
فلماذا لا
تستخدم أمريكا والعدو الصهيوني قناة الجزيرة وقطر في هذه اللحظة الحرجة التي تمر
بها الدولتان والتي جعلتهما تعيشان في مأزق حقيقي بعد سلسلة من العمليات المفاجئة
و النوعية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية خلال الحرب على غزة؟
ولأي شيء
تدخر أمريكا والعدو الصهيوني قطر والجزيرة إذا لم يتم استخدامهما في مثل هذا الوقت
الحرج؟
ألا تشكل هذه
المرحلة منعرجا خطيرا في تاريخ العدو الصهيوني، وفي تاريخ صراعه مع المقاومة
الفلسطينية؟ أوَ لا يشعر العدو بأن نتائج
ما يحدث الآن هي التي سترسم مستقبل الصراع مع المقاومة الفلسطينية؟ أوَ لا
يفرض ذلك على العدو أن يستخدم ـ ودون أي تأخير أو تأجيل ـ كل ما يملك من أسلحة، سواء كانت تلك الأسلحة
عسكرية أو إعلامية أو مخابراتية لكسب الحرب الجارية الآن، وبما في ذلك سلاح
الجزيرة وقطر؟
ودعونا نسأل
أيضا عن السبب الذي جعل وزير خارجية العدو يطالب في مثل هذا الوقت بالذات بوقف عمل
قناة الجزيرة عقابا لقطر التي اعتبرها ممولا للإرهاب في الشرق الأوسط؟ فهل قال
وزير خارجية العدو ذلك ليوهمنا أكثر بأن الجزيرة وقطر هما من أعداء العدو، وليستا
من أصدقائه، وذلك حتى نقتنع أكثر بأن الجزيرة وقطر هما من أشد أعداء العدو
الصهيوني إلى أن يحين الوقت المناسب الذي سيستخدمهما ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب
والمسلمين؟
فبالله عليكم
أخبروني متى ستأتي تلك اللحظة التي يدخر لها العدو قناة الجزيرة وإمارة قطر؟
أجيبوني
يرحمكم الله، فأنا لا أملك خيالا واسعا مثل خيالكم، وأنا لا أملك عقلا كبيرا مثل
عقولكم الكبيرة، ولأني كذلك، فإني أستطيع أن أقول، وبكل ثقة، بأنه لو كانت قناة الجزيرة وإمارة قطر عميلتين
للعدو الصهيوني، ولو كان العدو يتحكم فيهما، كما تدَّعون، لاستخدمهما الآن، وبشكل
مكشوف، في حربه على غزة، تماما كما استخدم النظام الحاكم في مصر، وكما استخدم بعض
وسائل الإعلام وبعض الأبواق التابعة له للسخرية من المقاومة ومن أسلحتها "العبثية"
التي لا تتعدى بعض أعواد الثقاب، وبعض الألعاب النارية، وبعض الصواريخ المصنعة من
مواسير المياه، حتى وإن كان سيظهر، وفي الأيام الأولى من الحرب على غزة بأن أعواد
الثقاب هي أكثر فتكا وبطشا بالعدو الصهيوني من كل الأسلحة المتطورة التي تملكها
الجيوش العربية "العظيمة"، والتي لا يتم استخدامها إلا في حرب مع شعب
عربي مسالم، أو مع جيش دولة عربية شقيقة.
وما قلته عن
الجزيرة وعن قطر ينطبق تماما على حركة الإخوان المسلمين، والتي يصنفها نفس القوم،
على أنها هي العميل الثالث الذي تستخدمه أمريكا والعدو الصهيوني لإحداث فتن في
الدول العربية، خاصة تلك الدول العربية التي كان يعول عليها كثيرا في الصراع
العربي الصهيوني.
سنصدق أيضا
بأن الإخوان هم عملاء لأمريكا وللصهاينة، وبأن الحركات القومية هي من يقف الآن ضد
المؤامرات الخطيرة التي تحيكها أمريكا
والعدو الصهيوني ضد العرب والمسلمين، سنصدق كل ذلك، وسنصدق أيضا بأن تعلق وتمسك ما
تبقى من الحركات القومية بما تبقي من أشلاء المستبدين العرب هو لصالح العرب
والمسلمين، سنصدق كل ذلك، وسنصدق بالإضافة إلى كل ذلك، بأن انخراط الإخوان في
الثورات العربية ما هو إلا لمصلحة أمريكا والصهاينة.
سنصدق كل
ذلك، ولكن يبقى السؤال: فلماذا ينخرط الإخوان في كل الحركات المقاومة اليوم
لأمريكا وللعدو الصهيوني، وذلك في وقت تغيب فيه الحركات القومية، أو ما تبقى منها،
عن كل التنظيمات التي تقاوم العدو، أو عن تلك التي تقف في وجه الاستبداد؟
وتبقى كلمة :
لستُ راضيا عن إمارة قطر، ولا عن قناة الجزيرة، ولا عن تنظيم الإخوان، ولدي
انتقادات كثيرة لإمارة قطر، ولقناة الجزيرة،
ولتنظم الإخوان المسلمين، ولكني مع ذلك أستطيع أن أقول، وبكل اطمئنان، بأن
خير الدول العربية في زماننا هذا هي دولة قطر، وبأن قناة الجزيرة هي خير قناة
يملكها العرب والمسلمون اليوم، وبأن حركة الإخوان هي الأفضل من بين كل الحركات
والتنظيمات السياسية الموجودة في هذا
الزمن العربي الرديء .
حفظ الله
موريتانيا، وحفظ الله العرب والمسلمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق