ما حدث يوم أمس في سوق العاصمة
المركزي لم يكن حدثا عابرا، ولم يكن هو الأول من نوعه، بل كان حدثا من بين سلسلة
من الأحداث المقلقة، والتي تكررت كثيرا في السنوات الأخيرة دون أن تجد من يتوقف
عندها.
فأن يحتج الباعة الصغار على السلطة،
فذلك أمر طبيعي جدا، وأن يعبروا عن سخطهم وعن غضبهم لما يتعرضون له من ظلم أمام
مؤسسة أو إدارة حكومية، فذلك أيضا أمر طبيعي جدا، بل إنه أمر مطلوب وضروري لرفع
الظلم عنهم.
أما أن يتوجه أولئك الباعة الصغار إلى
تجار آخرين، فيشتمونهم ويخاطبونهم بعبارات عنصرية ،ويهددونهم، ويرغمونهم على أن
يغلقوا محلاتهم، فإن ذلك ليس بالأمر الطبيعي، بل إنه لأمر مقلق ومخيف خصوصا عندما
يأتي في ظل خطاب عنصري متصاعد يحاول أن يحمل شريحة معينة ما تتعرض له شريحة أخرى،
بدلا من أن يتم تحميل تلك المظالم للسلطة الحالية أو للأنظمة التي سبقتها في حكم
البلاد.
ما حدث في سوق العاصمة ما هو إلا حدث
من بين سلسلة من الأحداث المشابهة، فنحن لا زلنا نتذكر ما قام به بعض مستقبلي
مسيرة العائدين القادمين من بوكي، والذين تهجموا على مواطنين أبرياء واعتدوا على
ممتلكاتهم بعد أن سبوهم وشتموهم ووصفوهم بأقبح الأوصاف. ونفس الشيء كان قد حدث سابقا
في بعض المسيرات التي نظمتها حركة لا تلمس جنسيتي.
هذه السلسلة من الأحداث أصبحت تثير
القلق، خاصة وأنا أصبحنا نسمع في المقابل أصواتا عنصرية متصاعدة من بعض أبناء
الشريحة المستهدفة دائما في مثل هذه الأحداث، خاصة من أولئك الفقراء من تلك الشريحة، والذين رغم ما يتعرضون
له من تهميش وإذلال وإقصاء من طرف السلطات الحاكمة، إلا أنهم ورغم ذلك، فإنهم
كثيرا ما يتم تحميلهم كل ما تتعرض له الشرائح والأعراق الأخرى من ظلم ومن إقصاء.
إن هذه الظاهرة الخطيرة يجب أن يتم
التصدي إليها الآن، ولكن بحكمة وبعقل، وذلك لأنه إن لم يتم التصدي إليها الآن،
فإنها قد تستفحل في القادم من الأيام، وقد تتسبب في ردود أفعال طائشة، وهو ما قد
يدخل البلاد في فتنة لا قدر الله، تعود على الجميع بالضرر الكبير.
المقلق في الأمر بأنه لم يلح في الأفق
حتى الآن بأنه سيكون هناك أي اهتمام بالوقوف أمام مثل هذه الأحداث الخطيرة،
فالدولة، أو على الأصح السلطة القائمة، والتي كان عليها أن تلعب الدور الحاسم في
التصدي لهذه الظاهرة المقلقة، فهي مشغولة عنها بتفكيك الأحزاب السياسية، وبإضعاف
المعارضة، وبتشريع المأمورية الجديدة.
والسلطة بالإضافة إلى ذلك، فهي أيضا
مقصرة في حق المستضعفين في هذا البلد، وهو الشيء الذي يعطي تبريرا للخطابات
العنصرية، ولعل ردود فعل السلطة على نكبة أمبود هو خير دليل على هذا الكلام.
تقصير الحكومة في إغاثة أمبود قد جعل
البعض يعتبر بأن ذلك التقصير قد كان لأسباب عنصرية بحتة، ويذكر أولئك بكارثة الطينطان،
وبمستوى التدخل الرسمي والشعبي الذي تم في ذلك الوقت، والذي كان من بينه إنشاء
مؤسسة لإعمار مدينة الطيطان، ورغم أنه لا يمكن المقارنة بين حجم الكارثتين، إلا أن
مستوى التجاهل الرسمي لكارثة أمبود لابد أن يبعث القلق لدى الكثيرين، خاصة إذا ما
تمت مقارنته بردة الفعل الرسمية أو الشعبية لكارثة الطيطان.
أيضا كارثة أمبود كانت قد تزامنت مع
الحرب على غزة، والتي لقيت تعاطفا شعبيا كبيرا في موريتانيا، والتي تم جمع
التبرعات لها من أكثر من جهة، ومع أن ما يحدث في غزة لا يمكن مقارنته بأي حال من
الأحوال مع ما تعرضت له أمبود، أو ما تعرضت له الطينطان، إلا أن التعاطف الكبير مع
غزة، والتجاهل المطلق لكارثة أمبود قد جعل البعض ممن يحاول دائما أن يصطاد في
المياه العكرة، بأن يدعي بأن هناك شريحة معينة، لا يزال أغلب أبنائها، يعتبر بأن أواصر الأخوة التي تربطه بالأشقاء
العرب والمسلمين هي أقوى من أواصر الأخوة التي تربطه ببعض أبناء بلده من الشرائح
والأعراق الأخرى.
وحتى لا أطيل في مثل هذه الأمور،
والتي قد أعود لها في مقالات أخرى، فإني سأكتفي هنا بأن أقول بأنه كان ينقصنا ـ
على الصعيد الرسمي والشعبي أيضا ـ الكثير
من الذكاء في تعاملنا مع كارثة أمبود.
ولم يخذلنا الذكاء فقط عند تعاملنا مع
كارثة أمبود، بل إنه كثيرا ما كان يخذلنا عند تعاملنا مع كل القضايا الوطنية
الشائكة، والتي من بينها طبعا تعاملنا مع الظواهر الخطيرة التي ظهرت في السنوات
الأخيرة، والتي تجعل البعض بدلا من أن يتجه إلى السلطة للتعبير عن غضبه، وللاحتجاج
لكي يرفع عنه الظلم، يضل الطريق، فيذهب إلى مواطنين أبرياء فيشتمهم ويسبهم وكأنهم
هم من يتحمل المسؤولية الكاملة فيما يتعرض له من ظلم.
من حقنا أن نقلق، خاصة في هذه المأمورية
التي ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات، والتي ستتصاعد فيها مثل تلك الأحداث،
فالسلطة الحالية يبدو أنها لا تعي خطورة مثل هذه الأحداث، وهي منشغلة عنها بتشريع
المأمورية، وبتجديد الطبقة السياسية، وبإقصاء المعارضة، وبخلق معارضة جديدة يرتكز
خطابها على أساس عنصري متين، يحاول أن يُحمل لشريحة واحدة من هذا البلد كل المصائب
والمظالم التي تتعرض لها بقية الشرائح والأعراق الأخرى.
حفظ الله موريتانيا..
بالفعل هه الظواهر خطيرة تهدد سلم الاجتماعي للبلد ,اما بخصوص مسيرة اللجعين ,فان تصرفهم تجاه شريحة البيظان المتتسبب الرئيسي فيها هو النظام لو انهم كانوا ينون الاعتداء على البيظان لماذا قطعوا 250 كلم لم نسمع عنهم انهم تعرضوا لاي مواطن. فلم يصدر منهم لك تصرف الا بعد ان منعتهم الدولة من حقهم الطبيعي في المطالبة بحقوهم بينما يشاهدون يوما المواطنون يعبرون عن مطالبهم ولا يعترضهم احد. ماذا تتوقع من مواطن هجر من ارضه وصودرت ممتلاكاته ويرى الاخرين يسكنون ارضه ويزرعون مزرعته بينما هو يسكن في العراء لا ماء ولا زرع في نظره ان الدولة يسيطر عليها طائفة واحدة, اتريد من انسان بلغ هذه المرحلة من اليأس تجاه دولته ان يتصرف بتصرف عقلاني تصرف الفلاسفة!!!!
ردحذف