يقال بأن
النابغة الذبياني هو صاحب هذه التعليقات التي سيتم تقديمها في هذا المقال، ويقال
بأنه كان قد علق بها من تحت قبته التي كانت تضرب له في سوق عكاظ، وذلك لما احتكم
إليه ثلاثة من الشعراء، وهم : حسان بن ثابت، والأعشى، والخنساء. ويقال أيضا، وهذه هي
الرواية التي سأعتمدها في هذا المقال، بأن هذه التعليقات جاءت على لسان الشاعرة الخنساء،
وكانت مناسبتها أن الشاعر حسان بن ثابت اعتلى المنبر في سوق عكاظ، ليلقي قصيدة من مائة
بيت، ولكنه ما كاد أن يكمل بيتها الأول، حتى وقفت الخنساء، وعددت له سبعة مآخذ في ذلك
البيت، فما كان من حسان إلا أن قرر أن يتوقف عن إلقاء قصيدته أمام الناس، وذلك خوفا من المزيد من الإحراج.
وهذا هو مطلع
قصيدة حسان:
لنا الجفنات
الغر يلمعن بالضحى++++++++ وأسيافنا يقطـرن مـن نجـدة دمـا.
وجاء في
الرواية بأن الخنساء قد خاطبت حسان قائلة: لقد ضعّفت افتخارك وأبرزته في ثمانية
مواضع، قلت ( لنا الجفنات) والجفنات ما دون العشر فقللت العدد، ولو قلت (الجفان)
لكان أكثر. وقلت (الغر) والغرة البياض في الجبهة، ولو قلت (البيض) لكان أكثر
اتساعاً. وقلت (يلمعن) واللمع شيء يأتي بعد الشيء ولو قلت (يشرقن) لكان أكثر، لأن
الإشراق أدوم من اللمعان. وقلت (بالضحى) ولو قلت (بالعشى) لكان أبلغ في المديح لأن
الضيف بالليل أكثر طروقاً. وقلت (أسيافنا) والأسياف دون العشر، ولو قلت (سيوفنا) لكان أكثر. وقلت ( يقطرن) فدللت على قلة
القتل، ولو قلت ( يجرين) لكان أكثر لانصباب الدم. وقلت (دماً)، ولو قلت الدماء
لكان أبلغ، فالدماء أكثر من الدم.
وبالرغم من
أن هذه الانتقادات ستجد فيما بعد من يفندها، وبالرغم من أنه لا خلاف على أن حسان كان
يعد واحدا من كبار شعراء زمانه، إلا أن كل ذلك لم يمنع حسان رضي الله عنه من أن
يتوقف عن إلقاء قصيدته تجنبا للمزيد من الإحراج.
توقف حسان
لرجاحة عقله، ولحكمته، وهذه الحكمة التي تصرف بها الشاعر حسان هي التي افتقدها الحكماء
السبعة بعد صدور بيانهم الأول في نهاية مارس من العام الماضي، وهو البيان الذي كان
مليئا بالأخطاء الشنيعة، والتي لا يمكن قياسها، بأي حال من الأحوال، بالأخطاء
السبعة البسيطة التي جاءت في بيت حسان المذكور .
كان على
الحكماء السبعة، إن كانوا فعلا حكماء، أن يتوقفوا عند بيانهم الأول المثقل
بالأخطاء، كما توقف الشاعر حسان عند بيته الأول. ولكن الحكماء السبعة بدلا من أن
يتوقفوا فقد تمادوا في إصدار المزيد من البيانات الطائشة التي لا يمكن لأي عاقل أن
يصدق بأنها قد جاءت من حكيم واحد، فكيف إذا تعلق الأمر بسبعة من الحكماء، قيل
بأنهم فكروا، ثم تشاوروا، ثم قدروا، وذلك من قبل أن يقرروا؟
كان البيان
الأول الذي أصدره الحكماء السبعة مليئا بالأخطاء الشنيعة التي لا يمكن قياسها
بأخطاء حسان البسيطة، ومع ذلك فقد توقف الشاعر حسان عن إنشاد قصيدته الرائعة، ولكن
الحكماء السبعة لم يتوقفوا أبدا عن إصدار بياناتهم الغبية، ولا عن إطلاق المزيد من
المواعيد العبثية، ولا عن القيام بالمزيد من التصرفات الطائشة.
كان البيان
الأول للحكماء السبعة مثقلا بالأخطاء، والتي كان من بينها على سبيل المثال لا
الحصر: تحديد موعد للانتخابات لم يتم
احترامه فيما بعد، إصدار البيان دون أي تشاور مع الأحزاب السياسية، إرسال البيان
خلسة إلى بعض المواقع الإخبارية.
فبالله
عليكم، كيف ترضى لجنة مستقلة للانتخابات، تحترم نفسها، ويترأسها سبعة من أحكم
الحكماء في البلد، أن تصدر أول وأهم بيان
لها، تحدد من خلاله موعدا مفتوحا للانتخابات (من 15 سبتمبر إلى 15 أكتوبر) بتلك
الطريقة المثيرة للاستغراب، والتي ابتدعها الحكماء السبعة، والتي لم يسبقهم إليها
أحدٌ من العالمين؟
ألم يكن من
المفترض أن يتم الإعلان عن موعد الانتخابات من خلال مؤتمر صحفي مشهود تنظمه اللجنة
المستقلة للانتخابات، وتدعى له كل القوى السياسية، وكذلك كل الصحافة الوطنية
والدولية؟
فلماذا قرر
الحكماء السبعة أن يعلنوا عن ذلك الموعد من خلال بيان خجول، تم إرساله خلسة لبعض
المواقع الوطنية دون غيرها؟ ولماذا قبل أولئك الحكماء السبعة أن تحذف الوكالة
الموريتانية للأنباء بيانهم بعد ساعات من نشره؟ ولماذا قبلوا بأن لا تعيد التلفزة
الموريتانية الحديث عنه، ولو بشطر كلمة، في نشراتها الإخبارية المتتالية؟
لا يمكن لأي
منا أن يجيب على أي واحد من تلك الأسئلة ما دام يصدق بأن في اللجنة المستقلة سبعة
من الحكماء. فبالله عليكم، هل مثل هذه التصرفات البائسة والطائشة والعابثة يمكن أن
تصدر من أنصاف، أو من أرباع، أو من أثمان العقلاء، فكيف إذا تعلق الأمر بلجنة يشرف
عليها سبعة من أحكم حكماء البلد؟
وبالله عليكم،
كيف تصدقون بأن تلك الطريقة البائسة التي تُسير بها اليوم موارد اللجنة المستقلة
للانتخابات يمكن أن تقبل بها لجنة على رأسها، أو على ذيلها، سبعة من أحكم حكماء
البلد؟
وبالله عليكم،
كيف تصدقون بأن عمليات اكتتاب موظفي وعمال اللجنة المستقلة للانتخابات، والتي
اعتمدت على أوقح أساليب الاكتتاب المعروفة في البلد، قد قامت بها لجنة يرأسها، أو
يتذيلها، أو يتوسطها، سبعة من أحكم حكماء البلد؟
وبالله عليكم،
هل يمكنكم أن تصدقوا بأن لجنة يترأسها سبعة من أحكم حكماء البلد، يمكن لها أن تنشر
على موقعها الرسمي لوائحها المعتمدة بلغة أجنبية، وذلك من قبل أن تترجمها على
الأقل إلى اللغة الرسمية للبلاد؟
المؤسف حقا،
والمزعج حقا، والمقلق حقا، هو أنه ومهما كانت قدرتنا على التنقيب والتفتيش، فإنه
لن يكون بإمكاننا حتى وإن فتشنا في كل بيانات وتقارير و تصرفات اللجنة المستقلة
للانتخابات، بيانا بعد بيان، وتصرفا بعد تصرف، وتقريرا بعد تقرير، أن نجد أي شيء، يمكن
أن نعتمده كدليل على أنه توجد ذرة من حكمة في عقول الحكماء السبعة.
ولو كانت
هناك ذرة من حكمة لسمعتم عن استقالة جماعية للحكماء السبعة، تأتي من قبلها، ومن
بعدها كذلك، بيانات اعتذار كثيرة عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها أولئك الحكماء
السبعة، في حق الشعب الموريتاني، وفي حق ديمقراطيته الناشئة.
وقديما قيل
بأن الحكيم هو من يتعلم من غيره، ولو كان في اللجنة المستقلة حكيم واحد لتعلم من
دول افريقية عديدة شهدت فتنا وحروبا طاحنة، كانت بسبب تنظيم انتخابات غير توافقية،
وغير شفافة.
حفظ الله
موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق