صادق مجلس
الوزراء في اجتماعه الماضي على مشروع مرسوم يقضي بإنشاء مؤسسة عمومية تدعى
"الوكالة الوطنية لمحاربة مخلفات الرق وللدمج ولمكافحة الفقر". وجاء في بيان مجلس
الوزراء بأن هذه الوكالة ستستخدم جميع السبل المتوفرة من أجل خلق فرص تشغيل جديدة،
وتعزيز قدرات الرفع من الدخل والدمج الاجتماعي لصالح الفئات الأكثر تضررا، وذلك من
أجل تقليص الفوارق وتشجيع اللحمة الاجتماعية.
بدءا لا بد
من الترحيب بالإعلان عن إنشاء مثل هذه الوكالة، والتي تأخر كثيرا الإعلان عن
تأسيسها، ولكن ومن وحي تجارب سابقة فإنه لا بد من التذكير بأن الإعلان عن إنشاء
وتأسيس إدارات ووكالات لا يكفي لوحده. فهذه الوكالة يمكن أن تتحول إلى وكالة (بفتح
الواو وتشديد الكاف) تبتلع الأموال الطائلة، ودون أن تضيف أي تحسن في واقع الفئات
والشرائح المستهدفة.
إن هذه
الوكالة لن تنجح في مهامها إذا لم يؤخذ عند تأسيسها بجملة من الشروط والاعتبارات،
والتي قد يكون من أهمها:
1 ـ أن يختار
لهذه الوكالة طاقما متميزا له القدرة على تصور وإعداد البرامج، وله القدرة كذلك
على تنزيل تلك البرامج إلى الواقع الميداني حتى يلمسها المستهدفون في واقعهم
المعيشي، خصوصا منهم أولئك الذين يعيشون في "أدوابة" وفي ظروف مزرية. كما
أن ذلك الطاقم يجب أن يختار ممن شُهِد له بالاستقامة وبحسن التسيير، وما أقل مثل
أولئك في إدارتنا.
2 ـ إن هذه
الوكالة يجب أن لا ينظر إليها بوصفها قادرة لوحدها على القضاء على مخلفات الرق، بل
يجب أن ينظر إليها على أنها تدخل في إطار إستراتيجية وطنية شاملة تسعى لمحاربة
الرق ومخلفاته.
فأن ترفض
مثلا الحكومة ولسنوات ثلاث الترخيص لحراس المستقبل، تلك الجمعية التي كانت تسعى
لأن تجعل من مكافحة الظاهرة ومخلفاتها عملا وطنيا يجب أن يشارك فيه الجميع
ميدانيا، ويجب أن لا يظل مقتصرا على نشطاء الشريحة المتضررة. وهذا هو الذي جعل مشروع
"حراس المستقبل" يسعى جاهدا للحصول على ترخيص لمزاولة مهامه، وذلك بعد
أن جمع المئات من المثقفين والعلماء، والفنانين،
والصحفيين، والمعارضين والموالين، والنشطاء في المجتمع المدني، ومن مختلف الشرائح
والأعراق في تشكلة فريدة من نوعها، وذلك لكي يساهم ـ وبشكل فعال ـ في محاربة ظاهرة
الاسترقاق ومخلفاته. فأن ترفض الحكومة الترخيص لمثل هذه المنظمة الفريدة من نوعها
فذلك قد لا يبشر بخير على مستقبل الوكالة الجديدة.
وأن لا تسارع
الحكومة في تلبية مطالب الحمالين، وفي الاستجابة الفورية إلى المشروع منها، فذلك
أيضا قد لا يبشر بخير على مستقبل هذه الوكالة، خصوصا أننا نعرف بأن هذه الفئة من
العمال تقتات على دخلها اليومي، وهي عندما تقرر أن تدخل في إضراب فذلك يعني
تلقائيا أنها ستفقد قوتها اليومي، لذلك فلا يعقل أن يقرر مثل هؤلاء الدخول في إضراب إلا إذا وصل ظلمهم إلى مستويات
لم يعد بالإمكان تحملها.
إن دخول
الحمالين في إضراب وهم الذين ينتشر في صفوفهم الجهل، وقلة الوعي بالحقوق، وهم
الذين يعيشون من الدخل المتواضع والمتحصل مما يحملونه يوميا على ظهورهم، فأن يدخل
أولئك في إضراب فذلك يعني بأن الظلم الواقع عليهم لم يعد بالإمكان تحمله، وهو ما
يفرض على هذه الحكومة التي أنشأت وكالة لمحاربة مخلفات الرق أن تستمع وبشكل فوري
لمطالب أولئك، وأن تستجيب ـ وبشكل فوري أيضا ـ لكل ما يمكن أن يستجاب له من تلك
المطالب.
وفي الختام
فإني أتمنى ـ كغيري من الموريتانيين ممن يدركون خطورة التمادي في تجاهل هذه
الظاهرة ومخلفاتها ـ أن لا تولد هذه الوكالة الجديدة وهي ميتة، وأن لا يكون مصيرها
كغيرها من الإدارات والوكالات والهيئات التي تم تأسيسها لتحقيق أهداف نبيلة،
ولكنها ورغم نبل الأهداف التي كانت وراء تأسيسها، إلا أنها مع ذلك لم تحقق شيئا
مذكورا.
حفظ الله
موريتانيا ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق