في رحلة خاطفة
قادتني إلى مضارب بني تميم، قابلت شيخا من تلك القبيلة العريقة، ولقد حاول ذلك الشيخ
أن يتعرف عليَّ من خلال أسئلة لم أستطع الإجابة عليها، أسئلة تتعلق بأفخاذ القبائل،
وببطون العرب. ولأن الشيخ فشل في التعرف على نسبي وحسبي من خلال أسئلته تلك، والتي
لم أستطع أن أجيب على أي منها، فقد حاول أن يتعرف عليّ بطريقة أخرى تعتمد على مثل
أو حكمة قديمة تقول: قل لي من تصاحب أقول لك من أنت؟
ـ حدثني عن
صديقك؟ هكذا سألني شيخ بني تميم.
ـ يا شيخ تلك
كلمة قديمة كانت تصلح لزمانكم القديم، لكنها لم تعد تصلح لزماننا الذي جئتكم منه، فأنا
مثلا لديّ آلاف الأصدقاء فأيهم تريدني أن أحدثك عنه؟
ـ هل حقا قلت
آلاف الأصدقاء؟ يُخيّل إليّ بأني لم أسمعك جيدا.
ـ بل بالعكس
لقد سمعتني جيدا، فأنا فعلا قلت لك بأن لديّ آلاف الأصدقاء، وتحديدا لديّ 4384
صديقا، و632 متابعا، وبالمناسبة فأنا لست من أكثر أهل زماني أصدقاءً، فهناك الكثير
من أصدقائي ممن تتجاوز سقف الخمسة آلاف صديقا، ولم يعد بإمكانه أن يُصادق شخصا
جديدا، إلا إذا حذف صديقا قديما.
ـ مهلا ..أنت
تتحدث بألغاز، وأرجو أن تفك لي طلاسم ألغازك..
ـ أنا لا
أتحدث بأي ألغاز، وإنما أتحدث بلغة زماننا.
ـ إذا لم تكن
تتحدث بألغاز، فأرني واحدا من الستمائة وزيادة الذين قلتَ بأنهم يتابعونك، فأنا لا
أرى الآن خلفك أي إنسان، أم أنك تتحدث عن متابعيك من الجن والشياطين؟
ـ لا، أنا
أتحدث عن متابعين من الإنس يتبعونني أينما نزلت وأين ما حللت.
ـ إذأ يا أخا
العرب رحمك الله، أرني واحدا من متابعيك الستمائة.
ـ لا يمكن لي
أن أريك أي واحد منهم من قبل أن تزورني في بيتي الافتراضي.
ـ هيا بنا
إلى بيتك الافتراضي، إذا لم يكن بعيدا من هنا.
ـ وهل تعتقد
بأنه يمكنك أن تدخل بيتي الافتراضي، وأنت بشكلك هذا، وبهيئتك هذه.
ـ وماذا
عليَّ أن أفعل لدخول بيتك ؟
ـ الأمر في
منتهى البساطة، ولكن لا أدري إن كنت ستفهم ما سأقول لك.
ـ ويحك .. كيف
جرؤت على قول ذلك، ألا تعلم بأنه يضرب بي المثل في بني تميم لشدة ذكائي، ولرجاحة
عقلي، ولسرعة فهمي!!
ـ حسنا، أرجو
أن تعذرني، فتلك زلة من زلات لوحة مفاتيح حاسوبي.
ـ بل زلة من
زلات لسانك يا هذا.
ـ يا لله
..ما ذا أقول ..إني لا أحدثك بلساني، أقسم لك بأني لا أحدثك بلساني، وإنما أحدثك من خلال
حاسوبي الشخصي، وإني أعلم بأنك لن تصدق هذا الكلام إلا بعد أن تزورني في بيتي
الافتراضي. ولزيارة بيتي الافتراضي عليك أولا أن تنشطر إلى شخصين: واحد من الشخصين سنتركه هنا
مع شخصي الواقعي. أما شخصك الثاني، أو صورتك الثانية فستذهب مع صورتي الثانية أو
شخصيتي الافتراضية إلى مملكة عظيمة من مماليك الروم، أسسها شاب من شباب الروم يدعى
"مارك زوكر بيرج"، وسنطلب منه أن يسمح لك بضرب خيمة في مملكته لتسكنها
شخصيتك الافتراضية الجديدة، ووقتها سيكون بإمكاني أن أريك متابعي وأصدقائي واحدا
بعد واحد رغم أنهم يعدون بالآلاف. كما سيكون بإمكاني أن أريك أشياء عجيبة لا أعتقد
بأنها قد خطرت لك يوما على بال.
ـ لقد شوقتني
لهذه المملكة العجيبة، لذلك أرجو أن تنتظرني هنا قليلا، حتى أنتزع خيمتي من مضارب
الحي، وآخذ حصيرا، وبعض المؤونة، ثم آخذ جملا من إبلي لأحمل عليه الخيمة والمؤونة، ثم نسافر بعد ذلك
إلى تلك المملكة العجيبة التي حدثتني عنها.
ـ نحن لا
نحتاج لأوتاد ولا خيمة، ولا لحصائر ولا لفراش، ولا لأي شيء من ذلك.
ـ بل نحتاج
لذلك، فأنا لن أقبل بأن أكون عالة على رجل من الروم.
ـ يا شيخ
العرب أرجو أن تصغي لي جيدا، في هذه المملكة لا تضرب خياما، ولا تبسط حصائر،
فالمساكن هناك هي مساكن افتراضية، وحتى الحائط الذي ستنشر عليه غسيلك، عفوا،
خواطرك وأفكارك هو مجرد حائط افتراضي لا توجد به لبنة واحدة.
ـ يبدو أنك
قد عدت إلى حديث الألغاز.
ـ هذه ليست
بألغاز، وما عليك إلا أن تذهب معي إلى مملكة مارك لأثبت لك بأن حديثي لم يكن حديث
ألغاز.
ـ أمهلني حتى
الغد، وذلك لأفكر في أمر السفر معك إلى مملكة شاب الروم، فيبدو أن السفر إلى تلك
المملكة العجيبة لن يكون بالحدث العادي.
يتواصل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق