علينا أن نعترف في هذه البلاد أننا لم نتمكن حتى الآن من فرض استقلالنا اللغوي، ولا من تحقيق السيادة اللغوية الكاملة على أرضنا، وذلك على الرغم من مرور 63 سنة على إعلان الاستقلال، و31 سنة على مصادقة الشعب الموريتاني على دستور 21 يوليو 1991، والذي تنص ديباجته ومادته السادسة على أن اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية هي اللغة العربية.
إن استقلالنا عن فرنسا سيبقى ناقصا ما لم نُحقق سيادتنا اللغوية، ولن تتحقق سيادتنا اللغوية ما دامت اللغة الفرنسية تحتل مساحات وفضاءات في التعليم والإدارة كان يجب أن تبقى حكرا للغتنا الرسمية.
ستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دامت إدارتنا تستخدم لغة أجنبية في مراسلاتها وفي مخاطبتها للمواطن، واستمرار استخدام لغة أجنبية في الإدارة لا يمسُّ فقط من سيادتنا اللغوية، بل إنه إضافة إلى ذلك يُبعد خدمات الإدارة من المواطن، ذلك أن الشرط الأول لتقريب خدمات الإدارة من المواطن يتمثل في مخاطبة المواطن بلغته الرسمية التي يفهمها أو يفترض فيه أنه يفهمها.
وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام حملة الشهادات العربية يقصون من الكثير من عمليات الاكتتاب وفرص العمل، وذنبهم الوحيد الذي يقصون بسببه، هو أنهم تعلموا بلغة بلدهم الرسمية.
وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام بعض الموظفين السامين يلقون خطاباتهم الرسمية بلغة أجنبية.
وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دامت الهيئات الدولية والبعثات الدبلوماسية والشركات الأجنبية العاملة في بلادنا ترفض العمل بلغتنا الرسمية، وترفض تبعا لذلك اكتتاب أي موظف أو عامل تعلم بلغة بلده الرسمية.
وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام البنك المركزي الموريتاني وبقية البنوك الأخرى وكل الشركات الكبرى العاملة في البلد، أجنبية كانت أو وطنية، لا تصدر عنها وثيقة واحدة باللغة الرسمية للبلد، وترفض في الوقت نفسه توظيف أي موريتاني لا يمكنه العمل بلغة أجنبية.
وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دام استخدام اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية يُعدُّ عيبا يُرفض بموجبه استقبال الملفات للمشاركة في الصفقات العمومية، وستبقى سيادتنا اللغوية ناقصة ما دامت الوزارات السيادية تعلن في منصات رسمية أنها لا تستقبل إطلاقا العروض المكتوبة باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.
لقد آن الأوان لأن نضع حدا لهذا الاستعمار اللغوي الذي لم نتحرر منه حتى الآن، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ستة عقود على إعلان استقلالنا عن الاستعمار الفرنسي.
إن استقلالنا اللغوي لن يكتمل، وإن سيادتنا اللغوية لن تتحقق إلا إذا قمنا بالآتي:
1 ـ التعريب الكامل للإدارة الموريتانية وفق جدول زمني قصير ومحدد، ولا بأس بالأخذ بالتدرج في ذلك؛
2 ـ منع استخدام اللغات الأجنبية في الخطابات الرسمية، والصرامة في ذلك، فالخطابات الرسمية يجب أن تكون باللغة الرسمية للبلد، وفي حالة تعذر ذلك تكون بإحدى لغاتنا الوطنية مع توفير الترجمة إلى اللغة الرسمية؛
3 ـ توفير مترجمين إلى اللغات الوطنية في المؤسسات الخدمية في المدن والمقاطعات التي يغلب فيها استخدام إحدى لغاتنا الوطنية.
إننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية لسنا ضد اللغة الفرنسية، بل إننا ندعو إلى جعلها لغة أجنبية أولى في موريتانيا، حتى وإن كانت المصلحة العليا للبلد تقتضي جعل اللغة الإنجليزية (اللغة العالمية الأولى في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية) هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا. إننا لسنا ضد إعطاء اللغة الفرنسية المكانة التي تُحظى بها أي لغة أجنبية أولى في أي بلد من بلدان العالم، ولكننا ضد السماح لهذه اللغة الأجنبية أن تحتل مساحات وفضاءات في التعليم والإدارة كان يجب أن تبقى حكرا للغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.
لقد آن الأوان لأن نخلد ذكرى الاستقلال تحت شعار: لا استقلال دون سيادة لغوية.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق