من المتوقع أن تكون أول جلسة للبرلمان الجديد في إنابته الجديدة، جلسة ناطقة بلغة أجنبية (اللغة الفرنسية)، وهو ما سيشكل انتهاكا صريحا للدستور الموريتاني، ومخالفة صارخة لما يجري في أغلب برلمانات العالم، حيث يحظر استخدام أي لغة أجنبية، لما يشكل ذلك من انتقاص للسيادة الوطنية.
ففي البرلمان الفرنسي مثلا يحظر استخدام أي لغة غير الفرنسية، وفي تونس التي تصل فيها نسبة المتحدثين باللغة الفرنسية إلى ما يقارب 50 % من الشعب التونسي، فإن المادة 104 من النظام الداخلي للبرلمان التونسي تحظر استخدام اللغة الفرنسية داخل البرلمان، وفي المغرب يحظر استخدام أي لغة غير العربية والأمازيغية داخل البرلمان المغربي، وهكذا في بقية برلمانات العالم.
رغم كل ذلك، فإنه يتم الآن التحضير لأن تكون أول جلسة للبرلمان الموريتاني في مأموريته الجديدة جلسة ناطقة بلغة أجنبية (اللغة الفرنسية)، ومبرر ذلك هو أن "عميد السن" في البرلمان الموريتاني حاليا النائب "موسى دمبا صو"، والذي سيترأس الجلسة بمساعدة خمسة من أصغر النواب لا يتحدث باللغة العربية (اللغة الرسمية لبلادنا)، ولذا تقرر اللجوء إلى اللغة الفرنسية لتكون هي لغة أول جلسة للبرلمان الموريتاني في إنابته الجديدة، وذلك بطبيعة الحال مما لا يبشر بخير على برلماننا الجديد.
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام، وبإلحاح، هو: لماذا لا يتم اللجوء إلى إحدى لغاتنا الوطنية ما دام رئيس الجلسة لا يستطيع التحدث باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية؟.
إن اعتماد اللغة البولارية ـ وهي إحدى لغاتنا الوطنية بنص المادة السادسة من الدستور الموريتاني ـ في جلسة انتخاب رئيس البرلمان له إيجابيات كثيرة لعل من أهمها:
1 ـ أنه عمل دستوري لا يمكن الطعن فيه، هذا فضلا عن كونه سيجنب البرلمان الموريتاني الوقوع في فضيحة كبرى يصعب أن تحدث في أي برلمان في العالم، وتتمثل تلك الفضيحة في استخدام لغة أجنبية وغير دستورية في أول جلسة لمؤسسة تشريعية تعدُّ من أهم مؤسسات السيادة في البلد.
2 ـ أنه سيمنح لواحدة من لغاتنا الوطنية (البولارية ) مكانة معتبرة، وذلك من خلال اعتمادها لغة رسمية لأول جلسة للبرلمان الموريتاني في مأموريته الجديدة؛
3 ـ أنه سيعزز من المكاسب المهمة التي تحققت للغاتنا الوطنية بعد التعديل الذي تم إجراؤه من طرف البرلمان السابق على المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وهي المادة المتعلقة بالترجمة الفورية داخل الجمعية الوطنية. إن هذا التعديل الهام أعطى مكانة معتبرة في البرلمان الموريتاني للغاتنا الوطنية، والتي أصبح يبث بها كل ما يجري داخله من مداولات ونقاشات من خلال قناة البرلمانية، وهو ما أتاح لكل موريتاني أن يُتابع ما يجري داخل برلمانه بلغته الأم. إن هذا المكسب الكبير الذي حققه البرلمان السابق يجب أن نحافظ عليه، ولن يكون بالإمكان المحافظة عليه إذا ما تم تشجيع بعض النواب على الحديث باللغة الفرنسية، وترجمة مداخلاتهم بتلك اللغة إلى كل اللغات الوطنية. إن مما يؤسف له هو أن بعض نوابنا الموقرين على استعداد تام للتخلي عن الحديث بلغته الأم إذا ما وفرت له الجمعية الوطنية ترجمة مداخلاته باللغة الفرنسية إلى لغاتنا الوطنية، وهذا مما كان يرفضه رئيس البرلمان السابق انتصارا للغاتنا الوطنية، وسعيا منه للتمكين لتلك اللغات داخل مؤسستنا التشريعية.
إن من واجب كل من يسعى حقا إلى تطوير لغاتنا الوطنية أن يدعم المطلب المتعلق باعتماد اللغة البولارية في أول جلسة للبرلمان الموريتاني في مأموريته الجديدة، وعلى أولئك الذين يرفعون شعار تطوير لغاتنا الوطنية وإعطاءها المكانة التي تستحق، أن يدركوا بأن تمسكهم بلغة أجنبية على حساب لغاتنا الوطنية سيشكل مستقبلا ـ كما شكل في الماضي ـ خذلانا للغاتنا الوطنية ووقوفا ضد تطويرها.
إننا نرجو من نوابنا الموقرين أن يبتعدوا عن استخدام لغة أجنبية في أول جلسة لهم، وأن يجعلوا من اللغة البولارية لغة تلك الجلسة، خاصة وأن الترجمة من هذه اللغة الوطنية وإليها متاحة داخل البرلمان ، وبشكل جيد، وهم إن فعلوا ذلك سيكونون قد خلدوا ذكرى نائب شجاع يرجع له الفضل بأنه كان أول نائب موريتاني يتحدث باللغة البولارية داخل البرلمان الموريتاني، وكان ذلك ذات ثلاثاء صادف الخامس من يونيو من العام 2012، أي قبل إحدى عشرة سنة من الآن.
رحم الله نائب بوكي السابق سي صمبا، والذي لا شك أننا سنفتقده يوم 19 يونيو 2023 في أول جلسة للبرلمان الموريتاني في إنابته الجديدة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق