من الأخطاء التي يقع
فيها أغلب الذين يكتبون في قضايا الشأن العام هو أنهم يركزون في العادة على النقد
أكثر من البحث عن المقترحات والحلول، ولذا فإنه من الضروري جدا أن يخصص من يكتب في
قضايا الشأن العام بعض كتاباته لتقديم مقترحات وحلول يرى بأهميتها. في هذا المقال
سأحاول أن أقدم مقترحا تم تفصيله على مقاس شخصيتين وطنيتين، وسيهتم هذا المقترح
بقضيتين شائكتين تحتاجان إلى تضافر جهود الجميع من أجل إيجاد حلول ناجعة لهما.
هذا المقترح ليس
موجها للسلطة الحاكمة، وذلك على الرغم من أن الكثير منا يعتقد خاطئا بأن المقترحات
والحلول يجب أن توجه حصرا إلى السلطة لأنها هي المعنية ـ أولا وأخيرا ـ بإيجاد
حلول للقضايا الوطنية الشائكة. هذا المقترح موجه إلى شخصيتين وطنيتين، وتم تفصيله
على مقاسهما، وهو يهتم بقضيتين شائكتين: الأولى تتعلق بالديمقراطية وتنميتها،
والثانية تتعلق بظاهرة الاسترقاق ومخلفاته.
يهدف هذا المقترح إلى
تأسيس منظمتين مدنيتين تتفرغ واحدة منهما للتنمية الديمقراطية، وتتفرغ الثانية
لمحاربة مخلفات الاسترقاق من خلال نضال تنموي ميداني فعال.
هذا المقترح موجه إلى
الرئيسين أحمد داداه ومسعود ولد بلخير، ويشترك الرئيسان في :
1 ـ أن كل واحد منهما
أصبح رمزا وطنيا بفضل ما قدم من تضحيات، فالرئيس أحمد داداه سيبقى رمزا للنضال
الديمقراطي في موريتانيا، والرئيس مسعود ولد بلخير سيبقى رمزا للنضال ضد الاسترقاق
ومخلفاته.
2 ـ يشتركان أيضا في
كون كل واحد منهما قد بلغ قمة العطاء في مساره السياسي التقليدي، ولم يعد بإمكانه
أن يضيف جديدا في هذا المجال، وبذلك فقد أصبح الاستمرار في المسار التقليدي يعني المزيد
من التراجع. لم يعد بإمكان أي أحد منهما أن يحقق في المجال السياسي أفضل مما حقق
في العام 2007، ففي ذلك العام حصل أحمد داداه
على ما يقترب من نصف أصوات الشعب الموريتاني في الشوط الثاني، كما حصل حزبه على
عدد معتبر من النواب والعمد والشيوخ، وحصل مسعود بموجب صفقة الشوط الثاني على
رئاسة الجمعية الوطنية مع أربعة وزراء في حكومة الزين ولد زيدان. كانت قمة العطاء والنجاح بالنسبة لهما في العام
2007، وما حدث بعد ذلك كان تراجعا لهما، وكانت وتيرة التراجع بالنسبة للرئيس مسعود
أسرع وأشد وضوحا.
3 ـ يشتركان كذلك في
كونهما يخوضان هذه المرة أول استحقاقات رئاسية لا يلعبان فيها الدور الرئيسي
والأساسي، فكلاهما بسبب عدم إمكانية الترشح أصبح يلعب الآن دورا ثانويا مع وجود
فارق، فأحمد داداه اتخذ الموقف السياسي الأنسب بدعمه للمرشح محمد ولد مولود، بينما
لم يعلن مسعود حتى الآن عن موقفه، وإن كانت بعض الشائعات تقول بأنه قد يدعم المرشح
محمد غزواني، ومثل ذلك الموقف لن يكون مستبعدا
من الرئيس مسعود والذي أصبحت مواقفه السياسية في السنوات الأخيرة أقرب إلى السلطة.
مضمون المقترح
أن يؤسس الرئيس أحمد
داداه مؤسسة باسمه للتنمية الديمقراطية في موريتانيا مع ضرورة الابتعاد بها عن
التجاذبات السياسية الآنية، وعن الصراعات المعهودة بين المعارضة والموالاة . هذه
المؤسسة عليها أن تهتم بالأمور الفنية للتنمية الديمقراطية، وأن تبتعد قدر الإمكان
عن التخندقات والاصطفافات الآنية.
إننا في موريتانيا
بحاجة إلى شخصيات مرجعية تأخذ مسافة من الجميع ويقدرها الجميع، وللأسف هذه
الشخصيات لم تعد موجودة بسبب الاصطفافات والتجاذبات والتخندقات، حتى العلماء
تخندقوا واصطفوا واليوم أصبح من الصعب جدا أن تجد عالما غير متخندق سياسيا. نحن ـ
كأي مجتمع ـ بحاجة إلى شخصيات دينية
وسياسية واجتماعية مرجعية، لا تحسب على السلطة ولا على المعارضة، وفي المجال
السياسي، فإنه يمكن لأحمد داداه أن يكون شخصية مرجعية في هذا المجال إن هو أطلق مؤسسة
باسمه للتنمية الديمقراطية يبتعد بها عن ثنائية المعارضة والموالاة و تركز على
الجوانب الفنية والتقنية في التنمية الديمقراطية، وتكون بذلك قادرة على لعب دور الوسيط والمسهل في الأوقات التي
تشتد فيها الصراعات والتجاذبات بين اللاعبين السياسيين (الموالاة والمعارضة).
أن يؤسس الرئيس مسعود
ولد بلخير مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية تعنى بالنضال التنموي ضد الاسترقاق
ومخلفاته، وذلك من خلال التركيز على محاربة الجهل والفقر في الأوساط الأكثر تهميشا
. إن أهم دور يمكن أن يلعبه الرئيس مسعود في الفترة القادمة هو أن يقود نضالا
تنمويا ضد مخلفات الرق، كما قاد في الماضي نضالا سياسيا وحقوقيا ضد الرق ومخلفاته.
لم يعد بإمكان الرئيس
مسعود أن يقدم أي شيء في المجال السياسي التقليدي وسيظل حزب التحالف الشعبي
التقدمي في تراجع إلى أن يختفي نهائيا من المشهد السياسي، ولكن في المقابل فإنه
بإمكان الرئيس مسعود أن يدشن مرحلة جديدة من النضال يكون عنوانها الأبرز النضال
التنموي ضد مخلفات الرق.
أختم هذا المقترح
بالقول بأن التمويل لن يطرح مشكلة، فكلا الرجلين يمتلك في الداخل والخارج سمعة
كبيرة ورصيدا معتبرا سيجعل الشركاء الأجانب والفاعلين الوطنيين يسارعون إلى تقديم
التمويلات المطلوبة. كما سيسارع الكثير من الأطر والشباب الموريتاني إلى التطوع
لصالح المؤسستين نظرا لأهميتهما في تنمية المجتمع، ونظرا للمكانة التي يحظى بها
الرئيسين مسعود ولد بلخير و أحمد داداه.
حفظ الله موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق