لقد فرحتُ كغيري من الموريتانيين بعودة الرئيس
مسعود من رحلته الاستشفائية من الإمارات، وبهذه المناسبة السعيدة فإني أتقدم إلى
الرئيس مسعود وإلى كل أفراد العائلة الكريمة وإلى مناضلي حزب التحالف الشعبي
التقدمي وإلى الشعب الموريتاني كافة بأحر التهانئ بهذه المناسبة السعيدة.
لقد فرحتُ كغيري من الموريتانيين بعودة الرئيس مسعود،
ولكني في نفس الوقت لم أرتح لبعض ما جاء في أول تصريح له من بعد عودته، وأعتقد بأن
الكثير من الموريتانيين يشاركني ذلك الانطباع.
من حق الرئيس مسعود، بل ومن واجبه، أن يشكر دولة
الإمارات حكومة وشعبا على ما قدموه له من حسن استقبال، ومن واجب حزب التحالف
الشعبي التقدمي أن يتقدم برسالة شكر إلى الإمارات حكومة وشعبا على ما تفضلوا به من حسن ضيافة
ورعاية لرئيس الحزب، ولا بأس أن يتقدم غيرهم من الموريتانيين بتقديم الشكر على هذه
اللفتة الإنسانية الكريمة. ولكن تقديم كل
ذلك الشكر المستحق لا يجيز للرئيس مسعود أن يخلط بين العاطفة والسياسية وأن يقول
بأن "حزب التحالف سيدعم من تدعم الإمارات وسينبذ من تنبذه". إنه لا يحق
لأي حزب موريتاني أن يربط مواقفه السياسية بموافق حكومة دولة أجنبية حتى وإن كانت
شقيقة، فيؤيد من تؤيده تلك الحكومة، وينبذ ومن تنبذه، ويتأكد الأمر أكثر عندما
يتعلق الأمر بدولة كالإمارات تثير سياساتها الخارجية الكثير من الإشكالات. فبهذا
المنطق الغريب الذي جاء به الرئيس مسعود من الإمارات فإنه سيكون على حزب التحالف
الشعبي التقدمي أن ينبذ دولة قطر وتركيا وحركة حماس وكل من له صلة قريبة أو بعيدة
بحركة الإخوان المسلمين.
جاء أيضا في تصريح الرئيس مسعود بأنه على
الموريتانيين أن يلعنوا الصين والهند وأن يقاطعوهما بسبب مشاركتهما في إبادة مسلمي
الروهينغا. يشكر الرئيس مسعود على هذا الموقف المندد بقوة بمأساة الروهينغا، والتي
لم تجد ما تستحق من التعاطف لا من الشعوب الإسلامية ولا من الحكومات هذا إذا ما
استثنينا الحكومة التركية التي تنبذها الإمارات. يشكر الرئيس مسعود على هذا الموقف
النبيل المتضامن مع شعب الروهينغا، ولكن أن نقطع علاقاتنا مع الصين وأن نلعنها ـ وهي
داعم قوي لموريتانيا منذ الاستقلال حتى اليوم ـ بسبب موقفها الداعم لإبادة
المسلمين في الروهينغا، فإن مثل ذلك يجب أن يسبقه قطع علاقاتنا مع أمريكا ومع كثير
من الدول الأوروبية لمواقفها الداعمة لإبادة المسلمين في أكثر من بلد: فلسطين، أفغانستان، العراق وإلى بقية اللائحة
الطويلة.
هذه الأخطاء السياسية الكبيرة التي ارتكبها
الرئيس مسعود في تصريحه القصير تذكرنا بسلسلة أخرى من الأخطاء الكبيرة ارتكبها هذا
المناضل الكبير في السنوات الأخيرة.
ويبدو أن هذا المناضل الكبير لم يعد لديه من شغل
في السنوات الأخيرة إلا استهلاك ما ادخر من رصيد سياسي ونضالي ثمين جمعه بشق
الأنفس خلال العقود الماضية.
لقد استطاع الرئيس مسعود خلال عقود من النضال
السياسي والحقوقي أن يبني مجدا كبيرا ارتقى به إلى أعلى السلم، سواء تعلق الأمر
بسلم الشريحة أو بالسلم الوطني، فأصبح بذلك هو المناضل الأول على مستوى الشريحة، و
السياسي الأبرز على المستوى الوطني.. هكذا كان حال هذا المناضل، وإلى سنوات قريبة،
ولكن يبدو أن هذا المناضل الكبير قد قرر
ولأسباب لم أستطع فهمها أن يخرب بيديه كل ما راكم من مجد سياسي كبير خلال العقود
الماضية. لقد استهلك المناضل الكبير في السنوات الأخيرة رصيده السياسي الكبير الذي
جمعه خلال عقود من الزمن، حتى أصبح رصيده وحسابه النضالي يقترب الآن من اللون
الأحمر.
الظاهر أن الرئيس مسعود لم يعد قادرا لأن يحقق
انتصارات جديدة على الصعيد السياسي (بالمفهوم الضيق للسياسة)، ولذلك فإنني أذكره
بمقترح سابق كنتُ قد قدمته له منذ ما يزيد على أربع سنوات، أذكره به الآن من بعد
عودته من الإمارات مما يعني بأن فرص تحقيق هذا المقترح قد أصبحت أكبر. وهذا هو نص
المقترح مع تعديلات بسيطة:
"مؤسسة
مسعود للتنمية الاجتماعية"
لا شك أن العقود الأربعة الأخيرة قد شكلت مرحلة
هامة من تاريخ النضال السياسي والحقوقي ضد ظاهرة العبودية. ولا شك أيضا بأن ذلك
النضال كان له رجالاته الذين أبلوا بلاءً حسنا، وقدموا جهدا كبيرا في سبيل القضاء
على هذه الظاهرة المشينة والمعيقة لأي تنمية واستقرار.
ولكن
لا شك أيضا بأن الكل، وأقول الكل، قد قصر كثيرا في "النضال التنموي" ضد
ظاهرة الرق ومخلفاته، وبما في ذلك رموز الشريحة أنفسهم، والذين لا يمكن لأي كان أن
يقلل من تاريخهم المشرف في النضال الحقوقي والسياسي من أجل القضاء على هذه الظاهرة
المشينة.
وإذا
صح القول بأن الماضي وظروفه كانا يفرضان أن تعطى الأولوية للنضال الحقوقي والسياسي
ضد ظاهرة الرق على حساب أوجه النضال الأخرى، فإنه يصح القول أيضا بأن واقع اليوم يفرض
أن تعطى الأولوية للنضال التنموي أكثر من أي نضال آخر.
وهذا
الكلام لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ بأني أدعو إلى تعطيل النضال الحقوقي
والسياسي، بل بالعكس فالنضال الحقوقي والسياسي يجب أن يستمرا لأن القضاء على
الظاهرة ما يزال يحتاج لمثل ذلك النضال.
كل ما
أريد أن أقوله هنا هو أن الوقت قد حان للبدء في نضال تنموي موازي و جاد ضد ظاهرة
العبودية ومخلفاتها، وذلك من خلال محاربة الفقر والجهل في أوساط الشريحة المتضررة
من تلك الظاهرة.
وعلينا
أن نعلم بأنه مهما ناضلنا حقوقيا وسياسيا ضد ظاهرة العبودية، فإن تلك الظاهرة لن
تختفي ما دام الفقر والجهل ينتشران في أوساط الأرقاء والأرقاء السابقين. وعلينا أن
نعلم أيضا بأن النضال التنموي ليس من المهام التي يجب أن تترك للحكومات لوحدها،
تلك الحكومات التي فشلت في الماضي وفي الحاضر في رسم وتنفيذ برامج تنموية بإمكانها
أن تساعد على القضاء الكامل على ظاهرة الاسترقاق ومخلفاته، بل يجب لذلك النضال أن
يمتد، حتى يشارك فيه كل من باستطاعته المشاركة فيه.
وفي
اعتقادي فإن الوقت قد حان للبدء في مرحلة جديدة من النضال التنموي ضد ظاهرة العبودية، وبطبيعة الحال فإن مشعل هذا
النضال التنموي يجب أن يحمله أولئك الذين حملوا المشعل في الماضي، وقادوا مرحلة
النضال السياسي والحقوقي ضد ظاهرة العبودية.
ومن
بين أولئك، بل وعلى رأس أولئك، يمكنني أن أذكر المناضل الكبير مسعود ولد بلخير،
دون أن يعني ذلك التقليل من نضالات الآخرين، والذين أوجه إليهم أيضا هذا المقترح.
لقد
حان الوقت لأن يطلق الرئيس مسعود أو غيره من مؤسسي حركة الحر مؤسسة باسمه للتنمية
الاجتماعية تناضل تنمويا ضد الاسترقاق ومخلفاته، وتشكل بذلك انطلاقة لمرحلة جديدة
من النضال ضد العبودية، وذلك من خلال التركيز على محاربة الفقر والجهل في أوساط
الشريحة.
وأعتقد
بأن الكثير من الموريتانيين سيكونون على استعداد كامل للتطوع في مثل هذه المؤسسة،
أو غيرها، وفيما يخصني فإني على استعداد للتطوع
من خلال إعداد تصور لتلك المؤسسة ولبرامجها التنموية، إذا ما طُلب مني ذلك،
وبالمناسبة فهذا هو مجال اهتمامي الحقيقي الذي يمكنني أن أقدم فيه شيئا مذكورا.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق