أراد الرئيس أن يصوت
ثلثا أعضاء الشيوخ بنعم لصالح التعديلات الدستورية فإذا بما يقترب من الثلثين (33
شيخا) يصوت بلا ضد التعديلات..لو كان رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية قد جاء من
خلال عدم الحصول على النصاب القانوني، أي بعدم تصويت الثلثين بنعم، أو جاء بتصويت
عشرين شيخا على الأكثر بلا لشكل الأمر صدمة قوية، ولكن أن يأتي الرفض من 33 شيخا،
أي ما يقترب من الثلثين، فهذا يعني بأننا أمام صدمة أكثر من قوية.
أراد الرئيس من بين
أمور أخرى أن يضيف خطين أحمرين للعلم الوطني، فكانت البطاقة الحمراء للشيوخ في
المرصاد..بطاقة حمراء أسقطت شريطين أحمرين.
لقد اختار الرئيس
ساحة للمعركة في غير صالحه (تغيير العلم وإلغاء مجلس الشيوخ)، وقد أعطى هذا
الاختيار السيئ لساحة المعركة قوة إضافية لخصومه، وأكسبهم المزيد من الأنصار، إن
هذا الاختيار السيئ لساحة المعركة ليؤكد بأن الرئيس يعيش ارتباكا شديدا.
(3)
يحاول البعض أن يقول
بأن الرئيس قد خطط لهذا السيناريو، وهذا مجرد خيال في خيال. إن ما حصل شكل صدمة كبيرة
للرئيس، وهو أمر لم يكن الرئيس يتوقعه رغم أن مؤشرات حصوله كانت متوقعة للمراقب
الفطن. مشكلة الرئيس أنه مغرور وأنه يمتلك روح مخاطرة قوية، وأن كل مخاطراته
ومغامراته السياسية كانت تنجح باستمرار مما جعله يتمادى في المخاطرة. وقد جرت
العادة بأنه ما في كل مرة تسلم الجرة. المخاطر إما أن يحقق نجاحات كبرى أو خسائر
كبرى، إنه لا يعرف نصف خسارة أو نصف ربح، ولقد حقق الرئيس بمخاطراته نجاحات كبرى
في الماضي، دفعته إلى المزيد من المخاطرة، ولكنه في هذه المرة قد تكبد خسارة
ثقيلة، بل وثقيلة جدا.
(4)
لا أحد يمكنه أن
يتوقع الآن ردة فعل الرئيس، فمجلس الشيوخ سيبقى شوكة في حلق النظام، فهذا المجلس
لا يمكن حله، وإذا ما حاول الرئيس أن يوجه صفعات لهذا المجلس فعليه أن يعلم بأن
المجلس قادر هو أيضا ومن خلال 33 شيخا أن يوجه صفعات قوية للرئيس، ولا أريد هنا أن
أتحدث عن إمكانية توجيه تهمة بالخيانة العظمى.
(5)
هذه المرة لا يمكن
للرئيس أن يقول بأن تصويت الشيوخ لاغ لاغ لاغ، وأنه قد جرى خارج أوقات الدوام
الرسمي كما قال ذات أربعاء عندما تمت إقالته مع قادة عسكريين آخرين من طرف الرئيس
السابق. لقد ظهر الرئيس في تلك الفترة بمظهر الرئيس القوي، وها هو اليوم يظهر
بمظهر الرئيس الضعيف الذي لا يستطيع أن يلزم موالاته بتنفيذ ما يقرر.
(6)
إن ما حدث يوم الجمعة
17 مارس كان بمثابة زلزال سياسي قوي، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بتفاعلاته ..الشيء
المؤكد هو أن هذا التصويت قد أظهر بأن هناك معارضة من داخل موالاة الرئيس، وهي
معارضة لم تكن مألوفة في الأنظمة السابقة، فالشيوخ ورجال الأعمال والفنانون لم
نتعهد معارضتهم في الأنظمة السابقة، ولكن في عهد النظام الحالي فقد اختار بعض
الشيوخ ورجال الأعمال والفنانين أن يصرحوا بمعارضتهم أو على الأقل بخروجهم من
عباءة الموالاة.
(7)
إن رفض الغرفة العليا
للتعديلات الدستورية، وتصويت مجموعة كبيرة من الشيوخ بلا ضد التعديلات
الدستورية لابد وأنه سيذكرنا ـ وبشكل
تلقائي ـ بحراك الغرفة السفلى وبالكتيبة البرلمانية التي قادت حراكا في الأيام والأسابيع
الأخيرة من حكم الرئيس السابق.
إن التشابه بين العهدين لا يتوقف عند هذا الجانب فقط، فهناك تشابه في تفاصيل أخرى كغياب المحكمة السامية في الحالتين، وكالانسداد السياسي الذي حصل في نهاية عهد الرئيس السابق، والذي نعيش اليوم حالة منه أشد خطورة. ويبقى أن أشير بأن الرئيس السابق كان قد تعهد بحل البرلمان فتراجع عن ذلك التعهد. أما الرئيس الحالي فقد تعهد بحل مجلس الشيوخ ويبدو أنه سيتراجع مكرها عن ذلك.
إن التشابه بين العهدين لا يتوقف عند هذا الجانب فقط، فهناك تشابه في تفاصيل أخرى كغياب المحكمة السامية في الحالتين، وكالانسداد السياسي الذي حصل في نهاية عهد الرئيس السابق، والذي نعيش اليوم حالة منه أشد خطورة. ويبقى أن أشير بأن الرئيس السابق كان قد تعهد بحل البرلمان فتراجع عن ذلك التعهد. أما الرئيس الحالي فقد تعهد بحل مجلس الشيوخ ويبدو أنه سيتراجع مكرها عن ذلك.
(8)
أوضح تصويت الشيوخ
بلا على التعديلات الدستورية بأن موالاة الرئيس قد بدأت تتآكل من الداخل، أو بدأت
تتصدع، أو بدأت تحتضر، ولكم أن تختاروا العبارة التي ترونها مناسبة. ومهما تكن
العبارة التي ستختارون فإن الشيء المؤكد هو أن النظام القائم لا توجد به شخصية
توافقية يمكن الاستعانة بها لإطفاء الحرائق السياسية التي قد تشتعل هنا أو هناك،
بل على العكس من ذلك فإن النظام القائم يتكون بالأساس من شخصيات صدامية، ذات خبرة
عالية في خلق الأزمات، وفي إشعال الحرائق، ولا تمتلك القدرة، ولا الرغبة، ولا
المؤهلات الكافية لإطفاء الحرائق، ولا في
خلق جو تصالحي حتى في الدائرة الضيقة لما يسمونه بالأغلبية الداعمة للرئيس.
(9)
لقد كثرت الأخطاء
السياسية للرئيس منذ بداية مأموريته الثانية، على العكس مما حصل في مأموريته
الأولى، وفي اعتقادي بأن السبب في ذلك هو
أن الرئيس يعلم بأنه لا يستطيع البقاء في السلطة بعد العام 2019، كما أنه لم يقتنع
حتى الآن بضرورة الخروج منها، ولذلك فإن كل قراراته السياسية كانت مرتبكة وتعكس
هذا الارتباك الحاصل في تفكيره، فكل قراراته السياسية في الفترة الأخيرة لم تحسم
هذا التناقض الحاصل في تفكيره، فلو أنه قرر بشكل كامل الخروج من السلطة في العام
2019 لاتخذ قرارات تمهد لذلك، وتؤسس لعهد من المصالحة والتصالح مع خصومه السياسيين
وهو الشيء الذي لم يحصل حتى الآن، ولو أنه أيضا قرر البقاء في السلطة لما كان
بحاجة أصلا إلى الدعوة للحوار مع خصومه السياسيين. هذا التناقض الحاصل في تفكير
الرئيس هو الذي أربك المشهد السياسي، وهو الذي جعل الرئيس يتقدم بخطوة إلى الحوار
والمصالحة، ليتراجع من بعد ذلك بخطوتين إلى الوراء.
(10)
إن المخرج الوحيد
المتاح الآن أمام الرئيس هو أن يقرر بشكل حاسم بأنه سيخرج نهائيا من السلطة في
العام 2019، وأن يعتبر ما تبقى من مأموريته الثانية هو مجرد فترة انتقالية من حق
الجميع وخاصة المنتدى أن يشارك في تسييرها بما يضمن التناوب الآمن على السلطة في
العام 2019. على الرئيس أن يعلم بأن زمن تحقيق المكاسب السياسية قد ولى، وبأن زمن
تكبد الخسائر السياسية قد أظله، وبأن أقصى ما يمكن فعله الآن هو التقليل من حجم
الخسائر، ولن يكون ذلك إلا من خلال الدخول الفوري في حوار جدي وحقيقي وشامل يشارك
فيه الجميع، ويهيئ لانتقال سلمي في السلطة في العام 2019 .
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق