لو أن التعديلات الدستورية كانت ستُطعم المواطن
من جوع، أو ستزيد من القوة الشرائية لديه لكان من واجب هذا المواطن أن يدعو لهذه
التعديلات الدستورية، وأن يقبل بإضافة خطين أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستُؤمن المواطن من خوف، وستضع حدا لهذا
الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد لكان من واجب هذا المواطن أن يدعو لهذه التعديلات
الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستخفض من نسبة البطالة التي وصلت إلى
مستويات غير مسبوقة، ولو أنها كانت ستوظف الشباب العاطل عن العمل، أو ستخلق مشاريع
مدرة للدخل لكان من واجب المواطن أن يدعو لهذه التعديلات الدستورية وأن يقبل
بإضافة خطين أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستشفي مريضا واحدا في هذه البلاد، أو كانت ستحد
من تزوير الدواء، أو كانت ستحسن من الخدمات الصحية في أي نقطة صحية في هذه البلاد،
لكان من واجب المواطن أن يدعو لهذه التعديلات الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين
أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستوفر للمتعاونين رواتبهم، أو كانت ستسدد للأساتذة والمعلمين العلاوات المتأخرة، أو كانت
ستعوض نقص المعلمين والأساتذة في المدارس والثانويات، أو كانت ستزيد من نسب النجاح
في مدارسنا، أو كانت ستحسن من أداء التعليم، لكان من واجب هذا المواطن أن يدعو
لهذه التعديلات الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستخفف من حجم الديون الخارجية، أو ستنعش
الاقتصاد الوطني، أو ستوقف انخفاض الأوقية أو ستحد تسريح العمال، أو كانت ستحسن من موقع
موريتانيا في سلم المؤشرات التنموية فتقفز بالبلاد من الدرك الأسفل في لائحة الدول
الأكثر فسادا، والدول الأكثر أمية، والدول الأكثر فقرا، والدول الأقل جودة في
التعليم فتجعلها في مكان أعلى نسبيا مع دول الجوار، لو كانت التعديلات الدستورية ستحقق شيئا من ذلك
لكان من واجب المواطن أن يدعو لهذه التعديلات الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين
أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستسقي مدينة أو قرية واحدة من هذه البلاد
العطشى من شرقها إلى غربها، من شمالها إلى جنوبها، أو أنها كانت ستحول عاصمتنا إلى
مدينة نظيفة، أو أنها كانت ستوقف عنها الانقطاعات المتكررة للكهرباء، لكان من واجب
هذا المواطن أن يدعو لهذه التعديلات الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين أحمرين على
علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستخفض الأسعار، وخاصة منها أسعار المحروقات
التي تم تخفيضها في كل دول الجوار لكان من واجب المواطن أن يدعو لهذه التعديلات
الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين أحمرين على علمه الوطني.
لو أن التعديلات الدستورية كانت ستحل الأزمة السياسية المستفحلة، أو كانت
ستعزز من لحمة وتماسك هذا المجتمع الذي يزداد تفككا يوما بعد يوم، لكان من واجب
هذا المواطن أن يدعو لهذه التعديلات الدستورية وأن يقبل بإضافة خطين أحمرين على
علمه الوطني.
المشكلة الكبرى هي أن هذه
التعديلات الدستورية ستزيد من استفحال الأزمة السياسية، وستزيد من انقسام المجتمع
ومن تشظيه، وربما نستيقظ غدا على دولة بعلمين وبنشيدين وطنيين. أليس من الراجح إن
استمرت السلطة في تعديلاتها الدستورية أن تتمسك طائفة من الشعب الموريتاني بعلمها
الجديد الذي أقرته التعديلات الدستورية، وأن تتمسك طائفة أخرى بالعلم الأصلي، وذلك
لأنها ليست معنية بهذا الاستفتاء الذي تم تنظمه في جو غير توافقي أفرزه حوار غابت
عنه تقريبا كل أحزاب المعارضة.
إن هذا الاستفتاء الذي
يُراد له أن يمس بعض رموز الوطن وثوابته (العلم الوطني) سيتم تنظيمه في أجواء غير
توافقية وفي ظل مقاطعة جزء كبير من الشعب الموريتاني، ليس هذا فقط، بل إنه
بالإضافة إلى ذلك سيعرض على مجلس شيوخ قد انتهت صلاحياته، وبكل فئاته، وعلى جمعية
وطنية أفرزتها انتخابات قاطعتها أحزاب وازنة، هذا إن تم إقرار هذه التعديلات من
خلال مؤتمر برلماني، أما إن تم عرضها على استفتاء شعبي، فستكون المشكلة هنا هي أن
الانتخابات ستشرف عليه لجنة مستقلة للانتخابات منتهية الصلاحية هي أيضا.
إلى الآن لست مقتنعا بان
السلطة ستستمر في هذه المهزلة، وحتى وإن استمرت فيها فاحتمالات الفشل ستبقى واردة
سواء تم عرض التعديلات الدستورية على مؤتمر برلماني أو على استفتاء شعبي. لستُ
مقتنعا بأن السلطة جادة في هذا المسار، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإنه يبقى من
الواجب على كل رافضي التعديلات الدستورية أن يتحركوا ومن الآن، وأن يعبروا ـ وبشكل
قوي ـ عن رفضهم لهذا المسار الأحادي، وحبذا لو بدأ التعبير عن ذلك الرفض من يوم
الأربعاء القادم، وفي وقت متزامن مع افتتاح الدورة البرلمانية الطارئة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق