يتحدث
البعض عن ازدواجية معايير وعن كيل بمكيالين، بل وعن عنصرية واضحة، يمارسها حراك
النصرة مع المسيئين، ويحتج هؤلاء بالقول بأن أنشطة الحراك الاحتجاجية كانت مخصصة
كلها للمطالبة بإعدام كاتب المقال المسيء مع تجاهل غيره من المسيئين، وذلك على
الرغم من أن المسيئين كان يجب أن ينظر إليهم على أنهم ملة واحدة. ليس هذا فقط، بل
يتحدث هؤلاء عن أمر أخطر من ذلك، فيتحدثون عن فتاوى لعلماء تميز بين المسيئين حسب
أنسابهم، وحسب انتماءاتهم الأسرية.
أنسابهم، وحسب انتماءاتهم الأسرية.
إن
هذا النقاش الدائر حاليا ليفرض علينا أن نطرح السؤال الشائك: هل هناك بالفعل
ازدواجية في المعايير، وهل هناك كيل بمكيالين يمارسه حراك النصرة في تعامله مع
المسيئين؟
إن
الإجابة على هذا السؤال الشائك ستقودنا إلى الحديث عن أمور أخرى يتم فيها الكيل
بمكيالين، ومع ذلك فإنها لا تجد من يتحدث عنها.
بدءا
لابد من القول بإنه من الطبيعي جدا أن تتحول حالة ما دون غيرها من الحالات
المماثلة إلى شرارة وإلى عنوان رئيسي في حراك معين، والأمثلة على ذلك عديدة، فهناك
مثلا حالة اغتصاب شكلت دون غيرها من حالات الاغتصاب شرارة لاحتجاجات واسعة في
الهند، وهناك حالة انتحار شكلت دون غيرها من حالات الانتحار شرارة لثورة في تونس
بل ولثورات في دول عربية عديدة. بهذا المنطق يمكن أن نقول بأن المقال المسيء شكل هو
أيضا حالة من هذا القبيل، خاصة وأنه جاء في فترة كثرت فيها الإساءات، وظهر فيها ما
يمكن اعتباره موجة إلحاد ضاق بها ذرعا هذا المجتمع المسلم، والذي ظل ينتظر قدوم
اللحظة المناسبة للتعبير عن ضيقه وغضبه من هذه الإساءات المتكررة ومن هذه الموجة
الإلحادية المتنامية.
جاء
المقال المسيء في "اللحظة المناسبة"، وفي توقيت وصل فيه الغضب المجتمعي
إلى الذروة، وفضلا عن ذلك فقد اجتمعت في كاتب المقال المسيء أربعة أمور لم تجتمع في غيره من المسيئين، ولذلك
فلم يكن غريبا أن يشكل هذا المقال شرارة وعنوانا رئيسيا في احتجاج قوي ضد الإساءة
والإلحاد.
إن
هذه الأمور الأربعة التي اجتمعت في كاتب المقال المسيء دون غيره، والتي جعلت منه عنوانا
رئيسا للاحتجاجات ضد الإلحاد والإساءة هي:
1ـ أنه وقع مقاله باسمه الشخصي وليس باسم مستعار
2 ـ أنه
نشر مقاله في مواقع إخبارية ولم يكتف بنشره في صفحته الشخصية
3 ـ أنه كتب ما كتب وهو داخل موريتانيا وليس خارجها
4 ـ أن إساءته كانت واضحة وصريحة ولا تحتمل أي
تأويل.
إلى
هنا يمكن القول بأن هذه الأمور الأربعة هي التي جعلت كاتب المقال المسيء يشكل دون غيره
من المسيئين عنوانا للاحتجاجات الشعبية ضد الإساءة والإلحاد، وهي الاحتجاجات التي
ستحمل فيما بعد اسم حراك النصرة.
بالطبع
يمكن لأي شخص أن يضيف أمرا خامسا يتعلق بالمكانة الاجتماعية لكاتب المقال المسيء،
وبأن انتماء كاتب المقال المسيء لشريحة مستضعفة قد ساهم هو أيضا في أن يجعل منه
عنوانا لحراك جماهيري واسع ضد الإساءة والإلحاد. بل أكثر من ذلك فإنه يمكن لأي شخص
أن يلغي كل هذه الأمور الأربعة، وأن يقول بأن الانتماء الاجتماعي لكاتب المقال
المسيء هو وحده الذي جعل هذا الملف يحتل الصدارة ويشكل العنوان الأبرز في حراك
النصرة.
إن
النقاش في هذا الموضوع لن يتوقف، ولذلك فإنه قد يكون من المهم جدا لحراك النصرة أن
ينظم أنشطة خاصة للتنديد بإساءة بقية المسيئين الموجودين في الخارج، وللمطالبة
بالتحقيق مع المسيئين في الداخل، وإحالة ملفاتهم للقضاء، وقد تكون فترة الاستراحة
الحالية هي الأنسب للمطالبة بفتح ملفات إساءة أخرى.
ومن
الراجح بأن أولئك الذين يتحدثون اليوم عن تمييز سلبي يقوم به حراك النصرة ضد كاتب
المقال المسيء، من الراجح بأنهم سيغيبون تماما عن أي احتجاج يتم تنظيمه ضد بقية
المسيئين، وذلك لأنهم لم يقتنعوا أصلا بهذه الاحتجاجات ضد الإساءة والمسيئين، وما
اتهامهم لحراك النصرة بالكيل بمكيالين إلا حجة يدفعون بها لتبرير عدم مشاركتهم في
أي احتجاج يتم تنظيمه ضد الإساءة والإلحاد. إنهم لم يقتنعوا بالاحتجاجات ضد
الإساءة، ولذلك فإن بعضهم ما يزال يرفض أن يسمي كاتب المقال المسيء بالمسيء، وإنما
يسمي هذا الكاتب بعائلته، وفي ذلك ظلم كبير لهذه العائلة التي كانت قد تبرأت ـ
ومنذ اللحظات الأولى ـ من المسيء ومن
إساءته. إن الذين يتهمون حراك النصرة بظلم
عائلة أو شريحة معينة، هم الذين يظلمون تلك العائلة بإدراج اسمها في ملف كانت هي
أول من تبرأ منه، إنهم يدرجون اسم العائلة في هذا الملف تفاديا لوصف صاحب الملف
بالمسيء.
الغريب
في الأمر أن الذين اتهموا حراك النصرة بالكيل بمكيالين وبالعنصرية في تعامله مع
المسيئين، لم ينطقوا بكلمة واحدة في ملف آخر تعامل فيه حراك النصرة بازدواجية
واضحة لا لبس فيها.
لقد
كان الأستاذ "محمدن ولد شدو" هو أول من تولى الدفاع عن كاتب المقال
المسيء فتعرض بسبب ذلك لهجمة شرسة من المنتفضين ضد الإساءة الشيء الذي جعله ينسحب
من الملف، ومن بعد انسحابه تقدم الأستاذان "محمد ولد أمين" وفاتيمتا
أمباي" للدفاع عن كاتب المقال المسيء، فتعرض الأول لهجمة شرسة من حراك النصرة،
بينما تم تجاهل الأستاذة "فاتيمتا أمباي" بشكل كامل، وذلك على الرغم من
كونها كانت أكثر صلة بالملف. فلماذا تم تجاهل الأستاذة "فاتيمتا أمباي"؟
ولماذا لم تتعرض لأي حملة كتلك التي تعرض لها الأستاذان: "ولد شدو" و
"ولد أمين"؟
فهل السبب
يعود لكونها "مواطنة قاصرة" أو "مسلمة قاصرة"؟
ولماذا
لم يندد " مناهضو التمييز في ملف
الإساءة " بهذا التمييز الواضح والبين، وبهذا الكيل بمكيالين الذي تمت
ممارسته ضد "المحامين
المسيئين"؟
دعونا
نفترض بأن العكس هو الذي كان قد حصل، أي أن جمهور النصرة خص الأستاذة
"فاتيمتا أمباي" بالتهجم، وتجاهل الأستاذ "محمد ولد أمين"، لو
أن مثل ذلك حصل لقامت قيامة " مناهضو التمييز في ملف الإساءة" ولامتلأت صفحاتهم في مواقع
التواصل الاجتماعي بالتنديد بعنصرية حراك النصرة وبازدواجيته في التعامل مع
"المحامين المسيئين".
إن من
الكيل بمكيالين أن يتجاهل حراك النصرة دفاع الأستاذة "فاتيمتا أمباي" عن
كاتب المقال المسيء، وإن من الكيل بمكيالين أن يتجاهل " مناهضو التمييز في ملف الإساءة " هذا التمييز الواضح
والبين في تعامل حراك النصرة مع ملف "المحامين المسيئين". فلماذا ندد "مناهضو
التمييز في ملف الإساءة" عند التمييز
بين "المسيئين" ولم ينددوا عند التمييز بين المحامين في دفاعهم عن
المسيء؟
إن
تعاملنا مع مواطن ما بأنه مواطن قاصر أو مسلم قاصر يجب التساهل مع أخطائه، وذلك في
والوقت الذي نقسو فيه مع أخطاء مواطن آخر،
إن مثل ذلك ليعد من الكيل بمكيالين، وإن السكوت عن ذلك ليعد هو أيضا من الكيل
بمكيالين.
إن
هناك عنصرية خفية نمارسها علينا أن نتوقف عن ممارستها، ويتأكد الأمر بالنسبة
لأولئك الذي يدعون بأنهم يناضلون ضد العنصرية، وربما تكون هناك عودة لهذا الموضوع
للحديث عن حالات أوضح من ممارسة "العنصرية الخفية" في المجالين الحقوقي
والسياسي، وهي ممارسات يقوم بها أولئك الذين يرفعون شعارات براقة ضد ممارسة
العنصرية في هذه البلاد.
اللهم
لا تجعلنا ممن يمارس العنصرية الظاهرة أو الباطنة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق