لقد قُدِّر لكل مواد الدستور الموريتاني أن
تولد وهي ميتة، ولقد قدر لها جميعا أن تذل وتهان من بعد موتها، ولكن، ورغم ذلك،
فإنه يمكننا القول بأن ما تعرضت له جثة المادة السادسة من إذلال وإهانة، لا يمكن
مقارنته بما تعرضت له جثث بقية المواد الأخرى.
إن جثة المادة السادسة من الدستور الموريتاني
تهان في كل يوم تطلع شمسه.. تهان في المكاتب والإدارات، وفي التقارير والمراسلات،
تهان عند عمليات الاكتتاب والتوظيف، تهان في خطابات المسؤولين، تهان في فواتير
المياه والكهرباء، تهان في الوصفات الطبية، تهان في لوائح الحجاج، وتهان حتى في
الدعوات المرسلة للاحتفال بيوم اللغة العربية، فقد كتبت هذه الدعوات في إحدى
السنوات بلغة فرنسية، ودون أن تتم ترجمتها إلى اللغة العربية!! وبالمناسبة فإننا
في هذا البلد نخصص أسبوعا كاملا للفرانكفونية، ويوما واحدا من السنة كيوم للغة
العربية.
لقد حان الوقت لأن نظهر شيئا من الشجاعة، أو
شيئا من الوقاحة، إذا شئتم، فنعلن رسميا عن وفاة المادة السادسة من الدستور
الموريتاني، وأن ننظم لهذه المادة جنازة تليق بمقامها، وأن نحدد لها قبرا نلتزم
بأن نزوره يوما من كل عام للترحم على روحها، وليكن ذلك اليوم هو يوم 18 من ديسمبر
(اليوم العالمي للغة العربية).
لقد حان
الوقت لأن نظهر شيئا من الشجاعة، أو شيئا من الوقاحة، إذا شئتم، فننظم المبادرات التي تطالب بإجراء استفتاء لتعديل بعض
مواد الدستور، لا أقصد هنا المادة
المتعلقة بعدد المأموريات الرئاسية، وإنما أتحدث عن جثة المادة السادسة من الدستور
الموريتاني التي تقول بأن: "اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسنونكية
والولفية واللغة الرسمية هي العربية". علينا أن نبدل هذه المادة بمادة تتناسب
مع واقعنا، وتقول " اللغات الوطنية هي الفرنسية والفرنسية والفرنسية
والفرنسية، واللغة الرسمية هي الفرنسية".
أليست هذه
الصياغة المقترحة للمادة السادسة من الدستور الموريتاني هي ما يتناسب فعلا مع تصرف
الوزير الأول الذي قالت عنه بعض المواقع، وعلى لسان شاهد عيان، بأنه تشنج وضرب
الطاولة غاضبا عندما قدم له وزير الداخلية تقريرا باللغة العربية، وبأنه قال :
" نحن هنا نعمل باللغة الفرنسية لا باللغة العربية". لم يقل الوزير
الأول، إن صح هذا القول المنسوب له، إلا الحقيقة بعينها، فنحن هنا نعمل باللغة
الفرنسية لا باللغة العربية، ولذلك فإنه علينا أن نعدل المادة السادسة من الدستور
الموريتاني لتتناسب مع هذه الحقيقة المرة التي عبر عنها الوزير الأول صراحة، إن صح
الخبر المنسوب إليه، وإن لم يكن الخبر صحيحا فإنه على الوزارة الأولى أن تصدر، اليوم
لا غدا، بيانا يفند صحة ما نسب إلى الوزير الأول من إساءة للغة العربية، ومن إهانة
للدستور الموريتاني.
ولعلكم
تذكرون، أنه في عام مضى، وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة أجنبية (اللغة
العربية) تجرأ وزير أول وأهان اللغة الرسمية للبلاد (اللغة الفرنسية) أمام جمع من
الوزراء والصحفيين فقامت قيامة البعض، وتظاهر الكثيرون، وكادت الأمور أن تخرج عن
السيطرة في جامعة نواكشوط.
أما أن تهان
اللغة العربية، ومن طرف وزير أول، فإن الأمر لا يستحق أية ردة فعل، ولا تسألونني
من فضلكم عن عشرات الآلاف الذين يحملون شهادات عربية، فأولئك في عداد الأموات، ولا
يختلف حالهم عن حال اللغة العربية في هذا البلد.
أعلم أن
البعض منكم سيعترض على هذا الكلام، وسيقول بأن اللغة الفرنسية هي لغة عالمية ولا
تستحق أن نعاديها، ولهؤلاء أقول بأن مكانة اللغة الفرنسية في تراجع على المستوى العالمي، وأقول لهم أيضا
بأني لا أعادي اللغة الفرنسية، بل إني أتمنى لها أن تعيش معززة مكرمة، ولكن على
الأراضي الفرنسية، لا على الأراضي الموريتانية.
وأعلم أيضا
بأن البعض الآخر منكم سيقول بأن هذه اللغة قد أصبحت لغة تواصل بين شرائح ومكونات
هذا المجتمع، وهذا قول غير صحيح، فنحن مجتمع تنتشر فيه الأمية، أما القلة المتعلمة
منه فإنها لا تتواصل كلها باللغة الفرنسية.
إنه علينا أن
نعلم بأن بلدا ضعيفا كبلدنا لابد وأنه سيجد صعوبة كبيرة في التعزيز من مكانة لغته
الرسمية إلى جانب ثلاث لغات وطنية، فالتعزيز من مكانة أربع لغات هي عملية في غاية
الصعوبة والتعقيد، وتحتاج إلى الكثير من الجهد والإمكانيات، فكيف سيكون الأمر إذا
ما أضفنا إلى تلك اللغات الأربع لغة خامسة وهي اللغة الفرنسية.
إنه علينا أن
نعلم بأن أي اهتمام زائد باللغة الفرنسية سيكون حتما على حساب إحدى لغاتنا الوطنية
(العربية أو السنونكية، أو البولارية، أو الولفية)، ولذلك فإنه علينا أن نخفض شيئا
فشيئا، وبتدرج، من اهتمامنا باللغة الفرنسية، وأن نعزز شيئا فشيئا، وبتدرج، من
مكانة لغتنا الرسمية، ومن مكانة لغاتنا الوطنية، والتي تستحق هي بدورها بأن تكون
لغات رسمية.
أما أن نطالب
بتعزيز مكانة لغاتنا الوطنية، وأن نتمسك باللغة الفرنسية كلغة مهيمنة فإن ذلك لعبث
ما بعد عبث.
لقد حان
الوقت لأن نحدد ما نريد، فهل نريد حقا أن نعزز من مكانة لغاتنا الوطنية (العربية،
البولارية، الولفية، السنونكية) أم أننا نريد أن تظل اللغة الفرنسية هي اللغة
المهيمنة في هذه البلاد، حتى ولو كان ذلك على حساب لغاتنا الوطنية الأربع؟
عاشت اللغة
العربية..
عاشت
البولارية..
عاشت
السنونكية..
عاشت
الولفية..
ولتسقط اللغة
الفرنسية، وإذا كان لابد لها من العيش، فلتعش معززة مكرمة، ولكن في فرنسا لا في
موريتانيا.. .
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق